أقلام حرة

صادق السامرائي: مهنة الكتابة!!

الكتابة مهنة في مجتمعات الدنيا قاطبة، إلا في مجتمعات لغة الضاد، حيث يبدو الكاتب وكأنه العدو والمارق الذي على المجتمع أن ينال منه.

فلا يوجد كاتب في بلداننا يعيش بكرامة بقلمه، بل يدفع ثمنا باهضا، وكأنه المجرم الذي عليه أن يثبت براءته.

ومعظم الكتاب يزاولون الكتابة كعمل ثانوي، وقد قال ذات يوم أحد الروائيين المعروفين: "لو كنت طبيبا لما إستطعت أن أكون كاتبا"، وكان موظفا في دائرة ويكتب بعد الدوام.

فالكتابة تحتاج لجهد وإجتهاد ومثابرة وبحث ووقت، وما نقرأه لمعظم الكتاب لا ينفعهم ماديا، بل يتسبب لهم بأضرار جسيمة في أكثر الأحيان.

في بعض المجتمعات حصل إضراب للكتّاب بسبب تدني أجورهم، وثارت ثائرة الدوائر الإعلامية بنشاطاتها المتنوعة، لأن إحجام الأقلام عن الكتابة سيتسبب بتداعيات إقتصادية وإنتاجية كبيرة.

أما في مجتمعاتنا فليصمت الكتّاب، لأنهم بلا دور ولا تأثير في الواقع المعرفي والثقافي والإعلامي، وغيابهم أفضل من وجودهم في عرف أنظمة الحكم، التي تبحث عن أبواقها الراقصة على إيقاعات مظالمها وآثامها النكراء.

فكتّابنا لايمتلكون الحوافز المغرية التي عند كتاب المجتمعات الأخرى، ومع ذلك يتواصلون في كتاباتهم، وكأنهم في جهاد ونضال محتدم لإستنهاض مجتمعاتهم، وتنوير الأجيال وتوعيتها بآليات وضرورات تقرير المصير بحرية وإرادة سيادية صادقة.

وتجد في مواقعنا وصحفنا مقالات تتساءل عن أسباب إستمرار الأقلام بالكتابة، وهذه العناوين لا وجود لها في المجتمعات الأخرى، لأن الكتابة مهنة وحرفة وصنعة لها مردوداتها المادية.

وعليه فمعظم كتابنا يستحقون التقدير والإحترام والفخر والإعتزاز، لأنهم يقدمون جهودا تنويرية وتثقيفية مجانية وبدوافع ذاتية بحتة، وما منهم حصل على حافز مادي عما يكتبه وينشره، بل العكس، فالمحبطات تتفوق على المحفزات.

فعندما يعيش الكاتب الحر حياة رغيدة بجهد قلمه، حينها سندرك أننا مجتمعات معاصرة، ذات قيمة معرفية ودور حضاري، فمجتمعاتنا تهين مبدعيها في حياتهم، وتبجلهم بعد رحيلهم، بينما كانت أقلام كتاب الأمة تقطر ذهبا في عصور سطوعها الإبداعي المنير.

وتبقى الأقلام تكتب وتحطم المصدات، وتقتلع أسوار الصمت الرهيب!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم