أقلام حرة

صادق السامرائي: الكراسي تعادي أعلام الأمة!!

تردني منشورات تذكر أسماء العديد من أعلام الأمة الذين أصابتهم يد السلطة بالتنكيل والإذلال والإمتهان والقتل، ويكون عنوان المنشورات: الأمة تقتل عقولها وجهابذة المعارف والعلوم فيها.

وهذه فرية لا رصيد لها من الواقع، فالذي يقتل ويهين العلماء والعقول المنيرة هي الكراسي لا غير، ولا يصح أن نقرن الأمة بالكرسي.

وسلوك الكراسي المناهض لأصحاب العقول المتنورة، جرى في أمم الدنيا الأخرى، في روسيا في النصف الأول من القرن العشرين، وفي الصين وغيرهما، وما قيل أن الأمة الروسية أو الصينية تقتل علماءها وتهين عقولها.

وبماذا يوصف ما فعلته دول أوربا  والكنيسة بالعلماء في العصور المظلمة؟

إن العلاقة بين الكرسي والرعية على مر العصور تستند على مبدأ السمع والطاعة، وأي معارضة أو رأي مغاير يُحسب عدوانا، ولا بد من القضاء على أصحابه أيا كانوا، والتأريخ يزدحم بالسلوكيات المعبرة عن إرادة القوة، التي عليها أن تهيمن وتقبض على مصير الناس.

فالقول بأن الأمة تقتل علماءها بهتان وتضليل، ومداهنة للكراسي الجائرة الغابية الطباع والتطلعات، والمفلوتة الرغبات، فهي التي عبثت بمصير البلاد والعباد في دول الأمة قاطبة.

الأمة في حقيقتها تعز علماءها وتعلي من شأنهم ودورهم في صناعة الحياة الحرة الكريمة، وعلتها في أن الجالسين على الكراسي من الجهلة والتابعين لأعدائها، فالأمة قادت مسيرة التنوير الإنساني عندما تقلد الحكم فيها العلماء والعارفون، الذين جعلوا للعلم مكانة ودور، وفي مقدمتهم المأمون الخليفة العالم الذي جعل العقل إماما.

وفي زمننا المعاصر يندر وجود القائد العارف في دول الأمة، فمعظمها تخضع للحكم العائلي القاصر معرفيا، وتتحكم بها الفردية والفئوية والطائفية، ومَن يجلس في الكرسي يتوهم المعرفة، وعنده القول الفصل، وعلى الناس أن تتبع أو تقبع في المعتقلات والمقابر.

فلا تقل أن الأمة تقتل علماءها، بل المتهم الأول والأخير القابعون في كراسي الذل والهوان والإمتهان!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم