أقلام حرة

الاسلام السياسي والاستعصاء في عنق الزجاجة

أنه التناقض الذي تقع فيه حركات الإسلام السياسي عند مقاربة الواقع بأدوات لاتتناسب معه حيث أن نظرية الحكم في الاسلام السياسي ترتكز على قواعد ليست واقعية ولايمكن تفعيلها في ظل نظام دولي يعتمد العلاقات السياسية إقليميا ودوليا كأساس لبقاء هذه الأنظمة من حيث حتمية ارتباطها أمنيا واقتصاديا بمجموعة من الحلقات والدوائر التي تكون هذا النظام العالمي بمؤسساته وشكل العلاقة بين هذه المؤسسات

وبين كل نظام قائم بذاته، وقد أثر وغير هذا الارتباط مجموعة من المفاهيم التي كانت سائدة، ومن أهم هذه المفاهيم التي لم تعد تمثل الواقع والتي تغيرت هو مفهوم (السيادة الوطنية) حيث كان هذا المفهوم حقيقة محتملة ولو نسبيا عندما كان يرتكز على مفهوم اخر وهو (الاكتفاء الذاتي) الذي ايضا لم يعد محتملا رغم أن هناك بعض الدول. تتمتع بالاكتفاء النسبي ذلك فأن مفهوم الاكتفاء الذاتي كان يحتسب على مجموعة الحاجات. الأساسية للمجتمعات وبعض من الحاجات المكملة من خارج دائرة الحاجات الأساسية والتي كان يوفرها النظام العالمي متعدد الأقطاب، والذي كان يوفر غطاءا أو جدارا يمكن الاستناد عليه في توفير مايلزم مما هو ضروري لتحقيق وتعميق مفهوم السيادة الوطنية دون التعرض للضغط أو المساومة على إرادة القرارالسياسي. ولكن ذلك الواقع قد أصبح من الماضي. بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي وتفكك وانهيار النظام العالمي متعدد الأقطاب وانفراد الولايات المتحدة كقوة عظمى. تتحكم بها النظام السياسي ومفاصله الاقتصادية وسيطرتها على حركة الأموال وجعل الدولار متحكما بالتبادلات التجارية وفرضها القوانين على مختلف المنظمات الدوليةباعتبارها دائما الممول الأكبر لهذه المنظمات كذلك كان للتحول. في شكل الحاجات الأساسية وارتفاع معيار هذه الحاجات أثرا بالغا في تحديد مفهوم الاكتفاء، لذلك ولكل ماتقدم فأن القول بالسيادة الوطنية يعتبر قولا لايعدوا أن يكون شعارا أو عنوانا للتسويق السياسي ومن هنا فإن حتمية الحاجة في العلاقات الدولية. أصبحت ملازمة لبقاء النظام وليست سببا في سقوطه عندما يفهم النظام الحاكم معادلة القطب الواحد ويغادر ما لم يعد موجودا وهو نظام تعدد الأقطاب الذي كان يمثل رافعة سياسية لمفهوم السيادة الوطنية، لقد بقيت كثير من الأنظمة السياسية وخصوصا تلك الأنظمة التي كانت تستظل بالنظام السوفيتي عالقة

في عنق الزجاجة لعدم استيعابها ماحصل من متغير جوهري. في النظام العالمي وأن المطلوب هو التماهي مع الواقع ومغادرة مربع السيادة الوطنية إلى مربع حماية الوطن والمواطن من تبعات هذا المتغير . الاكثر من هذا الاستعصاء في عنق الزجاجة لتلك الأنظمة هو ماطرأ على المشهد السياسي من نشوء حركات الإسلام السياسي التي لم تكن تعرف الفارق بين النظام القديم والنظام الجديد لأنها في الواقع. لم يحدث أن استلمت

سلطة الحكم في نظام متعدد الأقطاب حيث كانت نظرية الحكم مجرد نظرية مركونة يراد لها أن تحكم. لذلك فأن مشكلتها اكبر وأعمق وأكثر استعصاءا وربما لن تخرج من هذه الزجاجة التي دخلتها في بعض التجارب الا بقطع عنق الزجاجة. مما سيؤدي حتما إلى جروح بليغة ربما لايمكن الشفاء منها لأن من يحكم بقوانين أرضية يمتلك أو يستطيع أن يجد المسوغات الأخلاقية لاي تحول في شكل الحكم من خلال قوله بتغليب المصلحة أو أنه يقبل مرغما ولكن من يحكم باسم الله بزعمه فأنه لايملك حلولا وسطية للتحول أو التماهي أو الرضوخ لمنطق القوة ، الا أن يقبل بحقيقة أنه يمارس السياسة الواقعية التي يفرضها النظام العالمي ، وعند ذلك لن يبقى معنى. للشعار السياسي بالعنوان الاسلامي ، لذلك ستكون أمام ثلاثة احتمالات هي، أن تصر على أن تحكم بأدوات الشعار الإسلامي الذي تحمله وهذاسيؤدي بك إلى احتمالين هما الانكفاء داخل الزجاجة والموت لاحقا والثاني أن تحاول الخروج من فُتحة صغيرة لاتتناسب مع راسك الكبير وهذا يحتمل الموت كذلك والاحتمال الثالث وهو أن تصغر راسك وتضع بعض الزيت للخروج بأقل الخسائر وهنا ستكون قد مارست نفاقا سياسيا لاعلاقة له باسم الله .

***

فاضل الجاروش

في المثقف اليوم