أقلام حرة

علاء اللامي: مفردات اللهجة العراقية بين العربية والمندائية (11)

طرشي، طاسة، طرا گ، طرگاعة، طرش، طلي، طمس-  طلابة، طنب، طنگر، طوف، ياهو، ياكل وكت، يتحرگن، چلّب. تذكير مكرر: لتسهيل قراءة قوائم المفردات، سأكتب المفردة أولا كما تلفظ في اللهجة العراقية، ثم علامة مساواة، وبعدها لفظ المفردة في المندائية كما ذكره المؤلف قيس مغشغش السعدي بين قوسين كبيرين، ثم معناها في المندائية وفي اللهجة العراقية، وأختم الفقرة بتعليقاتي أو استدراكاتي عليها مع التوثيق التأثيلي من المعاجم على كونها عربية وحسب ترتيب ورود هذه المفردات في الكتاب المذكور:

161- طاسة =(طاسا). إناء صغير يشرب به. والكلمة عربية بهذا المعنى نقرأ في المعجم (طاس: جمع طاسات. إناء صغير يوضع به ماء ويعدّ على المائدة ليغسل فيه الآكل أصابعه -  إناء من نحاس ونحوه يُشرب به، أو فيه).

162- طرا گ =(طرا) ضربة كف. يبدو لي أن هذه الكلمة من الكلمات الحكائية أي المحاكية لصوت فعلها مثل الخرير والهدير والهسيس والوشوشة.. فهي تلفظ (طراق) بقاف حميرية لمحاكاة صوت ضربة الكف على الوجه. وهي موجودة في دول الخليج العربي والجزيرة.

163- طرگاعة =(طيرقا). وتعني في المندائية بلوى مشكلة اضطراب. والتخريج ضعيف جدا، فالكلمة بعيدة لفظا عن مقابلتها في اللهجة العراقية وسبق أن كتبت عنها في كتابي "الحضور الأكدي والآرامي والعربي الفصيح في لهجات العراق والشام) ردا على تخريج مشابه طرحه السيد صلاح مال الله: "مثال آخر على التعسف وغياب المنهجية العلمية نجده في تأثيل مال الله لكلمة "طركاعة" الريفية العراقية فهو يكتب قائلا (طرگـاعه: هيجان عظيم، واضطراب شديد.  وهي مشتقة من الجذر الثلاثي الآرامي [ط ر ق] بمعنى: يخفق، يخلط، يقلق (الهدوء والسكينة).  فنقول [طرگ البيض] أو[طرگ اللبن] بمعنى خفقه وحركه. و [طرگـا أو طرگـاءة] ـ أصبحت بعدئذ طرگـاعة ـ هي بمعنى: تشويش، اضطراب، اقلاق، ازعاج   وفوضى).

فأولا، نحن نعرف أن معنى المفردة في الجنوب العراقي تحديدا ليس الهيجان أو الاضطراب أو الإزعاج ...الخ، كما يقول مال الله، بل تعني الكارثة والمصيبة الكبرى. وثانيا، فإن الكاتب فسَّر الجزء الأول من الكلمة بإعادته إلى الجذر الآرامي "طرق" وهو جذر سامي موجود في العربية كما الآرامية، وسكت عن الثاني، في حين يمكن وبكل سهول تفسير المفردة عن طريق إرجاعها إلى أصلها الفصيح العربي وهو "طر القاع" أي شق أو فطر الأرض. وكلمة القاع موجودة في الكتب التراثية بمعنى الأرض وجمعها "قيعان" نقرأ في لسان العرب لابن منظور (القاعُ: المكانُ المستوي الواسعُ في وَطاءَةٍ من الأَرض يعلوه ماء السماء فيمسكه ويستوي نباته وفي الحديث: إِنما هي قِيعانٌ أَمْسَكَتِ الماءَ. قال الأَزهري: وقد رأَيت قِيعانَ الصّمّانِ وأَقمتُ بها شَتْوَتَيْنِ، الواحد منها قاعٌ وهي أَرض صُلْبةُ القِفافِ حُرَّةُ طينِ القِيعانِ).  وهي موجودة بهذا المعنى في اللهجة التونسية المعاصرة وقد سمعتها من شيخ تونسي في مدينة سوسة، قال (اشتريت القاع وما زال ما بنيتهاش). وطرَّ تعني في اللهجة العراقية الجنوبية والغربية (شقَّ)، وهكذا قد يكون المدلول الأقرب إلى الصحة لعبارة "طرقاعة" هو الكارثة أو المصيبة التي تشق الأرض أو تنشق لها الأرض. وهناك عبارات مقاربة لهذه العبارة وردت في القرآن بصدد علامات يوم القيامة يوم تنشق السماء وترمي الأرض أثقالها ... الخ. وهذا مجرد تخريج شخصي قد يصح وقد لا يصح، وقيمته تكمن في قربه من واقع حال المفردة ومصدرها وحركتها التاريخية في اللغة، فإذا ما ظهر غدا نصٌّ أكديٌّ مترجم ووردت فيه مفردة "طرقاعة" بالمعنى الذي تستعمل فيه اليوم فسيكون لزاما عليَّ التخلي عن التخريج الآنف الذي شرحته والقبول بالحجة الدامغة الجديدة".

164- طرش =(طرش) وتعني الطرش لجمع الحمير والبقر. ويضيف المؤلف (تتفق كلمة "طرش" في معناها ولفظها في اللغة العربية والعامية المندائية"! فلماذا أتعب المؤلف نفسه وزجَّ بها في معجمه المندائي إذن؟ أليست اللغتان العربية والمندائية شقيقتين ومن عائلة لغوية واحدة، وهما قريبتان من بعضهما لفظا ومعنى؟

165-  طرشي = (تر شايا) وتعني المخللات. وهذا تخريج ضعيف، فكلمة طرشي كما يكتب الباحث محمد كريم من مصر "كلمة فارسية تعني الثمار المملحة، وبالعربية تسمى "مخلل"، أي الثمار الموضوعة في الخل والملح حتى تخللها، وبالتركية تورسو، وباليونانية القديمة تورسي. ويقول المخضرمون من أهل المهنة في أحياء مصر الفاطمية إن كلمة طرشي جاءت من اسم البرميل الخشبي الذي كانت تحفظ فيه الثمار المملحة ويطلق عليه اسم الطرشة/ العربي الجديد 11 آب 2017". والكلمة مستعملة في أغلب اللهجات العربية وليس في العراق فقط.

166- طسه = (طوس) يرفرف يطير في المندائية. لا علاقة لهذه الكلمة التي تعني المطب بالكلمة المندائية لفظا ومعنى. وربما كانت لها علاقة بالفعل العربي "وطسَ" ويعني في معجم المعاني نقلا عن معجم الرائد: وطس الشيء: كسره ودقه -  وطس الأرض: حفر فيها حفرة. أو بالفعل المضعف طسَّ ويعني: طسَّ فلانًا طعنه، صدمه: طسَّه بسيارته، -  طسَّ الرجلَ قِطارٌ سريع. ويبقى هذان التخريجان ضعيفان أيضا ولكنهما أكثر منطقية من يطير ويرفرف المندائيتين!

167-  طلابة =(طلابا) وتعني في المندائية طلب –رجاء ومعناها في العراقية بعيد جدا فهي تعني الخصومة والمشكلة وهي أقرب إلى مشتق "المطالبة" من الجذر الثلاثي العربي نفسه "طلب". أما تخريج المؤلف حول معنى الطلب والرجاء لحل المشكلة في الكلمة المندائية فلا معنى له ولا علاقة له بمعنى المفردة المباشر في اللهجة العراقية.

168- طلي =(طليا) حدث صغير صبي في المندائية. وفي اللهجة العراقية هو الحمل الخروف الصغير فلا علاقة للمفردة بالمعنى الآرامي المذكور. والكلمة عربية فصحى ومستعملة في العراق وفي دول عربية أخرى وهي في قاموس الرائد كما ينقل لنا معجم المعاني (طلي من أولاد الغنم الصغير، جمع: طليان) وفي المعجم الوسيط يختلف معناه قليلا؛ نقرأ "الطلي: وَلَدُ الظَّبْيَةِ ونحوه. وفي لسان العرب نقرأ (قال ابْنُ سِيدَهْ: وَالطَّلْوُ وَالطَّلَّا الصَّغِيرُ مِنْ ڪُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: الطَّلَّا وَلَدُ الظَّبْيَةِ سَاعَةَ تَضَعُهُ).

169-  طمس =(طمش) وتعني طماشا في المندائية الارتسام "التعميد" في الماء وفق الطقوب المندائية الصابئية. والفعل "طمس" عربي لا جدال فيه وهو كثير الاستعمال بمعناه العراقي انطماس الشيء في وحل أو طينٍ أو سائل ما حتى يختفي عن الرؤية جزئيا أو كليا. نقرأ في معجم اللغة العربية المعاصرة (طمَس الشَّيءُ: درَسَ وامَّحى. طمَس الغيمُ النجومَ: حجَب ضوءها " {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} ". طَمَسَ: شوَّهه أو محاهُ وأزاله، استأصل أثره "طَمَسَ الحقيقةَ/ معالم الجريمة-  طمَست الرِّمالُ آثارَه.

170- طنب =(طنب) كدر حزن في المندائية والمعنى بعيد عن المراد في العامية العراقية والتي تعني متوتر وساكن لا يأتي بحركة غضبا أو ما شابه. والكلمة بهذا المعنى ربما تكون أقرب إلى معناها العربي الفصيح نقرأ في معجم المعاني (طنب: حبل تشد به الخيمة إلى الوتد. 2-  طنب: سير يوصل بوتر القوس. 3-  طنب: عصب الجسد).

171- طنگر =(تنگار). وتعني في المندائية التاجر وهو معنى بعيد جدا عن معناها العراقي. أما المعنى الذي يضعه المؤلف للمفردة في اللهجة العراقية فليس دقيقا، فهو يقول (مطنگر: ينفعل ويهتاج...) أما المعنى الأدق فهو: شخص يلتزم الصمت ويمتنع عن الحركة والتعامل مع الآخرين رفضا واحتجاجا أو تأثرا بفعل مسيء له من طرف آخر). وليس لديَّ تخريج جيد للكلمة ولكني أرجح أنها قادمة من اللغات الجزيرية الأخرى كالأكدية بلهجتيها البابلية والآشورية.

172- طوف =(طوفا) سياج مصنوع من الطين. الكلمة عربية فصيحة بذات المعنى العراقي نقرأ في المعجم (الطَّوْفُ: الجدارُ ونحوُه يقامُ حولَ قطعة من الأَرض).

173- طيزان =(طيزانا) وتعني طائش متهور في المندائية. لم أسمع بهذه المفردة في اللهجة العراقية الجنوبية. وربما كانت موجودة في نواح أخرى من العراق.

174-  يا =(يا) أداة تعجب. وهي في العربية واللهجة العراقية أداء نداء ولكن المؤلف يوجد لها تخريجا آخر بمعنى التعجب في جمل عامية منها (يا سليمة اتكرفك) وهذا تخريج عشوائي فحروف النداء تأتي للنداء وغير النداء في المراد البلاغي كالتساؤل والتعجب ...إلخ، في ما يسمى بعلم البلاغة "خروج الحال عن مقتضى الظاهر"!

175- ياب –يابا = (ياب – يابا) أبي – والمؤلف يذكر أن هاتين المفردتين تردان في المندائية والعراقية بذات اللفظ والمعنى ثم يضيف " أما من حيث معنى الكلمة فجميع اللغات السامية تشترك بكلم أب". فألفاظ مثل "ياب" و" يابه" لا تعني سوى " ياأبي"... وهذا التخريج الذي يكتبه المؤلف مجرد كلام نافل لتكثير كلمات معجمه بكل ما هب ودبَّ من مفردات!

176- ياهو =(ياهو) من هو؟ والعبارة عربية من ياء النداء وضمير الغائب المفرد المذكر ولا تحتاج إلى تخريجات لغوية!

177- ياكل وكت =(أكل) يعمر، يستغرق، يستنفد في المندائية. والمؤلف يورد الكلمة في عبارة "ياكل وقت" ليجعلها مندائية أو قريبة من معنى المفردة المندائي وهذا مجرد عبث لا طائل تحته! عبارة "يأكل وقت" عربية فصيحة ومثلها "يقتل الوقت" ...إلخ وهي تعبيرات بلاغية بمفردات عربية فما الجديد والفريد في ذلك؟

178-  يتحرگن =(هراقا) صرير الأسنان. والمؤلف يكتب الكلمة بالكاف وهي بالقاف الحميرية أي الجيم القاهرية "يتحرگن"، أي يتحرق شوقاً أو غضبا...إلخ، والكلمة عربية فصيحة وعراقية بذات المعنى واللفظ ولا علاقة لها بصرير الأسنان!

179-  چلّب = (لم يذكر لفظها بالمندائية) وتعني تمسك! والكلمة عربية فصيحة ولكنَّ جهلَ المؤلف بظاهرة "كشكشة ربيعة" وسائر الظواهر اللغوية، جعله يعتبرها مندائية فهي "كلَّب تكليباً" ولفظت الكاف بالكشكشة جيما مثلثة، وتعني "قيد وربط". ومنه الكُلاَّبُ: أَداة يخلع بها الأَسنان وغيرها، وهو أيضا حديدةٌ معوجَّة الرأْس يُنْشَلُ بها الشيءُ أَو يُعلَّق. والجمع: كَلاليبُ. يتبع

***

علاء اللامي

في المثقف اليوم