أقلام حرة

الأيادي المرتعشة وإستحالة تغيير مسارات التاريخ

مثلما اكدت الأحداث في كل اقاليم الكون ان الأصابع المرتبكة لا تستطيع صنع التاريخ واحداث منعطفات كبرى في مساراته نظرا لفقدان  الجسد الحامل لهذه الأنامل فكرا مستنيرا ورؤية معرفية لكل شؤون الحياة، بامكاننا للتاكيد ان  الأيادي المرتعشة لا ولن تستطيع ان تذهب بعيدا وتخترق الحواجز والاشتباك مع المفاهيم والتصورات المختلفة بل المتناقضة مع قيم الحرية والتحرر والانعتاق ومواجهة قوى الاستبداد والاستغلال والظلامية سواء كانت انظمة سياسية أو حركات او تيارات..   

الأيادي المرتعشة ليست لها علاقة بميكانزمات وتحريك المياه الراكدة لانها تفتقد الجراة والفكر الاستراتيجي والرؤية المعرفية العميقة والشاملة..

كل المحاولات التي عرفتها الشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي، وإن إتسمت بجسارة أصحابها وشجاعتهم النادرة، إصطدمت بالشروط الموضوعية التي صارت بمثابة الصخرة الصماء التي تكسرت عليها طموحات اجيال متعاقبة من المكافحين الأحرار الحالمين باوطان تسود فيها قيم المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية وعلوية القانون..

الشروط الموضوعية التي نقصدها هي التحالفات والتكتلات السياسية والاجتماعية المتناقضة جوهرا وموضوعا مع أي مشروع وطني تحرري مناهض للسياسات النيوليبرالية التي ليس في اجنداتها رفاهية وتقدم الشعوب هنا أو هناك من اقاليم الكون..

لن ناتي بالجديد اذا قلنا ان هذه المشاريع الوطنية التحررية ذات الأفق الديمقراطي الإجتماعي والتنوير الفكري والثقافي، عادة ما تافل وتسير الى الانحدار.

إضافة الى الأسباب الموضوعية الناتجة عن طبيعة الصراع الشرس بين قوى متناقضة في الأسس الفكرية والايديولوجية، فان لهذا الانحدار الوارد حدوثه في أي لحظة نظرا لطبيعة التوازنات وموازين القوى.

و المصالح المتشابكة بين الأطراف السياسية والاجتماعية المتصارعة..هذا ما قصدناه بالشروط الموضوعية، لكن الاشكال الجوهري والمركزي في عملية تفسير وتفكيك العناصر المكونة لهذا الانحدار يتمثل اساسا في المسالة الذهنية والأبعاد الاستراتيجية للصفوة والقادة المباشرين لعملية تأسيس المشروع الوطني الديمقراطي الاجتماعي المنحاز فكرا ومنهجا وعقيدة ودربا كفاحيا لا يلين و لا يهدا مع مشاغل وشواغل والقضايا المصيرية والطموحات المشروعة للشعوب الطامحة للتحرر والإنعتاق وكنس سياسات الاستبداد والاستغلال ورميها في مزابل التاريخ بكل شجاعة وكتابة سطور مضاءة بمصابيح الحرية والكرامة والعادلة الاجتماعية..هنا وصلنا الى مربط الفرس مثلما يقول العرب القدامى.. كيف ستتصرف القيادة المركزية وصفوتها الأولى المؤتمنة على تسيير المركب والقافلة

بعيدا عن الأجندات الإقليمية والدولية المتناقضة جوهرا وموضوعا مع طموحات الشعوب وقضاياها المصيرية..هذا هو السؤال الحارق لكل ألأوراق..!

إن المنعطفات التاريخية الكبرى، لا تقوم بها الأيادي المرتعشة من خصوم شرسين، بل تصنعها السواعد التي تحركها رؤى استراتيجية في السياسة والاقتصاد والفكر والثقافة والاجتماع..و لنا امثلة نيرة قامت بادارة الصراع مع القوى المناهضة لمشاريع التحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي وفرض السيادة الوطنية على أرض الواقع،بحكمة وحنكة ودهاء نادر

..الزعماء الراحلون جمال عبد الناصر والهواري بومدين وفي السنوات الأخيرة شافيز وخليفته السياسي اليساري الثوري المحنك المتسم بالشجاعة والدهاء والديبلوماسية وقت اللزوم وفق متطلبات المرحلة وما تفرضه من تكتيك واستراتيجيا في الآن نفسه.. هذا ما ننتظره من  قيادات عربية لمشاريع التحرر الوطني.. لا سبيل للخروج من أي مازق سياسي واقتصادي واحتماعي سوى الأسلحة برؤية ثاقبة و بعيدة المدى وان لا تكون الأيادي مرتعشة.

***

البشير عبيد / تونس

 كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية والمواطنة والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية..

في المثقف اليوم