أقلام حرة

لاحل للمخدرات الا بحملات شعبوية واعدة وإجراءات حكومية رادعة

لن أنسى ما حييت تلكم المسرحية الشبابية الصادقة والواعدة التي قدمتها ثلة مبدعة من طلبة معهد الفنون الجميلة ببغداد صيف العام الماضي / 2022 ضمن فعاليات المؤتمر العلمي الدولي التاسع الذي أقامته الاكاديمية الامريكية الدولية للتعليم العالي والتدريب بالتعاون مع وزارة البيئة العراقية،حيث أحدثت المسرحية وكانت بعنوان (كوكايين) دويا هائلا في عقلنا الجمعي، وشكلت لنا عصفا ذهنيا لم أشف منه على المستوى الشخصي حتى كتابة السطور،وأخالها كذلك فعلت بجميع الحضور، بعد أن استدرت دموعهم الحرى، واستدعت تصفيقهم الحار، لتطرح سؤالا مفتوحا على مرأى ومسمع من الجميع، وأمام عدسات الإعلام،خلاصته "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ومكافحة آفة المخدرات القاتلة والتوعية بخطرها الداهم ولن يعفى أحد من المسؤولية قط بدءا بالفرد مرورا بالاسرة والمجتمع والمدرسة والمعهد والكلية والجامعة، وليس انتهاءا بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فضلا على السلطة الرابعة ..فلماذا كل هذا التراخي والتهاون والتماهل واللامبالاة والإهمال ..ياقوم ؟" ولاسيما وأن المسرحية قد وضعت السبابة والإبهام على مواطن الخلل لتدق ناقوس الخطر من كارثة إدمان المخدرات وتعاطيها والاتجار بها مستعرضة أسبابها أسوة بمقدماتها المروعة، ونتائجها المرعبة، وبالأخص بين شريحة الشباب !

ولاشك أن المراهقين والشباب هم الضحايا الأبرز لهذه الآفة الفتاكة بوجود 17 الف متهم بالتعاطي والاتجار قد ألقي القبض عليهم خلال 22 شهرا فقط، بعمليات نوعية ضبطت في بعضها (8) ملايين حبة مخدرة بحوزة المتهمين والمهربين !

وكارثة المخدرات هذه عادة ما تبدأ بالتعاطي ومن ثم الإدمان المفضي إلى الترويج وصولا الى الإتجار، فيما أطلقت جمهورية مصر العربية التي تعاني من تداعيات الكارثة على مدار عقود طويلة حملات شعبية عديدة وبعناوين براقة نحو "أنتَ أقوى من المخدرات" و" قرية بلا ادمان"، قابلها عراقيا الوثيقة العشائرية الزرقاء لمواجهة السموم البيضاء، لتمثل الحملات بمجملها خلاصة الجهود المبذولة وعلى أعلى المستويات لمواجهة خطر المخدرات، فهل تراها ستنجح بكبح جماح الظاهرة قبل استفحالها أكثر، أم أن لعصابات الجريمة المنظمة وشبكات تهريب المخدرات ومن يقف خلفها فضلا عن المتعاونين معها رأي آخر؟

أما عن خارطة السموم البيضاء فلها طرق ومنافذ ووسائل عدة حيث تتربع أفغانستان وجنوب شرق آسيا على عرش تجارة الخشخاش، أما الكوكايين فإنه إحتكار أمريكي جنوبي بإمتياز، يقابلها القنب الهندي وهو احتكار شمال افريقي وجنوب غرب آسيوي، أما المخدرات الصناعية وأخطرها الكريستال، والكبتاغون أو حبة (صفر - واحد) فهذه باتت تصنع في كل مكان تقريبا، كذلك الاستروكس وهو عبارة عن دواء لعلاج الاكتئاب الشديد يخلط مع دواء لعلاج الشلل الرعاش ويضاف اليه مبيد حشري - ولك أن تتصور حجم الدمار الهائل الذي يحدثه بعقول وصحة شباب في مقتبل العمر قد أدمنوا تعاطيه - إضافة الى الشابو وهما الاكثر تعاطيا في مصر، بينما يعد الكرستال والكبتاجون الاكثر شيوعا في العراق، وكلها مخدرات فتاكة تسبب هلاوس سمعية وبصرية خطيرة للغاية،والنتيجة المروعة لكل هذا الهراء، أن 75 % من جرائم الاغتصاب والقتل والسرقة والانتحار والعنف الاسري تحدث بسبب المخدرات، والحل الأمثل يكمن بتفعيل القوانين الرادعة، وبتكثيف حملات التوعية اليومية، المشفوعة بزيادة عدد مراكز التأهيل لعلاج المدمنين، فضلا على تكثيف الجهد الاستخباري وزيادة الرقابة على النقاط الجمركية ومسك الحدود ومتابعة شحنات المخدرات التي يتم ضبطها والاسراع بإتلافها ميدانيا وموضعيا لأن بعضها قد يعاد تدويره من قبل ضعاف النفوس، فهل ستفعل الحكومات العربية قوانينها وتضبط حدودها وتعمل على تفكيك شبكات المخدرات لاجتثاث شأفتها وقبل فوات الآوان ؟ ***

احمد الحاج

في المثقف اليوم