أقلام حرة

بنيامين يوخنا دانيال: السياحة.. عندما يهددها الإرهاب

يشكل الإرهاب أحد المخاطر الجسيمة التي تقوض مسيرة التنمية السياحية المستدامة، إلى جانب كونه أهم وأبرز التحديات التي هددت وما برحت تهدد صناعة السياحة والسفر عالميا وعلى المستوى الوطني لكثير من الدول التي أستهدفت مرافقها ومنشآتها السياحية والفندقية من منتجعات وقرى سياحية ومدن ألعاب ومطاعم ومتنزهات ومراسي ومحال بيع التحف والعاديات ومراكز خدمات الغوص وغيرها. كما استهدفت ضيوفها من السياح والزوار بالقتل والاختطاف والتهديد، بغض النظر عن انتماءاتهم وجنسياتهم، ورغم من الجهود الدولية والمحلية الحثيثة التي بذلت وما زالت تبذل في سبيل طرد واقصاء هذا الدخيل المقيت البغيض الذي أرخى بظلاله الثقيلة على اقتصادات هذه البلدان، وهدد الكثير من أبناء شعوبها في مصادر عيشهم ووسائل ارتزاقهم. وتسببت في أزمات اقتصادية وسياحية وأمنية ثقيلة الوطأة، دفع ثمنها غاليا من إيراداتها ومكاسبها، وعلى حساب الجهود المبذولة على طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستدامة. ويعزى استهداف صناعة السياحة والسفر من قبل قوى الإرهاب المظلمة إلى: أولا – الأهمية الاقتصادية لهذه الصناعة والدور الريادي الذي تلعبه في قيادة مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة في هذه البلدان، ودورها في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي ورصيد الدولة من النقد الأجنبي الضروري لترسيخ قواعد وأسس هذه المسيرة وديمومتها واستمرارها على نحو مخطط ومدروس ومستدام، ولمساهمتها في توفير فرص العمل الدائمية والمؤقتة، والقضاء على مشكلة الهجرة من القرى والأرياف إلى المدن والمناطق الحضرية وغيرها. وعليه فإن استهداف السياحة من قبل القوى الإرهابية المظلمة يعني استهداف عموم الاقتصاد الوطني، وإيقاع الكثير من الخسائر بقطاعاته ونشاطاته. فالخسائر التي لحقت بقطاع السياحة المصري من جراء العمليات الإرهابية خلال الأعوام (1993 – 1998) قد بلغت (3،2) مليارات دولار وفقا للاحصائيات الرسمية. وقد خسرها الاقتصاد المصري في فترة كان في أمس الحاجة إليها في سبيل تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. و(1) مليار دولار تكبدتها السياحة الإندونيسية عام 2003 إثر تفجيرات جزيرة (بالي) الأولى في شهر تشرين الأول من عام 2002، والتي أودت بحياة (202) شخص معظمهم من السواح الأجانب. و(144) مليون دولار أمريكي تكدبتها السياحة اليمنية قي عام 2009 بسبب النشاطات الإرهابية على الأراضي اليمنية، و(400) مليون دولار خسرتها السياحة الباكستانية خلال الفترة (2007 – 2009) لنفس الأسباب. ثانيا: حساسية هذه الصناعة تجاه التغيرات السياسية والأمنية، وطبيعتها التفاعلية مع بقية النشاطات والقطاعات المكونة للاقتصاد الوطني. ف ( الأزمة السياحية) التي شهدتها مصر طيلة ثلاثة أعوام إثر حادث مذبحة (حتشبسوت) الفرعوني عام 1997، والتي أودت بحياة (62) شخصا، منهم سواح أجانب (58) من سويسرا واليابان والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وكولومبيا، قد ساهمت في تفاقم أزمة العملة الوطنية (الجنيه المصري)، مثلما أثر تراجع عائدات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين خارج البلاد وغيرها من الأسباب. وهذا ما ذهب إليه (ليون وزميلته أرانيا 2008) بقولهما (إن الطلب على السياحة حساس بشكل خاص للهجمات الإرهابية، لأن اختيارات السياح تقدر الأمان والهدوء والسلام). مع ضرورة الاشارة إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية الموجهة لقطاع السياحة والسفر في مثل هذه البلدان على نحو ملحوظ، وهي استثمارات مهمة جدا بالنسبة للاقتصاد الوطني في أكثر من جانب. ثالثا: صعوبة تصليح وتدارك الخسائر والأضرار الواقعة على المدى القريب والبعيد، وعلى نحو مباشر وغير مباشر، وجسامة التكاليف التي تترتب على ذلك، وطول المدة التي تستغرقها العملية. ف (الأزمة السياحية) التي شهدتها إسبانيا إثر (تفجيرات مدريد) (ام. 11) في 11 آذار 2004 وأودت بحياة (191) شخصا وجرح (1755)، قد امتد أمدها حتى مطلع عام 2005، وأدت إلى انحسار شديد في أعداد السياح الأجانب إلى هذا البلد الجميل المهم على خارطة السياحة العالمية، مع تراجع (العائدات السياحية) وحصول انخفاضات في أسعار أسهم شركات الطيران والشركات السياحية. ووفقا ل (سونميز 1998) فإن (الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي هما أكثر التهديدات التي يخشاها السياح). أما في حالة إقليم (الباسك) الإسباني الذي شهد أحداثا دامية حتى وقف اطلاق النار من قبل منظمة (إيتا) في عام 2011 لتعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، فانتعشت فيه السياحة من جديد وسجلت معدلات نمو جيدة. رابعا: التغطية الواسعة والمستمرة لنشاطات وفعاليات هذا القطاع الحيوي إعلاميا وعلى مختلف المستويات. وكذلك تناول أخبار الفعاليات والنشاطات الإرهابية في وسائل الإعلام على نحو واسع، وبما ينعكس سلبا على تفكير واختيارات السياح للوجهات السياحية ول (شوشاني وسلون 2008) دراسة قيمة حول هذا الجانب، وجاء فيها (إن التغطية الاعلامية السلبية للهجمات الإرهابية قد يخلف انطباعا سلبا في أذهان هؤلاء السياح وعلى نحو دائم). خامسا: ولضمها الكثير من المجذبات والمغريات الثقافية (المهرجانات، الاستعراضات، الاحتفالات.. الخ) والتاريخية (المدن القديمة، موجودات المتاحف، التماثيل والنصب) والطبيعية (السواحل، المحميات الطبيعية، الشلالات والمساقط المائية، الجزر الصغيرة، التشكيلات الطبيعية مرجانية كانت أو غيرها) والاصطناعية (مخيمات، مسارح، دور سينما، مدن ملاهي، المولات ومراكز التسوق) التي تشكل مراكز جذب وتجمع السياح والزوار من العديد من البلدان، وعلى نحو كثيف. وإن استهداف مثل هذه المشوقات يعني إيقاع الكثير من الخسائر البشرية والمادية، وبنوعيات مؤثرة، مع إساءة مؤكدة إلى سمعة البلد اقتصاديا وحضاريا وثقافيا واجتماعيا، واحتمال التسبب بالاحراج السياسي والدبلوماسي للدولة المستهدفة، كما حدث لجمهورية مصر العربية مع سويسرا بسبب خلافهما في موضوع تعويض أهالي الضحايا ال (36) من الأخيرة في مذبحة الدير البحري (معبد حتشبسوت الفرعوني). (للمزيد من الاطلاع ينظر (السياحة والإرهاب) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2011).

***

بنيامين يوخنا دانيال

....................

* عن (مقالات في السياحة) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2012

 

في المثقف اليوم