أقلام حرة

هل إنهزم الخيال؟!

ذات فترة أيام الشباب كانت تردني رسائل من فتاة جامعية فقررت أن أذهب للتعرف عليها في كليتها، لكنها لم تحضر فعدت أدراجي، وبعد أيام وصلتني رسالة منها عنوانها "الحقيقة أغرب من الخيال"، وبقيت العبارة عالقة في ذهني، حتى وجدتنا في عصر هزيمة الخيال، وتجاوزه بمسافات ضوئية.

فما نعيشه اليوم أبعد من أي خيال عند الأجيال السابقة، وما ستعيشه أجيال ما بعد منتصف القرن الحادي والعشرين سيكون أبعد من خيالنا.

فهل خطر على بال مخلوق، أن الإنسان سيرسل مركبة إلى المريخ ويتحكم بها من الأرض؟!!

وهل خطرت على بال، وسائل التواصل الإجتماعي وفضاءات الإنترنيت بأنواعها؟

إن المتكلمين بلغة الخيال ما عاد لهم مكان في عصر ما بعد الخيال، فالواقع المعاصر صار خيالا، والتفاعل معه تواصلٌ مع خيال اللحظة، ومنطلقاتها المحلقة في فضاءات ما وراء الدراية والتصور والإدراك.

ويبدو أن البشرية كانت تتخيل ما لا تستطيع القيام به، وتعجز عن إنجازه، أما اليوم فأية فكرة يمكن تصنيعها وتحويلها إلى موجود يشاركنا الحياة.

فالواقع المعاصر لا يعرف المستحيل، وما عادت هذه المفردة ذات قيمة ومعنى.

ويبدو أن مفهوم الخيال أصبح فارقا بين التقدم والتأخر، فالمجتمعات المتقدمة تَصنع ما ترى وتحوّله إلى كائنات مادية فاعلة، فالتطور التقني يفوق خيالات البشر المشغول بموضوعات بائسة، والمتخندق في تداعيات غابرة، لا يستطيع التحرر من أسرها.

فالدنيا تسبَح في محيطات خيال وتمتطي خيول خيال، وتطوف أرجاء الإستطاعة والتمكن والإقتدار، وبعض مجتمعاتنا غاطسة في وحل الذي مضى وما إنقضى، ومستعبَدة بالأضاليل اللازمة لصناعة القطعان المُخمَّدة العقول، والتي تذهب طواعية إلى المجهول.

فهل من المعاصرة الكلام عن الخيال في مجتمعات تدوس على عقولها سنابك قيل وقال؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم