أقلام حرة

ثامر الحاج امين: ظاهرة مقلقة

يحظى الانجاب بأهمية وقيمة اجتماعية لدى الاسرة والمجتمع، فهو رمز لخصوبة الزوجين واعلاء شأن الاسرة من خلال الذرية الناتجة عن هذه الخصوبة، واذا كانت الذرية لدى بعض المجتمعات تعني استمرارية النوع البشري، فعند مجتمعات اخرى لها اعتبارات مختلفة ترتبط بالقيم والعادات والتقاليد وكذلك العامل الديني الذي تتبناه بعض المجتمعات والذي يحث على الخصوبة والتناسل ويرافق ذلك التشكيك بدعوات تنظيم النسل وتحديده بواسطة حبوب منع الحمل ويرون فيها مؤامرة من اعمال الغرب والكفار، والهدف من صناعة هذه العقاقير وارسالها الى بلدانهم هو التقليل من أولادهم.

والتفاخر بزيادة الأولاد ثقافة قديمة ساهمت في التشجيع عليها وترسيخها عوامل اجتماعية ودينية، فقد حفظ موروثنا الشعبي الكثير من الترانيم التي تغنت بكثره الابناء والتفاخر بعددهم، فأغاني الهدهدة التي تغنيها الامهات لأطفالهن كانت تفصح عن امنياتهن بالمزيد من الاولاد:

حلاة البزر خمسه وعشرين

خمسه يگعدون بدواوين

وخمسه يحيّون المجبلين

وخمسه يضبون الحزم زين

وخمسه يودوني لأبو حسين

وخمسه يطلعون من گلبي الونين

وحالات الحزن وما يصاحبها من نواعي ومراثي على فقد الأحبة لم تبتعد عن ذكر أهمية الأولاد ودورهم في التخفيف والتعويض عن الفقدان والغياب، فالمرأة الأرملة عندما تستعيد ذكرى زوجها تندب حظها انها لن تخلف المزيد من الأولاد كي يملؤون حياتها بالأمان والبهجة فتقول:

تمنيت بزرك ماي جاري

وترسوا عليه يا زين داري

واشݘيلهم ضيمي ومراري

كما لا يقتصر التفاخر بالذكور فحسب انما تحفظ الذاكرة الشعبية الكثير من النصوص والترانيم التي تشجع على زيادة النسل من البنات فالكثير منا يتذكر ترنيمة الامهات وهن يراقصن بناتهن الصغيرات وينشدن: (يمه البنات عشرة وأگول گليلات) وترنيمة اخرى تجسد نصيب البنات من حب الأمهات اللاتي يتمنين المزيد من البنات فهن يملئن البيت نشاطا وبهجة:

تمنيت عدي تلاث بنات

وحده تدﮒ الثبات

وحده تسويلي ثوابات

وحده تبݘي الگاعدات

ان الدعوة والعمل على المزيد من الانجاب يمكن ان يكون مقبولا وطبيعيا في المجتمعات التي يسودها الأمان والرفاهية والبساطة والقدرة على التربية مثلما كان عليه المجتمع العراقي قديما الا انه وفي ظل سوء الأوضاع الاقتصادية والخدمات المتردية التي تعاني منها بعض المجتمعات تصبح زيادة الانجاب والكثافة السكانية مشكلة كبيرة، ويصبح لزاما على الآباء الذين يشتكون من الحاجة ومن الفقر وعدم قدرتهم على مصاريف أبنائهم والقيام على تربيتهم ونشأتهم نشأة سليمة التوقف عن المزيد من الانجاب وان ينظروا الى خطورة الحال بجد ومنطقية بعيدة عن الغيبيات التي يتعلقون بها التي تقول ان الرزق مقسوم و(المولود يأتي ويأتي رزقه معه) وهذه كارثة كبيرة .

ان الذي قادني الى الحديث عن هذه الظاهرة هو الزيادة السكانية غير الطبيعية في بلادنا حيث أفادت وزارة التخطيط العراقية بأن عدد السكان في البلاد سوف يتخطى 43 مليون في نهاية عام 2023 الحالي وهو رقم كبير ومخيف في ظل الأزمات المختلفة التي يعيشها البلاد ومنها عدم وجود خطط وبرامج اسكانية واقتصادية لمواجهة هذا التضخم السكاني الكبير الذي تنعكس اثاره السلبية على حياة الشرائح الفقيرة التي تعاني الزيادة الكبيرة في عدد الأفراد، واسباب هذه مشكلة تختلف من مجتمع الى آخر، بعضها ثقافية متوارثة دوافعها الحفاظ على التراث الأسري وهي السائدة عند العرب، ولكن عند مجتمعات اخرى هناك اسباب مختلفة، وأطرف تبرير قرأته عن اسباب الزيادة جاء على لسان رجل مشكلته انه لا يعرف كيف يحدد النسل فيقول: نحن فقراء غير قادرين على الذهاب الى السينما او الحدائق فماذا نعمل؟ اننا ننام في ساعة مبكرة، وتجيء الأولاد .

***

ثامر الحاج أمين

 

في المثقف اليوم