أقلام حرة

الخلافة والخرافة!!

لا بد من المواجهة الصريحة والجريئة بين الواقع والمتخيل من الموضوعات الفاعلة في مسيرة الأمة، فهل توجد دولة خلافة؟

بمعنى دولة ذات نظام حكم واضح وملتزم بضوابط وأحكام راسخة متواصلة ومعاصرة لزمانها.

الوقائع تشير إلى أن كلمة (خليفة) تعني الفردية، والتجبر والإستبداد، وربما الملك والإمبراطور والحاكم المطلق الصلاحيات، وهي وشاح لتبرير ما يقوم به الجالس على الكرسي، فما وجدنا في مسيرة الحكم من أولها لآخرها نظام حكم مقرون بها، فكلها تسير على إيقاع إذا تغير السلطان تغير الزمان.

فلا وجود لها كما نتوهم، بل يوجد خليفة يحكم كما يرى، لا وفقا لدستور أو قوانين مستمدة من منابع جوهرية بينة، والحقيقة أن الذين يحكمون هم الفقهاء، والخليفة غطاء!!

وقد عانت الأمة من الحكم الفردي ومن فتاوى الفقهاء المتاجرين بالدين، الذين يشترون الدنيا بالدين.

والعرب والمسلمون تعودوا على وجود خليفة تتبعه وتأتمر به المجتمعات التي تدين بالإسلام،  وتواصل الحال منذ نهاية دولة المدينة وحتى سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، أي في الربع الأول من القرن العشرين.

وعاش العرب والمسلمون على مدى قرن يبحثون عن خليفة، فكان مشحونا بالإضطرابات وبظهور الحركات والأحزاب، التي تنادي بالخلافة كل على منهجه ورؤيته، ونشأت  تعصبات وطائفيات ومذهبيات قاسية التفاعلات.

وبعد سقوط الدولة العثمانية نشأت (68) ثمان وستون دولة تسمي نفسها إسلامية، وهي في حالات من التقارب والتباعد والإحتراب، وتحقق توظيف الفروقات المذهبية والتأويلات الجماعاتية وتحويلها إلى أدوات للتصارع الدامي.

فالدول المتمخضة عن الحرب العالمية الأولى، لم تتوصل لصيغة تفاعلية ذات تأثير وحضور في واقع العرب والمسلمين، مما أتاح للحركات المتطرفة أن تتكون وبسرعة وبدوغماتية مرعبة، وجميعها تشترك في سعيها لدولة الخلافة، وفقا لرؤيتها، وكل نظام حكم متأدين على ذات السبيل.

ويبدو أن المجتمعات المسلمة والعربية تعيش في محنة فراغية وتعطيلية، وكأنها الصدمة التي تتسبب بإطلاق الأوهام والتصورات السلبية، فقالت بأن الإسلام هو الحل، والتأخر سببه عدم وجود الدولة الأثيرية التي يتغنون بها، ويرون أنهم كانوا قادة الدنيا وقبلتها بسببها.

وهذا ما يذهب إليه معظم الناس لقلة المعرفة، ولتأثير خطابات لتجار الدين، الذين يسعون إلى تعطيل العقل وتدمير الوجود الحضاري، وتحويل الناس إلى قطيع يأخذونه إلى حيث تتطلب تجارتهم.

بينما الحقيقة الساطعة أن سبب التأخر هو إهمال العلم والبحث العلمي، والإمعان بالتجهيل والتضليل وفقدان قيمة العمل، وتدمير التعليم وإخضاعه لمناهج التجارات التي تحسب البشر أرقاما، وتصادر قيمة الإنسان وتدفعه للموت لينال الحياة الأخرى.

والحل يكون بتأسيس أنظمة دستورية فاعلة ومؤثرة، ذات ضوابط وآليات عملية وعلمية، والإهتمام بالعلم والتعليم والعمل الجاد المجتهد، وإعلاء قيمة الإنسان وأهميته ودوره في صناعة الحياة الأفضل، وهي من الأساسيات اللازمة للخروج من قبضة الوهم المدمر، والتحول إلى طاقة إيجابية مشاركة في بناء الحاضر الزاهر والمستقبل الباهر!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم