أقلام حرة

عبد القادر رالة: ظهور المغول وتأثيرهم

كان ظهور المغول في القرن الثالث عشر حدثاً عنيفاً ذو تأثير مدمر على الحضارة الإنسانية في القسم الشرقي، واستمر يهدّد القسم الغربي والجنوبي لعقود متواصلة، حتى تمكن المماليك في النهاية من الانتصار عليهم في معركة عين جالوت، فانحسرت ْ تلك الموجة العاتية و قد كانت تتحفز لابتلاع الشام ومصر وأوروبا ...

واستطاعت تلك الجموع والقبائل المغولية المتنافرة أن تتحد في قوة ضاربة بقيادة جنكيزخان، لتنطلق  فتحرق وتدمر القوى الكبرى في الشرق؛ أسرة سونغ الصينية سنة1279، والدولة الخوارزمية سنة 1221، والخلافة العباسية سنة 1258...

وكان الصينيون والمغول في عداوة مستمرة لا تهدأ منذ عهود غابرة تمتد الى ما قبل تشييد سور الصين العظيم، ولم يستطع البدو المغوليين أن يندمجوا مع الأسر الصينية المتوارثة ، فحافظوا على قيمهم الاجتماعية وقوتهم العسكرية المعتمدة على المباغتة والفروسية حتى استطاع جنكيزخان أن يوحدهم ...

استطاع المغول بقيادة جنكيزخان أن يحققوا انتصارات متلاحقة عنيفة، ضربتْ بقوة وعمق حواضر التمدن في الصين وآسيا الوسطى وفارس وبغداد، محولةً كل شيء إلى رماد ودماء وجماجم ..

وتمكن خلفاء جنكيزخان من أولاد و أحفاد من تكوين إمبراطورية عظمى مترامية الأطراف تعتبر في التاريخ من أوسع وأعظم الممالك، تمتد من كوريا شرقاً الى حدود بولونيا غرباً إلى أواسط الهند جنوباً ..

غير أن الغزاة البرابرة سرعان ما تأثروا بالمهزومين المقهورين فاندمجوا في الحضارة التي أحرقوا مدنها وحواضرها، ونكلوا بأهلها، وعاثوا فسادا في حواضرها العامرة فصيرّوها خراباً ...

في الصين تأسست أسرة يوان المغولية، أما في ـأسيا الوسطى وجنوب روسيا فقد دخلت جموع المغول في الإسلام، ووضعوا أيديهم في أيدي المماليك لصد العدوان المغولي و الصليبي القادم من الغرب ...

وكان للمغول دور كبير في توسيع رقعة الإسلام في الصين لأن حكام اليوان كانوا من المغول أبناء عمهم، فلقي المسلمون كل ترحيب واهتمام من طرفهم، في كامل الإمبراطورية الصينية، كما كان لهم دور في تأسيس إمارات اسلامية جنوب روسيا وفي منطقة القرم . أما في الهند فقد تمكن المغول المسلمون من تأسيس إمبراطورية المغول العظيمة التي حكمت الهند لمدة طويلة حتى قضي عليها الانجليز في بداية القرن التاسع عشر الميلادي .ومن الهند امتد انتشار الإسلام في اندونيسيا وأرخبيل الملايو .

غير أن انطفاء وهج الحضارة في بغداد العباسية كان الخسارة الكبرى في التاريخ الإسلامي والعالمي، وكان له تأثير مأساوي رغم انتقال ذلك الوهج خافتاً الى القاهرة، أو إلى تلمسان أو فاس..

وكان للضغط المغولي في أسيا الوسطى والأناضول دور في ترحيل الكثير من القبائل التركية نحو الغرب، وكان ذلك الهروب أساسا في تكوين الإمبراطورية العثمانية فيما بعدْ...

***

بقلم: عبد القادر رالة

في المثقف اليوم