أقلام حرة

ثامر الحاج امين: للكذبة سماء واجنحة

الكذب صفة مذمومة، ومع ذلك نجده سلوك يتميز به بعض البشر ويعتاش عليه حيث يعمل هؤلاء على اختلاق الكذبة وتزويقها ومن ثم تسويقها للجمهور على انها انجاز ومكرمة، فهناك جمهور واسع من المنافقين والمنتفعين يتقنون صناعة الكذبة عن وعي ومعرفة ويحرصون على تسويقها لجمهور من السذج وانصاف المتعلمين الذين يطربون للكذبة ويستمتعون في ترويجها ونشرها طبقا للمثل الروماني (مديح الكذاب لذة الغبي)، ومن الأكاذيب التي انتشرت في مجتمعنا في السنوات الاخيرة وافسدت حياتنا هي اختلاق البطولات الوهمية، فالمعروف عن البطولة انها شجاعة فائقة، لا يتصف بها ولا يقدِم عليها الا القليل من البشر، ولهذا فهي فعل نادر الوجود في حياتنا، والبطولة ليست عضلات مفتولة وقوة هائلة على التدمير كالتي تقدمها هذه الأيام افلام الأكشن انما تتجسد في شجاعة الموقف في اللحظات الصعبة والتضحية من أجل الغير وكذلك في الموقف الوطني الخالص البعيد عن التعصب الأعمى والتخندق الغبي في اطاره الحزبي والطائفي والقومي، فالبعض وللأسف صار يضفي صفة البطولة على لصوص وقتلة وعلى من عاش حياته خائفا مهزوما ولكن لمجرد ان هذا المهزوم صرح بكلام ينسجم وثقافة القطيع يتحول بين ليلة وضحاها من شخص متهم بالفساد والجريمة وملعون الى بطل ينبغي الاقتداء به ونسيان تاريخه المشبوه في حين يتنكر هذا البعض للبطولة الحقيقية التي تستحق ان يشار لها بحروف من ذهب وان تعتلي لوائح الشرف وتأخذ المكانة التي تستحقها دون النظر الى اية هوية لها غير الهوية الوطنية.

أيام احتلال تنظيم داعش مدينة الموصل قام هذا التنظيم بأعمال بربرية وهمجية تجاه سكانها وارثها التاريخي والثقافي واقترف بحقهم جرائم يندى لها جبين الانسانية ومنها قيامه بإعدام خمسة أطباء من أهلها وذلك بسبب رفضهم معالجة جرحى التنظيم، ولا اعتقد هناك اثنان منصفان يختلفان على وطنية وبطولة هذا الموقف، فقلة الذين هم على استعداد لمواجهة الموت الحتمي والثبات على موقف انساني ووطني، الا ان هذا الخبر مرّ بصمت وهدء غريبين ولم يسلط الضوء على اسماء ابطاله ومقدار تضحياتها وللأسف توارت هذه البطولة خلف صمت اعلامي شعبي ورسمي وبقينا ننتظر من كتاب الرواية والدراما ان يضعوا نصب اعينهم هذه المواقف والبطولات التي غيبتها السياسة العوراء وان يتخذوا منها مادة لأعمالهم الابداعية من خلال ابرازها واضاءتها واعطاءها ما تستحق من كلمات التمجيد بمثل الحماسة التي يعمل بها البعض في اختلاق الكذبة وصناعة بطولات وهمية لشخصيات كارتونية؟.

***

ثامر الحاج امين

 

 

في المثقف اليوم