أقلام حرة

فاضل الجاروش: الايجاد والانشاء والخلق

ثلاث مراتب قد لا تكون واضحة أو أن فيها التباس على فهم الفارق بينها:

الخلق

فالخلق يعني التخليق وهي مرتبة تتحدث عن الفعل والفاعل والأدوات والموارد ما يعني أنها تقع في حيز الواقع وهي متاحة للجميع إذا امتلك الموارد والأدوات مع الاخذ بالاعتبار الفوارق النسبية في إمكانية استخدام هذه الأدوات والموارد المتاحة، مما يؤدي إلى خلق متباين من حيث الجودة والكمال

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) صدق الله العلي العظيم.. لاحظ هنا أن الله تعالى يُثَّبت قاعدة عامة مفادها أن الإنسان يمتلك إمكانية الخلق ولكن تلك الإمكانية محدودة بادواتها بمعنى أنه لن يستطيع أن يخلق ذبابة وذلك يعني بالضرورة أنه قادر على مادون ذلك مما هو متاح له من أدوات وموارد وذلك قول الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَعِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ). صدق الله العلي العظيم وهذا تأكيد اخر على أن إمكانية الخلق في مرتبة ما بعد الانشاء متاحة تماما ولكنها مُحددة بالقدرة وقد جعل الله تعالى هذه القدرة مادون خلق ذبابة حيث لافرق بين ذبابة أو اكبر منها أو أصغر مما قد أودعه الله روحا، فالمثال هنا لايتعلق بالذبابة كونها معقدة في تصميمها وانما لأن عملية خلق الحياة في جسد متعذرة بسبب أن الإنسان لايمتلك ادوات الفعل المتعلق بالروح حيث أنه لايعرف عنها إلا ماقال الله عنها

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) صدق الله العلي العظيم

لذلك وفي الواقع العملي تجد أن الإنسان استطاع وهو مستمر في خلق مستويات مذهلة من صناعة المعدات والأجهزة والمجسمات التي تضاهي في (شكلها) كثير مما خلق الله، طيرٌ يطير بالطاقة الكهربائية ونحلة وبعوضة تٌستخدم في الحروب وهي تطير لساعات لتنفيذ واجبات استخبارية بل وذبابة إذا اقتضى الأمر إذا كان الأمر يتعلق بالشكل والطيران ولكنها في مرتبة مادون مرتبة الوعي وهي بحاجة إلى من يشغلها ويتحكم بها ويدعمها فضلا عن الفارق في الجودة..

الانشاء

أنها مرتبة عالم الإمكان التي تجري فيها الإرادة الإلهية بحسب القوانين التي جعلها الله تعالى مُتاحة. اذن فأن مرتبة الانشاء تمثل ساحة الخلق ففي مرتبة الخلق يتحدث الحق سبحانه عن الكيفية بشروطها المتعلق بالقدرة على الخلق، حيث يحدد آلية التخليق ( الصناعة).. ماء.. طين

مضغة.... علقة.... عظام.... لحم

(ثم انشأناه خلقا آخر) وهذا دال على أن مرحلتي الانشاء والتخليق هما في عالم الإمكان وليس قبل ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم

(هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) اذن فأن الانشاء يتعلق بوصف الهيأة فهو انشأكم من الأرض وليس من العدم فالارض هنا وجود واقعي والـ من هنا لاتقع بين مرحلتين وانما بين شكلين للوجود المادي فالارض هنا تمثل ساحة الانشاء حيث من الماء والطين انشأناه خلقا آخر..

الايجاد

وهي أعلى مراتب القدرة التي تفصل بين الوجود والعدم فالوجود يعني تحقق الظاهر والظاهر ماظهر للعيان وماظهر للعيان هو مااصبح بالإمكان معاينته بعد ما لم يكن ممكنا لأنه لم يكن ظاهرا فأصبح شيئا بعد أن لم يكن من قبل شيئا

بسم الله الرحمن الرحيم

(قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)

صدق الله العلي العظيم

(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَإِذَاقَضَى أَمراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)

والبديع هنا يعني (الموجد)

عن الرضا عليه السلام في خطبة له: (الحمد لله فاطر الأشياء إنشاءً، ومبتدعها ابتداعاً بقدرته وحكمته، لا من شيء)

من هنا نفهم أن سلسلة الخلق ترتكز على إيجاد الهيئة التي تتضمن المواردوالأدوات والقوانين الحاكمة التي تجعل ساحة الانشاء مناسبة للخلق..

***

فاضل الجاروش

في المثقف اليوم