أقلام حرة

لغز الزلزال

كتب أحدهم: " للحظة ما خلال تلك الهزة ستتخيل أن القيامة قامت وليس هناك أي فرصة للنجاة، نعم، ساكنًا مكانك لا تستطيع فعل أي شيء سوى الخوف والدهشة، فتخيل من شدتها كيف انتقلت في ثوان معدودة من تركيا إلى بلاد الشام ومصر واستمرت زمنا لا يتجاوز الدقيقة حسبناه من شدته يوما كاملاً .. فكيف لو ضربت مثلُها الأرض واستمرت لدقائق لرأينا الأرض كلها ركاماً، فما أضعفك أيها الإنسان وما أصغرك ! في ثوانٍ معدودة يصبح كل شيء عمّرته خرابا ودماراً " .

من دون شك أن الزلازل حدث مخيف ومقلق ومهول يستدعينا إلى توقع الهلاك في أي لحظة والتفكير بأن الموت قريب وهذا ماتخبرنا وتعظنا به الآيات الربّانية لكن دون جدوى، إننا مهووسين وغافلين بالدنيا وغرورها الساحر، دون أن ندرك ماقد يصيبنا فجأة، ولو وقع ألف زلزال وتوفت عشرة آلاف نفس لن تخشع قلوب الفاسدين ولن تتحرك عقول الجاهلين ولن تحيا ضمائر السماسرة وتُجّار السياسة والدين .. هذا الزلزال لا يختلف عن الزلازل والصاعقات والعذابات التي وقعت قبل آلاف السنين من السماء إلى الأرض بسبب فساد وشح الأنفس والقلوب لكي تقول للبشر أن الإنسان مهما زادت عظمته فهو من تراب ومهما بلغت قوته فهو كائن ضعيف يرتكب السيئات أكثر من الحسنات ويتذكر السوء قبل الخير وينسى النعمة ويتذكر النقمة، ذهبت مئات الضحايا لكي نلتفت إلى العِبرة وننتبه إلى عيون الله التي تراقب كل شيء دون أن يغيب عنها شيء .

أغرب ماحدث هو خروج أطفال أحياء كانوا تحت أطنان من الصخور! خمسة أيام وأكثر تحت الأنقاض مايعادل مئة وأكثر من عشرين ساعة بلا طعام ولا شراب ولا هواء، لم يصابوا بكسر واحد! أليست هذه رسالة مغزاها العَظمة والقدرة؟ أليس في هذه الحادثة إرادة ومشيئة بالإحتفاظ في جسد وإفناء جسد آخر؟ ربما يتوفى الله نفساً لتعيش نفساً أخرى وتهتدي نفساً أخرى، ولاشك أن زلزال تركيا وسوريا رسالة فتحها الكثيرون وقرأوا سطورها وفهموا كلماتها ومغزاها لأن المقصود ليس الأموات بل الأحياء.

***

ابتهال العربي

في المثقف اليوم