أقلام حرة

صادق السامرائي: التنوير والتغبير!!

لا تنهض الأمم دون عقول منورة ذات شجاعة وجرأة على المواجهة العقلية مع التحديات التغبيرية.

فالمجتمعات المعاصرة إستنهضتها العقول المنورة العزومة المتوثبة المقدامة المؤمنة بالمستقبل الأفضل، والداعية إلى إعمال العقل وإطلاق حرية التفكير والتفاعل مع مفردات الأيام.

ومن الواضح أن المجتمعات التي إنطلقت في رحاب المدنية كانت نتاج تفاعل عقولها التنويرية، حيث أنارت لها دروب الحياة وأطلقت ما فيها من قدرات.

ومعروف أن المواجهة الصعبة كانت في العصور الوسطى ما بين سلطة الدين وسلطة العقل، وبإرادة التنويريين تمكنت سلطة العقل من إقصاء سلطة الدين عن المجتمع، فوفرت البيئة اللازمة لإطلاق العقول وإعمالها في صناعة حاضرها ومستقبلها.

وبتفاعل العقول المحررة من سلطة الدين، تقدمت المجتمعات وتطورت وبلغت أوج إبداعها وإبتكارها بالثورة الإليكترونية والتكنولوجية التي نعيشها اليوم.

وبقيت مجتمعات أخرى، أو أريد لها أن تبقى ممعنة في الغابرات، ومستثمرة في العمل على إستعباد الناس بالدين الذي صار بضاعتها وتجارتها الرابحة.

فأصبحت مجتمعات عديدة رهينة لرمز ديني أضفت عليه القدسية، وبإنه ممثل الله في الأرض، وكلمته هي العليا وإرادته مطاعة وإشارته قانون.

هذه المجتمعات في الزمن الكوكبي المتشابك صارت تتوهم أن بعض البشر لديه تفويض إلهي، وقدرة على رسم مصيرها الغيبي فهو الذي سيقرر إلى أين ستؤول؟

وأمعنت هذه الرموز في تعطيل العقول وإستعباد الناس وتخنيعهم، وأسرهم بالتبعية والجهل والأمية، وإيهامهم بأنهم لا يعرفون وقاصرون، وأن الرمز أو المُسمى هو العالم العليم والقادر القدير.

وهو الذي يوزع عليهم بطاقات الدخول للجنة أو للنار.

ويبدو المثقف في هذه المجتمعات حبيس الخوف والرعب والمداهنة والسباحة مع التيار، ويرفع رايات حشر مع الناس عيد.

ويكون مرغما في أحيان كثيرة، لأن السلطة الدينية قاهرة ومدمرة وتقضي عليه.

وقد أقدمت على إغتيال العقول المنورة مهما كان شأنها، لأن التنوير ضد مصالحها، فالسلطة الدينية مصالحها في التجهيل والتخنيع وإستلاب الإرادة، وإمتلاك مصير الناس بأوهام تضفي عليها صبغة دينية.

لكن الفرصة التي يغفلها المثقفون، أنهم يعيشون في عصر عولمي الملامح والتطلعات، لا يمكن فيه حجب أنوار المعرفة ورؤية واقع الحياة وأوضاع الأمم والشعوب.

فالفيضان المعلوماتي كاسح وسيزيح العثرات ويرميها على جرف هارئ.

ولهذا فعلى المثقف أن يكون جريئا ومتفاعلا مع أنوار العصر، لا مع ظلمات ودهاليز الهذيانات التي تسمى دينية.

فلا بد من تحرير العقل من قبضة الضلال والدجل والبهتان والمتاجرة بالدين.

فهل أن الدين يدعو للخراب والدمار وسفك الدماء؟

والناس ستؤوب إلى عقولها، بعد أن يوقظها من غفلتها ما يحل بها ويجلبه عليها البهتان، فإعمال العقل من الإيمان!!

***

د-صادق السامرائي

5\4\2019

...................

* التغبير: التضليل

 

في المثقف اليوم