أقلام حرة

الكلمة دستور الأمة!!

أمة العرب دستورها الكلمة، لأنها فاعلة في سلوكها منذ ما قبل الإسلام، وجاء القرآن ليؤكد دور الكلمة وقيمتها العملية اللازمة لحياة طيبة صالحة للناس.

فالخطابة والشعر كانا فاعلان في الحياة، وإكتسحهما القرآن ببلاغته وقوته الأسلوبية المتحدية لطاقات الإبداع السائدة، ولذروة ما وصلت إليه قدرات التعبير بالكلمة عن الفكرة والمعنى والمغزى.

ومضت الأمة بعد ذلك قوامها كلمات القرآن وقوة البلاغة الشعرية، فما خلت فترة حكم فيها بعد دولة المدينة من أنوار الشعر وآلياته المهذبة للتفاعلات ما بين الناس، فالشعراء وضعوا القوانين السلوكية في منظومات شعرية تتوارثها الأجيال وتنغرس في ضميرهم ووجدانهم، وتُنحت في ذاكرتهم ولا تغيب عن الحضور.

ويبدو أن للشعر تأثير كبير على مسيرة الأمة، وفي معظم الأحيان يكون للشعراء قدراتهم القيادية والتوجيهية على مختلف المستويات والصيرورات، فكانوا من المقربين لقادة الأمة والمعبرين عن رؤاهم وتطلعاتهم، ومعايير حكمهم، فتجد في قصائدهم ما يوضح ذلك ويؤرخه وينشره بين الناس، فالشاعر كان الصوت الإعلامي لنظام الحكم.

وبزعزعة قوام الشعر، وتناثر كلماته، وخروجها من الواقع إلى الخيال، ومن الوضوح إلى الغموض، ومن ملامسة هموم الناس إلى التحليق في مدارات الآخرين، أصبح السلوك الجمعي يميل للإضطراب ويفتقر للمعايير اللازمة لضبطه وتوجيهه، وبإنهيار قيمة الكلمة ودورها، صارت الكلمات بأنواعها لا تؤثر فتتدحرج ككرات البليارد على سفوح المسامع.

وتجدنا أمام منشور ومذيوع يهاجمك بلا إنقطاع، وما يحصل يمثل إنهيارات وتدهورات، بتداعياتها الفاعلة في الأحداث والمولدة للصراعات والتنافرات ما بين أبناء النوع الواحد، لأن العقول تبلدت مدافعة عن وجودها أمام الضخ العقيم، فتعطلت حركة الكلمة وتصملت في مواطنها، ففقدت التأثير بالسامعين والقارئين.

ولن تنطلق الأمة في مسارات العصر وتستعيد جوهرها ما دامت الكلمة مصادرة ومجردة من التعبير عن فعل!!

فهل سنعيد للكلمة قيمتها الحضارية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم