أقلام حرة

"حزورة " مطار النجف

سنُصاب بالصدمة أنا وحضرتك عزيزي القارئ، لو أننا سمعنا أو قرأنا أنّ أحد السادة المسؤولين الكبار، قضى شطراً من الليل وهو يجلس أمام قاضي التحقيق يسأله من أين لك هذا؟ مثل هذا السؤال ممنوع في هذه البلاد.

إذا كان هناك ما يجب أن نعرفه، فهو حكاية مطار النجف حيث كشف رئيس سلطة الطيران المدني عماد الأسدي، عن أن السلطة لا تعرف عائدية مطار النجف ولا تعلم أين تذهب إيراداته.. ما قاله الأسدي على إحدى الفضائيات موجود بالصوت والصورة على موقع يوتيوب، لكن لا أحد يستطيع أن يحاسب المسؤولين على المطار ويسألهم: أين تذهب الأموال.

في بلاد أخرى تحترم الديمقراطية، بإمكان القضاء أن يستدعي رئيس الوزراء ويسأله من أين لك هذا؟، لكن في بلاد الرافدين هل نستطيع أنا وأنت عزيزي القارئ، أن نسأل نائب في البرلمان من أين له الأموال التي مكّنته من شراء عقارات وفضائيات؟ مجرد سؤال بريء ولوجه الله، لأنني أعرف حتماً أن قيمة النائب العراقي السياسية، أهم بكثير من قيمة أي مواطن عراقي، فالنائب عملة وطنية نادرة.

كنت أتصفح موقع الفيسبوك عندما وجدت في صفحة الصديق "أبو زين العابدين الحسناوي" وهو مواطن من مدينة النجف وأحد أبرز وجوه احتجاجات تشرين، تظاهر ضد الفساد وتعرض للتهديد أكثر من مرة، منشور عن أملاك مدير مطار النجف السابق، وقد أثار اهتمامي أن الرجل استثمر عشرات الملايين من الدولارات في مشاريع فندقية، وللمفارقة وأنا أقرأ المنشور على صفحة الأستاذ الحسناوي كنت أستمع لأحد النواب وهو يقول إن زمن الفساد قد ولّى إلى غير رجعة، وإننا نعيش أزهى عصور النزاهة والشفافية.

وضع شيوخ القواميس العربية تعريفات كثيرة لمعنى الاستحواذ والأطماع والفشل، لكنّ البعض يريد أن يجد تعريفاً جديداً للسلطة لا يتعدّى مصطلح "ما ننطيها"، وفي معظم الحالات ليست سوى خراب ونهب .

عندما يدمّر المسؤول، مؤسسات الدولة، بدلاً من تطويرها على أسس ديمقراطية.. فهو يهين الدماء والأرواح التي قدّمها العراقيون على مدى عقود طويلة من أجل أن يتنفس أبناؤهم هواء الديمقراطية الحقّة.

وعندما يصرّ سياسي على الاستحواذ على كل شيء وأي شيء، ويستخدم مقرّبوه حيلاً وألاعيبَ لتخوين الآخرين وإقصائهم.. عندما يسرق بلد في وضح النهار، عندما يبرر التعذيب والاعتقال العشوائي.. عندما تسلّم مؤسسات الدولة إلى أصحاب الثقة لا أصحاب الخبرة، وعندما لا يرى رئيس الوزراء في القضاء سوى القوانين التي تحصّن سلطاته وتصونه.. فإننا بالتأكيد سائرون في طريق الخراب.

في تجارب الشعوب التي طالما أتمنى أن يتعلّم منها ساستنا نجد صوراً أخرى لزعامات قدّمت لشعوبها الأفعال بدلاً من لغة الشعارات والخطابات .

***

علي حسين - كاتب

 

في المثقف اليوم