تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

شدري معمر علي: الأعرابية الجديدة وتمظهراتها الاجتماعية

الأعرابية هي تلك المظاهر الشاذة المنافية للذوق والأخلاق التي يتسم صاحبها بالجفاء والغلظة وفقدان الذوق والتصرفات السيئة في أماكن تنطلب السكينة والهدوء..

استنبطت هذا الاسم من السلوك الأعرابي البدوي الجاف المستمد من بيئته الصحراوية القاحلة وقد ذكر القرآن الكريم الأعراب وما اتصفوا به كفر وتفاق..

قال تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)الآية (97) سورة التوبة

قال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): الأعراب: هم سكان البوادي بالأصالة.

وقال الشوكاني في (فتح القدير): الأعراب: هم من سكن البوادي، بخلاف العرب فإنه عام لهذا النوع من بني آدم سواء سكنوا البوادي أو القرى.

ويبين الأستاذ أبو الهيثم محمد درويش هذه الصفات فيقول: " الجفاء والغلظة والبعد عن العلم ومجافاة الشرع صفات لبعض الأعراب وتنسحب على كل من جمع مثلها من الصفات نفس الأحكام: منهم الأشد نفاقًا، ومنهم المتربصون المنفقون للصد عن سبيل الله والتربص بأهل الدين وإمداد أعداء الله بكل مددٍ وعون ممكن. ومنهم المؤمن المنفق الحامل لهم الدين المنسلخ من كل الصفات السلبية المذكورة آنفًا" ..

مع الملاحظة أن ليس كل الأعراب بهذه الصفات السلبية  فهناك من يتسم بالصفات الإيجابية التي يوضحها القرآن الكريم في سورة التوبة، قال تعالى: { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّـهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّـهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:  99].

وعندما نتأمل في واقعنا الاجتماعي نجد لهذه الأعرابية الجافة البعيدة عن الذوق الرفيع والسلوك القويم تمظهرات اجتماعية في كثير من المجالات ونعطي أمثلة على ذلك.

أولا: داخل المساجد: كأن ينحدث الإنسان بالهاتف ويرفع صوته ويترك هاتفه يرن بالموسيقى والناس في الصلاة ويتكرر الأمر دون أن يطفئ صاحبه هاتفه.

ولاحظت ايضا بعد الخروج من المسجد فبعض المصلين ما إن يبتعد بخطوات عن باب المسجد حتى يشعل سيجارته أو يضع في فمه الشمة في منظر مقزز وكأن هذا الشخص لم يكن قبل قليل يذكر الله ويدعوه ويقف في بيته راكعا ساجدا...

ثانيا: في الطرقات: البصاق وعدم غض البصر حتى الإنسان مع زوجته وأبنائه لا يسلم من تلك النظرات المريضة المتربصة..

ثالثا: في الإدارات: تجد المواطن في طابور لاستخراج وثيقة ما والموظف أو الموظفة منشغل أو متشغلة  بالحديث بالهاتف مع القهقهات وعدم المبالاة بهؤلاء الذين تركوا اشغالهم من أجل قضاء مصالحهم في اسرع وقت ممكن..

هذه بعض الأمثلة من واقعنا وقس عليها في الأعراس والأسواق والمدارس والشواطئ..

فكل السلوكات المنافية للذوق هي نماذج للاعرابية المعاصرة...

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

 شدري معمر علي

في المثقف اليوم