أقلام حرة

ظاهرة حسين سعدون الثقافية

عن دار الحكمة في لندن صدر حديثاً كتاب (خفايا القراءة أسرارها وقوانينها) للأستاذ حسين سعدون، والمؤلف كما عرّف عن نفسه (كتبي في شارع المتنبي)، وهو مفكر وموسوعة معرفية كبيرة كما يراه جمهور واسع من المثقفين والمتابعين داخل العراق وخارجه، فضلاً عن التواضع والبساطة في شخصيته.

تابعت في الأشهر الأخيرة كما تابع غيري مجموعة من محاضراته القيمة، وقد وجدت فيها فكراً متنوراً واطلاعاً واسعاً وحافظة نادرة للنصوص، بالإضافة إلى الفهم العميق والموضوعية والجرأة والصدق في الطرح والمناقشة.

أثارت محاضراته القيمة صدى في الساحة الثقافية، وجاء في كتابة ضافية عنه للأستاذ رياض العلي بعنوان (ظاهرة حسين سعدون) قوله (قبل فترة وجيزة أخذ بائع بسطية صغيرة في شارع المتنبي يشغل الوسط الثقافيّ العراقيّ والعربيّ بطروحات وأفكار لم يعتدها هذا الوسط الغارق بالشكليّة والأميّة المعرفيّة)، وشبّهه وقد أحسن التشبيه (بأنّه يماثل جان جاك روسو)، واعتقد أيضاً (أنّ حسين سعدون هو أفضل شخص حالياً يمكن أن يقدّم برنامجاً تلفزيونيّاً عن القراءة والكتبّ خاصّة وأنّه يحمل ذاكرة نحسده عليها ولباقة في الحديث وأسلوب السهل الممتنع).

كما قرأت في حقه من قال (ثروة وطنية بمستوى معرفي عال)، وهي كلمة حق وصدق وأنا من مؤيديها، وهناك شواهد كثيرة تدل عليها، منها اتساع ساحة المعجبين والمستمعين له اتساعاً كبيراً، واعتبار ندواته الثقافية من الندوات العلمية المفيدة والثرية، وكذلك دعوته مؤخراً للحضور والمشاركة (في القمة العالمية للحكومات) في دبي بدعوة كريمة من أكاديمية الإعلام الجديد وبمشاركة افضل صناع محتوى بالعالم، وقد ذكر سعدون عند نشره لخبر سفره إليها يوم 13 شباط 2023م بأنه (أول سفرة له خارج العراق)، وقد التقى هناك بكبار المفكرين العرب والأجانب، وفيهم من عرف فضله وأعلى مقداره.

في محاضراته المنشورة يدعو للعلمية في التفكير وتحكيم العقل، ويدين (تردي وخلو المكاتب من الثقافة الفكرية وانحصار الفكر العربي بالصراعات السياسية والدينية ..)، وهو يعتمد فهمه العالي لما قرأ من مؤلفات كبار العلماء في الفلسفة والتاريخ والاجتماع والعقائد في الماضي والحاضر، ويستشهد بأقوالهم، ويرشد القراء والمثقفين إلى مؤلفاتهم.

ومما استوقفني من كلماته المنشورة على صفحته، وألمس فيها غيرة واضحة على وطنه قوله: (لو كان العراق بلداً هامشياً بلا تاريخ، ولا ثروات، ولا كفاءات لما شعر القلب بغصَّة، لكننا نمتلك كل مقومات النجاح ومع هذا نواجه كل هذا التراجع!)، وقوله في إدانة الظلم والفساد): اذا كانت الصورة القرآنية لمن يغتاب الناس هي أنه يأكل لحمهم وهم أحياء، فكيف هي صورة من يستولي على أموالهم ويمنعهم حق الحياة؟)، ومن جميل نشره ما استعاره للتعبير عن حبّه لمدينته بغداد قول الشاعر عبد المحسن الكاظمي:

‏أبغداد ابشري وثقي بأني

بحبك سالك سبل التفاني

*

ولو أعطيت ملك الأرض طراً

بغير هواك عيشي ما هناني

ويبقى الحديث عن المفكر حسين سعدون طويلاً ومتواصلاً، ولكني أوجزه بدعوة المثقفين عامة ومحبي القراء والاطلاع إلى زيارة صفحته والاستماع إلى محاضراته وقراءة كتابه بعقل منفتح ورغبة صادقة في معرفة الجديد والمفيد.

***

جواد عبد الكاظم محسن

 

في المثقف اليوم