أقلام حرة

خليجي 25 ولم الشمل العربي!

تحظى بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم، التي تقام في مدينة البصرة العراقية، بإشادة واسعة، في الوقت الذي خطف حفل افتتاحها مساء الجمعة، أنظار المتابعين العرب وحول العالم، ورأى مراقبون أنها تعزز الهوية الخليجية والعراق عند الجمهور .

وحرصت الجماهير العراقية خلال الأيام الماضية، على التعبير عن سعادة كبيرة باستضافة البطولة بمدينة البصرة وتأكيد العلاقات الأخوية الوثيقة التي تربط بين شعوب المنطقة، في حين اختلطت الاحتفالات بين مختلف الجماهير الحاضرة، في مشاهد تبرز الهدف النبيل من هذا التجمّع الخليجي .

البصرة أول مدينة بناها العرب المسلمون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب عام 14 للهجرة، على يد القائد العربي عتبة بن غزوان، لتسجل كأولى المدن العربية تأسيساً ونشأة مع توأمها الكوفة بوسط العراق، وكانت البصرة منطلقاً للعرب في فتوحاتهم نحو الشرق، حيث جابت جيوشهم أرجاء العالم إلى أن وصلت حدود الصين .

تثير بطولة "خليجي-25" التي تستضيفها محافظة البصرة جنوب العراق الشهر المقبل من السادس وحتى الـ 19 من يناير المقبل، كثيراً من الجدل في البلاد بين مؤيد لها ومعارض لإقامتها، بخاصة أنها قد تجرى في ظروف صعبة وقت تسيطر عليها أحداث سياسية أثرت على الاجواء في العراق وإنه من غير الممكن أقامت هكذا حدث وهو استحقاق للعراق مما يدفع البعض من اعتبارها محاولة لإظهار أن البلاد باتت مستقرة نتيجة لما هو واقع حال .

إذا كانت السياسة أسقطت كل سلبياتها وسَوْءاتها على المشهد الرياضي العراقي، طوال أربعة عقود من الزمن، فإنها هي ذاتها السياسة يمكن أن تفتح الأبواب الموصدة من جديد .

وبشهادة الجميع تقريباً، أثبتت الصورة جلياً لـ بطولة خليجي 25 في مدينة البصرة العراقية، ابتداءً من السادس من كانون الثاني/ يناير الجاري، نجاحاً مبهراً ومتميزاً، ربما لم يسبق له مثيل خاصة بعد ما مر به العراق من ظروف قاسية، منذ انطلاق هذه البطولة في عام 1970 من البحرين، حتى نسختها الـ 24 في دولة قطر عام 2019 .

بدا واضحاً أن العراق، عبرت مختلف مؤسساته الحكومية وغير الحكومية المعنية بملف تنظيم البطولة وإنجاحها، يخوض غمار تحدٍّ كبير جداً، لا يحتمل في أي حال من الاحوال أن ينتهي بالفشل والإخفاق، ولا سيما أن استضافة العراق للبطولة انطلق قبل أكثر من عشرة أعوام، حين كان مقرَّراً أن يستضيف البطولة في نسختها الـ 21، بيد أنه الظروف حالت دون ذلك، لأسباب فنية، لم يتحقق ذلك، وتكرّر الأمر مع البطولات اللاحقة الـ 22 والـ 23 والـ 24.

إن الذي بدأ في السادس من يناير/ كانون الثاني الجاري والذي اختتم الخميس -يأتي ضمن مساعي العراق لطي صفحة عقود من العنف وعدم الاستقرار والعزلة .

إن خليجي 25 فرصة ثمينة يمكن أن تساعد في تعزيز العلاقات بين العراق وبقية دول الخليج، مضيفا أن استضافة البطولة تمثل علامة على التعافي بعد السنوات العجاف والاضطرابات السياسية على الرغم من وجود منغصات من هنا وهناك وهذا شيء طبيعي في كل الأمور.

إن استضافة البطولة - التي تقام كل عامين وتشارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى اليمن والعراق - شكلت أول فرصة للعديد من مواطني الخليج لزيارة العراق والتعرف على الثقافة العراقية وكرم أهله وطيبه .

وإن الكرم العراقي اللافت لنظر الجميع هو ليس شيء مفتعل من أجل المباهاة والغرور .. لا وإنما هذا شيء قد تربى عليه العراق منذ ان نشأت حضارته وأنه صفة يلازم كل بيت عراقي فما بالك كرم البيت العراقي الكبير وهو الوطن وعراقته وأصوله وطيب جذوره .

إذ أن البطولة مثلت فرصة نادرة لسكان العراق لمشاهدة حدث كروي دولي في بلادهم، والأهم من ذلك التعبير عن اعتزازهم بوطنهم وسعادتهم بما يمثله الحدث الرياضي من تضامن عربي دولي إقليمي بمثابة لم شمل الأوطان بوطن الحضارة الأولى في التأريخ حضارة وادي الرافدين ليكون بلد واحد ويد واحدة وقلب واحد .

أن مظاهر الكرم العراقي اللافت والذي ترجمه الاحتفاء الشعبي أشقائنا وإخواننا من كل دول خليج ماهو إلا إصرار على إعطاء العالم صورة عن الأخوة بين الأوطان كوطن واحد الذي تدفقوا عليه لحضور هذا الحدث الرياضي بدوره فتح العراق أبوابه وبيوته لأهلنا وأحبتنا

وإخواننا من دول الخليج ولأي مواطن عربي شريف وغيور

فتح العراق أذرعه وهو يوفر تسهيلات جمة لدخولهم البلاد من دون تأشيرة، على هامش بطولة كأس الخليج العربي ٢٥، المقامة حاليا في محافظة البصرة (جنوبي العراق)، في مشهد عكس عمق الروابط عززته إرادة الحكومة العراقية بتمديد جميع التسهيلات لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي حتى بعد انتهاء البطولة.

و ينتهج العراق خطوة وخطا ًجديداً بالتقرب من المحيط العربي مستفيدا من هذا المحفل الرياضي مناسبة اجتماعية كبرى، ففي حفل أقيم للوفود الخليجية - السبت الماضي - وصفت فيه البطولة بأنها تحولت إلى عرسٍ عربي، ولقاءٍ أخوي على أرض العراق، بما هو أكبر من مجرد مناسبة رياضية .

وأن التسهيلات التي رافقت البطولة على الحدود ستستمر إلى ما بعدها، وأن العراقيين يرحبون بـ أشقائهم من دول الخليج ومن جميع الاوطان حين تؤازر هذه الجموع بلد اخوي لهم .

الحضن العربي

وإلى هذا النحو إن الجميع أدركوا ضرورة الاقتراب من الحضن العربي، الذي لا بديل عنه باللجوء إلى خيارات إقليمية أخرى لا تفكر بسوى مصلحتها والابتعاد عن كل تقارب عربي أخوي غايته تفكك هذه الأوطان وأضعاف يده لاحتضان اخوتهم العرب والذي على أساسه أطلق عليه بالوطن العربي وخليج عربي واحد، مبينا أن شخصية هذا الوطن شخصية حاضنة لأبناء العرب كافة دون حياز وتمييز حضانة عروبية متفهمة لكل العرب في هذه المرحلة .

ظهرت هناك أن متغيرات مفصلية جعلت العرب يغيرون بعض الصور النمطية المرسومة عن العراق . وشددوا على أن ما يجمع الدول العربية وأنظمتها أكثر مما يفرقها، وهي بحاجة ماسة اليوم للتوحد أكثر وتعزيز التقارب والتكاتف وصنُع المُشتركات التي توحدهم كوطن عربي واحد .

وأن الارتياح الذي لاقوه أخوتنا وأهلنا من دول الخليج كافة كان سمة بارزة في هذا الاحتفال الجماهيري والحدث الكروي الذي غاب عن العراق سنين عدة .. وعلى المستوى المجتمعي هناك مزاج عام عربي وعراقي يتجه لتعزيز العلاقات هذه إن شاء ألله، وهذا ما تحتم على الظرف العام على اتخاذ خطوات لتقريب المواقف أكثر .

***

بقلم: أحمد القيسي

 

في المثقف اليوم