أقلام حرة

علاء اللامي: مفردات اللهجة العراقية بين العربية والمندائية (9)

مفردات هذا الجزء: دجلة، دابرة، دارجة، دايح، دچة، دِش، درخ، دگلة، دغل، دگة، دنغوس، دودة، هجَّ، هرش، حريشي، هرفي، أبو الهلس.. تذكير مكرر: ولتسهيل قراءة قوائم المفردات، سأكتب المفردة أولا كما تلفظ في اللهجة العراقية، ثم علامة مساواة وبعدها لفظ المفردة في المندائية كما ذكره المؤلف بين قوسين كبيرين، ثم معناها في المندائية أو اللهجة العراقية، ثم أختم الفقرة بتعليقاتي أو استدراكاتي عليها مع التوثيق التأثيلي من المعاجم على كونها عربية وحسب ترتيب ورود هذه المفردات في الكتاب المذكور:

110- دابرة =(دابرا) وتعني في الآرامية القائد والمرشد. وهذا المعنى بعيد جدا عن معنى الكلمة في اللهجة العراقية حيث تعني إن الأمور أو القضية دابرة أي تم تدبيرها فهي مُدَبَّرَة، وجذر الكلمة العربي الثلاثي هو "دبر"، ولكن المؤلف يستدرك فيقول "يمكن أن يكون أساس كلمة "دابرة" باللغة العامية من اللغة العربية في معنى التدبر، كما يمكن أن يكون الأساس مندائياً بمعنى الانقياد"، وهذا كلام متناقض ولا معنى له. وبغض النظر عن مساواة المؤلف بين اللغة واللهجة فإن استدراكه حول هذه المفردة يؤكد عروبة الكلمة حتى إذا كانت تتواشج مع الكلمة المندائية لكون اللغتين شقيقتين من عائلة لغوية واحدة.

111- دارجة (درگا) درجة، خطوة، درب في المندائية. والكلمة عربية ومستعملة في العامية والفصيحة. وهي تعني في العامية "ماشية" أو "دابرة" التي سلف الوقوف عندها في الفقرة السابقة، فنقول "الأمور دارجة" أي الأمور ماشية أو متحركة بالتدريج ببطء. نقرأ في معجم المعاني (دَرَجَ الصبي: أخذ في الحركة ومَشَى قليلاً أوّل ما يمشي: - درَج الشّيخُ/ الطفلُ).

112- دايح = (دها) تعني في المندائية يدفع، يطرد، يخرج. وهذا معنى بعيد عن المراد بالدايح أي المتشرد والمتسكع في الطرقات وربما كانت لها علاقة بالفعل العربي "انداح الشيء: انبسط، امتد" رغم أن هذا التخريج ضعيف هو الآخر، أو أن هذه الكلمة قادمة من لغة جزيرية أخرى.

113- دچة = (دِشا) المدخل، الباب. وهذه الكلمة هي "دكة" العربية ولكنها ملفوظة بكشكشة ربيعة ولا موجب لاعتبارها مندائية وهي تعني دكة الباب وليس الباب.

114- دِش =(دش) وتعني الدخول. والأرجح أن الكلمة عربية الجذر وهي فعل الأمر من يدش ونقرأ في معجم المعاني أحد معانيها القريبة (دَشَّ فِي الأَرْضِ: سَارَ فِيهَا). وأعتقد أن الراحل طه باقر ذكر إنها أكدية بلفظ "دشو" ومثلها "خشَّ/ خشو" أي دخل.

115- درخ =(درخ) يدوس، يمشي، يسحق. والكلمة أكدية وآرامية أيضا بمعنى حفظ عن ظهر قلب، ولا أدري ما دقة المعنى الذي جاء به المؤلف (يدوس، يمشي، يسحق) فهو يبقى أعرف مني بلغته المندائية. والقصد أن الكلمة مشتركة بين عدة لغات جزيرية "سامية".

116- دگلة = (د گلا) دجل، خداع، غدر، مغشوش. ويقول المؤلف " يحتمل أن هذه الكلمة جاءت من كلمة (دگلة) بلام ثقيلة تثير إلى نوع من النخل الذي يحمل تمرا من نوعية رديئة. والكلمة عربية فصحى قديمة ومستعملة في اللهجات العربية من العراق إلى الجزائر وهي "دقلة" تلفظ بقاف حميرية أي بجيم قاهرية، ونقرأ عنها في معجم لسان العرب "والدَّقَل أَيضاً: ضَرْبٌ من النخل، والجمع أَدقال، وقيل: الدَّقَل من النخل يقال لها الأَلوان واحدها لَوْن؛ قال الأَزهري: وتَمْر الدَّقَل رديء، ومن الدَّقَ ما يكون تمره أَحمر، ومنه ما تمره أَسود وجِرْمُ تمرِه صغير ونواه".

117- دجلة = (د گلا) اسم نهر عراقي معروف. ويقول المؤلف أن الاسم جاء من الغدر لأن النهر يغدر بفياضاناته. والاسم في السومرية (أدگنا) ومنها انتقلت الى اللغة الاكادية فأصبحت تُلفظ (دِگلت) ومنها جاءت إلى العربية بجيم غير معطشة.

118- دغل = (لم يذكر لفظها في المندائية). ويعرفه بأنه "نوع من الحشيش الضار ويمكن أن يكون للكلمة أساس في العربية". وكلام المؤلف هنا نافل فالكلمة عربية فصيحة، وردت في اللسان بالمعاني التالية "والدَّغَل: الشجر الكثير الملتفُّ، وقيل: هو اشتباك النبت وكثرته؛ قال ابن سيده: وأَعرف ذلك في الحَمْض إِذا خالطه" الغِرْيَل".

119- دگة= (دُگة) وتعني في المندائية مشكلة وإرباك. والكلمة عربية "دَقَّة" ملفوظة بقاف حميرية أي بجيم قاهرية. وفي العامية العراقية دقَّ تعني ضرب والدقة الضربة وتأتي بمعنى الفعلة المرفوضة والشائنة غالبا، والدقة تعني أيضا كسير الرز الذي يجمع ويطبخ على حدة كعصيد أو يطحن ويخبز.

120- دن =(دنا) وعاء كبير مصنوع من الطين لحفظ الحبوب. والكلمة عربية فصيحة نقرأ عنها في معجم المعاني (الدَّنُّ: برميل؛ وعاء ضخم للخمر والخلّ ونحوهما). وفي المعجم اللغة العربية المعاصرة، نقرأ (الدّنُّ: ما عَظُمَ من الرَّوَاقِيْدِ، وجَمْعُه دِنَانٌ).

121- دنغوس = (دكوشا) وتعني في المندائية الثاقب، النافذ، الحاد. وهذه المعاني بعيدة عن المعنى العراقي حيث تعني الكلمة (اللئيم/ الحقود) وتلفظ بالزاي "دنغوز" وليس بالشين.

122- دودة=(دودا) وتعني في المندائية مشكلة، قلق، تشوش. ويضيف المؤلف تخريجا عجيبا فيقول (والدودة معروفة في اللغة العربية والعامية بمعناها المتداول وتجمع على دود وديدان. ولكن يغلب في اللغة العامية استخدام مصطلح (بيه دودة) على الشخص الذي لا يستقر على حال أو يثبت في مكان.../ ص202)! ولا تعليق لي على هذا التخريج العجيب!

123- دوس = (طوس) وتعني في الآرامية يطير يرفرف يعوم. ويشرح المؤلف تخريجه فيقول: "تستخدم كملة "دوس" كثيرا في اللغة العامية ويقصد بها تأدية العمل بسرعة. وعادة ما تقال أثناء المشي. ومعنى المفردة في المندائية هو ما يراد به عند استخدامها في العامية. فحين يطلب من الشخص أن يمشي بسرعة يقال له (دوس).. وربما يختلط معنى اللفظ مع معنى داس على الشيء أو مشى عليها أو سحقه في اللغة العربية"! وهذا ليس تخريجا لغويا دقيقا، فكلمة " دوس" بمعنى زِدْ سرعة مشيك أو عملك" هي من الاستخدامات الحديثة والمجازية للكلمة العربية في صيغة الأمر من "يدوس" والتي تحيل إلى زيادة السرعة بالدوس على دواسة الوقود في السيارة أو ما ماثلها!

124- هاي =(هاي) اسم الإشارة للمذكر. وهذه المفردة هي اختزال شائع في عدة لهجات عربية خليجية وغير خليجية لاسمي الإشارة العربيين هذا وهذه. ويمكن اعتبارها اختزالا للفظة "ها هي" فتقال اختزالا " هاي" وفي بعض اللهجات العربية يقع الاختزال على هاء التنبيه والإبقاء على ذي للإشارة.

125- ومثلها عبارة " هاي منو" فهي اختزال عامي لعبارة " هذا من"؟ وعبارة " وكذلك عبارة "هاي هي" هذه هي!

126- هجَّ =(هگا) ويقول المؤلف إنها مندائية وتعني غادر وتحول. ولكنها عربية فصحى وبمعنها العراقي بالضبط. نقرأ في معجم المعاني (هجّ الشّخص = فرَّ إلى مكان بعيد من ظُلمٍ ونحوه كأنّه اشتعلت ناره: هَجّ من بلاده).

127- هرش، حريشي =(هرش). وتعني في المندائية الخرس. ولكن معنى الكلمة والتي تفيد الدعاء بالإصابة بمرض تعني شيئا آخر غير الخرس. نقرأ ما كتبه الباحث بهروز الجاف: "الحريشي مرض قاتل، يتسبب به طفيلي صغير يسمى "الحريش" وهو دودة "العَلَق الطبي" بعينها، ويسميها اهل المدن في العراق "أم أربعة وأربعين" أي لها أربع أربعون رجلاً. أكثر ما كانوا يصابون بالحريشي هم البدو حيث ينمو الحريش في مياه العيون النقية، وعندما كانت ترتوي الأبل والدواب منه تعلق الدودة في بلعوم الدابة فتبدأ بالتغذية على دمها فتبدأ بالانتفاخ وتكبر بالحجم الى ان تتسبب باختناقها ومن ثم هلاكها. وغالباً ما كان الحريشي يصيب الإنسان أيضا".

128- هرفي = (هرف) جاء مبكرا. وردت هذه الكلمة في كتاب طه باقر "من تراثنا اللغوي القديم" كمفردة أكدية، وهي عربية فصحى أيضاً. نقرأ في المعجم الوسيط (هرفَّت النَّخْلةُ: عجَّلت ثمرها. وهَرَّفَ القومُ إلى الصَّلاة: عَجَّلوا. والهَرْف: ما يُعجَّل من الثَّمر وغيره. وكنت قد أثلتها في كتابي "الحضور" على الشكل التالي: "هرفي = بالأكدية هرپو بالباء البابلية، وتعني الزراعة المبكرة وعكسها أفلي، ومازالت كلمة هرفي تستعمل في جنوب العراق وفي دول الخليج وتعني الخروف الصغير، ولا أتذكر جيدا إن كان يعني أيضا المولود قبل موسمه، وهل تطلق على المزروعات المبكرة أي الباكورة وجمعها بواكير. وردت بهذا المعنى في اللسان (والهَرْفُ: ابتداء النبات).

129- هسه =(هشتا) الآن، في هذا الوقت. وهذا اللفظ هو اختزال مشهور لعبارة " هذه الساعة" وتلفظ أحيانا في بغداد "هسع" وفي مدن ومناطق أخرى "هسَّ / هسه"

130- أبو الهلس =(هلصا) المؤخرة شيء مدور وربما يقصد مكوَّر! ولا علاقة لها بنتف الريش كما يعتقد ولكني أتحفظ على تخريجته هذه لوجود كلمات أخرى يمكن أن تحل محل عبارة "المؤخرة الكبيرة المدورة"! يتبع

***

علاء اللامي

في المثقف اليوم