أقلام حرة

سوريا الأوجاع ومظلمة العقوبات الدولية

في لحظة فارقة من الزمن، ضرب الزلزال العنيف بعض الأقاليم من الجمهورية العربية السورية وجارتها تركيا مخلفا وراءه آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين والعالقين تحت الأنقاض والمشردين في الشوارع بال ماوى..هذه هي الصورة الموجعة التي خلفت حزنا كبيراً وانكسارا لا مثيل له امام الكارثة التي اصابت البلدين..لكن المفارقة العجيبة التي حدثت تمثلت حسب القراءات الموضوعية للمراقبين النزهاء ان التعامل العربي والدولي لم يكن على قدم المواساة بين سوريا وتركيا رغم ان الكارثة لا خلاف ولا إختلاف حول ماساويتها والإنسان هو الإنسان هنا او هناك..لكن للسياسة احكام ومصالح واجندات. بيت القصيد في الموضوع ان الإمبريالية الأمريكية لا يعنيها الشعب السوري الصابر المكافح الذي ذاق مرارة الحصار المضروب عليه منذ سنوات نتيجة قانون قيصر والعقوبات الدولية التي فرضتها  أمريكا وحلفاءها من دول الاتحاد الأوروبي والرجعيات العربية المتعفنة..لكن يبدو ان الحكمة البالغة  التي افرزها هذا الحصار الظالم نسيها أو يتناساها خصوم سوريا العربية قيادة وشعبا بكل اطيافه الفكرية والسياسية ان الخنوع لا يعرفه هذا الشعب المكافح والخضوع للضفوطات الأمريكية والدول الأوروبية المساندة للكيان الصهيوني الغاصب،ليس في قواميسه وتاريخه السياسي  والحضاري على مدار عقود متكاثرة من الزمن، قديما وحديثا..

سوريا العربية التي قاومت جحافل الغزاة وآخرهم الإستعمار الفرنسي البغيض ف العصر الحديث، ليس في تقاليده السياسية الخضوع والخنوع أي كان نوعه وشكله وهويته الفكرية والسياسية، لكل هذه الأسباب وتبعاً لمشروعية الخصال الكفاحية والنضالية الغالية لكل اطياف هذا الشعب الصبور تواصل الحصار وما تبعه من معاناة لكل افراده صغارا وكبارا، ميسورين وفقراء مسحوقين من الطبقة العاملة..من الجهة المقابلة تواصل الصمود والشموخ والكبرياء في وجه السياسات العدوانية للامبريالية الأمريكية وخلفها دول القارة العجوز والكيان الصعيوني البغيض والرجعيات  العربية المتحالفة معها نظرا لطبيعة هذه الأنظمة  الاستبدادية والشمولية المتناقضة فكريا وسياسيا مع الدولة السورية الرافعة راية المقاومة والممانعة والرافضة للوصاية الأمريكية على المنطقة وفرض  الكيان الصعيوني وغرسه في الأرض العربية بالقوة ..

هذه هو جوهر الموضوع  ومربط الفرس..الغاية الأولى والأخيرة من الحصار الظالم والعقوبات الدولية التي كان نتيجتها ضرب إقتصاد سوريا في المقتل وجعلها منعزلة على المستوى الدولي إضافة الى إحتلال مساحات واسعة من اراضيها شمالا من قبل الإحتلال الأمريكي ونظيره التركي دون نسبان اللعب على المسالة الكردية لخلط الأوراق وتفتيت الوحدة الوطنية سياسيا وترابيا وتفكيك الدولة  وارجاعها الى العصر الحجري مثلما حدث في العراق وتركيز حكومة برايمر في بغداد..

لا يختلف عاقلان أن كل هذه المعطيات بتفاصيلها المتعشعبة وحيثياتها وطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني المتحكم في منعطفات الملف،لا تعلمها القيادة السورية المتسمة بالحنكة والسيطرة على الأعصاب في احلك الأزمات واصعبها وما تتطلبه من قراءة موضوعية لطبيعة الصراع وموازين القوى والتحالفات الدولية مع محور المقاومة وتشكيل قطب سياسي واقتصادي عالمي جديد منتصر للشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي ورفض سياسات الهيمنة الأمريكية والأطلسية على شعوب العالم.. واضح وجلي ان قيادة الجمهورية العربية السورية وحلفاءها في الجبهة الوطنية التقدمية تعي جيداً تفاصيل الصراع وما تتطلبه المرحلة من حسابات وتحالفات والعمل بلا هوادة على تفكيك محور دول " الاعتدال العربي" وابعادها تدريجيا ولو على مراحل عن الوصاية الأمريكية..

إن سوريا التي إنتصرت على الارهاب واعطت لكل شعوب العال، شرقا وغربا، بامكانها الخروج مرفوعة الرأس من جديد باعادة إعمار ما دمره الزلزال العنيف ومواصلة الدرب بعزيمة المقالتين الأشاوس وجعل محور الممانعة مع كل القوى الوطنية التحررية الطامحة للتغيير وفرض إستقلالية القرار الوطني السيادي إقليميا ودوليا..

وحدهم الشرفاء والأحرار يعرفون بهاء المعارك..

- كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية والمواطنة

و النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.

***

البشير عبيد / تونس

في المثقف اليوم