أقلام حرة

كيف تناقش انسانا يؤمن أن الله حرم شرب الخمر وحلل بيع وشراء البشر!؟

هكذا صاغ فرج فودة استغرابه في إشارة إلى تناقض منطقي يقع فيه المؤمن بالإسلام .. !!!؟

في الواقع أن هذه النتيجة التي خرج بها الكاتب المصري حول هذا الموضوع انما هي نتيجة تعبر أما عن فهم قاصر للإسلام أو أنها نتيجة تتلائم مع ما يُحب ان يكون عليه الاسلام لأننا لايمكن أن نغفل أن الإنسان تحركه النوازع والأهواء وهذا وارد على كل انسان، ومن هذه النوازع ستجد الأنانية وحب الذات ومحاولة إثبات هذه الذات من خلال ماتحصل عليه من تأييد ودعم في مفصل مهم من مفاصل التأثير وهو أن يكون في نقطة الجدل التي دائما ماتحتمل التفاف المريدين والمؤيدين وتأثير ذلك سايكولوجيا على من يقف في نقطة الجدل ولا أدري إن كان مهتما بالعبودية التي لم تعد موجودة عند المسلمين ام بالخمر الذي يحرمه الاسلام !...؟

لماذا لم يحرم الاسلام العبودية!؟

في الواقع أن هذا السؤال من أعقد الاسئلة التي تُطرح في ساحة المسلمين والتي غالبا ما تواجه باجابات تقليدية تتراوح بين الاستنكار على السائل والتشكيك في نواياه وهذا دال على العجزعن اجابة السؤال وبين اجابة مكررة وهي أن الإسلام قد اكرم العبد واوصىٰ به خيرا ووحث على عتق الرقاب وغير ذلك مما لايجيب عن السؤال ويبقيه معلقا، في الواقع لم اشأ أن أذهب إلى بحث الموضوع بطريقة تقليدية لكي لا أخرج بجواب تقليدي متأثرا بما سبق من اجابات لعناوين لها أثر في جعل البحث مقيدا بحكم خصوصية ذلك الاسم او العنوان

فذهبت إلى البحث المنطقي مستعينا في ذلك بالله تعالى ومرتكزا على ماجاء في كتابه مما يتعلق بالمالك والمملوك أو العبد والسيد فوجدت مايلي

 اولا: ان مما كان سائدا في تلك الحقبة الزمنية في الجزيرة العربية  ‏بل في المجتمعات البشرية هو وجود طبقة الاسياد وطبقة العبيد وهي في الواقع كانت تمثل ماكان معتادا بين الناس ولم يكن الأمر مستنكرا او مُخزيا أو يمثل عارا بل أن من كان لايملك عبيدا يُنظر له نظرة دونية تحط من مكانته الاجتماعية وكل ذلك كانت تحدده القدرة المالية، لذلك فكلما زاد عدد العبيد كلما دل ذلك على غنى مالكهم ومقدرته ودرجته في قومه بل أن العبيد كانوا يتفاخرون على بعضهم بعبوديتهم احيانا عندما يكون عبدا عند سيد ذو شأن.. من هنا نفهم كم كانت العبودية متجذرة اجتماعيا ..

ثانيا: وهذا هو الأهم والاكثر تأثيرا وهو أن العبيد في ذلك الزمن كانوا يمثلون مساحة كبيرة من التبادلات التجارية فهم يمثلون أقيام مالية لأصحابها وهي معدلات مالية كبيرة إذا عرفنا أن أشكال الحركة المالية كانت موضوعاتها لاتتعدى عدد الاصابع وقد تكون هذه التجارة من أكثرها قيمة .. فكيف بعد ذلك من الممكن أن تأتي إلى هؤلاء لتقول لهم أن شرط إسلامهم أن يتخلوا عن أموالهم !!!؟ طبعا هذا غير متصور

لذلك فقد تعامل الاسلام مع هذه الحالة المعقدة كأفضل ما يمكن حيث حدد ثلاث معايير لهذه القضية:

الاولى: أنه من كان يملك عبدا فهو ملكه وله أن يحتفظ به إلى أن يسترد ماله أو أن يعتقه لوجه الله تعالى، لاحظ الدقة والحساسية في التعامل مع الأمر، حيث أنه تعالى قد ثبت للمالك ملكيته ولم يسلبها منه وجعل استرداد القيمة المالية هي أحد أسباب العتق أوأنه يتخلى طواعية عن تلك القيمة المالية لوجه الله تعالى وهذا ايضا فيه استبدال طوعي يتعلق بإيمانه فعلا أن الله سيعوضه عن ماله خيرا أو أنه لايستطيع أن يتصور هذه الحقيقة الإيمانية لنقص في إيمانه فياتي من هو أكثر يقينا فيشتري ذلك العبد ومن ثم يعتقه لوجه الله تعالى

المعيار الثاني: هو أنه لايجوز بعد ذلك استعباد من كان حراًبمعنى أن الحديث في اولا كان يتعلق بمن كان في واقع الأمر عبدا يساوي مالا لصاحبه، أما بعد الإسلام فلا يجوز ان تُجرى معاملة جديدة للرق والعبودية .. بمعنى أنه لايحق لصاحب مال أن يشتري حُرا لايملكه أحد، لأن معاملة البيع والشراء لابد لها من مشتري وبائع فأن كان حُرا فمن الذي يملك حق البيع لمشتري جديد!؟

المعيار الثالث: هو أن مايجري على اولا من تثبيت حق المالك يجري في مقابله تثبيت حقوق المملوك من حيث اكرامه وعدم الاضرار بانسانيته، لذلك ستجد في كتاب الله كثير من الآيات التي تنظم هذه العلاقة بين المالك والمملوك إلى أن تنفض هذه العلاقة بالعتق في أحد الأوجه التي ذكرتها وقد ثبت بالتجربة الواقعية أن خيار الاسلام في التعامل مع هذه القضية الشائكة كان هو الخيار الأفضل، لذلك تجد الان أن المسلمين بعمومهم ينظرون إلى العبودية على أنها أمر مخزي وغير عادل وغير أخلاقي وغير انساني دون الحاجة إلى حكم بالتحريم

***

فاضل الجاروش

 

 

في المثقف اليوم