أقلام حرة

من يقرأ رسالة الزلزال؟

كلما استيقظت من نومي قلتُ في سرّي "الحمد لله الذي بعثني من مرقدي ولو شاء لجعله سرمدا" فلا أحد يعلم إن كانت وفاة الأنفس التي في منامها سوف تستمر إلى يوم البعث، أم ثمة حياة جديدة يهبها الله تعالى لعبده إلى حين آخر.

وأول شيء اقوم به عند الإستيقاظ هو النظر إلى جهاز الموبايل لمعرفة آخر الأخبار العاجلة، فمنذ ان تسربت العولمة السائلة إلى بيوتنا والأخبار تُترى علينا كل لحظة، وبعضها بمثابة زلزال سياسي لانشعر به حتى نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

الأثنين الماضي جاء الفجر بأخبار زلزال أرضي مُروّع أصاب بلديّن شقيقيّن هما تركيا وسوريا..وسرعان ماتبدى لنا حجم الدمار الهائل الذي أحدثه الزلزال في مدن تركيا وسوريا وكأن ماحدث مشهد من مشاهد القيامة.

تابعت أخبار الزلزال من جهاز التلفاز..تأملت المشاهد بعمق وكاد أن يخنقني غبار البنايات والمساكن المنهارة كما لو أنه يتسرب إلى أنفي من شاشة التلفاز.

وأكثر ما آلمني مشاهد الاطفال الناجين، سيما في المدن السورية المنكوبة من قبل ومن بعد،  وذهولهم البريء مما يجري، وتمنيت لو أن ساسة العالم "المتحضر" يتأملون المشهد مثلي ويفكرون بمصير آلاف الأطفال، السوريين وسواهم، الذين يعانون بسبب حصار أو حروب وصراعات دموية صنعتها الكراهية والغطرسة وأحقاد البشر وسياسات عمياء لاترى سوى المصالح الأنانية.

ولعل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه الآن هو هل سيؤدي زلزال الأثنين إلى صحوة ضمير لدى الذين اغرقوا سوريا وقبلها العراق في مستنقع الدم؟.

الذين حسبوا أنهم آلهة وأباطرة العالم..الذين قاموا بتشييد اهرامات من الحقد والكراهية وفرضوا بإسم (المجتمع الدولي) عقوبات لتجويع شعوب بأسرها..هل بوسع هؤلاء أن يقرأوا رسالة الزلزال ؟، وكل زلزال رسالة.

نتألم ونواسي ونتمنى لو أن بوسعنا ان نمدّ يد العون لمن فقدوا أحبتهم ومساكنهم، ولكن لايكفي ان نتضامن كبشر في وقت الزلازل، بل لابد ان نتضامن ونكافح معا لإيقاف الزلازل السياسية المرعبة التي يتسبّب بها تجار الحروب وصناع الكراهية وباعة الدم والضمير.

 بوسعنا إعادة بناء دمار الزلازل الأرضية.. بوسعنا أن نحترس من تداعياتها الارتدادية، لكن من بوسعه إعادة تأهيل نفوس شوهتها الأحقاد..من بوسعه إيقاف طوفان سياسات معولمة تقوم على تدمير الضمير؟!.

من حقي أن اشكك في عبارات التضامن مع الضحايا التي تصدر عن ساسة هم أشدة قسوة على البشرية من الزلزال ذاته.

ألم تقل "مادلين اولبرايت" في حوار مع "ليزلي ستال" على قناة "سي بي اس" عند سؤالها عن مشاعرها تجاه مصرع نصف مليون طفل عراقي بسبب الحصار الأميركي على العراق: "أعتقد أن ثمن ذلك كان مناسباً" !!.

لم تُجب اولبرايت بدبلوماسية، وهي سيدتها آنذاك، وليت نظراءها لهم ذات الصراحة حتى لا تخدعنا العبارات المطرّزة بدماء الأبرياء..وليتهم يقرأوا رسالة الزلزال قبل أن ينهار كل شيء.

***

طالب الأحمد

 

في المثقف اليوم