أقلام حرة

عبد القادر رالة: الخطأ العثماني

كان حصار فبينا في قلب أوروبا سنة 1683 أقصى توسع للعثمانيين في أوروبا منذ ظهورهم في بلاد الأناضول قبل قرون، ومنذ أن ظهر الأتراك في التاريخ الإسلامي أو العالمي فيما بعد ظهروا كقوة عسكرية وكرجال ذو بأس وجلد، منذ أن استخدمهم الخليفة العباسي المعتصم بالله والسلاجقة، فلا عجب أن اشتهر الأتراك بالفتح العسكري والصراع الإقليمي أو الدولي أكثر مما اشتهروا بالإبداع الحضاري أو الاجتهاد الديني والفقهي ...

وكانوا يقمعون أي تمرد بالقوة وفي البداية كان اهتمام الخلفاء العثمانيين بالجهاد ضد أوروبا لكن حدثين هامين وخطيرين جعلهم يتجهون جنوباً ويولون اهتمامهم صوب بلاد الشام ومصر والعراق والجزيرة العربية واليمن، وهو ظهور البرتغاليين في الخليج على سواحل عدن، وظهور الصفويين كقوة منافسة اتخذت من التشيع مذهبا أرادت فرضه على العالم الإسلامي، وبالأخص في المناطق والأقاليم السنية في المشرق، ورغم أن الصفويين كانوا قبائل تركية إلا أنهم دخلوا في صراع مرير ورهيب ضد الأتراك العثمانيين عطل جهودهم العسكرية في أوروبا والبلقان ...

وارتكب المماليك خطأ كبيرا لما تحالفوا مع الصفويين فجعلوا من أنفسهم عدوا للأتراك العثمانيين فكانت تندلع بينهم المعارك ينتصرون تارة ويهزمون تارة، حتى سنة 1517 اّذ تمكن العثمانيون نهائيا بسط نفوذهم على مصر والشام ...

وإن كان العثمانيون معذورون في الاعتماد على الحربية والحسم العسكري إذ أنهم كانوا في صراع مع دول أوروبية متحالفة ناهضة لها أهداف استعمارية واضحة مثل الأسبان والبرتغاليين والروس والفرنسيين والانجليز بالإضافة الى صراع مع الصفويين الذين كانوا يطمحون ويجدون في تشييع العالم السني بما فيه بلاد الحجاز ونجد ...فإنهم غير معذورين وارتكبوا خطأ كبيرا اذ استغنوا عن العرب وقللوا من شأنهم وهم قلب الإسلام ودماغه فلم يهتموا بالحضارة والفكر والتراث المكتوب باللغة العربية وفي بعض الفترات حاربوا اللغة العربية بل إنهم لم يهتموا بالدعوة الإسلامية ...

أخطأ الأتراك لما عزلوا العرب كعرق متفوق ومبدع وأبعدوهم عن مراكز القرار وبل واعتبروهم رعايا من الدرجات الدنيا، وبذلك أبعدوهم كأصحاب لغة عالمية وحضارة راقية متلألئة وتراث ديني وعلمي وأدبي كان يمكن التأسيس عليه لبناء نهضة حضارية علمية تنافس حضارة أوروبا الناهضة!

لذلك ألقت تلك الفترة ظلالاً سوداء كئيبة على دمشق وبغداد والقاهرة والمدينة المنورة وبجاية وتلمسان والقيروان كحواضر حضارية كبرى كانت مراكز إشعاع علمي وفكري ....

بل إن تلك الظلال استمرت لأجيال وأجيال حتى أن الاستعمار العالمي الخبيث استغل ذلك وبرر بربريته وهمجيته لاحتلال بلاد العرب بحجة تخليصهم من الأتراك! بل وبث سموم التفرقة بين الأمتين التركية والعربية خدمة لأهدافه الاستعمارية فلا عجب أن نجد بعض المؤرخين والكتاب يعتبرون فترة الحكم العثماني فترة استعمار لا تختلف عن الانجليز او الفرنسيين!

كما كتب المرحوم يوسف السباعي قائلا: " فترة الحكم العثماني للوطن العربي، فنجد فيما يحكي عن هذه الفترة العجب العجاب، فليس الأتراك المسلمون في نظر هؤلاء (المستشرقين وتلاميذهم) الا مستعمرين لبلادنا ممتصين لخيراتنا، وليس رابطة العقيدة التي حملوا لواءها الا قناعا نفذوا من خلاله مآربهم وأطماعهم الاستعمارية"....

***

بقلم عبدالقادر رالة

في المثقف اليوم