أقلام حرة

أخبار السوق على وجوه السواقة!

عملية التسوق من بين أهم الطقوس الحياتية التي نكررها بشكل آلي في الأسواق اليومية أو الأسبوعية أو الموسمية التي ابتكرها الإنسان قديما - مند زمان المقايضة وتبادل سلع مقابل أخرى- كعادة  لا غني له عنها لتنشيط حركة البيع والشراء، وكواحدة من ضروريات الحياة الواجب على الفرد القيام بها لتلبية كافة احتياجاته، والتي تحولت عند البعض إلى أمتع الأنشطة التي يمكن القيام بها - خاصةً بالنسبة للنساء - قبل ان ينتشر التسوق الإلكتروني الذي استقطبتهن بسهولة التعامل معه بأقل مجهود، والذي لا يتطلب غير الضغط على زر واحد من أي جهاز إلكتروني ليتوصلن بكل ما يخترن  من المنتجات المعروضة في أي مكان كن.

في خضم هذا الطقس الحياتي اليومي، قررت القيام بزيارة لأحد الأسواق التي يِؤمها آلاف المتسوقين من كافة مناطق المدينة ومن مختلف الشرائح البسيطة والمتوسطة وحتى البورجوازية لتوفيرها كل البضائع والاختيارات الملبية لكافة احتياجاتهم بأسعار أقل من غيرها من الأسواق، لم أقرر تلك الزيارة من أجل تلبية بعض الاحتياجات والتي أهم أهداف التسوق ، ولا تحت تأثير إدمان التسوق القهري أو هوس الشراء المرضي،الذي يخضع لسلطانه الكثير من الناس، ولا حتى من أجل متعة التردد على المحال التجارية ومشاهدة السلع المختلفة، التي يجد فيها البعض تحسينا لحالتهم المزاجية، أو تحريرا من الضغوط النفسية، أو إفراغها من مشاعر الملل والرتابة الحزن وباقي الطاقات السلبية، ولكني قررت ذلك رغبة في الوقوف على الحال التي وصله المجتمع في ظل ما تعرفه الحالة الاقتصاديّة من زيادات تراكمية في أسعار السلع والخدمات، والانخفاض المهول للقدرة الشرائيّة،التي يصطلح عليها بالتضخّم (Inflation)، وكيف سيتصرف معها المؤتمنون على تسيير أمور الناس في هذا المنعطف الصعبة، من أمننة الحياة الاقتصادية التي تعتبر معضلة المخاطر الأمنية المؤثرة على الأمن الاجتماعي الأمن السياسي، التي تزايدت الأسئلة المحرجة حولها، وباتت تفرض نفسها للنقاش، والتي لم نجد لها إجابات صريحة إلا من خلال تعابير الاكتئاب والضجر، التي تعلو وجوه المتسوقين، وارتسامات التشتت والتخبط التي يمكن معاينتها بيسر فيما تنبض به ملامحهم من البؤس واليأس والحزن والآلام  التي عوضت بشاشة وجوه متسوقي أيام الرخاء، وفرحة نفوسهم وتسامحها أثناء البيع والشراء، يوم كان التسوق أمتع الأنشطة التي يمكنك القيام بها، وأحبها إلى القلوب، الأمر الذي أوصلنا إلى السؤال الحارق، والذي يمكن اعتباره مربط الفرس، كما تقول العرب والذي يلخص في: ماذا نحن فاعلون ضد هذا الفقر، فقر الجيوب، وفقر النفوس، وفقر الفكر، وفقر الأمل، وما ينسجه حال البؤس المستطير الذي تصدق فيه العبارة "مَعِيشَةً ضَنكاً " الواردة في قوله سبحانه وتعالى "فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً" كأبلغ توصيف لمعاناة الناس مع ارتفاع الأسعار.

فمتى تعود للأسواق لطبيعتها التي كانتها كفضاءات للبهجة والشعور بالطمأنينة والأمان.

***

حميد طولست

 

في المثقف اليوم