أقلام حرة

ضياء الهاشم: الوظيفة العامة وقدسيتها

تعد الوظيفة العامة، التي هي عبارة عن مجموعة من المهام والواجبات والاعمال التي توكل لشخص ما أو مجموعة من الناس يؤدوها حسب الاختصاصات، وتستهدف المصلحة العامة وحدها، وتُنظمها مجموعة من القواعد القانونية، واحدة من أبرز مظاهر التحضر وتطور العلاقات الانسانية في أي مجتمع تسوده القيم الإنسانية والاخلاقية. والوظيفة العامة تعتمد بالاساس على الموظف الذي يقوم بتأدية العمل بإخلاص وفق اللوائح القانونية ويحترم حقوق الناس وشرف وظيفته، حيث تكون الاولوية في تأدية الواجب بكل تفان وحرص واخلاص ودقة هي غاية اهدافه لتحقيق مصالح الناس التي هي المصلحة العامة المرجوة من اي وظيفة.

ولما كانت مصالح الناس تعتبر جزءا مهما من مصالح اي دولة تقوم على اساس العدل واحترام حقوق الانسان، لهذا نرى المجتمعات المتحضرة والمتطورة توليها أهمية في تحقيق سبل انجازها بكل سلالة واريحية ابتداءا من تذليل العقبات أمام ايصال حقوق الناس حتى تحقيق الرضا داخل نفوسهم عند اتمام مصالحهم. والطريق لتذليل اي مشكلة يمكن ان يكون سهلا في حالة اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، حيث الموظف الخلوق وصاحب الاختصاص هو المعيار الذي يدلل على كفاءة الشخص لتولي مهمة انجاز المصالح العامة، وليس واحدة من تلك الصفات دون سواها. فصاحب الخلق الرفيع يحافظ على حقوق غيره ويحترم مصالحهم، وصاحب الاختصاص يوفر امكانياته وقدراته في تحقيق وانجاز مهامه بالصورة التي يتقبلها الناس وفق القوانين والاعراف، فلا يضع المعوقات امام الناس لجهله وقلة معرفته ولا يكون عقبة امام تحقيق مصالحهم فيعترض بكل الطرق وباستخفاف على انجاز اي مهمة توكل إليه وهو قادر على اتمامها. أن الموظف الذي لا يقدس اهمية الوظيفة العامة غالبا ما تراه منشغلا بأموره الخاصة اكثر من اهتمامه بتأدية واجباته المناطة به في اطار الوظيفة وتعاملاته دائما مشوبة بالاستغلال والغموض والتعقيد وقلة احترام الوقت والمراجعين وحرمة الوظيفة العامة، فتراه يخصص له وقت لمأكله في وقت ذروة العمل، أو ينشغل باللهو بهاتفه الشخصي أو يقوم باجراء مكالمات غير ضرورية مع ذويه واصدقاءه  ويترك المراجعين ينتظرونه لساعات وهو غير آبه لانتظارهم اولا يحترم وقتهم الطويل الذي سيصرفونه في متابعة انجاز معاملاتهم التي ربما لا تستغرق اكثر من دقائق قليلة لاتمامها. هناك بعض الموظفين من يقوم بزيارات لزملاءهم بالعمل معهم في اماكن بعيدة عن مكان عملهم ويترك عمله في مهب الريح، وهناك من يقوم بغلق بابه امام الناس لأي سبب كان ويتحجج بأنه يريد تأدية فروض الصلاة بأوقاتها، او اخذ العلاج او حتى الذهاب الى الحمام بصورة متكررة طوال اوقات الدوام اليومي أو لتدخين سيكارة أوممارسة بعض التمارين، أو مشاركة بعض الزملاء حفلات شرب الشاي والقهوة وجميع تلك التصرفات غير المسؤولة تعتبر استخفافا بواجباته وقلة احترام لقدسية الوظيفة العامة المؤتمن عليها من قبل المجتمع، وهي خيانة لا يمكن ان تغتفر مع الاصرار على تكرارها والادمان عليها، ولهذا فأن الشارع المقدس يٌحرم على امثال هؤلاء الموظفين رواتبهم التي يستلموها في نهاية كل شهر مع تواجدهم في مكاتب عملهم وقلة انجازهم لمهام عملهم الموكلين بتأديتها على احسن وجه. أما من يقوم باستغلال وظيفته لتحقيق مصالحه الخاصة او مصالح ذويه أو يقوم بتحصيل موارد مالية اخرى من خلال استغلال موقعه الوظيفي بالرشى او تعاطي العمولات وتحصيل العقود التجارية او تأسيس شركات خاصة بأسمه فهو دخل موقفا مضادا للقانون وعادى المجتمع بأشنع صورة وابشع تعامل ويستحق العقوبة وفق القوانين النافذة والطرد من الوظيفة.

***

ضياء الهاشم

في المثقف اليوم