أقلام حرة

حميد طوسلت: الفساد جريمة وإن اختلفت الأسماء!

من بين الصفات التي تُكسب الاحترام والتقدير والشعبية الكبيرة لكافة الناس والمسؤولين عن الشأن العام منهم على وجه الخصوص، التعفف والنزاهة ونظافة اليد، وغيرها من الصفات النادرة -في البلاد العربية والمغاربية والإسلامية - ندرة المسؤول المنشغل بمشاكل من تولى تسيير شؤونهم من الناس العاديين، المتفاني في خدمتهم، الذي لا يرى في منصبه وجاهة، ولا يتخذ مكانته فرصة لخدمة الذات وتحقيق المغانم الشخصية، التصرفات -التي صقلتها التنشئة السليمة،المنزلية والمدرسية والاجتماعية-التي تُدخل منتهجيها في زمرة الوطنيين الصلحاء، وتعّمق في قلوبهم الولاء والانتماء للوطن والإخلاص و التفاني في حبه، وترّسخ في نفوسهم قيّم المسؤولية الوطنية، وتبعدهم عن عوالم الفساد وآثاره المدمرة لبنيان المجتمع والعاصفة بقوته ومتانته، وتقيهم شرور مظاهره الاجتماعية الغير الأخلاقي المتأصلة في الأفراد والجماعات –إلا من رحم ربي- وتحميهم من الوقوع في سلوكياتها الإجرامية التي يقع في محذورها بعض ضعاف النفوس ومهزوزي الإيمان بالله والوطن، ممن هم في مواقع السلطة -مسؤولين حكوميين وموظفين ومنتخبين - الذين يهدد مصالحهم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ،ويكرهون استثمار الطاقات البشرية ومنح أصحاب الكفاءة ما يستحقون من الامتيازات والمكانة والاحترام والتشّجيع وتقدير إنجازاتهم وتطّوير مهاراتهم، كأهم أس وركيزة للتطور الحقيقي للمجتمعات التي تنقلها من الجمود والتقوقع وغياب المشاركة في صنع الحضارة المحلية، إلى الإنتاجية والإبداع المؤدي لزيادة النمو الاقتصادي في كافة القطاعات.

فإذا كان للفساد كل هذه القدرة على تدمير المجتمعات والعصف بقوتها ومتانتها، فإن الأدهى منه هو مقابلته بالسكوت والتغاضي -الذي لا يقل عنه في الجرم الذي لا يجوز السكوت عنه أبدًا - لما له من آثار سلبية كثيرة على الفرد والمجتمع، التي تصيبه بالانهيار والتدهور، وتفقد أفراده الشعور بالأمن والأمان والاستقرار، وتنشر في صفوفه القلق والخوف والتوتر والاضطراب والغضب وفقدان الثقة بالنفس، وانعدام السيطرة عليها، وديوع الشك في كل العلاقات المجتمعية، وشيوع الكثير من الأخلاق المذمومة التي تبعد أفراد المجتمع عن روح الألفة والتعاون والصداقة وتحول المجتمع إلى غابة لا قانون فيها ولا أخلاق ولا عدالة، ولذلك فعندما يتعلق الأمر بالفساد، ليس هناك حل وسط إلا محاربته بكل جدية، لأن كل تخاذل أو تماطل أو تسويف من أي جهة كانت، فهو دعم ضمني له، وتشجيع لأصحابه، وفتح لأبوابه، و تقوية وتنشيط لمجاله، وإطالة لعمره الذي لا يمتد ولا يعمر إلا إذا تخاذل الشرفاء عن فضح الفاسدين، وتساهل المسؤولين في لجمهم وشكمهم، ما يجعل الفاسدين يأمنون العقاب، ويتزايد عددهم، وتقوى شوكتهم، ويستشري شرهم في جسد الدولة، ويتفاقم خطرهم في جميع مفاصلها، ويتفرعنون في كل المجالات،إلى درجة لا يقوى احد على شكمهم أو الحد من غلواء فضائحهم المعروفة والمفضوحة، والتي تسير بالبلاد إلى الهاوية، كما هو حال الفساد في بلادنا الذي توحشه في كل مكان وبين كافة الشرائح التي تهافتت عليه غالبتها – إلا من رحم ربي- حتى كثر وتكاثر إلى أن وصل إلى حدود لا منطقية ولا معقولة، جعلت المتأمل لحال مجتمعنا، المهتم بهمومه، ليصاب بقدر كبير من الذهول، وتضيع خيوط عقله في زحمة الأجواء المثقلة بغيوم التوتر الخانقة المخيمة عليه من جراء ما يحفل به من سلبيات فساد المال العام العديدة التنوع، الذي لم يتغلغل زعماؤه في المناصب الحكومية والمؤسسات التشريعية التكتلات البرلمانية والأحزاب والجمعيات الخيرية و جمعيات المجتمع المدني، لإخفاء وصمة خزي وعار ما ارتكبوه في حق الشعب والوطن -الذي يعتبرونه شطارة و"فهلوة وقفوزية"- ولكن للإفلات من العقاب حتى يتمكنوا من الحفاظ على امتيازاتها المختلفة، التي أضحى المرء مرغما أمام وطأة قبحها الجلي والمفضوح،ألا يتوقف عن ترديد المثل الشعبي المصري:"يا فرعون مين فرعنك، قال ما لقيتش حد يلمني." والذي ينطبق تمام الانطباق على حال بلادنا التي كثر فيها عدد الفاسدين وتضاعف بين المسؤولين الحكوميين من كل الأصناف والمراتب والدرجات، وارتفع منسوب الفساد بين المنتخبين بكل أنواعهم وتصنيفاتهم البرلمانين ومسيري الجماعات ومجالس العمالات، دون محاسبة أو متابعة، رغم وجود المجلس الأعلى للحسابات وتقديمه لآلاف الملفات التي تدين الكثيرين .

***

حميد طولست

في المثقف اليوم