أقلام حرة

أقلام حرة

[إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]: 82 يس

كُن ... فعل أمر فاعله - هو -: في انما أمره - هو الله - إذا أراد شيئا وهو تعبير عن إنشاء شكل جديد له شيئية جديدة .. فـ .. الفاء حرفُ عطفٍ ترتيبي في محل الاستئناف والاستئناف هنا يفيد التعاقب لأنه يتحدث عن كائن لم يكن موجود ، لذلك فأنه لابد من أن يكون هناك فارق زمني بين ماكان وما سيكون يكون .. فعل مضارع يفيد المستقبل بمعنى سوف يحدث عطفا على دلالة إلفاء الترتيبية الاستئنافية ، وعلى هذا الفهم اللغوي للآية المباركة

يكون قول الله تعالى: [وجعلنا من الماء كل شئ حي]: الأنبياء الآية 30 - هو أول تحول من اللاحياة إلى الحياة وهي عملية تحول من والى وليست عملية ايجاد من العدم حيث يقول الله تعالى « وجعلنا من الماء » فهو سبحانه يشير إلى الماء باعتباره اصلا للحياة والجعل هنا يعني إعادة تشكيل الابعاد الهندسية والأقيام الذرية لإنتاج الخلية الحية وكل ذلك مسبوق بالإرادة (فإذا أراد شيئا فإنه يقول له) بمعنى يوعز للشيئ القائم  « الماء » كُن شيئا اخر فيكون شيئا اخر مختلف في كينونته والكينونة هي الهيأة ، بمعنى أن كن فيكون تعني اختلاف الشيئية بين شيئية الماء وشيئية ماتشكل عن الماء وذلك يشير بوضوح إلى أن ماتشكل قد تَشَّكل بإضافة خصائص الماء، ولكن كيف يمكن أن يكون الماء لوحده كافيا لاتمام خلق الهيأة !؟ إذا علمنا أن هيأة الماء ناتجة عن اتحاد ذرة اوكسجين والتي تمثل المركز في جزيئة الماء مع ذرتين من الهيدروجين ، وهو تركيب ذري لا يتغير في حال تغيرت هيأة الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة أو في حالة التحول إلى بخار .. من هنا نفهم أن جزيئة الماء لوحدها لايمكن أن تتحول الا إلى حالتين هما البخار أو الثلج مع بقاء التركيب الذري ثابتاً « H20 » بمعنى أن الماء في أيٍ من حالاته لن يكون خلقا آخر غير الماء فأنه أما أن يكون بخارا أو ماءً سائلا أو ثلجا اذن فأن قول الله تعالى وخلقنا من الماء كل شيئ حي .. لايعني أن الله قد خلق الأشياء المادية من الماء وانما لابد لكل ماخلقه سبحانه سيكون الماء بتركيبته الذرية داخلٌ فيه أو مؤثرٌ فيه ، وفي الوقت الذي يشير الله تعالى إلى دخول الماء في خلق كل شيئ حي فأنه عندما يتحدث عن التراب كمادة للخلق فأنه سبحانه يستخدم التخصيص حيث أنه أشار فقط إلى خلق الانسان من تراب

وبذلك فإن الإنسان مخلوقٌ من التراب وهو يشترك مع باقي المخلوقات في جعل الماء مشتركا لازما للحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ الروم الآية 20

﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. ال عمران آية 59

﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُل ﴾ الكهف الآية 37

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ ثم يقول الله تعالى في نهاية السياق

﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ الحج الآية 5

لاحظ هذه الآية التي بعد أن ثَبَّت الله فيها حقيقة جعل الماء مصدرا للحياة وحقيقة أن التراب هو المادة الأولية لخلق الانسان ؛ فأنه سبحانه يشير إلى الأرض بأنها « هامدة » بمعنى لاحياة فيها من دون أن ترتبط بالماء في قوله (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) والهامد في اللغة يعني أنه لايتحرك كما نقول عن الميت بأنه جثةً هامدةً بمعنى أن علامة موتها أو دليل موتها أنها لاتتحرك ، لذلك جعل الله تعالى كلمة اهتزت بمعنى تحركت دليلا على الحياة بعد أن كانت ميتةً هامدة لاحراك فيها . ومن ثم وبعد أن ينزل الماء على التراب بأمر الله ويرتبط به ويصبح طيناً فإنه يقول .. بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ 12 المعارج

لاحظ كيف أن الله تعالى قد جعل كيفية الخلق عبارة عن عملية متعاقبة منطقية فهو سبحانه في الوقت الذي يخبرنا بالخلاصة المتمثلة بخلق الإنسان من طين فأنه ايضا يشرح لنا الكيفية وهي أن الأصل في ذلك هو حتمية ارتباط الماء بالتراب ومن ثم طين لازب كما يصفه الله في قوله انا خلقناهم من طين لازب .. بمعنى متماسك ومن ثم يشير إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة تحويل الطين المتماسك إلى جسد بقوله خلق الانسان من صلصال كالفخار، حيث أنه سبحانه هنا يشبه صلابة هذا الصلصال الذي لم تمسسه النار بالفخار بمعنى أنه اكتسب صلابته من غير نار وهذا يعني أن ذلك استغرق وقتا طويلا ليصل إلى الصلابة الكافية لكي يتخذ شكلا ثابتا كالاجسام المعالجة بالنار ، فضلا عن ذلك فإن من لوازم وصول هذا الجسد إلى تمام الاستعداد لتلقي الروح فإنه لابد أن يكون مكتملا في جوهرية المراد من خلقه إنسانا ؛ لذلك كان وصف هذا الصلصال بالحمأ المسنون حيث أن هذا الوصف يعني أن ذلك الصلصال والذي هو نتاج تفسخ الصخور الطينية المحتوية على مادة السليكا اللاحمة. والذي غالبا يتواجد في المناطق المنخفضة الرطبة هو اصل ألمادة العضوية التي تشكل أساس الخلية الحية الاولى بعد بقاء هذا الصلصال مدة طويلة في هذه البيئة الرطبة حتى يتحول الى حمأ وهو الطين المنتن والنتن هو الرائحة الكريهة التي لابد أن تكون ناتجة عن تفاعل كيميائي احيائي ، وهذا يؤشر بوضوح أن جسد ادم الذي نفخ الله فيه من روحه كان جسدا حيا من هذه الناحية وفي مرتبة الحياة المجهرية حيث كان مهيئا لاستقبال الروح ، وقد وصف الله تعالى هذا الحمأ بالمسنون لأن المسنون في اللغة من سَنَّ. والسَنْ هو تحديد النهايات وجعلها حادة

ولأن خلق الانسان لابد أن يكون محدد المعالم في أدق التفاصيل المتعلقة بهيأته وجوهر وجوده فلابد من أن يتحول ذلك الحمأ الحي غير المُعَرَّف إلى حمأ مسنون محدد في شكله مُعَرَّف في في عنوانه وفق تلك المحددات التي من محدداتها معرفة أن للإنسان اذنين وعينين وأنفٌ بفُتحتين وفمٌ بشفتين ولسانٌ مشطورٌ إلى قسمين ويدين ورجلين وعشرةٌ من الاصابع في اليدين ومثلها في القدمين ، وبذلك فإن كل تفصيلة في هذا الجسد المخلوق محددة وليست سائبة أو محتملة ومن ذلك نصل إلى معنى آخر للمسنون وهو أن كل تفاصيل هذا الجسد مسنونةً مُقَّننةً.

فالسنن الكونية هي قوانين الخلق وهي لاتتبدل وذلك قول الله تعالى﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا :[ 43 فاطر]: - من هنا سنجد بوضوح أن خلق الانسان كان خلقا تطوريا متعاقبا وليس خلقا لحظياً مباشرا الا في مايخص [نفخ الروح] في ذلك الجسد بعد اكتمال هيأته وبعد أن أصبح قابلا مناسبا لاستقبال تلك الروح التي لانعرف عنها أكثر مما قاله الله تعالى لنبيه عليه افضل الصلاة والسلام في جواب من سأله عنها بقوله [ويسألونك عن الروح * قل الروح من أمر ربي * وما أوتيتم من العلم الا قليلا *] 85 الاسراء .. من هنا يضع الله تعالى حدا فاصلا بين مايمكن مقاربته بالمعرفة مما كنا نتحدث فيه تدبراً وبين مالا يمكن مقاربته بالمعرفة لتعذر ذلك موضوعيا في جواب النبي لمن كان يسأل عن الروح بأنها من أمر ربي ، بمعنى أنها متعذرة على المعرفة .. وهذا يعني بالضرورة أن مادون ذلك هو في حدود قدرة الإنسان بل إنه من مسؤولياته أن يبحث ويتدبر آياته وذلك قول الله تعالى: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة ص 29:  السؤال هنا هو كم كانت فترة التحول من تراب هامد لا حراك فيه إلى حمأ مسنون صلصال متماسك حي وبين استضافة هذا الجسد لتلك النفخة الإلهية المباركة ...؟

بتقديري أن من أكثر التصورات سذاجةً هو تصور مشهدية أن الله تعالى وكأنه نحات قد صنع تمثالا من طين ميت ومن ثم نفخ فيه الحياة وهو في الواقع تصور غريب يُنزل الخالق منزلة المخلوق في تعاطيه مع أدوات النحت بل أن هذا المخلوق المتفوق في خياله غالبا ما يتمكن من صناعة تماثيل واشكال تفوق في جماليتها الوجوه البشرية التي خلقها الله تعالى وفق مقدمات وعوامل ومعطيات مختلفة ، ذلك أن الأمر في حقيقة الخلق لايتعلق بالنحت أو الرسم وانما بالانشاء ..

***

فاضل الجاروش

بدايات القرن العشرين الماضي وصف بعصر الاستعمار أما القرن الحادي والعشرين وصف بعصر الفوضى والارهاب وهو الاكثر دموية . ذئاب بشرية خلقت الفوضى الدموية وعمت ابشع مجازر القتل والتهجير والترهيب والتشريد والتصفيات الجسدية التي بقيت وستبقى وصمة عار للفكر الانساني في ألفيته الثالثة بتخطيط وتنفيذ شياطين تتسابق لتتلذذ بسفك الدماء وازهاق الارواح ونشر الرعب والهمجية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا.. فاتضح ان الذئاب البشرية وخاصة التي تحمل الصبغة الدينية اشد فتكا وشراسة من الذئاب الحيوانية بغرائزها العدوانية الطائشة وامعانها بسفك الدماء وتماديها في التجرد من عقيدتها ودينها وتنصلها من الاخلاق الانسانية وقد فقد الامن والامان والامل والاستقرار واتسعت الفجوات المصطنعة بين ابناء المجتمع واصبحت الفوضى قاعدة عامة تتسع بحيث اعطت ذريعة لعودت المستعمر واطماعه فاصبح الاستقرار مسألة استثنائية ويوم بعد اخر اخذ المجتمع يفقد بوصلته كقطعان الاغنام تتوارث غبائها وخوفها اما الساسة تربية الاستعمار كالذئاب التي توارثت احقادها وشرها لِتَبقى مُستَحكِمَةً بِقطعان المجتمع وكأننا في حتمية لا مفر منها في مجتمع قطيع الأغنام أصبح واقع حال في مدركات العقل البشري وفي اجتماعية الانسان كنتيجة واقعة لغياب الراعي الحكيم النزيه والعادل فتشرذم المجتمع وتمزقت اوصاله بوجود ربيبين الغرب المتسلطين والمتحكمين بمقدرات المجتمع والمتاجرين بالدين في هذا الزمن الذي عم فيه فقدان السلوك السوي وانعدام الضمير وانتشرت مافيات الفساد وتجارة المخدرات وغسيل الاموال وغابت الاخلاق الدينية والعقائدية وتسلطت الذئاب فهل سمعتم للذئاب ضمير أو دين .. ذئاب تتسربل بثوب الدين فتقتل وتدمر قوة العدل والايمان التي يبحث عنهما الحق والدين الضمير.. هذا ليس لغز بل هو ذروة الواقع الذي نعيشه حيث استبدلت فيه نعمة الايمان والعدل بذئبية الانسان لاخية الانسان وساد الفساد عبر إدعاء الفضيلة المغشوشة وخدعة التدين . فالمعروف ان الدين تسام يردم الهوة بين الارض والسماء حيث يوقف أنسنة الإله وتأليه الإنسان .. والذئاب لا تستقوي الا بمهاوي العداوات والفساد وضعف الايمان وتجارة الممنوعات والمحرمات حيث الظلمات فتبتلع الالوهية وتعمي بصيرة البشرية . وهكذا يبقى المجتمع كالأغنام المرعوبة دائما وفي هلع لحين يعترف مجبرا ان تلك الذئاب هي وحدها خلاصه فيخضع لها مضطرا.. هكذا هو قدر مجتمعنا اليوم بهذه الرجاسة للأسف جدران من الخوف زرعتها فينا اوهام محميات الذئاب التي جاءت من الشتات مع المحتل وتكاثرت لتكون حاضرة بيننا والمتحكمة فينا .. اذا متى نعي هذه الحقيقة ونهدم جحود الذئاب في عقر أوكارها بعمق الايمان كي تترسخ جذور مجتمعنا في ارض الوطن وسمائه وبأخلاق الدين الصادقة .عندها لا أوكار للذئاب ولا أبواب لجحيم جماعة الشتات المتسلطين تقوى علينا وساعتها حقا نحن والأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا سيكونون مجتمع متماسك مؤمن متسامح يسوده العدل والحق والانسانية ويعود الايمان بضمير الينا كما نحلم به ان يكون وطننا الذي يسوده العدل والحق وحرمة الدم.

***

د. قاسم محمد الياسري

تبدو السلوكيات السيئة، وكأن القائمين بها لا يرونها كذلك، بل الآخرين هم الذين يصفونها بالسوء.

فهل الظالم يعرف أنه يظلم؟

وهل الجائر يعلم بجوره؟

وهل الفاسد يرى أنه فاسد؟

لو علم الظالمون بأنهم يظلمون لما إرتكبوا الأفعال الموصوفة بالظلم، بل يحسبون أنفسهم من أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، والذين يتهمونهم بالظلم أعداؤهم، ولابد من نيلهم القصاص العادل.

فالذي يقوم بفعلٍ ما، يبرره لنفسه، فالنفس الأمّارة بالسوء لها آلياتها الدفاعية، القادرة على تسويغ أي سلوك وتحبيبه للقائم به، فلا يراه كما يراه الناس من حوله.

فالقاتل على سبيل المثال، يكون غاضبا على الضحية، ويرى أنها هي التي دعته لقتلها.

والذين يقترفون جرائم كبرى ويمعنون بالظلم والقهر للآخرين يحسبون ذلك قدرهم، وأنهم مسلطون عليهم بإرادة رب العالمين.

وهذا ما قام به هولاكو فبرر قتل عشرات الآلاف من البغداديين، بذريعة أنه غضب الله المسلط عليهم لعدم إلتزامهم بدينهم، فهو ينفذ إرادة الرب، وغير مسؤول عما يقع عليهم من إثم وعدوان مروّع.

وعلى هذا المنوال تجري تصرفات السلاطين والحكام، وذوي الكراسي المتنفذة وأصحاب الشأن.

وتلك معضلة محيرة، وبموجبها لا يمكن لسلوك السوء أن ينتهي، ولا للعدل أن يُقام، ومهما حاولت الرسالات السماوية والدنيوية أن تهذب النفس، وتساعدها على السيطرة على ذاتها، فأنها فشلت فشلا ذريعا.

ولهذا وُجدت الدساتير والقوانين، وإتجهت العديد من المجتمعات إلى العمل على منع تمركز القوة عند شخص واحد، وأوجدت عدة أركان شرعية ودستورية، لتمنع إشكاليات السلوك البشري المنفلت.

وهيهات أن يكون "العدل أساس الملك"، وسيبقى شعارا معلقا خلف مكاتب الظالمين إلى يوم الدين!!

و"سيعلم الظالمون أي منقلب سينقلبون"!!

***

د. صادق السامرائي

حول رد الرئاسة على اتهام الرئيس عبد اللطيف رشيد بالاستيلاء على عقار عائد للدولة وتأجيره للسفارة الكويتية، رئاسة الجمهورية ترد: الرئيس لم يستولِ على قصر حكومي بل اشتراه بماله الشخصي وأجره للسفارة الكويتية! ردت رئاسة الجمهورية يوم أمس ببيان مطول على اتهام وجهه أحد الصحافيين إلى الرئيس العراقي الحالي عبد اللطيف رشيد بالاستيلاء غير المشروع على عقار يعود إلى الدولة التي صادرته من أحد رجال العهد السابق هو عبد حمود التكريتي وتأجيره لمصلحته. وأفاد البيان أن الرئيس اشترى هذا العقار بمالة الخاص من الدولة في مزايدة علنية وببدل مقادره "خمسة مليارات وخمسمائة وأربعة وستون مليون دينار إلى السيد (عبد اللطيف محمد جمال رشيد) حسب كتاب دائرة عقارات الدولة المرقم (18334) المؤرخ 24/7/2011 وتم تسديد 25% من القيمة الكلية للعقار، وكذلك دفع أجور الخدمة والمبلغ المتبقي على شكل أقساط تدفع سنوياً وكذلك يتحمل مالك العقار تكاليف الصيانة الدورية للعقار". وأن العقار كان مسجلا باسم وزارة المالية وعند إعلان بيعه بالمزايدة العلنية بتاريخ 24/7/2011 تم دخول السيد (عبد اللطيف جمال رشيد) بالمزايدة وتم الشراء استناداً إلى القوانين والضوابط ولم يكن مسجلاً باسم زوجة المجرم (عبد حميد حمود التكريتي)". وهددت الرئاسة بانها ستتخذ "الإجراءات القانونية أمام المحاكم والجهات المختصة بحق الأشخاص الذين قاموا، وأي شخص يثبت تورطه في هذا الترويج المفتعل والكاذب كونها افعالاً يجرمها القانون وبعيدة كل البعد عن حرية الرأي، لأنها اتهامات لأعلى سلطة في الدولة".

يُفهم من الرد الرئاسي الأمور التالية:

1-لم ينف البيان الرئاسي أن إيجار العقار الشهري 50 ألف دولار، أي 600 ألف دولار سنويا، وحسب قيمة شرائه حسب التوضيح هي 5,564,000,000 دينار، أي ما يوازي حوالي 4,5 مليون دولار بسعر التراب...عفوا، بسعر الدولار، عند شرائه.

2-أن المشتري الذي صار رئيساً قد سددت قيمة العقار بالكامل في سبع سنوات وستة أشهر وقبل أن ينتهي من دفع أقساطه إلى أملاك الدولة، أي أنه سدد جزءا من ثمنه من أموال التأجير... ترى، إلا تثير هذه الأرقام ريبة أشد الناس غفلة؟ أو على الأقل، ألا تشير إلى جريمة استغلال المنصب فالمشتري كان وزيرا ثم مستشارا للرئيس آنذاك؟

3- البيان يقول إن الرئيس اشترى العقار قبل أن يصبح رئيسا وهذا صحيح ولكنه كان وزيرا للموارد المائية بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 ثم مستشارا أقدم لدى رئيس الجمهورية جلال طالباني منذ سنة 2010 فهل يحق للوزير والمستشار الرئاسي ما لا يحق للرئيس؟

4- سؤال أخير من باب الفضول: ترى هل تضمنت الذمة المالية التي يقدمها الرئيس في العادة إلى الدولة هذا القصر أو قيمته النقدية؟

***

علاء اللامي

.....................

الصورة: هذا القصر الباذخ أو القلعة الجميلة التي اشتراها الرئيس حين كان مستشارا للرئيس بأربعة ملايين ونصف المليون دولار وأجَّرها للسفارة الكويتية وسدد ما تبقى من ثمنها من الإيجار!

رابط الصورة:

https://non14.net/150391

* رابط بيان التوضيح الرئاسي: رئاسة الجمهورية ترد على خبر مفبرك بشأن الاستيلاء على أحد العقارات العائدة للدولة

https://imn.iq/%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AE%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D9%81%D8%A8%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86/?fbclid=IwAR3BoDyws2jPuNdalPmMaQ8IuFJuLiaYr97RuvA4ffZKlE8iE3Sy8R_Ig8I

واحدة من أهم نتائج ملحمة الصمود الغزاوي، التي حركت المياه الراكدة في العالم، وفي المنطقة العربية، هي إعادة القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، حتى بات الحديث عنها، حاضرا في كل لقاء أو مؤتمر أو تصريح، وبالتحديد إقامة دولة فلسطين على الأرض الفلسطينية، قبل الخامس من يونيو 1967. هذا الحديث لا يقتصر على الساسة الأمريكيين، بل شمل كل المسؤولين العرب وحتى في الجوار الإسلامي.

ولكن كيف تتمكن أمريكا والغرب الاستعماري؛ من إجبار إسرائيل على الموافقة أو الجنوح إلى الحق والعدل؛ بإقامة دولة فلسطينية، وهي مجتمعة لم تتمكن من إجبارها على وقف مذابحها هذه على غزة، على الرغم من مضي ما يقارب الخمسة أشهر من القتال هناك؛ وكيف تستطيع لي ذراع إسرائيل وجعلها تقبل أن تكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة، وفي الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل جرائمها البشعة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، من دون أي ضغط حقيقي وفعال عليها، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك والريبة في الدعوات التي ما انفكت تدعو لها أمريكا والغرب الاستعماري، وحتى دول التطبيع المجاني العربية، إذا افترضنا أن حسن النية متوفرة لدى مسؤولي أمريكا ودول الغرب، مع أن هذا الافتراض هو افتراض غير واقعي، فهذه الدعوة تعيد إلى الذاكرة؛ الدعوة التي كان قد أطلقها بوش الأب عام 1990، الغرض منها؛ تحجيم وامتصاص ردود الأفعال، سواء ما كان منها في الوطن العربي أو في الجوار الإسلامي أو في العالم.. نتنياهو حين أكد أن إسرائيل لا تريد أن تقام دولة فلسطينية، ما كان من أصحاب دعوات الاعتراف بدولة فلسطينية وضمها إلى الأمم المتحدة؛ إلا الصمت أو السكوت على تصريحاته.. المسؤولون الغربيون لم يردوا على نتنياهو، بل على العكس يستمرون في دعم إسرائيل بكل وسائل الدعم من الذخيرة والحماية من المساءلة الدولية عن جرائمها هذه، وهي جرائم لا مثيل لها في التاريخ. المسؤولون في المقاومة الفلسطينية، يدركون تماما، أن هذه الطروحات ما هي إلا لعبة للتخدير أولا، وثانيا لتصفية القضية الفلسطينية؛ بإيجاد الحلول البديلة التي ليس من بينها دولة فلسطينية حقيقية ومستقلة وذات سيادة كاملة غير منقوصة، بل دولة مقعدة بشلل رباعي؛ تحتاج إلى عون الآخر الصهيوني في ممارسة الحياة والتحرك على الأرض؛ لتوفير حاجات العيش.. بالشكل الذي يريده العراب الصهيوني، وليس كما تريد الدولة، التي تم أو سيتم وضعها على الكرسي المتحرك بأذرع الغول الإسرائيلي؛ الذي سوف تشعره هذه الدولة، أو توفر له الأمن والأمان والتحكم بها متى أراد. إقامة دولة منزوعة السلاح أولا، وثانيا منزوعة القرار، سواء في الداخل أو في المحيط العربي أو الإقليمي أو الدولي، ليست دولة. بعبارة أكثر دقة ووصف؛ هي حكم ذاتي لا دولة. من بين الأهم الذي عليهم، أي على أمريكا والغرب وحتى الدول العربية؛ أن يقوموا أو يعملوا على استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي يمنع الكيان الصهيوني من إقامة المستوطنات على أرض الضفة الغربية بصورة كاملة، وأيضا وفي السياق ذاته؛ استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي؛ لا يدعو بل يجبر الكيان الصهيوني على إزالة المستوطنات من الضفة الغربية بصورة كاملة أيضا. إلا أن أيا من هذا لم يحدث أو لم يتحدث عنه أي مسؤول دولي أو مسؤول عربي أو اقليمي أو إسلامي، وكأن الأمر غير ذي أهمية، أو ليس له علاقة بإقامة دولة فلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية، قبل الخامس من يونيو 1967. عليه فإن هذه الدعوات ما هي إلا ذر الرماد في العيون، وليس لها اي وجود حقيقي في أجندة الدول العظمى، وأولها وفي مقدمتها أمريكا والغرب الاستعماري.

إن إقامة دولة فلسطينية بالاعتماد على أمريكا والغرب الاستعماري وحتى روسيا والصين، وايضا الدول العربية وما اقصده بالدول العربية هي الأنظمة وليس شعوب العرب؛ هو وهم كبير فالحرية تؤخذ ولا تعطى، والشعوب بالجهاد والنضال والكفاح؛ تجبر المحتلين على المغادرة. دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى أقل تقدير واحتمال ما كان لها أن تستمر في احتلال فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة)، وتواصل رفضها سواء المخفي سابقا أو الظاهر حاليا؛ لولا الدعم الأمريكي اللامحدود، والمفتوح بلا حدود وكوابح ومحددات. من المعروف؛ أنه لا بد للدول؛ أن يكون لها رأي وموقف يؤخذ بهما، ويكون لها اعتبار وأهمية في ما يخص علاقاتها أو تأثيراتها في المحيطين الإقليمي والدولي؛ وهو استثمار مواقعها الجيوستراتيجية، كما هو موقع الوطن العربي، إضافة إلى الثروات المعدنية وعلى وجه التخصيص؛ النفط والغاز. إن الأنظمة العربية لم تستثمر هذا في علاقتها مع القوى العظمى والكبرى؛ وفي فرض مواقفها ورؤيتها السياسية بما يحفظ لها حقوقها وبالذات حق الشعب العربي الفلسطيني؛ كون القضية الفلسطينية هي كما قالوا في السابق، وهي كذلك من الناحيتين الواقعية والموضوعية؛ قضية العرب المركزية. كما أن كل المصائب في الدول العربية، وجميع كوارثها، ومنها الاحتلال وتخليق الفوضى والاضطرابات والحروب الأهلية في هذه الدول والشعوب العربية؛ هي التأمين المستدام لأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل إن القوى العظمى والكبرى هي من استثمرت هذه القدرات والإمكانيات العربية لصالح سياساتها، سواء في المنطقة العربية أو في المحيط الدولي، أو في دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي. كمثال وليس الحصر؛ النظام السوري؛ لم يتحرك ولو خطوة في دعم غزة الصامدة. لماذا؟ لأن روسيا تمنع النظام من التحرك في هذا الاتجاه إلا حسب خططها ورؤيتها هي، وليس النظام السوري، الذي يتعرض منذ سنوات إلى هجومات إسرائيلية تكاد تكون يومية. روسيا تمنع النظام من أن يفعّل منظومة أس 300 وأس 400 ولو فعّلها؛ لما تعرض الجيش السوري لكل هذه الهجومات. الأمر ذاته ينطبق على بقية الدول العربية، ولو بدرجات وأوضاع مختلفة ومتباينة، لكنها كلها تقع على الخط ذاته. الاستثناءان الوحيدان هنا هما حركة أنصار الله في اليمن، وحزب الله في جنوب لبنان، ولو أن الأخير يوفر الدعم للمناضلين في غزة؛ بطريقة الاشتباك المسيطر عليه حتى اللحظة. وفي رأيي، ربما كبيرة جدا؛ أن يخرج هذه الاشتباك عن السيطرة؛ بإرادة صهيونية. حركة أنصار الله في اليمن؛ هي الوحيدة التي وفرت دعما غير محدود، بل مؤثرا جدا على دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى عرابيها الأمريكي والغربي. ماذا لو فُعِلَ العرب من أجل دعم المقاومة الفلسطينية؛ الموقع الاستراتيجي والثروات؟ هل تستمر أمريكا في مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المذابح في غزة؟ الجواب: كلا وألف كلا، بل العكس تماما هو من يتسيد الواقع لصالح نضال الفلسطينيين.

***

مزهر جبر الساعدي

 

لايخفى على أغلبنا أن شرائح المجتمع العراقي جميعها، طالتها مآسٍ عديدة على مر العصور، ونالها ما نالها من الضيم والقهر الكثير، ليس من الدول التي تعاقبت على احتلال البلد فحسب، بل على يد بعض من تسلطوا عليه من أبنائه، وتسنموا مراكز قيادية في مراحله كافة وعلى أعلى المستويات، فكانوا بئس الولاة على أبناء جنسهم وذويهم، في الوقت ذاته كانوا نعم الأذناب وخير تبّع للغريب والمحتل والطامع، فجسدوا بفعلهم هذا قول معروف الرصافي:

كلاب للأجانب هم ولكن

على أبناء جلدتهم أسود

والتاريخ الحديث زاخر بمثل هذا الشخصيات، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حتى يومنا هذا، إذ نرى بين الحين والآخر بروز شخصيات تحمل الجنسية العراقية، وتنطق من اللهجات البغدادية او الموصلية او الأنبارية او البصراوية، او تتكلم اللغة الكردية، إلا أنها في حقيقة الأمر تعمل ضد العراق، وضد العراقيين من محافظاته وقومياته كافة. وفي كل أحوال المتسلط على حكم فئة او مجموعة او بلدة، ومهما كبرت او صغرت الرقعة التي يحكمها، فهو مسؤول عن كل ما يحدث لرعيته وما يتعرضون له، ومن ضمن واجباته الوطنية والأخلاقية، أن يدرأ عنهم الشرور والأضرار من أي مصدر تأتي منه، وهذا النهج يسير على خطاه الإنسان السوي حصرا، فمن المؤكد أنه يُدخل في حساباته مسؤوليات الراعي تجاه الرعية، كذلك مسؤوليات الرأس أمام المرؤوس، وسيكون العمل الصالح برنامجه وديدنه، وسيعتمد المهنية في إتقانه، وسيحرص على المثابرة في مراحل عمله، وستثمر بالتالي حساباته هذه عن معطيات ونتاجات تصب بالنتيجة في صالح الجميع. أما لو كان غير سوي، فإنه سيضرب كل هذه القيم والمبادئ عرض الحائط، وسينأى عن طريق الصواب بأشكاله كلها.

اليوم ونحن نعيش حقبة رئيس وزراء يختلف عمن سبقوه -بشهادة كثيرين- فقد أعلن بنفسه أن حكومته هي حكومة خدمات، وهو ماضٍ في طريق تحديث مؤسسات البلد وإنعاشها، بتكليف قيادات تنفيذية مهنية تقوم بواجباتها كما يُفترض، وبذا يكون من أولى مسؤولياته اختيار الشخص السليم ووضعه في المكان السليم، سواء أكان وزيرا أم وكيل وزير! ويدخل ضمن مسؤليته أيضا الانتباه لمن سيأتي بهم الوزير من مديرين عامين. وبذا على السوداني التحلي بصفة من صفات الذئب، تلك هي أن ينام بعين مغمضة وأخرى مفتوحة، وليأخذ من تجارب من سبقوه عظة وعبرة، وبغير هذا سيكون النكوص حليفه، والارتقاء الذي ينشده سيتبدل الى هبوط الى أسفل السافلين.

إن على السوداني وضع السلبيات التي لازمت نفرا من شخصيات الماضي أمام ناظريه، والتي مازال جلها يمارَس حتى اللحظة، إذ أن كثيرا من ساستنا ومسؤولينا، نأوا عن العمل الصالح أيما نأي، واستبدلوه بأعمال لاتمت الى الصلاح والفلاح والعرف الإنساني والوطني ولا الى الضمير بصلة، وآثروا عليها المصالح الشخصية والمآرب الخاصة، وخدمة أسياد لهم جندوهم لأطماع شتى، بين مادية وسياسية وإقليمية فضلا عن العرقية والطائفية، هاملين مصالح من اصطبغت أصابعهم تأييدا بنفسجيا لكتلهم وأحزابهم التي أتت بهم، متغافلين عن مراعاة حقوق الفرد من رعيتهم.

لقد ارتدوا لباس الراعي المسؤول عن الرعية وهم يبطنون غير ذلك، وتقوّلوا بالكلام السليم وحادوا عنه، وأطلقوا الوعود المعسولة وأخلفوها، وقطعوا العهود الموثوقة ونكثوها، وأقسموا بالله العظيم وحنثوا بيمينهم، وادعوا الإصلاح وأشاعوا الخراب، ومازال دأبهم هذا لغايات لاتخدم البلاد والعباد، فاستباحوا حقوق شعبهم، وتركوا المواطن يدور داخل حلقة مفرغة، ما كاد يمسك طرفها، إلا ضاع منه طرفها الثاني، وقد طال به المسير دون جدوى، وحذا حذو المرحوم (أبو سرحان) بقوله:

أمشي وأگول وصلت والگنطره بعيدة

***

علي علي

منظمة التحرير لم تعد القوة الاكبر جماهيريا، والقول بانها" الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" فندته انتخابات 2006، وبالتالي فان احياء المقولة هو تكريس للنهج الاستسلامي الذي ابتدعته فتح، وتسفيها لتضحيات بقية الفصائل وانتقاصا من شانها. 

منظمة التحرير القت البندقية جانبا ورفعت غصن الزيتون .ودخلت مع الصهاينة في اتفاقيات مشبوهة منها اسلو، واقامة سلطة فلسطينية مهمتها الرئيسية هي حماية الكيان المغتصب والزج بالمقاتلين في السجون او التبليغ عنهم ليفعل بهم العدو ما يريد، في مقابل اموال تعود بالنفع على سلطة رام الله وكوادرها الفتحاويون.

منذ ثلاثين عاما (اسلو) والعدو الصهيوني يقضم عند كل مطلع شمس اراضي الضفة لبناء مستعمرات عليها يقطنها المتشددون الصهاينة حتى اصبحت المستعمرات كالفسيفساء بالضفة الغربية تقطع اوصالها ما يجعل استحالة اقامة الدولة الفلسطينية وفق قرار التقسيم، بمعنى الحديث عن دولتين ما هو الا ذرا للرماد في العيون، ومع مرور الوقت ستصبح الضفة بأكملها ملكا للصهاينة، وحينها قد تبقي سلطات الاحتلال على الفتحاويين بالضفة لانهم قدموا لها خدمات فاقت التصور، أو تجبرهم سلطات الاحتلال على الرحيل بعد انتهاء المهمة، بالتأكيد سوف يلحقون بأبنائهم بأمريكا والدول الغربية حيث انفقوا اموال المساعدات للسطلة في شراء الفلل والعمائر وانشاء الشركات المتعددة.   

اجتماع الفصائل في موسكو خطوة جيدة لتوحيد صفوفها، لكن البيان الصادر عنها ذو التسع نقاط (العاشرة –تحية جنوب افريقيا)، نحسبه تعبير انشائي مللنا قراءته، ولن يتحقق أيا منها، لان من سيقوم بالعمل على تنفيذها او جزء منها هي منظمة (فتح) باعت الوطن ومن عليه بابخس الاثمان والاكثر من ذلك انها تقوم بحراسة الصهاينة.

ان انضواء الفصائل الجهادية (المقاتلة) تحت مسمى منظمة التحرير، سوف يدجنها ويجعلها تعترف بالكيان الغاصب عاجلا ام اجلا، على غرار اعتراف منظمة التحرير وزعيمتها فتح بمعنى الاستمرار في النهج الاستسلامي الذي يفوده ابي مازن وزمرته. فالصهاينة اعلنوها صراحة انهم لا يعترفون بدولة فلسطينية الى جانبهم مهما كلفهم الامر، نجزم من خلال تصريحات السلطة الفلسطينية، انها تسير في نفس النهج الذي يريده الاعداء، من لم يذد عن (حوضه!) بسلاحه يعش ابد الدهر ذليلا تابعا .

قرابة الخمسة اشهر والقطاع يتعرض لإبادة جماعية، الصهاينة والغرب يمعنون في القتل، وأخرها حتى الساعة هي مجزرة الطحين، اتوا للحصول على الاكل فاذا بهم يتعرضون لقصف بربري، يسقطون وهم جوعى بينما يتفاخر الحكام العرب بانهم يقومون بعمليات لانزال المؤن جوا، بينما يغلقون حدودهم البرية، إنهم يتامرون مع الصهاينة وامريكا على واد القضية الفلسطينية، حكامنا يضعون ايديهم في يد امريكا وهي التي استخدمت الفيتو ضد أي قرار يدين الصهاينة، حرب غزة اظهرت السلطة والحكام العرب على حقيقتهم، لم يجرؤ أي من الحكام على تعليق علاقاته مع العدو، لأنهم يخافون على مصيرهم فبقائهم في السلطة وفق ارادة امريكا، قالها ترامب ذات يوم، فهو سيدهم وصاحب الفضل عليهم.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

في سلسلة من الإغتيالات لن تتوقف على ما يبدو بالعراق شهدت العاصمة بغداد قبل أيّام محاولة لأغتيال الشخصية الوطنية والثقافية، الكاتب ورئيس مؤسسة المدى للنشر ورئيس مجلس السلم والتضامن العراقي السيّد فخري كريم، الذي كان في طريقه لبيته مغادرا معرض بغداد الدولي حيث معرض العراق الدولي للكتاب. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتعرض فيها كتاب ومثقفون وناشطون سياسيون وعلماء وأطباء وعسكريون لمحاولات أغتيال في العراق ولن تكون الأخيرة، طالما ظلّت الدولة عاجزة عن أستخدامها لوسائل العنف الخاصّة بها، ومنع أيّة جهة غيرها عن حقّ أمتلاك السلاح. ووسائل العنف عند الدولة (أيّة دولة) هو عنف مشروع من الناحيّة السياسيّة عند بعض المفكرّين، وعمليا لا توجد دولة أو سلطة على مرّ التاريخ لم تستخدم العنف. وفي هذا الجانب يقول ويرث ميلز: كل السياسات صراع حول السلطة، والعنف هو الشكل الأخير للسلطة. فيما ذهب ماكس فيبر في تعريفه للعنف المشروع الى تعريفه للدولة من أنّها: هيمنة الإنسان على الإنسان باستعمال العنف المشروع. والدولة التي تستخدم العنف "المشروع" كأداة للقمع ومصادرة الحريات وأخضاع المعارضين لها، هي دولة تسلطيّة عنفية لا ديموقراطية، كون العنف هنا هو السلطة، وفي هذه الحالة يكون عنف السلطة هذا وسيلة لحماية طبقة أو قومية أو طائفة أو حزب سياسي، وليس تنازل الشعب لبعض حقوقه للدولة (القانون) من أجل حماية المجتمع من عنف جماعات مسلحة تمتلك السلاح خارج السياقات القانونية، أو من عنف أهلي بين أبناء الشعب الواحد لأسباب مختلفة. ليست وسائل العنف هي الوحيدة التي على الدولة أمتلاكها، لتعلن عن نفسها من خلال عقد أجتماعي بينها وبين الجماهير، بل على الدولة في سعيها لبسط القانون، إمتلاك جهاز أمني هدفه حماية الناس وليس ملاحقتهم أو تغييبهم وقتلهم. فالأمن الداخلي مهم لأستقرار البلاد، كما وسائل العنف الأخرى كالجيش والشرطة.

من الواضح أنّ وسائل العنف بالعراق اليوم ليست حكرا على الدولة، فالأذرع المسلّحة للأحزاب المختلفة وعلى الأخص تلك التي تهيمن على المشهد السياسي في المركز أو الأقليم، تمتلك كما الدولة وسائلها للعنف التي أستخدمتها في الصراع الطائفي الذي عاشته البلاد، أو القومي كما المواجهات بين المركز وإقليم كوردستان، أو فيما بين أحزاب ذات آيديولوجية واحدة لكنها مختلفة على توزيع الغنائم. وعمليات الأغتيال التي جرت والتي ستجري مستقبلا، هي جزء من عنف غير شرعي تقوم به مجموعات مسلحة تعمل خارج نطاق الدولة وإن كانت منضوية تحتها قانونيا ودستوريا، وبالحقيقة فأنّ الدولة عندنا لا تمتلك هي الأخرى اليوم عنف شرعي، لماذا..؟

كما ذكرنا أعلاه، فأنّ الدولة يجب عليها أمتلاك الأجهزة الأمنية وأحتكارها، لأنّ عدم أحتكارها للأجهزة الأمنية يعني وجود أجهزة أمنية رديفة قد تعمل لصالح أجهزة أمنية تابعة لدول أخرى، أو تعمل على مراقبة معارضيها وتصفيتهم. فهل محاولة إغتيال رئيس مؤسسة المدى المعروفة بدورها بالدفاع عن أنتفاضة تشرين وفتح ملفّات فساد السلطة ورجالاتها، والأخطر بنظر قوى الظلام أهتمامها بالكتاب وتطوير الثقافة المجتمعية، هو جزء من نشاط أجهزة أمنية غير تابعة للدولة...؟

أية محاولة أغتيال سياسي بالعراق وفي أي مكان بالعالم يسبقها جهد أمني، يدرس تحركات الشخص وخط سيره ومواعيده وعدد مرافقيه ونوع الآلية التي يستقلّها ومميزاتها، لتنتخب المجموعة المكلّفة بالأغتيال بعدها الزمان والمكان المناسبين لتوقيت العملية. والدولة بالعراق اليوم عاجزة عن حصر السلاح بيدها رغم ضجيجها الأعلامي، لكن أن تكون هناك جهات أمنية نشطة وتعمل على مرأى ومسمع الدولة وتصدر بيانات عن أنشطتها ونجاحاتها، فهذا أمر غير مقبول وطنيا وإن كان نجاح ذلك الجهاز الأمني له مقبولية على الصعيد الشعبي. فإعتقال إرهابي متمرس بالقتل بعد مراقبة أمنية دقيقة، هو من مهام الأجهزة الأمنية والأستخباراتية التابعة للدولة وليس غيرها، وعلى تلك المنظمات والأحزاب التي نجحت في متابعة هذا الأرهابي أن تعطي معلوماتها لأجهزة الدولة كي تتخذ اللازم، لا أن تصدر بيانا علنيا يحرج السلطة التي أكتفت بالصمت، فبيان قيادة عمليات أستخبارات سرايا السلام عن أعتقالها لأرهابي مطلوب وفق المادة الرابعة إرهاب، يعني إمتلاك أحزاب السلطة وأذرعها المسلّحة في بغداد وكوردستان لأجهزة أمنية تعمل بشكل منفصل عن أجهزة الدولة الأمنية، وبعض من هذه الأجهزة هي من قامت بمحاولة إغتيال رئيس مؤسسة المدى وعمليات الإغتيالات السابقة...

على الدولة إن ارادت تعزيز فرص الأمن وبناء المجتمع ونبذ التمايز الطائفي القومي، والسير في عملية البناء الديموقراطي التي لا زلنا نقف عند خط بدايتها، أن تحتكر السلاح وأجهزة الأمن دون تلكؤ..

كلمّا سمعت كلمة مثّقف تحسست مسدسي ... (النازي جوزيف غوبلز)

***

زكي رضا - الدنمارك

قبل بضعة ايام طرق بابي جاري الجنب يرجوني مساعدته وعارضا عليّ القيام بتدريس ابنه شيئا ولو يسيرا من قواعد النحو وانه لجأ اليّ راجيا مني القيام بتدريسه  وابداء المساعدة في رفع مستواه باللغة العربية وقد اضطر للجوء اليّ بسبب وضعه المالي المتردي واستنزاف جزء غير قليل من دخله الشهري لمصروفات الدروس الخصوصية الباهظة .

احسست بالحرج اولا لكنني وافقت ان اقوم بتدريسه بعض المحاضرات العسيرة الفهم  تطوّعا لاني اعرف الرجل الحريص على اولاده لا يقوى على تحمّل اجور التدريس الخصوصي مع حرصه الشديد على تطوير مهارات اولاده الدراسية واهتمامه بتفوّقهم بسبب الضائقة المالية التي يعاني منها .

وتساءلت من نفسي؛ لماذا يحدث كل هذا الارهاق على ارباب الاسر وتزيد من همومهم هموما أخر؟  بعد ان تفاقمت هذه الظاهرة المقلقة بشكل ملفت للنظر اذ اصبحت الاسر الفقيرة والمتوسطة الدخل تعاني وضعا اقتصاديا صعبا وأخذت تستنزف الكثير من ميزانية الاسرة  جرّاء الدروس الخصوصية حتى ان قسما اكبر من العوائل  أخذت تقلل من المصاريف الضرورية ومن لقمة الخبز لأجل توفير مبالغ أتعاب تلك الدروس .

كلنا نعرف مدى الانحدار في مستوى التعليم الحاصل في بلاد الرافدين الآن حيث وصلت الى مستويات معيبة بعد ان كان العراق سبّاقا معظم الدول العربية وحتى دول آسيا والشرق الاوسط في رقيّه العلمي ومستويات التعليم الاساسي والمتوسط والثانوي والجامعي وما بعده .

رحم الله سنوات دراستنا الجادة يوم كنا نكتفي بالحصص الدراسية الوافية في الفصل مع القليل من الساعات في التحضير اليومي والمذاكرة في البيت، يوم كان المعلم يمرّ على الطلبة واحدا واحدا ليتأكد بنفسه من استيعاب الدرس الجديد ويستفهمون منا عن اية صعوبة قد تصادفنا لإعادة شرحها، ولست أنسى ابدا معلمينا الاوائل العظام حقا حين كانوا يجيئون عصرا لإعطائنا دروسا إضافية وإرغامنا على حضورها بلا ايّ مقابل مادي فيما لو أحسّوا ان طلابهم لم يستوعبوا الدروس تماما .

 الان يحدث العكس حيث يعمد البعض من الاساتذة في الصفّ الى جعل المادة الدراسية غائمة ولا يعطون المحاضرات حقها الوافي في الشرح ويتعمّدون التمويه لغاية في نفس يعقوب أملا في الحصول على مزيد من حلقات الدروس الخصوصية وملء الجيوب الممتلئة أصلا، ربما كنّا نبرر هذا المسلك يوم كان المدرس يشقى ايام الفاقة والحصار وضآلة الراتب الشهري غير أننا الان لا نغفر للمدرس تصرّفه الغريب الذي يهدف الى تحريف رسالة المعلم السامية وتلويثها بالمطامع المادية وبذاءة جمع المال على حساب تطوير المهارات التربوية.

هناك اساتذة ومدرسون جعلوا بيوتهم معاهد وفصول دراسية وخصصت غرف البيت صفوفا معبأة بالرَحلات والسبورات وحتى وسائل الايضاح وغيرها ترغيبا للطلبة الضعيفي المستوى حتى يشار اليه باعتباره مدرّسا متميزا عن اقرانه المدرسين غير الحاذقين الذين لا يحسنون اللعب على الحبال ويعجزون عن الحصول على طالب واحد او ممن يأنفون من ممارسة تلك الظاهرة حفاظا على مبادئهم ورسالتهم السامية، مما يولّد فروقات طبقية واضحة حتى بين اوساط المعلمين والمدرسين انفسهم فالمدرس الذي يلهث وراء الدروس الخصوصية لا يتوانى في الأغلب الأعم من إنجاح الطالب الفاشل والكسول مادام يغدق المال وفق قاعدة " الدرس الخصوصي مقابل الدرجات العالية  " فتنقلب الموازين العقلية ويسمو الجاهل على زميله المجدّ المجتهد ويعمّ الخراب في العمليات التعليمية والتربوية حتى تصبح الدروس الخصوصية جريمة اخلاقية ظاهرة للعيان يرأسها معلمون لا يقلّون ذنبا عن بقية عتاة الجرائم الاخرى المشينة وتصير آفة تنخر المجتمع كما تقول الشعارات المعلّقة في جدران المدارس من قبل وزارة التربية .

ومع ان وزارة التربية ظاهرا تحارب هذا المسلك لكنها لا تتخذ الإجراءات الجادة والسريعة لفرض العقوبات الصارمة على منتسبيها العاملين من المعلمين والمدرسين وتكتفي باغراق المدارس والمؤسسات التعليمية بالشعارات واللافتات التي تدين تلك الظاهرة دون اجراءات عملية تقطع دابرها، ولو استثنينا مبادرتها المتواضعة في فتح قناة تلفزيونية تعليمية من قبل التلفزيون التربوي التابع لها وعرض محاضرات للطلبة لكنها لم تستطع ان تنافس ذلك السيل الجارف من كارتل المدرسين الذين امتهنوا التدريس الخصوصي تجارة رابحة افرغت جيوب الآباء والامهات اذ عجزت تماما عن ايقافها عند حدها او على الاقل التقليل منها وتضييقها.

خففوا العبء الثقيل عن كاهل ارباب الاسر المتعبين ايها المعلمون الرسُل المبجّلون ولا تدعونا  نأسف يوما ما ونقول لكم: كاد المعلم ان يكون أكولا .

***

جواد غلوم

 

مجتمعات الكلام عظامية المنطلقات ومعبّأة بالأساطير والأوهام، بينما مجتمعات القوة والإقتدار كلامها يُخبر عن عمل مُنجَز وفعلٍ دائبٍ أبرز.

العظاميون يخوضون في الغابرات ويستحضرون ما ضمته الأجداث، ويتفاخرون بالماضيات، وهم عن حاضرهم ساهون، وبالكلمات يتلهون، وفي ضعفهم وتبعيتهم يتمرغون.

القوي فيهم مَن إعتمد على غاصبٍ أثيم، وتربّع على عرشٍ سقيم، يدّعي ما يدّعيه ويوهم ما حوله بما ليس فيه.

والأمم التي لا تجيد غير إنتاج الكلام، أضاعت قيمة الكلمة ودورها في الحياة، فالجميع يجيدون الكلام والتفاعل مع الأيام بما يسمونه إبداع.

وتراهم لا يتفاخرون بالعلم والفكر والإنجازات المادية المعاصرة، بل بالشعر والشعراء، ويحسبون أنهم أقوياء بالشعر وحسب، فما قيمة آلاف الشعراء أمام مخترع مبدع في الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا المعاصرة؟

إن بعض المجتمعات إنحرفت في سلوكها وأجادت الإنقطاع عن عصرها، وتوهمت القوة في الشعر، والتصديح الفارغ الصارخ فوق المنابر.

كما أن العمائم المنبرية هي الأخرى تتوهم بأن خطبها التعسفية التعبوية إنجازها الأعظم، وقدرتها على تحويل المستمعين إلى تابعين مستعبدين بإسم خرافات وأضاليل يسمونها دين.

فكيف يمكن لمجتمعات الكلام أن لا تُضام في عصرنا التكنولوجي الدفاق، الذي تتسابق فيه العقول للإتيان بجديد متميز مؤثر في مسيرة الحياة؟

عليها أن تستفيق من غفلتها، وترى النور ببصيرة الألباب ، وتفتح الأبواب، وترنو إلى حاضرها ومستقبلها بعيون العزم والإقدام، فقد "بلغ السيل الزبى"، وتناهبتها الوحوش المفترسة، وهي المسطولة بخمور البهتان المعتقة في أوعية الأدينة القاضية بالنيل من قيمة البشر، ومصادرة حريته وكرامته، وتحويله إلى محكوم بالسمع والطاعة، والتبعية والخنوع المطلق للمتسلطين على مصيره المجهول.

فهل من فعل يتكلم وإنجاز به الإنسان فخور؟!!

و"ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" النحل: 32

***

د. صادق السامرائي

 

بالرغم من كم ونوعية السلاح الذي يتدفق إلى دولة الاحتلال من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، مضافا إليه ما تقوم الدولة نفسها بتصنيعه وتفاخر به، إلا أن مشكلة عدم إحراز أي انتصار أو تحقيق هدف لا تكمن بهذا الكم وذاك النوع إنما الحقيقة تكمن بعقيدة من يستخدم هذا السلاح.

إن من الأسباب التي تدفع جنود الاحتلال لدخول حرب كالتي تدور رحاها اليوم ٢٠٢٣_٢٠٢٤ في غزة، تمسكه بالحياة. يتخبط وهو متحصن داخل طائرة يقصف ويدمر بها من الجو أو من داخل دبابة أو بناية. حيث إن ما يقوم به لا يسمى قتالا فالقتال يحتاج إلى جرأة ومواجهة وهو لا يمتلك هذه المميزات بالرغم من أنه مدجج بالأسلحة وواقيات الرصاص. ويبقى الميدان يشكل فوبيا بالنسبة له لأن من يقف له في هذا الميدان مقاوم مدجج بعقيدة، يقاتل من أجل دين وأرض وعرض.

كما أن الحروب المتكررة على غزة جعلت من ذلك الصغير الذي فقد عائلته مقاوما احتقن كرهه لهذا العدو القاتل ولم ينسى.

فأمام المقاوم وإرادته الفولاذية ينهار الشاذ المحتل،  أمام إقدام المقاوم على الموت دون خوف نجد هذا الجبان يرتعد.

كيف لا وغزة هي الجبهة الأولى التي انطلق منها الفدائي الفلسطيني لتحرير فلسطين مطلع الخمسينات من القرن العشرين؟

وليس غريبا أن نجد جنود الاحتلال خلال الحرب على غزة يعانون حالات نفسية،  يعانون من الاكتئاب، الكوابيس نوبات القلق والذعر المفاجئة، حالات من الهلع والانتحار بإضرام النار في أنفسهم. كما تعدى الأمر إلى قتل الجندي لزميله ورفض الذهاب إلى غزة للمشاركة في المواجهة.

وقد أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن قسم التأهيل في جيش الاحتلال أطلق برنامجا لمساعدة الجنود الذين يعانون من الاضطرابات النفسية بسبب الحرب على غزة.

ومن الطبيعي أن يعاني أكثرهم من صدمات نفسية وكوابيس من هول ما ارتكبت أيديهم، من رؤية جثث زملائهم الذين قتلوا بنيران المقاومة. والأهم شراسة المقاومة التي تسببت لهم بالصدمات والاضطرابات التي رافقتهم حتى بعد خروجهم من غزة.

وحسب تقارير عبرية فالمستشفيات تحقن الجنود المصدومين بمواد مخدرة ليتمكنوا من النوم.

 وتبقى غزة هي المقلقة وهي الرعب لدولة الاحتلال.

***

بديعة النعيمي

المجتمعات المتقدمة في النصف الغربي من الأرض، تعترف بوجود الطائفية والعنصرية والمذهبية وغيرها من المسميات، التي تضع البشر في كينونات متفرقة ومتنافرة، فهي واقعية وذات إرادة لتأكيد السلوك الوطني الجماعي المتآلف بين الأعراق والفئات ، وترى أنها من ضرورات القوة المجتمعية والإقتدار الوطني المتميز!!

وفي واقعنا الذي فيه القليل مما في تلك المجتمعات، ترانا في تصارعات تبدد الطاقات وتضعف القدرات، وتلغى معاني المصلحة المشتركة والمجتمع المتآخي الواحد.

والسبب أن المجتمعات القوية قد نظمت العلاقة بقوانين صارمة ودستور جامع، فلكلٍ الحق فيما يعتقده ويراه، وعليه أن يحترم الآخرين ولا يفرض ما عنده عليهم، فهذه جريمة يحاسب عليها القانون، وهي تترجم منطوق " لا إكراه في الدين" أو المعتقد، ولكلٍ ما يرى ما دام في رأسه عقل فاعل.

إن فرض رؤيتك على غيرك بأي أسلوب، إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وعدوان سافر على حياة الآخرين، المستهدَفين بدعوتك، أيا كانت.

إعتقد كما تشاء، ولا تدعوني لأن أرى مثلما ترى، فلكل منا عقله وزاوية نظره، وبموجب هذا العقل نحن مخيّرون لنكون بأعمالنا أمام أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، "يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليم".

و"إنا خلقناكم شعوبا وقبائلا لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"

و"يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة...."

هذه قيم أخلاقية دينية، أنكرناها وأصبحنا أعداء بعضنا، ننهى عن المعروف ونأمر بالمنكر، وكأننا عصبة أباليس الشرور والبغضاء، سكارى بعواطفنا السلبية التي يؤججها أعداؤنا فينا، ليسخروننا لخدمة مصالحهم ونحن في غفلتنا عامهون.

فمجتمعاتنا أمضت القرون بضوابط أخلاقية تردعها من الشطط والإنحراف المهين، حتى أطل القرن العشرون، وبدأت الصولات النفسية والفكرية على وجودنا، فتحوّلت أمة العرب إلى كينونات متناحرة متنافرة، تكيد لبعضها المكائد الشنعاء.

و"جاهد عدوك ما استطعت جهاده...أما أخاك فما استطعت فسالمِ"!!

فهل عندنا للألفة مَقام؟!!

***

د. صادق السامرائي

يكون قد مرَّ، بين (1982) و(2024)، اثنان وأربعون عاماً، ومحاولتا اغتيال تعرض لهما صاحب مؤسسة المدى للإعلام والثّقافة والفنون العِراقيَّة، الأولى ببيروت مِن قِبل نِظامٍ عارضه، والثّانيّة (22 /2 /2024) برصاص مَن عارضَ لأجلهِ. مرت أربعة عقود والزَّمن يجري معكوساً، في الأولى كان مطلوباً لشخصه، وفي الثَّانية لمشروعه، وأجدها أفجعَ وأفظعَ، إن صحت المفاضلة بين اغتيال واغتيال.

كان الأملُ، قبل أربعين عاماً، يحفز العمل لعراقٍ جديدٍ، وإذا فخري كريم حصد عمله، وحاله بالعراق الجديد، حال حمزةَ الصّياد، والقول لمحمَّد مهديّ الجواهريّ (ت: 1997): «مضى حَمزةُ الصَّياد يصطادُ بكرةً/ فآب وقد صادَ العشيَ غرابا» (بيتان لصديق صياد 1942)، محاولة اغتيال!

ما تعرض له صاحب «المدى»، نُفذ تزامناً مع معرض الكتاب ببغداد، الذي أسسه، وجرت محاولات لمصادرته بمعرضٍ آخر، فكان أصحاب المعرض المنافس كقوم دُريد بن الصِّمَّة (ت: 8هجرية): «وهل يُستبانُ الرُّشدُ إِلاّ ضُحى الغَدِ»، مرت عشرون عاماً ولم يفكروا بمعرضٍ ولا مشروع ثقافيّ، وكم غدت الثَّقافة مِن حصة ميليشيا في توزيع الحقائب.

كان معرضه سويةً مع معرض أربيل لربط الجبال بالسُّهول، للبقاء على لغة كلام مشتركة بينهما، خلال أيامهما يشعر العراقيون بوجود مَن يُنافح لمشروع ثقافي عراقيّ، خارج العقائد والذَّوبان في الولاية، والسَّابق حزب «ذوبوا في فلان».

كان حضور الإسلاميين في المعرضين علامةَ عافيةٍ وطنيةِ، ممَن رأوا في مشروعهم تعطيلاً للثقافة بمعناها الإنسانيّ، فمالوا إلى «المدى»، ولا أدري عن ردة فعلهم على الحادثة، فأحدهم احتج منتصراً ضد العنف، وآخرون سكتوا، فلا يريدون خسارة منافع الصّحبة القديمة.

أقول هذا لأنَّ محاولةَ الاغتيال، سبقتها تهديدات، على مدى سنوات طويلة، بسبب ما تنشره المدى ضد الإسلام السّياسيّ، المتحكم بالميليشيات والثّروات، وما نشرته مِن ملفات الفساد، ولو كان المطلوب غير صاحب المدى لانتهى قبل كامل شياع (2008)، المولع بالفلسفة، وصاحب المشروعٍ الثَّقافي الجدير بالاهتمام، والجدير بامتعاض الإسلاميين أيضاً، ففخري كريم لديه أدوات الحماية، لكنها تبقى محدودة مقابل كاسحاتهم.

لم تعد بغداد آمنة، فعندما يُهدد رئيس جمهورية، ورئيس وزراء بالاغتيال، والسّلطة تصبح وسيطاً بين عصابة الخطف وذوي المخطوف، فاعلم أنّ الأمر أكبر مِن السُّلطة نفسها. أقول نفد صبر الظّلاميين، أصحاب مشروع الخراب، على صاحب المدى، لأنه حاول حماية الثمانمئة متظاهر، وشيع لشعارهم «نريد وطناً» في جريدته وسط بغداد!

نفد صبر حيتان الفساد، لأنّ «المدى» تعاونت مع أحمد الجلبي (ت: 2015) بنشر ما جمعه مِن ملفاتهم، وكان مخلصاً في ما تقدم، بعد أن وجد نفسه مهملاً مِن قبل مَن وطأ لهم الغزو الذي أتى بهم.

تجاوزت «المدى» الخطوط الحُمر، وتصدت لمعارضة الإسلام السّياسيّ، لكنَّ غلطةً غلطها فخري كريم، كراهة لما شاع عن عودة البعث، فأخذ بيد أمين الدّعوة إلى ولاية ثانيّة (2010)، وكانت الأشر، وكلما تحدث عن كارثيتها، يعض أصبعه ندماً، ونَردُ لائمين: «كنت سلماً».

نجد المشروع مزدوجاً، الفساد والظّلام، والمدى اطمأنت للديمقراطيّة، تنشر حوادث الاغتيال والاختطاف، وأوكارهم العواصمَ وسط العاصمة، تعدت «المدى» حدودها، فصدرت الفتوى بتصفيتها! وعلى دعاة التّنوير، مهما عظمت الخصومة، ستطولهم فتوى التّصفية كافة، بيد تماسيحٍ جائعة للحومهم، لا يهادنون على مشروعهم التَّدميري.

أعود إلى الجواهريّ، فعنده ما يفيد، وإن اختلفت المناسبة، للتَّذكير بمجازر ستطول كل عقبة ضد الخراب، والمنفذون مؤمنون بفقهائهم، لا تُطلق رصاص إلا بفتوى: «هُناك تنتظِرُ الأحرارَ مَجزرةٌ/ شنعاءُ سوداءُ لا تُبقي ولا تَذَرُ/أكانَ للرِفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ/ أم كانَ عن حِكمةٍ أو صحبِهَ خَبَرُ/واللهِ لاقتِيدَ زيدٌ باسم زائدةٍ/ ولأصطلى عامرٌ والمبتغى عُمَرُ (تحرك اللِّحد 1936). ما يحدث اليوم، الاغتيال مِن شيم الكهوف.

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

 

سمعت في الأسابيع الأخيرة حكاياتٍ عن الفساد، ولفت نظري أنّ أصحابها دائماً ما ينهون حديثهم بجملة :" سنحارب الفساد " إلّا أنّ قصة طريفة عن الفساد استوقفتني حذرنا فيها أحد الشيوخ من " الفساد الترفيهي " الذي يرى فيه الشيخ خراباً للأمة.

فأن تفرح وتقيم حفلة تخرج للطلبة أو يتجمع الناس لسماع مطرب، فهذا قمة الفساد، أما سرقة عشرات المليارات من أموال الدولة، وانتشار المخدرات، وتفشي الجريمة المنظمة، والرشوة وبيع المناصب فهذه أمور بسيطة في نظر الشيخ، مادام المجتمع يرفض " الفساد الترفيهي ". لستُ في وارد مناقشة السيد رئيس هيئة النزاهة حول عمليات السطو والنهب التي تعرّض لها العراقيون خلال الأعوام الماضية وكان فيها الشيخ يرفع شعار " لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم ".

مؤشر طيّب أن يصبح الفساد الترفيهي، محلّ قلق للبعض، لكن هناك بيننا من يشرّع الفساد ويسمّيه ” الشطارة ” ويحوّل مؤسسات الدولة إلى ملكية خاصة يتقاسّمها بين أهله وعشيرته.

يعرف السيد الخطيب، أنّ العراق بحسب منظمة الشفافية العالمية يقع في المراكز الأولى في مؤشر الفساد المالي والإداري، ومثل هذا الفساد معروف من يقف وراءه ولا يحتاج إلى عبارات مطاطية مثل " فساد ترفيهي " وتخويف العراقيين من إقامة حفلات أو حضور مهرجانات فنية.

كان المرحوم لي كوان مؤسس سنغافورة الحديثة يقول إنّ " تنظيف الفساد مثل تنظيف السلالم، يبدأ من الأعلى نزولاً للأسفل ". ولذلك تمكن أن يبني دولة متعددة الطوائف، لا تملك موارد طبيعية، لكنها تملك ضمائر مسؤولين أنقياء ومحبّين لوطنهم، لتتحوّل معه الجزيرة الفقيرة إلى واحدة من أغنى مدن العالم.

أخطر ما في الفساد أن ينتج لنا أشخاصاً أطلق عليهم عمنا علي الوردي ذات يوم اسماً طريفاً هو " النهّاب الوهّاب "، وهو نموذج للشخصية الفاسدة التي تستغل نفوذها الوظيفي او الحزبي لنهب الأخضر واليابس، ثم تقوم هذه الشخصية بتوزيع فتات من الهبات على الفقراء من المواطنين من أجل أن يعيدوها إلى كرسي البرلمان.

20 عاماً ونحن نعيش لحظة في مجتمع مغلق، و خطباء يخافون من حفلات تخرج الطلبة، وأحزاب تغذّي نفسها من أموال السحت الحرام، فيما المواطن وحيداً في الشارع ينتظر من يؤمِّن له حياته وحاجياته وينشر الأمل والتسامح.

20عاماً من العمر مضت يامولانا الشيخ، والعمر به كم 20 عاماً حتى تريد منّا أن نعيش في هم وغم، بعد أن عشنا متفرجين على مهرجان النهب الوطني.

***

علي حسين

يعتمد الإعلام العبري أسلوب الانتقائية في المصطلحات باعتبارها قاعدة صحافية بما تضمر خلفها من عمق سياسي وعقدي. ذلك لأن هذا الإعلام يلعب دورا مهما في تعميق الوعي السياسي والعقائدي لدى متابعيه. ومن هنا نستطيع القول أنها تشارك في التأثير عليهم بقوة.

وقد اتسمت الحرب على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ كما حروب دولة الاحتلال السابقة. فاستخدمت عددا من هذه المصطلحات التي تخدم شعبها كما شعوب العالم بهدف الإقناع.

ومنها عملية طوفان الأقصى التي أطلقت عليها "العملية الإرهابية". وقد وسمت دولة الاحتلال العملية بهذا المصطلح بهدف تعميق فكرة أن ما فعلته المقاومة الفلسطينية بتاريخ ٧/أكتوبر من اقتحام لمستوطنات الغلاف وما رافقها ما هو إلا تعد على أمنها. فجاء ردها الوحشي من قصف وقتل وتدمير واستهداف للابرياء. فبرز مصطلح "الدفاع عن النفس" لتبرر ما ارتكبته ولا زالت من مجازر وعمليات إبادة جماعية وتهجير وتجويع وحصار وبقية العقوبات الجماعية الأخرى.

وعندما وقفت شعوب العالم ضد الانتهاكات التي يتعرض لها قطاع غزة تبجحت ب"طهارة السلاح" وأن حربها "أخلاقية". وما سقط من ضحايا ما هو إلا "أضرار جانبية" لعملياتها التي ادعت زورا وبهاتا أن الهدف منها تدمير "أهداف إرهابية".

وغيره من المصطلحات التي كمنت خلف قناع انتقائيتهم. غير أنني سأكتفي بما أتيت على ذكره.

لقد جاءت عملية ٧/اكتوبر ردا على الانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال طيلة عقود من هدم للبيوت ومصادرة أراض وأملاك وعمليات اعتقال ظالمة وغيرها الكثير لا يسعنا الإتيان عليها هنا. غير أن السبب الأهم يكمن في نية هذه الدولة عن طريق الجماعات اليمينية المتطرفة هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث ،وكانت مقدمات ذلك من خلال إقامة طقوس تلمودية داخل المسجد الأقصى واقتحامات ،كان ذلك قبل عملية الطوفان بأيام قليلة. فبأي أي حق تأتي دولة الاحتلال لوسم العملية بأنها إرهابية وهي من صنع الإرهاب؟

ثم كعادتها ادعت بان سبب الحرب كان بدافع الحفظ على أمنها والدفاع عن نفسها أمام هجمات المقاومة الفلسطينية وصواريخها، وهي التي بدأت بالاستفزازات كما هي عادتها؟ ففي عام ٦٧ بررت حربها بأنها بهدف الدفاع عن نفسها بينما هي تخطط منذ ٦٣ الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة وأن ما حصل في ٤٨ هو خطأ تاريخي أصلحته في ٦٧ فاستولت على كامل ارض فلسطين بعدما مارست استفزازها على من حولها.

واليوم ترتكب إبادة جماعية بحق أهل غزة وتبرر فعلتها من خلال غسل الكلمات وتزويقها أمام العالم.

وتذهب لتطلق على حربها الهمجية الدموية بحق المدنيين بانها "أخلاقية" وهي بعيدة كل البعد عنها. فهل تتمثل الأخلاق بالقتل، بقصف المستشفيات، بالإغارة على شبكات المياه ،بتدمير المساجد والمدارس والجامعات؟ فكيف يصبح المجرم أخلاقي في حرب كالتي تحدث في غزة؟ ثم يتبجحون بطهارة سلاحهم ،والطهارة براء منهم!

فالهدف بات واضحا من وراء استخدام مثل هذه المصطلحات المغسولة من قبل دولة الاحتلال في حرب لا أخلاقية كهذه ألا وهو إظهار براءتها وطهارتها أمام العالم وفي المقابل وضع المقاومة الفلسطينية في قفص الاتهام وأنها المعتدية.

***

بديعة النعيمي

 

لم يكن حدثاً عابراً ما صنعه الطيار الأمريكي الشاب آرون بوشنل، وقد أضرم النار بنفسه كشمعة؛ لتضيء الطريق للعم السام الذي أصابه الخرف والعمى، فمات قبل أن تزول الغمة عن أيقونة الشرف، غزة التي غيرت العالم وصارت محراباً للصلاة يلتقي أمامه شرفاء العالم مع ربهم الذي ألهم أهل غزة الصبر على حرب الإبادة في عالم يسوده الرياء ويتحكم به قانون النخاسة، والتضليل الإعلامي.

تخيلوا كيف تلتهب فكرة الحرية في رأس طيار فتيّ يدعى "آرون بوشنل" فيحلق في سمائها مشتعلاً كومضة برق، إيذاناً منه بسقوط أمطار الرحمة؛ لكنها تجف في يباب أرض تدعى الولايات المتحدة، كان قد احتلها ذات يوم رعاةُ البقر العنصريين من أصحابها الطيبين، الهنود الحمر، وأقيمت مداميكها الأولى على خراب بيوتهم، وقد ذرفت عيونُهم اليومَ الدموعَ حزناً على ضحايا غزة التي أحيت ذاكرتهم الغائرة في وجع الإبادة، غزة التي ضحى الشاب بوشنل -الغريب عنها مكانياً والقريب إنسانياً- بنفسه لأجل حريتهم المهدورة على يد جيش احتلال إسرائيلي عنصري نازي, بدعم أمريكي وبمؤازرة الخونة الأنذال.

ملخص الخبر أنه توفي طيار أمريكي في القوات الجوية الأمريكية بعد أقدامه على إضرام النار بنفسه يوم الأحد الماضي، أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، احتجاجا على جرائم الإبادة الجماعية بقطاع غزة.

وأفادت وسائل إعلام أمريكية أن "آرون بوشنل" ابن الخمسة وعشرين عاماً، أضرم النار بنفسه تعبيراً عن تنديده بالعدوان الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة.

واشتعل الفضاء الرقمي بمشاهد بوشنل خلال إضرامه النار في نفسه، وهو يرتدي ملابس عسكرية، ويُعرّف نفسه بأنه جندي نشط حالياً في القوات الجوية الأمريكية، ويقول: "لن أشارك بعد الآن في الإبادة الجماعية".

ما يثبت بأنه رفض أوامر قيادته العسكرية بالمشاركة في قصف غزة.

من جهتها أكدت القناة الثانية عشرة العبرية -التي تمثل الاحتلال المتسبب بالحادث-، مقتلَ الطيار الشجاع، منوهة إلى قوله في أنه "لن يكون متواطئا في إبادة جماعية" في غزّة، وكان يصرخ "حرّروا فلسطين".

الخبر بحدّ ذاته حرك مشاعر أحرار العالم؛ لكنه أيضاً أحبط الإسرائيليين الذين أدركوا كيف أن غزة المحاصرة، هي التي تحاصر "إسرائيل" وتحبسها إنفرادياً، في عالم انتفضت جماهيره على الظلم؛ لأجل إنقاذ أهل قطاع غزة من براثن نظام فصل عنصريّ متوحش، يعربد في الدم الفلسطيني المستباح منذ نكبة ١٩٤٨ دون رادع.

وتبدأ القصة على نحو ما قاله مسؤول في خدمة الإطفاء والطوارئ الطبية في واشنطن؛ إنهم تلقوا بلاغاً بأن شخصاً بالغاً أضرم النار في نفسه أمام مبنى السفارة "الإسرائيلية".

وقالت السلطات إن أحد أفراد الجيش الأمريكي أشعل النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن في عمل احتجاجي كما يبدو على الحرب في غزة.

وتم نقل الرجل إلى مستشفى بالمنطقة بعد أن تمكن أفراد من جهاز الخدمة السرية الأمريكية من إخماد النيران.

وقال متحدث باسم إدارة شرطة العاصمة إن الرجل في حالة حرجة، ليعلن عن وفاته بوقت لاحق.

وأكد متحدث باسم القوات الجوية أن الواقعة تتعلق بطيار في الخدمة الفعلية.

وقال بوشنل الذي كان يرتدي الزي العسكري في تسجيل مصور بثه على الهواء مباشرة عبر الإنترنت بحسب صحيفة نيويورك تايمز "لن أكون متواطئا بعد الآن في الإبادة الجماعية".

وذكرت الصحيفة أنه بعد ذلك سكب على نفسه سائلا شفافا وأضرم النار في جسده وهو يصرخ “فلسطين حرة”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحرق فيها شخص نفسه أمام بعثة دبلوماسية إسرائيلية في الولايات المتحدة.

ففي ديسمبر ٢٠٢٣، أضرم أحد المتظاهرين النار في نفسه، أمام القنصلية الإسرائيلية في مدينة أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا الأمريكية.

أي أن بوشنل يمثل فئة حرة من العسكريين الرافضين لأوامر قادتهم اللا إنسانية في تمرد حقيقي على دعم جرائم الاحتلال الإسرائيلي، الذي يشن حرب إبادة على الفلسطينيين في غزة، وذلك أسوة بقرارات مماثلة كان قد اتخذها كثيرٌ من موظفي الدوائر والمؤسسات الأمريكية الحساسة إزاء الدعم الأمريكي الشامل ل"إسرائيل" .

وفي المحصلة فما قام به بوشنل إنما يعبر عن تحرره من أقمطة التبعية والظلام فينتقل إلى نور الحرية ورحابتها؛ كي يحذو حذوه كل من ترغمه دوائر القرار في أمريكا على دعم "إسرائيل" ولو بشق تمرة.

**

بقلم: بكر السباتين

٢٧ فبراير ٢٠٢٤

المستعرب باختصار هو مصطلح عربي في أساسه، يعني أن يتقمص أحدهم حياة العرب في جميع مناحيها الفكرية والمادية.

وتعود جذور الاستعراب إلى الحرب العالمية الثانية وكان موجها ضد البريطانيين، بالرغم أن الاستعراب هو اقتراح بريطاني. ففي العام ١٩٤١ اقترح البريطان على القيادات الصهيونية استغلال القدرات الموجودة لدى يهود السفارديم" الشرقيين" من خلال انتقاء مجموعة منهم وتدريبهم ليكونوا وكلاء استخبارات بهدف زرعهم في البيئات العربية داخل فلسطين وخارجها. لتأدية مهام أبرزها _تجميع المعلومات الاستخباراتية بما تنقله من معلومات لمعرفة كيفية التعامل مع العرب وقضاياهم _تنفيذ عمليات إرهابية أبرزها تصفية أهداف فلسطينية معينة _بناء صورة قبيحة عن الفلسطيني _نشر آراء محبطة في أوساط الشارع العربي للحط من عزائم الجماهير العربية خدمة لدولة اليهود. كما أن لهم مهمة تكمن في جذب العملاء مقابل مبالغ مالية وتسهيلات معيشية ووظيفية.

ويفضل أن يكون المستعرب من السفارديم حيث أنه ملم باللغة العربية والعادات ويتمتع أغلبهم بمظهر شرقي بهدف عدم كشفه من قبل الفلسطينيين، ويسترط أن تكون لديه القدرة على التأقلم مع ظروف حياة العرب الصعبة والأهم أن يكون مخلص للدولة اليهودية.

ويعتبر جهاز المستعربين جهاز عسكري مهم بالنسبة لدولة الاحتلال حتى أنه أصبح علما يدرس في الأكاديمية العسكرية. وهم موجودون في حالة السلم والحرب على السواء.

وها هي وحدة "دوفديفان" المستعربة وهي وحدة خاصة من قوات النخبة داخل جيش العدو وكان قد أنشأها "إيهود باراك" عام ١٩٨٧ ،أفرادها مستعربون ذوي ملامح شرقية تشارك في الحرب على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ من قواتها النظامية والاحتياطية. وقد أعلن الجيش على حد قوله أن مقاتلي هذه الوحدة داهمت بنى تحتية للمقاومة أسفرت عن تصفية عدد منهم في اشتباكات مباشرة. كما أضاف بيان الجيش أيضا كما يزعم أن إحدى المداهمات شهدت العثور على كمية كبيرة من الوسائل القتالية والمعدات العسكرية داخل مدرسة ثانوية.

كما شاركت فرقة من المستعربين اليهود في عملية اغتيال ثلاثة شبان داخل مستشفى "ابن سينا" في مدينة جنين في الضفة الغربية مع تصاعد الحرب على غزة.

وهذه الوحدة من وجهة نظر دولة الاحتلال تؤدي رسالة إنسانية أساسها توفير الحماية للمجتمع اليهودي ضد ضربات المقاومة من خلال المهام التي تطرقنا إليها وتقتل داخل المجتمع الفلسطيني بصمت.

***

بديعة النعيمي

نظم معهد الشرق الأوسط للدراسات السياسية، مساء السبت، ندوة دعا خلالها رئيس الوزراء الأردني السابق، ممدوح العبادي إلى تدريس اللغة "العبرية" في المدارس الأردنية، وإدراج مناهج إجبارية في المدارس تعنى بالثقافة اليهودية، من أجل التعرف على أفكار الكيان الإسرائيلي، و فهم مخططاته في المنطقة.

واستشهد العبادي بنجاح تجربة حماس الاستثنائية في السابع من أكتوبر التي باتت تمثل نقطة فاصلة في الصراع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أن العمليات العسكرية وصلت لمناطق الداخل الفلسطيني، ساعد على ذلك توفر متانة الجبهة الداخلية لحركة"حماس" مقابل فشل الاحتلال استخباراتياً في معرفة أي معلومات عن هذه العملية.

الدعوة بحد ذاتها خطوة استراتيجية ذكية مع وجود بعض الثغرات. وهذا طبيعي في المشاريع التي لم تخرج بعد إلى حيّز التطبيق الميداني، ما يسترعي التنبيه إليها وتطويقها بالملاحظات وخاصة أنها ترتبط بمناهج التربية والتعليم التي أنيط بها تطوير عقول الأجيال الأردنية المتعاقبة.

ونبه العبادي إلى مشروع تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن من خلال السيطرة على كامل الضفة الغربية، مشدداً على أهمية وضرورة التجنيد الإجباري، بعد مرور ثلاثين عاما على معاهدة السلام الأردنية مع الاحتلال الإسرائيلي. ويقصد العبادي اتفاقية "وادي عربه" الخلافية.

وهي دعوة حكيمة إلى تعزيز الوعي الوجودي الأردني، بالعدو الحقيقي والواقعي ذي المحددات التي لا يختلف عليها اثنان، والمتربص بوجوده، وبناء المواطن الأردني المُعَدُّ جيداً لمواجهة الخطوب عند المنعطفات الطارئة.

وفي سياق حديث العبادي فإن هذه الدعوة تضع في الاعتبار عدواً تاريخياً وحيداً يتمثل ب"إسرائيل" التي تمارس سياسة التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ويطلق ساستُها تهديداتهم في أكثر من مناسبة التي تستهدف الأردن وجودياُ وحل القضية الفلسطينية على حسابه.

والأمثلة على ذلك كثيرة، على نحو ما قام به وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش في مارس 2023 أثناء حفل شارك به في باريس رفع خلاله خريطة لكيان الاحتلال الإسرائيلي تضم حدود المملكة الأردنية والأراضي الفلسطينية على اعتبار أنها تمثل "إسرائيل".

أثار هذا السلوك القائم على الأساطير التوراتية في ظل حكومة نتنياهو اليمينية، غَضَبَ عمّان التي استدعت حينها السفير الإسرائيلي لديها احتجاجا على سلوك المسؤول الحكومي.

حيث صدر بيان عن المملكة، في أنه تم "إبلاغ السفير الإسرائيلي بضرورة قيام حكومته باتخاذ موقف صريح وواضح إزاء هذه التصرفات المتطرفة، والتصريحات التحريضية الحاقدة المرفوضة من وزير عامل في الحكومة الإسرائيلية".

لقد مثل هذا السلوك نفياً وجودياً للكيانين الفلسطيني والأردني، و"تصرف تحريضي أرعن، واختراق للأعراف الدولية ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية" وفق ما جاء في بيان الناطق الرسمي باسم الوزارة، سنان المجالي.

صحيح أن دعوة العبادي تأتي من باب الوقاية لثقافتنا من الملابسات وتحصينها من المؤامرات التي لم تعد خافية على أحد لا بل وتحولت إلى مادة شهية عبر الفضاء الرقمي، وعملاً بمقولة "اعرف عدوك"، على اعتبار أن لغة العدو العبرية ساعدت المقاومة في غزة على فهم العقل الإسرائيلي والتفوق عليه؛ ولكنه في ظل السياسات التطبيعية في الوطن العربي فإنه يُخْشى من أن يتحول الأمر إلى ما يشبه "حصان طروادة ثقافي" يكون من شأنه تحويل التطبيع الثقافي إلى حالة رومانسية بين عدوّيين فيخرج الموضوع برمته عن السيطرة، في ظل استفحال ظاهرة منظمات المجتمع المدني وخاصة أن بعضها يرتبط بأجندات خارجية مشبوهة متصهينة.

وبالتالي توفير البيئة المناسبة لاختراق العقل العربي الذي يتعرض إلى انتهاكات تُمَاَرسُ عليه من خلال نشاطات بعض تلك المنظمات إلى جانب بعض المنصات العالمية الصهيونية مثل "نتفلكس".

والسؤال هو:

لماذا إطلاق مثل هذه الدعوة التي تتوفر فيها النية الحسنة لفرضها على أبنائنا الطلبة، ما دامت متوفرة إختيارياً على صعيد الجامعات؟

وهل سَيُسْمَحُ -في سياق تعزيز الروح المعنوية لأبنائنا- لمناهج التربية والتعليم العودة إلى اعتماد سِيَرِ أبطال الأردن مثل الشهيد فراس العجلوني بغية ترسيخ ثقافة "افتداء الوطن".

لماذا لا نتصرف في نطاق أوسع فيما يتعلق بمناهج التربية والتعليم، مثلما يفعل الخبراء الصهاينة في المناهج التربوية الإسرائيلية التي تترسخ فيها الأفكار العنصرية التلمودية من خلال برمجة العقل الصهيوني على مبدأ التفوق العرقي، وتسويق الشخصية الصهيونية على قاعدة" الضحية التي يحق لها إبادة الآخرين دفاعاً عن النفس" والتي تحصنها القوانين الغربية على نحو "معاداة السامية" والتقاء ذلك مع الدور الوظيفي لكيان الاحتلال لصالح الغرب الذي صنعه ويوفر له الدعم والحماية.

أما بالنسبة لدعوة العبادي إلى التجنيد الإجباري فهي أمر طارئ وملح ويستحق الأولوية، بعد إعادة تعريف "من هو العدو" حتى لا تنقلب الأمور على بعضها، في وطن تتربص به الأجندات التي ترتبط بالعدو الإسرائيلي الذي يتبنى مشروع "إسرائيل الكبرى" رغم أنه تقزم في العقل الإسرائيلي بفعل هزيمة جيش الاحتلال في طوفان الأقصى.

دعوة العبادي استراتيجية لا بد من طرحها لتتلاءم وحاجة الأردن إلى حماية نفسه من الخطر المحدق به غربي النهر، مع إجراء التعديلات اللازمة لضمان سلامة النتائج.. من المتربصين به سواء كانوا من الداخل أو الخارج على كافة الصعد.. فوفق الأردنيين فإن بلادهم خط أحمر .

***

بقلم: بكر السباتين

26 فبراير 2024

 

في رسالة أصدرها قصر "باكنجهام في لندن" اليوم السبت الموافق /24 /من فبراير، في ذكري الحرب الدائرة في شرق أوروبا قال: الملك"تشارلز الثالث" ملك المملكه المتحدة في تصريح ادلي بة الملك / عن عزم وقوة الأوكرانيين في ذكرى الحرب. وأشاد الملك "بتصميم وقوة" الشعب الأوكراني في رسالة بمناسبة الذكرى "الثانية للغزو الروسي. وفي رسالة أصدرها /قصر "باكنجهام"، قال"تشارلز "إنه لدية إرتياح  وتشجيع الكثير بجهود "المملكة المتحدة " لدعم أوكرانيا وأثنى على "شجاعتهم الحقيقية". يصادف اليوم السبت/24/من فبراير " مرور عامين على شن الكرملين هجومه على أوكرانيا، ووصف الملك الحرب بأنها أكبر توغل في دولة أوروبية منذ الحرب "العالمية الثانية".

وقال: "إن تصميم وقوة الشعب الأوكراني ما زالا مصدر إلهام، حيث يدخل الهجوم غير المبرر على أراضيه وحياته عشيه "عامه الثالث ووصفه بالحالة المأساوية".

على الرغم من المشقة الهائلة والألم الذي لحق بهم، يواصل الأوكرانيون إظهار البطولة التي يربطهم بها العالم بشكل وثيق. وأضاف: "إن شجاعتهم الحقيقية، في مواجهة عدوان لا يوصف. وقال: لقد شعرت بذلك شخصيًا في الاجتماعات العديدة التي عقدتها مع الأوكرانيين منذ بداية الحرب، من الرئيس {زيلينسكي والسيدة زيلينسكا}.. إلى المجندين الجدد في الجيش الذين يتدربون هنا في الولايات المتحدة". والمملكة المتحدة،،.

في سياق الحديث في ذكري الحرب قال: الأمير "ويليام" يدعو إلى إنهاء القتال في "غزة" في أسرع وقت ممكن".

للآسف غاب ضمير الملك {تشارلز الثالث}في تصريح بثه القصر الملكي: أن يذكر الوضع المأساوي في قطاع غزة إن غياب الضمير العالمي / في تصريحات قادة وساسة اوروبيين، غابت عن ضمائرهم صور القتلي من الأطفال والنساء في قطاع غزة، وكان التركيز علي الحرب الأوكرانية فقط..!! هذه "الرصانة" التي لا تتوفر إلا في مغاسل الموتى وفي طمأنينة الأبقار قرب جدران المسلخ أو تماثيل متاحف الشمع من قادة الغرب، كأنه احتفال وحشي بالحرب".

هل جلالة ملك بريطانيا العظمي العام القادم سوف يحتفل بذكري(ليلة الذبح ) لشعب غزة وكيف سيكون الاحتفال في القصر الملكي..؟ بالطبع برائحة دم الأطفال والنساء المحاصرين الان في رفح. لماذا العويل يا عرب والحرب فوق رؤوسكم  فقط ..؟،، أين قيم الحضارة الغربية والأمريكية التي تختلط فيها رائحة الدم والجثث امام شاشات العالم ..؟ ماذا يمكن ان نقول نحن الذين تنجر لهم هذه الأيام وليمة الموت وطقوس الجنازة على مرآى من العالم، نحن الذين نهتف للحرب وكيف سيكون الاحتفال في "ليلة الذبح " دعوة للتأمل " ليلة النصف من شعبان " وهذه "الغيبوبة" من قادة عرب.

مالك ايها الطفل الغزاوي الجالس علي انقاض كانت يَومًا دِيَارَا، لا تغضب   وتلعننا ونحن " صامدون" أمام الجثث وموت الأطفال وانقراض شعب وأنين الأرامل وموت الحياة..؟

نحن، يا أطفال ونساء غزة، لا يهمنا من يموت أو يقتل أو ينقرض، أكثر ما يهمنا قصائد غرام الاغواء عن حب لا يتوفر حتى في حاويات النفايات، لأنه أمام مذابح. وماذا تعني بكل ذلك..؟

اننا اذن امام مشهد سقوط أخلاقي مروع، وتدهور خطير في الروح الإنسانية أجمع لا مثيل له، ولا أحد يعتقد ان العالم، كل العالم، سيحترمنا ونحن نتحدث عن وطننا بهذه اللغة الدموية التي يخجل منها وحوش ما قبل التاريخ  دعوة للتأمل وانقراض شعب وأنين الأرامل عُذرًا ايها الطفل الذي تبحث عن "دفتر قلم " ستكتب يَومًا هنا فلسطين،بعد ان تبحث عن الهوية فلا تجد في معاجم الآقوامُ قومًا اسمُهُمْ عرَبٌ،،!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

من النادر أن تجد محطة إعلامية (تلفازية، أو موقع إنترنيت وأي وسيلة تواصل إحتماعي)، ذات مناهج توعَوية (من الوعي أي الفهم)، فمعظمها تعبوية، وهدفها تأمين الإستثمار بالشرور والعدوانية والفرقة والكراهية.

لكل منها أجندته المناهضة لنهضة الأمة، وتدفق طاقاتها في مجاري الحياة المعاصرة.

مَن الذي يدير ويموّل هذه المنابر؟

الجواب واضح، هم أبناء الأمة المُسخَرون لخدمة أعدائها!!

وهذا يوفر الفرص الثمينة للمفترسين لغرز أنيابهم في بدن وجودنا، وتحفيز عناصر الهدف لتكون نشاطاتها مواليه للذي يريده، فمكوّنات الهدف تحوّلت إلى عدو للهدف، أي تؤهله ليكون فريسة سهلة للطامعين به.

وعلى هذا المنوال تمضي مسيرة التداعيات والويلات المؤجَجة بالتصريحات والخطابات التعبَوية، اللازمة لإنهاك الأمة وتبديد قابلياتها على الحياة الحرة الكريمة.

ويبدو أن الراغبين بأكل فريستهم على موائد سعيد مَن إكتفى بغيره، وجدوا بالدين غايتهم فتحوّلت العمائم المؤديَنة إلى عوامل مساعدة لتعبئة التابعين القابعين في ميادينهم القطيعية، وإعدادهم للإنقضاض على الهدف المطلوب، وهم كالمنوَمين المثمولين بالضلال والبهتان، والمؤهلين للموت إختيارا.

وبموجب أجندات الإستحواذ على البلاد والعباد، صارت خطابات العمائم المؤديَنة تعبوية طائفية تحث على الفرقة والتباغض، والعدوانية الشديدة بين أبناء الدين الواحد وابوطن الواحد، فتدمرت مفردات الفضيلة وتسيّدت الرذيلة بعناصرها الدخيلة النكراء.

ترى لماذا لا يهتم الإعلام بالتوعية بدلا من التعبئة السلبية لأبناء الأمة ضد بعضهم؟

الوعي قوة، والجهل وسيلة مهمة لإستعباد البشر، ولابد من نشر الجهل وتنمية المشاعر السلبية، ليبقى المعممون وأصحاب الكراسي قابضين على أعناق المواطنين!!

وتلك حقائق معفرة بالدموع والدماء والحسرات والأنين!!

و"عزيز على الأوطان أن شجاعة... تمزقها الشحناء من غير طائل"!!

"فلا تكونن من الجاهلين"!!

***

د. صادق السامرائي

 

وقف النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي على المنبر يوماً فقال للناس: أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ قالوا: لا. قال: مثل الضبع والضب والثعلب، فإن الضبع والثعلب أتيا الضب في وُجاره (بيته)، فنادياه: يا أبا الحسل (كنية الضب). فقال: سميعاً دعوتما. قالا: أتيناك لتحكم بيننا. قال: في بيته يُؤتى الحكم: قالت الضبع: إني حللت غيبتي. قال: فعل الحرة فعلت. قالت: فلقطت تمرة. قال: طيباً لقطت. قالت: فأكلها الثعلب. قال: لنفسه نظر. قالت: فلطمته. قال: بجرمه. قالت: فلطمني. قال: حرّ انتصر. قالت: فاقضِ بيننا. قال: قد فعلت."

من السطور أعلاه نستطيع الوصول الى حقيقة، قد تكون غائبة عنا في خضم حياتنا المليئة بالمشاغل والمشاكل، لاسيما ساعات المحن والشدائد، إذ من الطبيعي أن يعتري المرء لحظتها تشتيت انتباه وقلة تركيز، تفضيان معا الى سوء تقدير وقلة حيلة في وضع النقاط على الحروف. والحقيقة التي قصدتها هي عدم الاكتفاء بتشخيص نقاط الخلل ومكامن الخطل ومفاصل الضعف، والإبقاء عليها قائمة، بل تتبّعها بإمعان وتمحيص، لمعرفة أسباب مشاكلنا وبالتالي معالجتها، إذ حري بنا الابتعاد عن دور المتفرج، والسعي الحثيث في حل ما استعصى منها، فضلا عن الوقوف طويلا عند الأسباب التي أدت الى نشوبها وحدوثها، لتلافي وقوعنا بها ثانية.

إن بلدنا يمر منذ عام السعد، عام التحرير من النظام السابق بمرحلة حرجة، حيث تعدد المطبات وتنوع المعرقلات وكثرة العقبات، إذ كما يقول القاضي أبو بكر ابن العربي:

ولو كان رمحا واحدا لاتقيته

ولكنه رمحٌ وثانٍ وثالثُ

وعلينا استذكار أيام كنا قد قرأنا عنها في كتب التأريخ، وأطلعتنا عليها الأسفار، منها البعيدة الموغلة في القدم، ومنها حديثة العهد، مازال أغلبنا يتذكرها وكأنها أحداث الأمس، تلك الأيام التي لم تكن تخلو من أصناف من الناس لبسوا لباس البشر، في وقت هم أشد ضراوة في شرهم من الذئاب، وقطعا لم يتميزوا بهذه الميزة فخرا وعلوا، بل اكتسبوا بها خسة وضعة زادتهم ذلا على ماهم عليه، ورحم الله الرصافي حين أنشد:

كلاب للأجانب هم ولكن

على أبناء جلدتهم أسود

وكما نقول في مثلنا: (ماكو زور يخله من الواوية) فـ (واوية) المراكز القيادية -رئاسة وتشريعا وتنفيذا- كثيرة في وقتنا هذا، ولديها من الألسن مايبدأ بتصريحات رنانة طنانة، لاتقف عند حد من المبالغة والكذب وقلب الحقائق، فأكثرهم ينفخ في قربة منخورة، بهدف واضح لدى الجميع، وواضح جدا في جل خطاباتهم تأثرهم بمقولة النازي: "اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك".

اليوم يحارب العراقيون في جبهة خطيرة إلى حد كبير، هي في حقيقتها أخطر من الوقوف بوجه داعش، فلقد انطوت على حيثيات وانبرت على نتائج أخطر من ذاك النظام الإرهابي، تلك هي جبهة الفاسدين والمفسدين. ومايضاعف من خطورتها أن أغلب أبطال هذه الجبهة هم من متقلدي المناصب العليا، لاسيما أنهم مصابون بعقدة التمسك بالمنصب، ولا يتوانون عن فعل أي شيء من أجل البقاء متربعين على عروشهم، حتى أنهم لم يتخذوا من ثورة الشعب وتظاهراته رادعا، يوقفهم عن غيهم وطغيانهم وتمددهم بالفساد، كما أنهم أداروا ظهورهم عن موقف المرجعية، ذلك أن ماتراه يخالف مصالحهم ومنافعهم، فأغلبهم لم يتنازل عن صومعته التي بناها بأموال العراقيين، وأبى التوبة والاستقامة، بل هو يسعى جاهدا للحفاظ على مركزه الذي وصله، بالغش والمكر والسرقة والاحتيال مااستطاع لذلك سبيلا، فهم معروفون برفعهم شعار؛ "أنا وليكن الطوفان من بعدي".

***

علي علي

 

على إثر القضية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال بشأن عملية الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة من قبل دولة الاحتلال ٢٠٢٣_٢٠٢٤ أصدرت محكمة العدل العليا حكما مفاده الآتي "يلزم "إسرائيل" باتخاذ "تدابير مؤقتة" لحماية الفلسطينيين في غزة والامتثال لاتفاقية منع الإبادة الجماعية". وكان من المنتظر أن قرارها الذي سيصدر عبارة عن اتخاذ إجراءات طارئة فقط حيث أن قضية هل ارتكبت دولة الاحتلال إبادة أم لا يحتاج إلى سنوات للفصل فيه.

لكن هذه المحكمة ولأنها هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة فهي للأسف لا تملك سلطة واسعة لتنفيذ أحكامها ولم ولن تشكل يوما أي ضغط على دولة الاحتلال والدليل أن الحكم الذي أطلقته حبر على ورق فالإبادة لم تتوقف بل أن حدة عمليات القصف ازدادت، وكأن تلك المحكمة قد أعطتها الضوء الأخضر لتستكمل بشكل أكثر وحشية من ذي قبل.

فهل يعرف من أعطى الضوء الأخضر معنى شعور أن تكون مسجى على أرضية مستشفى خرج أو يكاد عن الخدمة وعشرات الشظايا تنهب جسدك؟ هل عاش من أطلق الحكم شعور أن تبتر ساقك أو أي عضو آخر دون مخدر فتعيش حالة من الهذيان بسبب الألم فقط لأن دولة الاحتلال تمنع وصول أي مساعدات طبية وغيرها للقطاع؟ هل عاش شعور أن تسكن في خيمة وينام أطفالك جياع وسط البرد وعلى الوحل؟ أن تفترش رصيف لا يرحم وصرخات الأطفال تملأ فضاء القلوب وتقطع نياطها كل لحظة؟ أن تكون طبيبا فينفد ما بين يديك من مستلزمات ضرورية وصولا إلى الماء النظيف، تنتقل من جرح إلى آخر دون تعقيم لا لشيء إلا لأن تلك المستلزمات عزّت على أهل غزة؟

فأين هي هذه المحكمة وأين عدلها الذي تتبجح به وجملها تائهة، تعترف بالعدل ولا تحكم به؟

لكن لا غرابة في الموضوع فأمريكا التي صنعتها استخدمت الفيتو ثلاث مرات ضد غزة وأطفالها منذ ٧/أكتوبر آخره ضد قرار قدمته الجزائر إلى مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار لدواع إنسانية. فكيف ننتظر منها أن تحكم لصالح غزة؟

***

بديعة النعيمي

المجتمعات البشرية عجينة يمكنك أن تصنع منها ما تشاء، ولديها القدرة على التحرك وفقا لما فيها من طاقات النفوس المحقونة في أعماقها، فحالما تؤهلها لغاية ما فستندفع نحوها بتعجيل عجيب.

أي أن البشر مرهون بنفسه وما يعتلج فيها من العواطف والإنفعالات، القادرة على تعطيل العقل وإلغاء وجوده ودوره في صناعة القرار، إنها النفس وما أدراك ما هي "ونفس وما سواها، ألهمها فجورها وتقواها".

وكلما ساد التجهيل وسيطرت الإدّعاءات المؤدينة تموّتت العقول، وإندلقت أمّارات النفوس بما فيها من التوجهات العدوانية القاضية بالمحق، ورعاية الكراهية وتأمين مرابع الشرور.

فالحديث عن قوة المجتمعات وقدرتها على صناعة الحياة التي تريدها، أشبه بالهراء، لأن الإرادة المجتمعية مقبوض عليها من قبل المُسخَرين لخدمة مصالح أعداء البلاد والعباد.

والقول بأن الشعوب هي المسؤولة عن هذه الحالة أو تلك، تخريف وثريد حول صحون المآسي والويلات، فالشعوب عجينة يمكن للكراسي المتسلطة في البلاد أن تصنع منها ما تريده وترضاه، فالنسبة العظمى منها ستميل حيثما الريح تميل، ولا توجد شعوب تجتمع على رأي واحد، وأبواق الأدينة تعصف في رؤوسها على هواها، وتطلعاتها الإستعبادية التفريقية للناس.

فالمجتمع عبارة عن كينونات مُستعبَدة بأفراد وكل منهم يعزف ألحان ليلاه، ويرقص على إيقاعات ما يملأ جيوبه ويرضي أطماعه.

فلا تقل كم عدد الناس، بل كم عدد الذين بهم يرتهنون، فالمجتمعات تتحول بملاينها إلى بضعة أفراد، مسيَّرة بإرادة أسيادها التي تساند وجودها لحين إنتفاء الحاجة إليها.

فعن أي شعوب ومجتمعات يتحدث المتحدثون؟!!

و" الناس في زمن الإقبال كالشجرة...وحولها الناس ما دامت مثمرة"!!

"والناس صنفان: موتى في حياتهم ...وآخرون ببطن الأرض أحياء"!!

***

د. صادق السامرائي

 

لماذا تغتال المخابرات الغربية والصهيونية عملاءها أحيانا، وماذا عن إطلاق الرصاص على عجلات سيارة فخري كريم، مسرحية أم تصفية حسابات؟

تغتال المخابرات الأجنبية عملاءها الذين انتفت الحاجة إلى خدماتهم أو أصبحوا يشكلون خطرا على أسرارها التجسسية. وقد تحدثت تقارير عن عملية اغتيال قامت بها المخابرات البريطانية وراح ضحيتها المعارض الروسي نافالني الرابط 1، (المعروف بكرهه للمسلمين حتى أنه شبههم بالحشرات التي يجب أن تُباد/ فيديو) بعد أن احترقت أوراقه التجسسية؟

لم تعد تصفية العملاء برصاص أسيادهم جديدة أو نادرة في تاريخ المخابرات التي تشغلهم إذا ظهر لها أن هؤلاء يشكلون خطرا عليها بما يحملونه من أسرار أو لأن الحاجة إلى عملهم التجسسي والتخريبي قد انتهت ولم يعودوا مفيدين لها بسبب تقدمهم في السن أو انكشافهم تماما. وقد حدثت حوادث اغتيال كثيرة في الشرق الأوسط وفي العراق مؤخرا من هذا القبيل لأشخاص عرفوا بعلاقاتهم المشبوهة وتعاونهم مع الأوساط الصهيونية والموثقة بالصور في مؤتمرات سياسية وصحافية نشرت. وخصوصا في محاولة مسعود البارزاني الانفصال عن العراق في استفتائه المعروف في أيلول 2017 والذي باركته دولة وحيدة في العالم هي "إسرائيل" وحضر نشاطاته ساسة وباحثون صهاينة معروفون مثل برنار هنري ليفي، والجنرال الأميركي المتقاعد، بيتر غولبريث، وبرنار كوشنير وزير الصحة الفرنسي الأسبق، وسفير جورج بوش في العراق المحتل زلماي خليل زاده، والمستشرق الصهيوني المعروف ديفيد بولوك.

ومع ذلك فقد لا يمكننا احتساب محاول اغتيال فخري كريم، مستشار جلال الطالباني أول رئيس للعراق في عهد الاحتلال الأميركي، التي جرت يوم أمس ضمن محاولات الاغتيال الجدية لأن بيان وزارة الداخلية تحدث عن إطلاق الرصاص على عجلة سيارة كانت تقل هذا الشخص وليس عليه/ الرابط 2.

ذكرت وزارة الداخلية في بيان لها أن الرصاص قد أطلق على عجلات سيارته ويبدو أن هناك مسرحية بائخة خطط لها فخري كريم ليرفع من رصيده بعد أن شحبت صورته وكادت الناس تنساه. ورد في التقرير الإخباري: "وجّه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، فجر الجمعة، بتشكل فريق عمل أمني مختص للبحث والتفتيش عن عناصر "إجرامية" استهدفت بإطلاقات نارية عجلة رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون فخري كريم، مساء أمس الخميس، في منطقة القادسية ببغداد ...". مع تسجيل إدانتي لجميع عمليات الاغتيال السياسي التي يذهب ضحيتها أناس أبرياء وعزل من السلاح.

*فقرات من مقالة عن اغتيال المعارض الروسي إلكسي نافالي: "بعد أن تولى جهاز المخابرات (MI6) البريطاني عملية تصفية عميله المحترقة ورقته "ألكسي نافالني" في سجنه السيبري بالضبط في الوقت المطلوب، تعالت صيحات `ذباب ماكنة الدعاية الغربية الجهنمية للتباكي على موت هذا "التحفة" الليبرالي أبو حقوق الأنسان والتحضر والتنوير والديمقراطية؛ والذي سبق له وأن اشتهر عالميا بتصريحه علناً في شريط له منشور على التويتر بكون المسلمين هم حشرات تستوجب الإبادة. المصدر:

https://twitter.com/jrc1921/status/1758493343502225665

في هذا المقال، سآعرض ترجمة لاجابة محلل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "السي آي أي" السابق: "لاري جونسن" على سؤال القاضي الأمريكي السابق: "أندرو نابوليتانو" محرر موقع (Judging Freedom) الشهير عن علاقة نافالني بالمخابرات الغربية على الموقع :

https://www.youtube.com/watch?v=9vLOtwl3pZc

فقرة من المقابلة:

* القاضي أندرو نابوليتانو: أريد أن أوجه لك سؤالاً أو سؤالين عن ألكسي نافالني. هل تعتقد أنه كان عميلاً للمخابرات الغربية؟

- لاري جونسن: - أه، نعم. لقد كان، على الاقل - سواء كان يدري أم لا يدري – لقد كان جلياً أنه أداة يستخدمها الغرب. وفي الواقع، فأن حقيقة تزامن موته مع ظهور زوجته في ذلك الحدث الكبير المتمثل بانعقاد مؤتمر ميونخ للأمن، لم تكن تلك محض صدفة؛ لم يكن مثل هذا التزامن مجرد صدفة مثلما أعتقد؛ لم يكن توقيت وفاته ذلك مجرد ضربة حظ للغرب. ولا أستطيع، لا أستطيع استبعاد أن الغرب قد دفع لشخص ما كي ينفذ به عملية تصفية من نوع عملية التصفية التي جرت لجفري أبستين.

*من هو جيفري أبستين (20 كانون الثاني 1953- 10 أب 2019)؟ إنه ملياردير أمريكي وعميل للمخابرات باعترافه. اشتهر بتوفيره للبنات القاصرات للمتعة الجنسية لزبائنه من كبار رجال السياسة والمال. وقد كان من ضمن "زبائنه" الليبراليين المؤمنين والمطبقين لحقوق الانسان والديمقراطية والتنوير والتحضر من معارفه.

وبغية منع الكشف عن تفاصيل ومديات جرائمه وأسماء المتورطين معه، فقد تم خنقه في زنزانته بالضبط قبل موعد مثوله للمحكمة، ومن ثم تم الادعاء بأنه قد انتحر؛ وهو ما أدى الى غلق كل القضايا الجنائية المقامة ضده، والتستر على شركائه المهمين جداً لأن بعض الناس هم أعلى قيمة من غيرهم، وفق منطق الغرب الفاشي الشمولي البربري.

***

علاء اللامي

........................

1- رابط يحيل إلى النص الكامل للمقالة وهي بقلم حسين علوان حسين/ أديب وأستاذ جامعي

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=821199&utm_source=dlvr.it&utm_medium=linkedin

2- رابط الخبر: وزير الداخلية يوجه بتشكيل فريق عمل أمني للتحري في حادثة محاولة اغتيال فخري كريم

https://shafaq.com/ar/%D8%A3%D9%85%D9%80%D9%86/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A8%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%85%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%81%D8%AE%D8%B1%D9%8A-%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85

* الصورة: مسعود البارزاني، جالساً وراء مكتب ليلة إجراء الاستفتاء الانفصالي وعلى يمينه يجلس الصهيوني برنارد هنري ليفي وعلى يساره زميله برنار كوشنير، ومن خلفه مجموعة من "المكلفين بالمهمات" من اللوبي الصهيوني الأميركي من بينهم ديفيد بولوك واقفا، وهناك أيضا فخري كريم وفؤاد حسين وآخرين.

الأفكار الميتة تحقق وجودا ميتا، تلك حقيقة حضارية وحكمة تأريخية، فلكي تكون المجتمعات حية عليها أن تستحضر أفكارا ذات حياة.

فالأفكار الميتة تمتلك طاقات سلبية هائلة ومتنامية، تسعى لتوفير الأسباب اللازمة لصناعة الموت وما ينجم عنه من تداعيات وتفاعلات ذات إتجاهات قتّالة.

والمجتمعات المتأخرة تزخر بالأفكار الميتة، مما يؤدي إلى إشاعة الكآبة واليأس والبؤس وفقدان الثقة بالذات والموضوع، ويمنع عنها قدرات العطاء والنماء ويعتقلها في حفر التلاحي والخسران.

الأفكار الميتة هي التي عفى عليها الزمن وأصبحت في عداد "ما فات مات"، فكل فكرة قادمة من نبش تراب الأزمان ورفاة الأموات لا قيمة لها في حاضر الحياة.

وما يحصل في بعض الحالات أن القوى الظلامية المدّعية بدين، تتمترس في بقع زمنية مندثرة، وتوهم نفسها وأتباعها بالعيش فيها، وتسعى لمناهضة الحياة والتنكر لمقتضيات العصر، والإيمان المطلق بأن الحياة المثلى بالإندساس في التراب.

والسائد يقود، وأي مجتمع تسود فيه أفكار ظلامية معسّلة بالدجل والبهتان، تتولد فيه طاقات إندحارية، وتطلعات إندثارية تدفع به إلى سوء المصير.

فالحياة المعاصرة ذات أفكار متجددة، وسيل الوجود المتدفق لا يمتلك القدرة للإلتفات إلى الوراء، بل أمواجه المتألقة تنظر نحو المستقبل البعيد وتسابق الزمن، وتختصر القرون في بضعة أيام أو ساعات.

وفي ذروة إحتدام السباق الإبتكاري الإبداعي تجدنا في محنة التوحل بمعطيات غابرة، وتفاعلات خائبة لا تجدي نفعا، وتستنزف طاقات الأمة وتحيلها إلى عصف مأكول.

وهكذا صار العربي يفترس العربي، والمسلم عدو المسلم، والوطن بلا قيمة ولا معنى، والمواطنة سراب، والتفاعل الغابي دستور منيف، والفساد شريعة مؤدينة مقدسة، والظلم من طقوس التعبد في محراب أباليس الفتك بوجود الأمة، وسحق الإنسان الذي خلقه ربه بأحسن تقويم.

فمَن الفائز والكل في قاع الجحيم، ويرفعون رايات دين رحيم، وواحدهم أبشع شيطان رجيم؟!!

و"على قدر أهل العزم تأتي العزائم...."

و" إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه...وصدّق ما يعتاده من توهم"!!

***

د. صادق السامرائي

من حقكم ان تحتفلوا بذكرى التغيير، من حقكم ان تحتفلوا بذكرى اعتلائكم السلطة. ربما كنتم سجناء راي، ربما اضطررتم للفرار بآرائكم خارج الوطن فقضيتم سنوات في الغربة، ربما انتزعت املاككم بفعل القوانين الاشتراكية فبقيتم بالداخل مكمودين، ربما استطعتم تجميع بعض ما تيسر من اموالكم وهربتم بها خارج الوطن وقمتم باستثمارها. ترى هل كانت آرائكم التي سجنتم بسببها او غادرتم الوطن من اجلها بناءة؟ .

ربما هادنتم النظام (المراجعة) وتحصلتم على تعويضات عن سنوات السجن، ربما تصالحتم مع النظام فجئتم من منفاكم وتم احتساب مدة بقائكم بالخارج وكأنكم كنتم تعملون بمؤسساته الخارجية فصرفت لكم الاموال الطائلة، ربما انضممتم الى فريق عمل النظام بالداخل لأجل النهوض بالوطن والمواطن، وتقاضيتم رواتب ومهايا ومزايا تفوق تلك التي يتقاضاها المسؤولون بالداخل بأعلى السّلم الوظيفي، فاعتقد مواطنوكم الذين يعيشون بالداخل، أنكم قد اكتسبتم خبرة بمختلف المجالات طوال سنوات بقائكم بالخارج، وانكم ستساهمون معه في بناء الدولة العصرية التي حلمتم بها وكانت سببا في عدائكم للنظام وترككم البلاد.

المواطن العادي لازمته عدة اسئلة، هل فعلا رجوعكم لأجل البناء ام لأجل تحقيق اهداف من لجأتم اليهم؟، لا باس من تحقيق بعض مكاسبكم الشخصية، انتظار الاجوبة لم يطل كثيرا، انقلبتم على النظام وخنتم العهود والمواثيق، واتضح ان الهدف الرئيس من رجوعكم هو تنفيذ الأجندات الخارجية المتمثلة في اسقاط النظام، ومن ثم الاستيلاء على السلطة بما يمثله من استحواذ على مقدرات البلد الثابتة والمنقولة، وادخال البلاد في الفوضى الامنية وعدم الاستقرار، وفي سبيل تحقيق ذلك استعنتم بالخارج واعتبرتم طائراتهم الحربية طيور ابابيل ارسلها الرب من السماء لتعزكم وتجلب لكم النصر المبين.

شاهدنا والعالم اجمع، الثوار ومن والاهم من المرتزقة، يكبرون عندما يقومون بالإجهاز على الضحية لتقربهم الى اربابهم زلفا، فاطلقتم على الثورة ثورة التكبير.

لم نتعود ان نسمع من مسؤولينا وعبر اعلامنا الرسمي عبارات عنصرية (شنفاك) بحق جزء من اخوتنا في الوطن، قمتم بتهجير سكان منطقة بأكملها "تاورغاء" مشردين بالداخل بمختلف المناطق، كتبتم عليهم التيه، يعيشون في اكواخ الصفيح والخيام، ربما لان جزء منهم ناصر النظام اثناء الثورة، حقا انتم الرب الاعلى!.

وبعد نعيد، من حقكم ان تحتفلوا بذكرى استيلائكم على السلطة، ترى ما الانجازات التي حففتموها خلال 13 سنة من توليكم السلطة واستفاد منها المواطن؟.

بسبب اقتتالكم المستمر على السلطة والاستحواذ على المال، عقدتم مع الدول التي ناصرتكم اتفاقيات لجلب مختلف انواع الاسلحة والذخائر، دمرتم كليا او جزئيا اضعاف اعداد المباني التي طالتها القوانين الاشتراكية التي سنها النظام السابق وكذا المنشآت التابعة للدولة ومنها اسطول النقل الجوي الذي شهد انتعاشا في سنوات ما قبل التغيير، ولم تقوموا بالتعويض عن تلك الخسائر، حتى اصبح العاملون بها على قارعة الطريق دونما رواتب لمدد وصلت الى العامين، بينما تشجعون القطاع الخاص حتى اصبح عدد شركات النقل الجوي الخاصة اكثر من عشرين وهو ما يفوق مثيلاتها في دول الجوار التي تفوقنا في تعداد السكان وذات معالم سياحية معروفة.

تناحركم على الكرسي، اوجدتم حكومتان كل منهما تبعثر الاموال، وبرلمانان وجيشان، وبنكان مركزيان يصكان النقود، دولتان في دولة، أ لا يعد هذا الامر مدعاة الى السخرية؟، ربما.

على مدى 13 عاما لم تكتبوا دستورا دائما للبلد، بل اكتفيتم بالتعديلات المؤقتة لأجل الاستمرار في الحكم. ولا زال البلد تحت الفصل السابع يعني محمية، وقواعد اجنبية تجثم على الارض ومرتزقة .

في السابق كان هناك عدد محدود من اصحاب رؤوس الاموال، اما اليوم فان بلادي تعج بـ(المليونيريين) وعلى راي المبعوث الاممي غسان سلامة، فانه عند كل مطلع شمس يولد مليونيرا جديدا، بالتأكيد بسبب الاموال التي استحوذتم عليها من الخزينة العامة دون وجه حق وانفقتموها في غير محلها.

 يا ابناء المدن الثائرة والذين تتصدرون المشهد السياسي، الى متى تظلون متمسكين بالسلطة وفرض آرائكم بقوة السلاح من خلال التشكيلات المسلحة التي كونتموها (جناحكم العسكري)؟، متى تحتكمون الى صندوق الانتخابات؟ متى تجعلون صندوق السلاح والذخائر للدفاع عن الوطن في ايدي اناس متخصصين لا جهويين؟، متى تخففون اعباء المعيشة على المواطن الذي لم يعد قادرا على تلبية ابسط الاحتياجات؟ أ ليس الاجدر بكم لو قمتم منذ اسقاط النظام بتحقيق اهداف الثورة المعلنة والسير بادبياتها؟ ام ان هناك موانع تحول دون ذلك؟، أ لم تكفكم 13 سنة من الاستفراد بالسلطة؟، لئن كان التغيير من اجل ازاحة طاغوت، فاليوم يوجد اكثر من طاغوت!.

وستظل العبارتان "خلوا فيها شرف" و" عادي انخش لداري" محفورة في اذهان هذا الجيل ووصمة عار في جبين الطبقة السياسية الحاكمة وستحفظهما كتب التاريخ.

هل تعتقدون انه بعد هذه المدة، التعليق على مشجب النظام السابق يجدي نفعا؟.

نقول، ربما البلد في حاجة ماسة الى ثورة تصحيح المسار، على غرار ما حدث في الجارتين مصر وتونس، حيث السكان بهما ينعمون باستقرار امني، ونوع من الاستقرار الاقتصادي لافتقارهما الى موارد طبيعية كالتي توجد ببلادنا.. ربما...

***

ميلاد عمر المزوغي

 

قدم العراق طلب لاستضافة القمة العربية لعام ٢٠٢٥ في العاصمة بغداد، وحسب متحدث الحكومة باسم العوادي بتاريخ ٢٠ فبراير ٢٠٢٤.

نتذكر أن القمة العربية التي تم انعقادها في ٢٩ آذار ٢٠١٢ وتم تمويلها من خزينة الشعب بأكثر من مليار و ٢٠٠ مليون دينار والتي لم يحضرها ملوك ورؤساء العرب بل حضر ممثلين عنهم من الدرجة الثالثة والرابعة في السلك الدبلوماسي، أدت الى فوضى مرورية في بغداد واكثر من 100 الف عنصر امني لحماية الوفود العربية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية في بغداد بسبب منع دخول الشاحنات، مما دفع بعض أهالي بغداد الى ترك مناطقهم لحين انتهاء القمة.

شعوب المنطقة تدرك جيدا أن الجامعة العربية ومؤتمرات قممها تمثل صبغة من ديكورات ومراسيم شكلية لا تتعلق بحاجات الناس ولا مصالحهم المباشرة، في حين الجامعة العربية لم تكن إلا وسيلة لتمرير السياسة الامريكة في المنطقة، لذا هذه القمم لا تمثل الشعوب وحاجاتهم المباشرة وإنما تمثل مصالح الطبقات الحاكمة.

إن هذه الطبقات الحاكمة في العالم العربي ليست مستقلة بإرادتها وقراراتها فهي تخضع اما لسياسة امريكا وحلفائها أو لروسيا والصين وحلفائهم، لذا لا معنى لمصطلح “العزلة” لان العلاقات الدولية تخضع لقوى اصطفاف المحاور العالمي، وبالتالي؛ انعقاد القمة لا ينهي حروب الوكالة في المنطقة ولا عدم التدخل بالصراعات الدولية ولا استقلالية السوق ولا حتى أبسط الحلول للقضية الفلسطينية، بل سيتم ذكر كل هذه الأمور بشكل إنشائي استعراضي.

وأخيرا، وعلى الصعيد الداخلي، فالشعب العراقي بحاجة الى تحسين معيشته بإجراءات اقتصادية شاملة أولها إنهاء الفساد الذي عجز عنه النظام السياسي الحاكم، بحاجة الى أمان غير مشروط، بحاجة الى سيادة صلبة لا تخضع لمتناقضات، بحاجة الى رفاهية، الى حريات إنسانية وإعلامية وسياسية، بحاجة الى خدمات رصينة إستراتيجية لا يظهر عليها آثار الفشل خلال أشهر، وليس بحاجة الى قمة تكون مخرجات نتائجها إنشائية استعراضية دون تطبيق كما سبقها.

***

حسام عبد الحسين

تعتبر النساء شريحة هشة من وجهة النظر الإنسانية، وذلك بسبب تركيبة جسدها البيولوجية الحساسة من بعض نواحي وفي بعض الأوقات في حياتها اليومية التي تكون فيها ضعيفة جسديا ونفسيا. فهي التي تحمل وتلد وتربي وتسهر على المرضى وغير ذلك. فكيف وإن اجتمعت تلك الظروف في الأزمات؟ وكيف إن كانت هذه الأزمات حرب همجية موجهة نحو غزة تحديدا؟

المرأة في غزة حُرمت من بيتها، دورة المياة بل والماء نفسه، مستلزماتها، حاجياتها الخاصة. تنزح من منطقة إلى أخرى في القطاع بحثا عن مكان آمن، تحت القصف والقنص سيرا على الأقدام وسط الركام والجثث، بمفردها بعد أن فقدت عائلتها أو مع أطفالها أو بعضهم ومن غير زوج تركته هناك تحت الردم شهيدا. ينتهي بها الأمر إلى مدرسة مكتظة للنزوح، لم تحمل معها سوى ما تلبس ويلبسون. أو إلى خيمة فيكون حظها كبيرا لأن هناك من تنام في العراء البارد. كيف تتصرف المرأة في هذه الحالة؟ ولا ماء ولا غذاء ولا حتى غطاء. كيف تتصرف تلك التي تعرضت للاعتقال من قبل جيش مُنحلّ، بل ماذا تفعل أمام التنكيل الذي يتعدى إلى التحرش أحيانا؟

والتي شاهدت أعمال العنف واختبرتها بمقتل زوج وأطفال، أم وأب وأخوة وأخوات، أمام عينها، ألن تشكل لها صدمة شديدة لها تداعياتها النفسية لفترة طويلة؟

ومعبر كرم أبو سالم ألم يكن له الأثر السلبي حين حال دون دخول المستلزمات الصحية النسائية؟ نعم كل شيء كارثي بالنسبة لشريحة النساء، والعالم يقف مكتوف اليدين يتفرج وربما يصفق لما يحصل.

أين هي اتفاقية جنيف الرابعة في المادة ٢٧ التي تلزم حتى الدول التي لم تصادق عليها. حيث تنص على أنه " يجب حماية النساء خصوصا من أي هجوم على شرفهن وخصوصا الاغتصاب والدعارة المفروضة، وأي نوع من أنواع الاعتداء غير اللائق"

غير أننا رأينا نساء في غزة قمن بكسر الصورة النمطية للمرأة. فوجدنا المراسلة التي تنقل الحدث، والممرضة التي تسهر لتساهم في إنقاذ الجرحى، والطبيبة التي تتحدى القنص وتجري لتنقذ مصاب في الطرف الآخر. والتي تقطع الحطب لتطهو لصغارها. فألف تحية لجميع نساء غزة اللواتي تفوقن على نساء العالم أجمع بصبرهن وثباتهن.

***

بديعة النعيمي

 

لطالما شغل هذا الامر سكان العاصمة لسنوات، حيث تتصارع القوى المسلحة على السلطة فاستوجب ان تكون مقراتها بوسط العاصمة او على اطرافها لتكون فاعلة ،ما ادى الى سقوط العديد من الضحايا نتيجة المناوشات بينها، وفي بعض الاحيان تدمير بعض المباني الخاصة بالمواطنين.

لاشك ان الضعوط المحلية المتمثلة في الاهالي وبعض مؤسسات المجتمع المدني والمطالبات الدولية بجعل العاصمة خالية من المظاهر المسلحة، كانت وراء هذا الامر،فهذه التشكيلات تقوم باستحداث نقاط تفتيش (استيقافات) داخل حدودها الادارية (مغتصباتها) متى يحلوا لها وتفعل ما تشاء دونما حسيب او رقيب.

الاعلان عن خروج المجاميع المسلحة خارج العاصمة امر جيد، ولكن الى اين؟ ولن نتكلم عن الثمن الذي قبضته او ستقبضه نظير موافقتها على الخروج من العاصمة، فذاك ستعلمه لاحقا فلا شيء يمكن إخفاؤه، خاصة وان رئيس الحكومة الحالب دأب ومنذ مجيئه الى السلطة قبل 3 اعوام على تهدئة الاوضاع بواسطة المال العام على هيئة (صريرات).

هذه المجاميع المسلحة توجد لديها سجون خاصة تعتقل به خصومها، ما مصير هؤلاء المساجين؟.

والسؤال الاهم،الى متى يتم الابقاء على هذه التشكيلات الخارجة عن القانون؟ مهمة الاستقرار الداخلي تقع على وزارة الداخلية، هل الوزارة غير قادرة على ذلك بشريا وتقنيا وماديا؟ أ لا تتواجد العديد من المعاهد العليا والكليات المختصة في مختلف المناطق لأجل تخريج كوادر مهنية لتأدية المهام على الوجه الاكمل؟.

للأسف الشديد افراد هذه المجاميع يتواجدون وبشكل مكثف في بعض مؤسسات الدولة (حرّاس) لا يقدمون شيئا(طاقات خاملة ان لم نقل سلبية)، بل يستنزفون الخزينة العامة حيث الرواتب المرتفعة حيث مرتباهم اضعاف نظرائهم في الخدمة المدنية، أحيانا يتدخلون في عمل الدوائر العامة المكلفين حراستها، ما يستفز العاملين بتلك الجهات ويتذمرون من العمل ويسعون الى الخروج من تلك المؤسسات، ما يسبب في انخفاض مستوى الاداء بها، تكون نتيجته سلبية على المتعاملين (المستفيدين) معها.

لأن تقوم الدولة يجب تفكيك هذه التشكيلات، والاستعانة ببعض افرادها ذوي الاختصاص، وإفساح المجال لأفرادها ممن تتوفر لديهم الرغبة في العمل الامني وبشكل فردي للانتساب الى الوزارة لإعادة تأهيلهم والاستفادة منهم ، والعمل على تأهيل البقية في المجالات الحياتية الاخرى ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع.

 يحذونا الأمل في اختفاء المظاهر المسلحة في الشوارع والميادين، كما نتمنى ان تخلو المؤسسات العامة من افراد هذه الجماعات والاكتفاء برجال الامن.

ندرك ان عملية اعادة البناء البشري ليست سهلة، ولكنها في المقابل ليست مستحيلة اذا توفرت الظروف والامكانيات، فهؤلاء الشباب الذين اضطرتهم الظروف للانتساب اليها،لان الحكومات المتتالية لم توفر لهؤلاء الشباب سبل العيش الكريم، يمكن الاستفادة منهم في عديد المجالات الاخرى واشعارهم بانهم ابناء لهذا الوطن الذي ربما خذلهم في اوقات حرجة من تاريخنا المعاصر باستغلالهم من قبل المتصارعين على السلطة في معارك افضت الى مقتل الاف الشباب وانقطاع العديد منهم عن مقاعد الدراسة بسبب الدمار الذي لحق بالمؤسسات التعليمية  وادى الى توقف الدراسة بها. نتمنى ان تكلل جهود الخيّرين بالنجاح، وطي صفحة الماضي القريب المليء بالماسي. 

***

ميلاد عمر المزوغي

 

(1) حِكَمُ بحاجة الى إعادة فهم

حقيقة لقد بت أخشى من سوء فهم كثيرين للحكمة ذائعة الصيت التي تتردد كالببغاء على ألسنتهم وإنزالها أو التعامل بمقتضاها في غير موضعها ألا وهي"أميتوا الباطل بالسكوت عنه" فهذه الحكمة مخصوصة بالباطل المنتشر على نطاق ضيق جدا، بالرذائل المستشرية في حيز محدود جدا، بالآثام التي يرتكبها بعض من سقط المتاع وشذاذ الآفاق من الفسقة والمنحرفين في السر وفي بعض الأماكن المنزوية، فنسكت عنها حتى لا نشيعها ولانذيعها بين الناس ومعظمهم لا يعلم بها من حيث نريد أن ننكرها ونلجمها، أما أن يظهر لنا الباطل بنفسه مستعرضا مخالبه وعضلاته ومكشرا عن أنيابه وعلى الهواء مباشرة ليشكك بالثوابت، ويسفه بالفضائل، ويجاهر بالرذائل (دعارة، مخدرات، قمار، إباحية، تجارة أعضاء، تسول، عقوق، رشوة، اختلاس، سرقة المال العام، تزوير، ابتزاز، سلاح منفلت ومؤدلج وموازي، تهريب نفط وآثار، دكات عشائرية، غش صناعي، الاستيلاء على أراضي وممتلكات الدولة ..الخ) ويطعن بالرموز أمام أنظار الملايين ليعاد بث الحلقة مرات ومرات وفي ذات القناة، قبل أن يتم نشر الحلقة على اليوتيوب وانستغرام ومنصة أكس (تويتر سابقا) كذلك فيس بوك وتيليغرام وتيك توك لمن فاتته المشاهدة، ولمن لم يحظ بشرف المتابعة، وإذا بالمعجبين والمتابعين والمعلقين والناسخين بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين، فهنا يصبح الواجب هو"أحيوا الحق بعدم السكوت عن الباطل"وليس العكس ياقوم !

حقا وصدقا إن بعض الحِكَم والأمثال الماضية بحاجة الى إعادة فهم جديد يتناسب وحجم التحديات الكبرى والظواهر الحادثة التي انتشرت بيننا كالنار في الهشيم وبما لاتؤمن عواقبه البتة في حال ظل السكوت عن الباطل ديدننا، وفي حال ظل شعارنا في هذه الحياة الدنيا هو " دع الكلاب تعوي والقافلة تسير " كذلك شعار:

لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا ...لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ

وشعار:

لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ … لَكِن سَيِّدُ قَومِهِ المُتَغابي

وشعار:

وها أنا ألقَىٰ في التغافل راحتي ..بهِ طاب لِي عيشي وطابت لياليا

أداري وأنسى ما يكدر خاطري ...وأغمِضُ جفني لا عليَّ ولا لِيَا

وشعار:

أنام ملء جفوني عن شواردها ...ويسهر الخلق جراها ويختصم

ففيما سلف من أبيات وحكم تدور كلها ككواكب المجموعة الشمسية في فلك فنون "التجاهل والتغافل"إنما قالها أصحابها لتنظيم العلاقات الشخصية بعيدا عن المشاكل والأزمات في بعض الأمور العائلية، سوء التفاهمات الأسرية، في جانب من الخلافات الوظيفية، في قسم من الاحتكاكات المجتمعية اليومية لتسير الأمور على أفضل ما يرام، أما في القضايا العقدية والاخلاقية والمصيرية الكبرى فإن"التجاهل والتغافل" إما دليل كسل ووهن وضعف وجبن وخور، أو دليل قناعة وتأييد وحب ورضا، ولله در القائل "حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق"، وأضيف " وتوهم بعض أهل الحق أنهم على باطل " .

(2) الفقراء لا يأكلون اللحم"الحقيقي"!

قبل قليل ظهر لي على الصفحة العامة منشور في إحدى الصفحات العراقية يدعو العراقيين الى مقاطعة اللحم - الاصلي معلوم المصدر - بعد أن وصل سعر الكيلو الواحد منه الى 25 ألف دينار ما يعني احتمال وصوله الى 30 الفا في رمضان، وتحت المنشور هناك صورة لحوم داخل محل للقصابة مكتوب عليها " قاطعوها خليها تخيس ...ويرجع سعرها الى 12 الف دينار !!" فعلقت بالاتي:

هل هذا الكلام موجه للأغنياء أم للفقراء والكادحين ومتوسطي الدخل؟! اذا كان للفقراء والكادحين ومتوسطي الدخل فهؤلاء "قد قاطعوا اللحوم حتى قبل أن تقترح عليهم المقاطعة " لأنهم غير قادرين على شراء اللحم - الحقيقي - أساسا سواء كان بـ 16 أو 20 وكل أطباقهم من اللحوم - الوهمية - عبارة عن لحم هندي أو لحم مجمد مجهول المنشأ أو لحوم معلبات غير معلومة المصدر يأكلونها تارة على هيئة شاورما، وأخرى على هيئة بيتزا، وثالثة على هيئة مخلمة أو همبركر، وكبة، وكباب، وفضلا على كون اللحوم - الوهمية - غير معلومة المصدر، وغير مذكاة شرعا، فأزعم بأنها السبب الرئيس لمعظم الامراض التي يصابون بها ويزدحمون من جرائها على العيادات الاستشارية وأقسام الطوارئ مكتفين كعادتهم بإلقاء اللوم على العين والسحر والحسد" من دون أن يمروا ولو سريعا على اللحوم المجهولة التي يتناولونها في المطاعم، والكافيتريات وعلى الأرصفة من دون أن يسأل أحدهم عن مصدر هذه اللحوم " وهل هي لحوم أبقار أم أغنام أم كنغر أم تراها لحوم حمير ونافقة أيضا؟" اما اذا كان كلامك موجه للاغنياء فهؤلاء الا ما رحم ربك، لن يقاطعوا لأن الكروش التقدمية، والخلفيات الرجعية تتقاطع تماما وتخفيض أسعار اللحوم ..هذا في حال لم يكن ارتفاع اسعار اللحوم بسبب احتكارهم للحوم، وتهريبهم لقطعان الماشية، ومن جراء تجارتهم بها، وتكالبهم المحموم عليها أساسا "أما بخصوص اللافتات المعلقة في مداخل بعض المطاعم " لحم عراقي خالص 100% "، فهذه مجرد - نكتة سمجة وسخيفة - ولاتعدو أن تكون مجرد عناوين براقة لخداع البسطاء، والضحك على أذقانهم لأن أصحاب وعمال المطعم أنفسهم غير مقتنعين ولا مصدقين بما مكتوب على اللافتة أساسا وحسبك أن تطلب من أحدهم تناول وجبة من هذا اللحم العراقي المفترض والخالص 100% بحسب اليافطة المعلقة واسمع بنفسك كيف سيعتذر منك الموما إليه بعبارة فورية مسلفنة وجاهزة " قبل شوية أكلت !!

 وخلاصة القول أن معظم لحوم المطاعم الشعبية والبين بين يصدق فيها المثل الشعبي الشهير عن اللحوم النافقة أو الإكسباير المشكوك بملاءتمها وصلاحيتها للاستهلاك البشري وله قصة طريفة عن اعرابي كان يأكل المشويات الرخيصة كلما قدم الى بغداد لبعض شأنه من بائع مشويات في الهواء الطلق وبسعر زهيد جدا وذات يوم تفاجأ الأعرابي بأن الأسعار نارحيث أصبحت أربعة أضعاف سابقتها وعندما سأل عن السبب أجابه صاحب المطعم وبكل بجاحة ووقاحة " قابل يومية يموت زمال بالخندق؟!" .

وعلى - طاري - اللحوم بعيدا عن لحم البقر " ولاسيما البقرة - سميرة هيوو - والتي أصبحت ترندا في العراق بعد أن باعها صاحبها ثم ندم على بيعها فأخذ يناديها عبر الهاتف النقال باسمها المحبب -سميرة - ملحقا به صيغة النداء الخاصة بتربية البقر - هيوو- !!" فمنذ اسابيع ظهرت في بيتنا قطة مشردة تلتهم كل شيء وبشهية منقطعة النظير باستثناء - لحم القواطي - فإنها تشمه اربع مرات - وتأخذ من حوله - خمس فرات - ومن ثم تأكل بعضا منه وتترك الباقي ...وسؤالي اذا كانت القطة التي تأكل كل شيء حتى وإن كان من المزابل تتحاشى أكل - اللحم المعلب -ترى فما هي حقيقته، وما هو مصدره ياقوم؟!

(3) سياسات شرق اوسطية

لا أدري لماذا لا تريد معظم الشعوب العربية تصديق الحقيقة الدامغة التي لاتحجب بغربال وخلاصتها "في السياسة لا صداقات ولا عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة " أو وعلى قول ثعلب السياسة البريطانية ونستون تشرشل " لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة" ...

ولاشك أن بعضا من الصحفيين والمعارضين السياسيين، وكثير من الطبالين، والمتزلفين، هم من أكثر المتضررين وأشد المفضوحين بعد كل "محبة سياسية تعقب عداوة سياسية " فهؤلاء وبعد كم لايحصى من المقالات والتقارير والاعمدة الصحفية والبوستات والتصريحات والكاريكاتيرات وكيل الشتائم على مدار الساعة لأحد طرفي النزاع - السياسي - سيجدون أنفسهم مجبرين صاغرين لحذف المئات منها تمهيدا لمرحلة - الصمت السياسي - أو التعريص الايجابي -التي أعقبت مرحلة " التعريص السلبي " وبين هذه وتلك سيظل المثقف العربي يتوهم بأن أشد الانظمة عداوة لنظامه هي الاصلح للعيش بكنفها، والحديث بحرية مطلقة بظلها والمسكين ولا أريد أن انعته نعتا آخر لايدري ولا يريد أن يدري بأن "صداق ومهر وفلنتاين كل صلح سياسي شرق اوسطي بين نظامين متخاصمين إنما يبدأ بتعرية وتجريد وتجميد وأحيانا تسليم معارضة كل منهما الى نظيره كعربون صداقة لطي صفحة الماضي القريب" وكان حري " بالمثقف العربي المستجير بعمرو عند كربته " أن يتابع عن كثب ويسأل نفسه مرارا وتكرارا " ترى هل النظام الذي يستظل بظله ويمدحه صباح مساء، هو خال من العيوب، طاهر من الآثام، مطهر من الرذائل، نقي من المظالم التي يهجو بها نظامه من بعيد أم أن الاثنين في الهوا سوا؟ ولكن وبما أن عين الرضا عن كل عيب كليلة، وعين السخط تبدي المساويا فإنه سيظل يكابر ويتحايل ويغمض عينيه عن هذه الحقيقة المرة لحين - الصلح - بين المتخاصمين، هنا فقط سيصدم بواقع الحال ليكتشف على حين غرة بأن استجارته بعمرو عند كربته كانت مجرد " استجارة من الرمضاء بالنار .." لا أكثر .

***

احمد الحاج

يوميا أتلقى العديد من الرسائل، يسألني أصحابها الأكارم: ما نفع الكتابة عن بلاد يريد لها ساستها أن تسير من سيئ إلى أسوأ؟، ولأنني مثل كثيرين من الزملاء يدركون جيداً أن الإعلام الحر يمثل هاجساً مقلقاً لأي مسؤول حتى لو كان نزيهاً،

فما بالك ونحن نعيش وسط غابة مليئة بالمسؤولين الفاسدين والفاشلين، الكثير منهم لم يتعود على الجدل والمناقشة، تربوا على فكرة السمع والطاعة، وبالتالي فمن المنطقي أن لا يبالوا بما نكتب فهم يطبقون مقولة ميكافيللي الشهيرة: " التاريخ علمنا أن الحاكم يصل إلى السلطة على أكتاف البسطاء… والباحثين عن فرصة للعيش "، بالمقابل وللأسف هناك قطاعات مسلوبة الإرادة تتعلق بذيل الفاشل، بخطاباته، بأناشيده الطائفية.

ماذا يفعل كاتب عمود مثلي للبعض ممن يجبرهم غياب الشحن الطائفي للتعلق بأذيال مسؤول انتهازي، والدفاع عن نائبة تعتقد أن مجلس النواب مجرد سوق هرج، ماذا تفعل مع صحفي لا يزال مصراً على أن المعركة ليست مع الفشل وسرقة المال العام، وإنما مع بعض الإعلاميين، ما الذي يمكن أن تقوله لكاتب يتصور أن الفشل في بناء منظومة صحية أو تعليمية متطورة هو ظهور يحيى الكبيسي على الفضائيات، وأن المسؤولين أبرياء من الفساد براءة الذئب من دم يعقوب؟ .

ماذا يفعل كاتب عمود مثلي وهو يرى أن البعض لا يريد للعراق أن يعبر هذه الكيانات التي يسميها عشاقها أحزاباً وكتلاً سياسية، ويرقصون في طقوس عبادتها. من أجل العيش في دولة يشعر فيها الفرد بالحرية والكرامة، ماذا نفعل نحن الكتاب، عندما نقرأ عريضة الشكوى التي تقدم بها رئيس المحكمة الاتحادية ضد أحد الصحفيين، لأن هذا الصحفي تجرأ ونشر خبراً أزعج القاضي، ولهذا يتطلب أن يمنع هذا الصحفي من العمل، ليعيش بعدها المجتمع بأمان وسعادة، في الوقت الذي يصدر فيه رئيس الجمهورية فرمانا قرقوشيا بايقاف برنامج تلفزيوني حاول ان يحشر انفه في املاك فخامته .

أصرت القوى السياسية أن تقول للمواطن العراقي بعد عام 2003 : " إرفع رأسك يا عراقي فقد مضى عهد الاستبداد " وأظن أنه بعد عشرين عاماً وجدنا من يطالبنا بأن نخفض قاماتنا، فنحن نعيش في دولة الممنوعات .

كان يكفي المسؤول العراقي، أن يتطلع من نافذة سيارته ليرى أن العراقيين يقولون له إنهم لم يعودوا يتحملون التجارب الفاشلة والفاسدة . وإن العراق دولة لا مركز تدريب على نظام السمع والطاعة، وإن من يفشل يفقد الحق في تكرار تجربته في السلطة مرة أخرى، وأعتقد لو عرف بعض مسؤولينا بماذا يتحدث الناس عنهم في الشارع .. لشعروا بالخجل .

***

علي حسين

 

مجتمعاتنا مقتولة نفسيا وكأنها جثث هامدة على أرصفة الدروب المعاصرة المزدحمة بالمستجدات والمبتكرات، ومعظمها مسلوبة الإرادة ومحنطة في أوعية السمع والطاعة، ومحفوظة في فورمالين الأدينة، الموظفة للقبض على مصير الناس وتأكيد تبعيتهم وخنوعهم الغنيم.

وفي زمن التطورات الهائلة في العلوم النفسية والتفاعلات البشرية، تجدها وكأنها فئران تجارب وميادين لتطبيق النظريات والقوانين النفسية السرية والعلنية، فتحولت إلى موجودات تلبي دعوة الداعي المعادي لوجودها، وهي المنومة المثمولة بخمور الأدينة.

مجتمعات لا حول ولا قوة لها إلا بغيرها، الذي تحسبه قدوتها والموفر لِما يتوافق والحياة المعاصرة من الحاجات والتقنيات، فكل ما فيها مستورد، ويقف المواطن حسيرا كسيرا لفقدان أية مساهمة في معطيات العصر، ووحوش الغاب من حوله تنقض عليه متى تشاء، فتصادر حقوقه، وتنهب ثرواته، وهو المبتلى بالمتسلطين على وجوده من العاقين لوطنه ودينه وجوهر وجوده.

ولهذا فالمجتمعات في ديارنا لا تستطيع التغيير والتعبير عن إرادتها الحرة، فتتحول إلى مطية للكراسي، وأنى تميل الرياح تميل، فهي كالسفينة بلا ربان، تتلاطمها الأمواج والعواصف، ولا تعرف ميناءً تذهب إليه، ومَن فيها يتصارعون من أجل البقاء ، كالأسماك في مستنقع تأكل الشمس ماءه.

أي أن مجتمعاتنا غاطسة في آبار التلاحي والتلهي ببعضها، والمفترسون يستحوذون على حقوقها بحرية مطلقة، فالمواطنون دائخون، ومعلّبون في أوعية الأدينة المسخرة للنيل من الدين وإستلاب حرية الإنسان، وتحويله إلى أجير متهم ولن يثبت براءته إلا بالموت، المعسّل بالآمال الوردية الغيبية الثرية بالرغائب والملذات الخالدة.

ويبدو أن أبناء الأمة إنحشروا في دائرة مفرغة من النكسات والإنكسارات والهزائم المتكررة، التي رسّخت مشاعر الدونية والمذلة والإنهماك في مطاردة سراب معونة الأجنبي، الذي تهمه مصالحه أولا وأخيرا ولا يأبه لمصالح غيره، فهل وجدتم أسدا يراعي مصالح فريسته، أم يريد إلتهامها؟

إن الأمة لن تصنع حاضرها الأفضل ولن تصل إلى مستقبل زاهر، ما دام المواطن بلا قيمة، وحقوقه مصادرة ويتسلط عليه وكلاء الآخرين، فالوطن لقمة سائغة بأفواه الطامعين، والمواطن رقم على يسار رقمٍ مفترسٍ عتيد.

فقل زهق الوطن وإنمحق المواطن، وما فوق التراب وما فيه رزق مشاع من رب يرزق مَن يشاء بغير حساب، فهل أن الدين ضد الوطن والمواطنين؟!!

و"حب الوطن من الإيمان"!!

و"إذا عظّم الأوطان بنوها... أنزلتهم منازل الإجلال"!!

***

د. صادق السامرائي 

 

ذكرنا في المقال السابق أن مكانة جيش الاحتلال قد انخفضت نتيجة الخسائر التي مُني بها أمام المقاومة الفلسطينية. فجنود الجيش ما بين مضطرب ورافض للعودة إلى غزة لاستكمال القتال.. فما الذي حصل للجيش الذي ألصقت به دولته أسطورة لا تقهر؟

من المعروف أن دولة الاحتلال كانت ومنذ بداية حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ قد انتهجت "العنف" بشكل لم يسبق له مثيل لا في تاريخها ولا في تاريخ أي جيش آخر. غير أن هذا العنف وكما هي عادتها مع الفلسطينيين انتهجته مع المدنيين. فحسب موازين القوى هي لا تقاتل ضد جيش إنما ضد حركة يراها جيش الاحتلال ماردا شكل لها الرعب من حيث لا تحتسب. فهذا المارد يتكاثر، لا مكان محدد له ولا زمان. مارد يدافع عن حقه الشرعي، يمتلك أسلحة متواضعة بالمقارنة مع ما يمتلكه جيش الاحتلال. إلا أنه يمتلك الجرأة والإيمان، وبهما تفوق على الأسلحة الفتاكة. ومن هنا كانت صدمة دولة الاحتلال بين ما كان متوقعا وما صارت إليه الأمور بعد أن كبدتها المقاومة الفلسطينية الخسائر الفادحة على جميع المستويات.

فأمام كل تلك الأسلحة التي لم يحقق من خلالها سوى الخزي والعار جراء ارتكاب مئات المجازر والتدمير، كان المقاوم يخرج بعبوات ناسفة تقليدية ويقاتل من مسافة صفر، فيدمر دبابة راهن صانعوها على الامتيازات التي تتمتع بها لتغدو مجرد جثة من العصور البائدة. فها هي الميركافا "فخر الصناعة اليهودية" التي كتب عنها أنها حصينة أمام أي سلاح مضاد تنفجر بعبوة ناسفة تلصقها أيد واثقة بأن لا نصر إلا من عند الله. كما باتت مستوطناتهم على صفيح ساخن جراء قذائف الهاون وصواريخ مثل القسام والياسين وغيرها صنعتها عقول نيّرة برغم الحصار الطويل.

كما وجدنا التئام لصفوف الفصائل الفلسطينية والدفاع عن غزة جنبا إلى جنب، مقدمين على الشهادة وهم سعداء بعكس جنود العدو الذين يذهبون للقتال وهم يرتجفون من الخوف. وإلا فكيف استطاعت المقاومة في ٧/أكتوبر اختراق الجدار العازل لولا تسلحها بكل تلك المواصفات.

فجيش الاحتلال يدرك أنه مهزوم فها هو يقوم بعقد الاجتماعات لمعرفة أسباب "التقصير" خلال هذه الحرب. وبرغم ذلك فنتنياهو ما زال يرفض فكرة الهزيمة والخسارة. فأي نصر وانتصارات بعد كل تلك الخيبات فجيشهه لم يحقق سوى الإرهاب.

الانتصار الحقيقي يا دولة الاحتلال هو حينما يتجرأ جنودكم على مواجهة المقاوم الفلسطيني على أرض المعركة وجها لوجه لا بالاحتماء خلف صاروخ يطلقه من الجو أو قذيفة يطلقها وهو يظن نفسه محصن داخل دبابة اصبحت عاجزة عن توفير الحماية له.

وهنا نذكر نتنياهو بالرسالة التي وجهتها "كتلة السلام" عام ٢٠٠٣ إلى جنرالات الجيش " قصفتم بالطائرات، قصفتم بالمدفعية، قمتم باغتيالات، عذبتم، دمرتم بيوتا، قلعتم أشجارا، صادرتم.. جربتم كل شيء، ولم يبقى أمامكم أي شيء. إنكم مفلسون، حان الوقت لكي تستقيلوا من الجيش".

واليوم أطفال غزة يطالبون جيشكم بالاستقالة والخروج من غزة.

***

بديعة النعيمي

ثلاثون عاما من الضحك على الشعب الفلسطيني وايهامه بانه ستكون له دولة والتحرر من العبودية ويلتئم شمله.

بالأمس استخدمت الولايات المتحدة الفيتو بشان مشروع قرار يعدو الى وقف اطلاق النار في غزة وهو المرة الثالثة خلال العدوان على غزة،  كيف لنا ان نتوقع منها المرافقة  على وقف اطلاق النار وهي التي هبت لنجدة الكيان الصهيوني بإرسال اكثر من مدمرة حربية الى شواطئ غزة وشرق المتوسط، أ لهذا الحد تشكل حركة حماس تهديدا وجوديا للصهاينة؟ أ لا يعني ذلك افساح المزيد من الوقت للصهاينة بان يعملوا بكل ما اوتوا من قوة في سبيل ابادة سكان غزة وتدمير ممتلكاتهم وتسويتها بالأرض.

وكنتيجة حتمية لمؤازرة امريكا للصهاينة والامعان في قتل وتشريد سكان القطاع،  الكنيست الصهيوني يصوت على قرار برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية،  ترى ماذا يعني ذلك بالنسبة للأنظمة  الرسمية العربية التي ابدت كثيرا من المرونة في سبيل حل مشكلة الشرق الاوسط ومنها الارض مقابل السلام، ورغم ذلك قامت بالهرولة للاعتراف بالكيان واقامت افضل العلاقات معه، نجزم بانه لم يعد هناك من شك بان الصهاينة ومن خلفهم امريكا لا يريدون قيام الدولة الفلسطينية على أي شبر من الاراضي التي اعترفت بها الامم المتحدة للفلسطينيين وفق قرار التقسيم.

اتفاق اسلو  بين السلطة والصهاينة هو اتفاق لم ترعه الامم المتحدة او الدول الكبرى ذات الثقل، ا لا يعني ذلك انه مجرد اتفاق بين تشكيلين مسلحين ليس الا، وان غزة اريحا اولا ماهي الا محاولة للإيحاء بأن هناك دولة فلسطينية ستقام ولكن متى؟ قيام الصهاينة وبوتيرة متسارعة بقضم اراضي الضفة واقامة مستعمرات سكنية وعند الانتهاء من ذلك يتم اعادة احتلال غزة وهو ما يحدث اليوم، يعني ان قيام الدولة الفلسطينية امر شبه مستحيل وقد صرح بذلك اكثر من مسؤول صهيوني.

تصريح وزير خارجية مصر من ان حماس لا تتمتع بإجماع فلسطيني، ترى ماذا يعني حصولها على اغلبية المقاعد خلال الانتخابات التي اجريت ولمرة واحدة 2006،  لان منظمة التحرير لم تعد تحظى بالأغلبية بعد ارتمائها في احضان المستعمر، والانكى من ذلك مطالبة الوزير المصري بمحاسبة من امدوا القطاع بالسلاح،  أ لا يصب تصريحه في خانة وأد القضية الفلسطينية، بعد ان لاقى تصريح الرئيس المصري اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح استهجان القوى الوطنية واحرار العالم لم يقل بايدن بان مصر اغلقت معبر رفح ولم تسمح بعبور المساعدات الانسانية للقطاع.

المتآمرون على القضية الفلسطينية كثّر بدا من سلطة رام الله وفق اتفاق اسلو التي تعمل حارسا للكيان الصهيوني والقاء السلاح والسير في مفاوضات لا نهائية مرورا ما يسمى بدول الطوق التي ابرمت اتفاقيات ثنائية مع العدو بهدف حماية مصالحها وانتهاء بالتطبيع العربي المجاني مع كيان العدو،  بل تسيير قوافل من الشاحنات التي تحمل المؤن عقب تعرض الامدادات عبر باب المندب للقصف من قبل السلطات اليمنية.

السابع من تشرين2023، يوم انكشف فيه من كانوا يتسترون خلف شعارات براقة واظهر للعالم اجمع عنصرية الصهاينة وعدم اعترافهم بأصحاب الارض الاصليين للعيش على جزء منها،  ما يجري بالقطاع هو ابادة جماعية تحدث على مرأى ومسمع العالم المتحضر وغض الطرف ان لم نقل مباركة الانظمة العربية، التي اسقطت عن نفسها ورق التوت،  لن يضيع حق وراءه مطالب، المجد لمن رفعوا السلاح بوجه العدو الذي لا يؤمن الا بالقوة.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

كلما أرى مشاهد القتل والتدمير والتخريب والتهجير للأبرياء من أوطانهم، كلما أجد اغتيال الأطفال حديثي الولادة والرضع، أو تجارة الأعضاء البشرية أو الغش في البيع والشراء، كلما أجد الغني يزداد ثراء والفقير يزداد فقرا، وتهافت الدول الكبرى على كعكة عالمنا العربي بتمزيق دولها وزرع الفتن في صفوف شعوبها، وانتشار البدع التي تضيع أدياننا السماوية، عندما تنتشر الجماعات الإرهابية باسم الدين، وينتشر الخوف مع التغير المناخي، وكلما أجد همّا وحزنا وظلما.

فلم نعد نشعر بلذة العيش فانتشار الكره والشر والجريمة بين الأفراد والجماعات والمؤسسات حتى مخططات الدجال لتنفيذ المليار الذهبي وزرع الفتن بحجة اختلاف الدين أو المذهب أو الفكر والرأي وتفريق الناس وتشتيت الأمم وشرذمة المجتمعات تدور بي الدنيا وأدوخ بحثا عن الأسباب. فلا أجد أمامي.

مبرر منطقي لما نعيشه سوى موت الضمير، ذلك السر المكنون الذي فطر الله تعالى بها الفطرة الإنسانية، وجبل بها كل بني آدم منذ بدء الخليقة. فموت الضمير يعد بطلا رئيسيا لكل الأزمات والكوارث وتهديد السلم والأمن الاجتماعي والنفسي، فهو وراء الاستغلال والنفاق والخيانة والغدر والازدواجية وتوظيف الدين لأغراض دنيوية رخيصة وهو سبب ارتكاب الجرائم كلها ووحشية الإنسان.

بينما الضمير الإنساني الحي هو الناصح الأمين لكل سلوك بشري، فهو محكمة لا تحتاج إلى شهود ولا قضاة؛ لأن أحكامه نابعة من القلب. وهو خفي بداخلنا مضمر، الضَّمْرُ في اللغة أي: الخَفِيُّ أَو المُخْفَي.

لكنه كضوء الشمس يمدنا بالحيوية والانطلاق والطاقة والحياة، وكالبدر المنير ينير ظلمات الدياجي، وبه تتحقق انسانيتا وبدونه نتحول لغابة يفترس فيه القوي الضعيف بلا رحمة ولا هوادة كما نعيش عالمنا اليوم المتوحش.

رؤية الفلاسفة

تعددت رؤية الفلاسفة للضمير، بينما يراه الفيلسوف الفرنسي روسو، إنه قوة مضمرة تنبع من أعمق أعمال الإنسان كقوة خفية تسكنه وتوجِّه حياته. وهو الصوت الذي يعلو على صوت العقل لكونه غريزة تعبِّر عن جوهر الإنسان الطبيعي، وتجعله يعلو فوق البهائم، فيخرج من الضلال، ويميز الصواب والخطأ.

فالضمير الإنساني عند روسو هو المعيار الحقيقي لإنسانية الإنسان، أي فعله الذي لا يقوم به أحد سواه وهو لا يكذب أبداً، ولا يتغيّر أيضاً، ويمنح الإنسان المصداقية التي تعصمه من كلّ شك أو خطأ -- ولذلك هو مبعث طمأنينة وثقة.

بينما يرجع الفيلسوف الألماني الضمير الإنساني إلى أفعال العقل العملي ومبادئه الأخلاقية.

ورغم اختلاف الفيلسوفين، فإن الضمير في الحالتين يبقى هو القوة الموجهة للسلوك الإنساني، سـواء كان مبعثه عاطفياً فطرياً أو فعلاً عقلياً حراً.

وفي الأحوال كلها، فإن الضمير يحتاج إلى بيئة تربوية تنشئة، لأن الإنسانية إنشاء تربوي كما يقول كانط، وبذلك يكون للضمير جانب اجتماعي لا يمكن تجاوزه.

ومن ثم، فإن وجهة نظر علم الاجتماع، ترى في الضمير صوت المجتمع فينا، فالمجتمع هو الذي وضع فينا عند تربيتنا تربية أخلاقية هذه المشاعر التي تملي علينا سلوكنا إملاءً، وقد سكن فينا الضمير ويصاحبنا، حيث كنا ويراقبنا.

فالواجب أي الضمير إذاً ليس نتاج العقل العملي كما تصور كانط ولا نتاج فعل العاطفة كما تصور روسو إنه وليد المجتمع الذي يفرض علينا قواعده، ويضبط الحدود لطبيعتنا.

والضمير الإنساني حسب علم الاجتماع التربوي هو مجموعة من القيم الأخلاقية التي تتحكم في سلوك الإنسان، وهو أفضل منظومة الأخلاق السامية التي يمكن أن يتحلى بها كل فرد.

ويرى علماء النفس في الضمير الإنساني جهاز نفسياً داخل الإنسان يتأثر بتقييم الفرد لنفسه أو تقييم الآخرين له، ويكون هذا التقييم للشخصية كلها.

الضمير من المنظور الديني

الضمير في الكتاب المقدس، بطبيعته غريزة روحية تُفرِّق بين الخير والشر بجلاء

وبسرعة أكثر من الذهن. ومَن يستمع لصوت ضميره لا يندم قط، أو يخجل من سلوكه.

يُسمَّى الضمير في الكتاب المقدس” القلب “. وفي العظة على الجبل شبَّه يسوع المسيح.

الضمير بالعين، لأن الإنسان يُقيِّم بها حالته الأخلاقية، إذ قال: «سراج الجسد هو العين".

وفي المفهوم الإسلامي، فإن الضمير هو النفس اللوامة التي تلوم صاحبها إذا أخطأ في حق الرب والعباد، فيسارع إلى التوبة والندم وإصلاح ما أفسده كي يتطهر وتزكي نفسه وتصفو.

فالضمير هنا هو تزكية النفس وتطهيرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة وكما يقول الله في محكم كتابه:

(وَنَفۡس وَمَا سواها ۝٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ۝٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ۝٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ۝١٠﴾ [الشمس ١-١٠]

أي أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، أَيْ: بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَهَّرَهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الدَّنِيئَةِ وَالرَّذَائِل، وَقَدْ خاب مَنْ دَسَّاهَا.

أَيْ: دَسَّسَهَا ، أَيْ: أَخْمَلَهَا وَوَضَعَ وبعد عن الحق حتى رَكِبَ الْمَعَاصِيَ وَتَرَكَ طَاعَةَ.

لذلك جاءت دعوة نبينا المصطفى (اللهم آت نفسي تقواها وزكها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها)، أي طهرها وهذبها واحفظها من الغفلة، ومن الوقوع في براثن الظلم والظلمات.

من هذا المنطلق الإسلامي، فإن الضمير هو سر داخلي أودعه الله داخل الإنسان يستطيع به التمييز بين الصح والخطأ، وبين الحلال والحرام، وبين النور والظلام فبعض الناس.

عندما يظلمون يشعرون بلوم لأنفسهم، لأن لديهم ضميراً، والبعض الآخر يولد بضمير، ولكنه يقتله حتى يُصبح بلا ضمير.

فالضمير يقود صاحبه للخير، ويبعده عن الشر كما في حديث وابنة ابن معبد الذي سأل الرسول محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم فقال له: “يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب.

وتردد في الصدر، وإن أفتاك المفتون” رواه أحمد بإسناد حسن.

ووفق هذه التصورات، فإن الضمير هو "النفس اللوامة" التي تلوم صاحبها على الأخطاء التي يقع فيها، سواء كانت أخلاقية أو دينية بإصلاحها. ولذلك نجد البارئ جل جلاله قد يقسم بهذه النفس تعظيما لها ولأنها الوحيدة التي تستطيع إرجاع الإنسان إلى ربها، وإلى الحق مهما كانت جرائمها كما في قوله تعالى: (فلا أقسم بالنفس اللوامة.

التأنيب والموت

فكل بني البشر مولود بفطرة الضمير، مما يجعله يستغفر يتوب عن ذنب السرقة مثلا الأول بعد أن ألمه ضميره، ويتمنى أن لا يكرر سرقته، ويظل الضمير حيا صوته عالياً داخلنا محذرا لنا مهما حاولنا إسكاته إلا إذا تعمد الإنسان موته بتكرار الأخطاء والعدوان على العباد - فيألف الإنسان الذنوب، و يعتدادها فيموت الضمير، ويكف عن التأنيب.

برأيي إن الضمير هو صوت الله الخفي فينا يوجعنا عندما نظلم ويغبطنا عندما نعطي كل ذي حق حقه، ونربت بيدنا على اليتيم، ونعطي المسكين ونعطف على الضعفاء، ونرحم الحيوان ونحارب قوى الشر ومنع الاحتراب، وننشر السلام ونقيم العدل، ونتراحم ونتحاب معا، ونزكي أنفسنا بكل عمل صالح بلا تكبر وعلو؛ مما يجعلنا أهلا للخلافة على الأرض.

مصداقا لقوله تعالى: (تلك الأرض نورثها للذين لا يريدون علو في الأرض ولا استكبارا.

فما أجمل أن نعتذر عندما نخطئ ونحاول إصلاح ما أفسدناه بعقولنا، وما أجمل أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين لا نخون من ائتمننا، ولا ننقض العهود، وما أبدع أن ننجز أعمالنا على الوجه الأكمل حتى نحلل أرزاقنا، وهنا يتجلى فينا الضمير الحي الذي هو صوت الإله الخفي في قلوبنا إله الحب والجمال والخير والعطاء فالإنسان قوته النفسية والروحية من مصدر الضمير الكامن فيه، فيعيش في جنة على الأرض إذا استمع لصوت ضميره، ويعيش في سجن وشقاء ونار الحياة إذا أمات هذا الضمير، ويا حظه السعيد من اتخذ ضميره صديقه الوفي يرشده وينير دربه على الدوام ووقتها يشعر براحة بال مهما اهتزت الجبال، وتصحرت الأراضي وجفت الينابيع من حوله فهو في سكينة ورضا وطمأنينة منتظرا الفرج من رب البرية.

ولكل من يؤمنون بالعقل والمنطق على أهميتهما، أقول لهم أن المنطق قد يقودنا إلى الخطأ في بعض الحالات وتدمير البشرية كما في العلوم العقلية التي قد تنحرف عن مسارها، وتدمر البشرية بالأوبئة المصنوعة والقنابل النووية وإحراق الغابات وشن الحروب وتدمير اقتصاديات الدول وافتعال الأزمات لتجويع البشر، بينما الضمير الذي لا يمنعك من فعل الخطيئة، لكنه يمنعك من الاستمتاع بها، ويعذب روحك بها حتى ترجع إلى الحق، فأي الصديقين أولى بالوفاء؟ ً!!!!

فلنتذكر الضمير: أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك. وأن تراعي المحبة والخير مع الضعيف والقوي والصغير والكبير ومن تحتاجه، ومن لا تحتاج إليه الضمير هو الصوت الذي يحاسبك عند الغلط ويثني عليك عندما تفلح.

الضمير هو الرضا بداخلك عن نفسك، حين تشع كالشمس

لمن حولك الضمير هو تسامح ومحبة وأن تمد يد العون للجميع دون تفرقة على أسس دينية أو عرقية أو قومية الضمير هو أن تنام، وعلى وجهك ابتسامة؛ لأنك أكملت

يومك دون أذية الناس وكنت شخصا خيرا مثمرا بالكلمات والأفعال والمواقف.

الضمير أن تعتذر حين تخطيء وتحاول دوما إصلاح نفسك للأحسن؛ لأنك لست ملاكاً، ولكنك تسعى أن تكون

شبيها ولو بنسبة منهم الضمير هو أن تكون صادقا مع نفسك ومع الآخرين وأن.

لا تكون منافقا ومدعيا الضمير أن لا تخون من ائتمنك، وأن تفي بالوعود وأن. تنجز عملك على أكمل وجه حتى تحلل رزقك.

الضمير هو صوت الإله في قلوبنا إله الحب والخير والعطاء

***

سارة طالب السهيل

 

عقد مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء 20 فبراير2024 جلسة التصويت التي انتظرتها شعوب العالم على مشروع قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لأسباب إنسانية، وكانت نتيجة التصويت 13 صوت مؤيد وصوت واحد معارض وصوت واحد ممتنع.

للأسف كان الصوت المعارض داخل المجلس هو صوت الولايات المتحدة الأمريكية، ويعبر عن الصوت المعارض لإحدى الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن " بالفيتو" ويعني في حقيقته رفض مشروع القرار المقدم حتى وإن حاز على أغلبية الأصوات.

معنى الفيتو الأمريكي أن لا وقف لإطلاق النار في الوقت الراهن بقطاع غزة، وأن للكيان الصهيوني المغتصب أن يسعد بتمتعه بهامش زمني واسع ليحدد على مهل خطوات استكمال جرائمه ضد الإنسانية،ولاشك سيتهلل وجه الزومبي النتن بعدما تخلص من ثقل الضغوط الدولية  للانطلاق المحموم نحو مواصلة مؤامرته ضد الشعب الفلسطيني : القتل،الإفقار، الهدم والتدمير، التشريد، إخلاء قطاع غزة من أهله وتهجيرهم نحو مصر وصولا إلى تحرير جنوده الأسرى لإرضاء الرأي العام الداخلي، وبالتالي الإفلات من مصير ينتظره وهو محاكمته على تهوره السياسي الذي أضاع اقتصاد الكيان الصهيوني دون تحقيق أي هدف محدد وواضح ودفع بالشباب إلى أتون حرب لم يحسن تقدير عواقبها سقط منهم الكثير بين قتيل ومصاب وأسير.

المؤامرة الصهيونية لا تحترم المجتمع الدولي لأنها لم  تعبأ بأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني طالما أن العم سام يدعم الكيان المحتل سياسيا وماديا وعسكريا ... وكل شيء، بمعنى أن العم سام قد أباح لنفسه التواجد في نفس الموقع المخزي للكيان الصهيوني، لقد أباح الفيتو الأمريكي للكيان الصهيوني مواصلة قتل الشعب الفلسطيني واستحلال دمه، وببساطة حرم الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة، وأسقط حقه في الحياة، فلا تساهل بعد الآن في مراقبة عبور قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية، ولا مؤاخذة في عرقلة مرورها،  الموت جوعا وعطشا وبردا ومرضا .. وقتلا هو ما  ينتظر مئات الآلاف من النازحين إلى جنوب قطاع غزة المتزاحمين قرب الشريط الحدودي مع مصر الذين كفروا منذ أكثر من 75 سنة بمبادئ حقوق الإنسان وبقيم الحرية والسلام حين وقفت منظمة الأمم المتحدة إلى جانب المغتصب فوقعت أكبر سقطة تاريخية نفضت عن هذه المنظمة التعيسة أي مزاعم بائسة بالعدالة والشرف والنزاهة .

ليس أمام الشعب الفلسطيني الآن سوى التمسك بالحياة، بالإقبال على الموت شرفا بالاستشهاد، لقد سبقوهم أقوام في إدراك هذه الحقيقة فكان لهم ما أرادوا، ولم يسقط حقهم في الحياة ... عاشوا .

الفيتو الأمريكي وصمة عار ثابتة في جبين الولايات المتحدة منذ سنين طويلة حين أكد انحيازه الكامل للمغتصب الصهيوني، والمصيبة أن يكون وراء هذا الانحياز اطمئنان بأن الدول العربية جمعاء تحتاج إلى أمريكا وأنه لا يمكنها الاستغناء عنها مهما حدث ومهما بدر منها، والحقيقة بالعكس لأن البدائل كثيرة والخيارات متنوعة، وعديد الدول تتقرب توددا ومازالت  تمد يد الدعم  والعون والتعاون .

***

صبحة بغورة

هجوم إعلامي وسياسي ممنهج لفك الارتباط الجماهيري حول المقاومة في غزة تمهيداً لما بعد الحرب..

لا يختلف اثنان على أنّ المقاومةَ لها الفضل خلال "طوفان الأقصى" في إزالة الأقنعة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ لا بل أعادت تعريف من هو الصهيوني الذي لم يعد قاصراً على ذِي الأصولِ اليهودية فقط؛ بل قد تصادف وجود صهاينة عرب ضمن هذا التعريف بدلالة تأييدهم ل"إسرائيل" أو التشويش على صوت المقاومة وشيطنتها توافقاً مع السردية الإسرائيلية.

وعلى العكس من ذلك، فهنالك يهود في العالم يؤيدون حقوق الفلسطينيين من منطلق إنساني فيعبرون عن مواقفهم عبر الفضاء الرقمي دون كوابح، لا بل أن بعضهم يناصر القضية الفلسطينية من منطلق عقائدي، مثل جماعة ناطورا كارتا حيث يقيم افرادها في فلسطين التي يرون بأنها محتلة، دون أن ننسى وجود طائفة سامرية يهودية ذات جذور فلسطينية وتقيم في نابلس وتحمل هويتها الوطنية الفلسطينية.

وعليه.. لم يكن سهلاً على المقاومة الموحّدة ممثلة بحماس أن تُطْلِقَ نداءً للجماهير الفلسطينية المنكوبة في غزة، تحذّر ها من مثيري الفتن والنعرات الجهوية من كتاب ومعلقين أو سياسيين ينتمي كثير منهم لسلطة أوسلو الفاسدة.

ومنهم من يحمل كاميرة تصوير ويطوف بها بين المجاميع البشرية في غزة للتحفيز على نقد المقاومة لصالح الإعلام العربي المتصهين، وتشكيكهم بذمة حماس من خلال شيطنتها واتهامها بالفساد والعجز في ضبط التسيب الذي تشهده عملية توزيع المعونات على الغزِّيين في صورة قبيحة، تَبَنّى الإعلامُ المتصهينُ تضخيمَها والترويج لها، في إطار الحرب النفسية التي تشنها "إسرائيل" على المقاومة، مستهدفة التلاحم الأسطوري بينها وبين الشعب الذي يتعرض للإبادة من قبل جيش الاحتلال "النازي".

والهدف من هذه الحرب المستعرة، هو قتل روح الغزِّيين المعنوية، وحرفهم عن بوصلة المقاومة لفك ارتباطهم المقدس بها كخيار مصيري؛ حتى يتهيأوا لما بعد الحرب على قطاع غزة التي يتلاهف المأجورون لتنفيذها شكلاً ومضموناً.

هذه فتنة ما لبث يحركُها الإعلامُ الصهيونيُّ وحلفاؤه من المطبعين الإبراهيميين، الذين انطلقوا في حربهم الإعلامية ضد حماس من عدة محاور،تمثل بمجملها الأجندة الإسرائيلية التي يبحث القائمون من خلالها عن نصر وهميّ، يكون من شأنه لو تحقَّقَ إخراج نتنياهو من عنق الزجاجة.

وتتجلى هذه المحاور بما يلي:

أولاً:- اتهام ما فعلته حماس في طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي إرهاباً وفق السردية الإسرائيلية التي يكذبها العالم من خارج المنظومة المتصهينة.

ثانياُ:- ربط إدانة "جرائم الاحتلال الإسرائيلي" في غزة بالمتسبب من خلال إدانة حماس على "تهورها" واستفرادها بالقرار الفلسطيني، وتحميلها مسؤولية الكارثة، وفق تصريح وزير خارجية مصر سامح شكري في مؤتمر المناخ الأخير.

وهو موقف باطني معتمد لدى بعض الدول العربية خلافاً لما يظهرون من بيانات.. وذلك باعتراف بعض قادة "إسرائيل".

وهذا يفسر الانحياز الأمريكي للطرف الإسرائيل، إذْ اقترحت الولايات المتحدة يوم أمس، الاثنين، مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو إلى "وقف مؤقت" للحرب على غزة، خلافاً للمشروع الجزائري الذي يطالب بوقفها وإلزام "إسرائيل" بتنفيذ متطلبات قرار المحكمة الدولية المُدِيْن لجرائمِها؛ وذلك لدواعي إنسانية.

وكان قد أخضع المشروع للتصويت يوم أمس الثلاثاء إلا أن واشنطن أوقفته بالفيتو، ففي عالم إزدواجية المكاييل توقع الأسوأ.

ثالثاً:- شيطنة كل من يدعم المقاومة في غزة من محور المقاومة، سواء في البحر الأحمر أو جنوب لبنان.

فحزب الله الذي يواجه جيش الاحتلال شمال فلسطين المحتلة ليس في نزهة، وقد انتهى التصعيد بينه وبين "إسرائيل" بقصف الحزب لقاعدة عسكرية في صفد، والتسبب بانفجار طائرة مسيرة في منطقة إربيل، قرب بحيرة طبريا وفق موقع "إسرائيل اليوم".

ليأتي الرد الإسرائيلي التصعيدي الضخم الذي أصاب مناطق سكنية في قضاء صيدا.

فالدم اللبناني أريق من أجل وقف النزيف الفلسطيني في غزة وهو ما تأنفه السردية الإسرائيلية ومن يدور في فلكها من المتصهينين.

والأمر نفسه ينطبق على اعتراض الحوثييين للسفن المتوجهة إلى "إسرائيل" مباشرة أو عن طريق وكلاء آخرين، كوسيلة ضاغطة بقوة على الاقتصاد الإسرائيلي، لولا الخط البري العربي البديل الذي تبنته الإمارات انطلاقاً من جبل علي في دبي وصولاً إلى أسواق الاحتلال.

رابعاً:- إطلاق حملة ضخمة من قبل الإعلام الصهيوني لشيطنة رموز المقاومة وكسرهم في عيون الفلسطينيين وزعزعة الثقة بهم، تتضمن انتاج أفلام مفبركة، ناهيك عن بث أخبار متضاربة حول هروب السنوار متنكراً أو التمكن من القبض عليه! ناهيك عن أكذوبة استسلام مئة مقاتل حمساوي في مستشفى النصر دون دليل بصري! في حرب نفسية يائسة حذرت منها حماس، و"تهدف إلى رفع معنويات جيشهم وكيانهم المنهارة".

وأمس الأول، الأحد، قال وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت في تصريحات صحفية "إن حماس لا تثق في قادتها" منوهاً إلى أن قيادة الحركة بالخارج تبحث عن قيادة داخل القطاع بدلاً من السنوار (هراء)، على حد زعمه.

فنتنياهو الذي فشل في تحقيق أهدافه ميدانياً يعوّل على تحقيقها من خلال الحرب النفسية؛لضرب التلاحم الجماهيري مع المقاومة من خلال بث الأكاذيب والفتن ولكن حصاد ذلك الخيبة.

وللتذكير، فإن أهداف نتنياهو التي مَرَّ عليها أربعة أشهر دون تحقيق، تتجلى بإسقاط حكم حماس في القطاع والقضاء على قدراتها العسكرية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين، والتأكد من وجود إدارة في غزة لا تشكل تهديداً ل"إسرائيل".

خامساً:- قيام مصر -خلافاً لدورها المنتظر بحكم مجاورتها لقطاع غزة- بتهيئة المنطقة لقبول خيارات ما بعد الحرب وفق الرؤية الإسرائيلية التي تشترط عدم وجود حماس. وربما يفسر ذلك أمرين:

- عدم منح حماس الثقة الكاملة لمصر في المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، مثلما فعلت مع قطر.

- ويوضح أيضاً المغزى المفترض من مبادرة مصر إلى إقامة مخيمات مغلقة، ومحاطة بأسوار متصلة بأبراج مراقبة؛ كأنها سجون، كما هو الحال في سيناء التي يسيطر عليها رجل السيسي في سيناء، إبراهيم العرجاني ومليشياته المسلحة.

هذا إلى جانب تجهيز مئات المدافن -تم نشر صور عنها من قبل ناشطين- استعداداً لحصول مجازر قد يقترفها الاحتلال بحق الفلسطينيين المطعونين في الظهر، ويرجح بأن يقوم جيش الاحتلال بالهجوم على رفح عند حلول شهر رمضان الفضيل بعد أسابيع.

ولكن عدم إسقاط حماس من أية مفاضات تثبت بأن مستقبل غزة بدون حماس غير ممكن، إذْ أن صمود المقاومة الموحدة الأسطوري والتفاف الجماهير حولها قلب الطاولةَ على المقامرين.

فقد أجرت قيادة حماس في غزة تعديلاتها على مقترح الهدنة الذي تقدمت به قطر ومصر وتمت مناقشته مع المعنيين في مصر من باب القوة لا الضعف، وقد جدد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية يوم السبت الماضي 15 فبراير، رد حماس على مقترح الهدنة قائلاً بأن المقاومة لن ترضى بأقل من وقف كامل للعدوان وانسحاب الاحتلال خارج قطاع غزة ورفع الحصار وتوفير مأوى للنازحين.

سادساً: إدانة حماس من قبل وزير خارجية مصر سامح شكري في مؤتمر المناخ وتحميلها مسؤولية دمار قطاع غزة والتوعد بمحاسبتها من قبل الفلسطينيين، وهذه إذا لم تكنْ سقطةَ غشيمٍ فهي موقفٌ مُخْجِلٌ لوزيرٍ يُمَثِّلُ دولةً يُفْتَرَضُ بأنها وسيطٌ يحاول إثباتَ نزاهته أمام التاريخ. ولكن هيهات!، ف"إسرائيل" أحرقت أوراق مصر لدى المقاومة والشعب الفلسطيني ومحكمة الجنايات الدولية وذلك من خلال تهمتين:

- اتهام مصر بأنها هي التي تتحكم بمعبر رفح وتمنع وصول المعونات إلى القطاع؛ إلا أن مصر أنكرت ذلك متهمة الاحتلال بأنه يهدد بقصف الشاحنات إذا ما دخلت القطاع.

لكن الأمور تعقدت مع وجود شبهة فساد بطلها رجل السيسي في سيناء، المدعو إبراهيم العرجاني الذي حوّل المعبر إلى استثمار مذل مهين.

وفق ما قاله موقع "مدى مصر" الذي افتضح ممارسات العرجاني عند المعبر، يوم الأحد الماضي، لذلك تم استدعاء رئيسة تحريره، لينا عطاالله، للتحقيق في أمر ما وصفه الموقع بـ"بيزنس" المرور من معبر رفح في الاتجاهين.

- اتهام مصر بتهريب الأسلحة إلى غزة ( وهو شرف لها لو حصل ذلك).

ووفق بيان للهيئة العامة للمعابر والحدود على حسابها في موقع "فيسبوك" ورداً على الاتهاملات الإسرائيلية، فقد أعلن أن "مصر نفسها قد عانت كثيرا من هذه الأنفاق خلال المواجهة الشرسة مع المجموعات الإرهابية في سيناء، فهي كانت تمثل وسيلة لتهريب المقاتلين والأسلحة إلى سيناء لتنفيذ عمليات إرهابية.

وهذا هُرَاء، إذْ يضع حماس في خانة الأعداء بالنسبة لمصر، ويجعل التعامل معها حذراً جداً.. والثقة منقوصة.

ويكمل البيان: بأنه تم تدمير أكثر من 1500 نفق، كما قامت مصر بتقوية الجدار الحدودي مع القطاع الممتد لـ14 كيلو متر، عبر تعزيزه بجدار خرساني طوله 6 متر فوق الأرض و6 متر تحت الأرض، فأصبح هناك ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، يستحيل معها أي عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض.

من هذا المنطلق تثبت مصر أنها الحارس الأمين على المصالح المصرية الإسرائيلية المشتركة مع أن ذلك ينطبق على المثل القائل " ربّ ضارة نافعة" ما دامت هذه الموانع التي أقيمت لحماية الاحتلال هي العائق الكبير لمؤامرة التهجير التي كثر الحديث عنها.

ورغم ذلك لا تجد حماس بداً من اعتبار مصر وسيطاً مقبولاً -منقوص الثقة- إلى جانب الوسيط الموثوق به، قطر.

وهذا يفسر ما قاله سياسيون إسرائيليون بأن استمرار الحرب على غزة يمثل هدفاً لبعض الدول العربية المطبعة مع الاحتلال دون شعوبها -إلا من رحم ربي- فيما يستمر الإعلام المتصهين في استهداف العلاقة المقدسة بين الشعب ومقاومته من خلال بث الفتن الطائفية والجهوية، لذلك كان على حماس التحذير من مُوْقِظُهَا وما أكثرهم بيننا.

***

بقلم: بكر السباتين

20 فبراير 2024

 

البعض يرى أن لا يجوز قراءة التأريخ بإقتراب تأويلي، لكيلا تضيع الحقائق، فهل أن ما جاء بكتب التأريخ حقائق خالصة؟

الكذب المكرر يتحول إلى صدق مع توالي الأجيال.

لابد من القول بجرأة وصراحة إن معظم الذين دوّنوا التأريخ كانوا يتكسبون بكتاباتهم، مثلما الشعراء بمدائحهم المترعة بالأكاذيب والتهويلات الوصفيةعلى الشخص الممدوح.

فهل يُعقل أن مدونا للتأريخ يريد أن يجني مالا مما كتب أن يقول الحقيقة التي ستغضب الكراسي؟

إن المتتبع لمسيرة التفاعلات والأحداث بأنواعها يكتشف أن المكتوب لتأمين وترسيخ السلطة المطلقة لصاحب الكرسي الأول.

ومن الأمثلة الواضحة ما قام به الشاعر البحتري، الذي كان جليس المتوكل ومرافقه طيلة حكمه، وبعد مقتله صار يمدح مَن جاؤا بعده، ويضفي عليهم أوصافا لا تمت بصلة حقيقية إليهم، والهدف أن ينال المال والمكارم والجاه، وعلى منواله سار المؤرخون، الذين كانوا يهدون كتبهم لذوي السلطة والمكانة في الحكم لينالوا على ذلك مالا، فمعيشتهم تعتمد على ما يكتبونه، فهل نتصورهم سيكتبون ما يقطع أرزاقهم، ويصيبهم بالفقر والفاقة.

ومن المعلوم أن العديد من الشعراء وأصحاب الرأي والمنتقدين لأي كرسي متجبر نالهم الويل الشديد وأكثرهم قتلوا ونكل بهم.

فالقول بالقراءة التأويلية لا يستند على أدلة موضوعية، بل أن القراءة النفسية السلوكية للتأريخ تكشف الكثير من المزاعم المزيفة، التي لا تتوافق والقدرات البشرية الشخصية والظروف التي يكون فيها السلطان، والتي يتسيد فيها الخوف والشك والهلع من الذين حوله بأنواعهم، فأقرب الناس إليه قد يقتله، وهذه الظروف المقلقة تم إغفالها في معظم دراسات التأريخ.

ولو تعمقنا بهندسة قصورهم وما فيها من الخبايا والمنافذ المعدة للهروب، لتبين لنا ما كان يعصف في نفوسهم من الإرهاصات القاسية، فمعظمهم لم يكونوا سعداء لأنهم يعرفون بأن أيامهم معدودة، وسينقض عليهم فريق ما من الحاشية، فهم محكومون ولا يحكمون، بل كالرموز الخاوية التي تلقى في التراب بعد إستنفاد الحاجة إليها، وخصوصا خلفاء بني العباس بعد مقتل المتوكل.

"وتلك الأيام نداولها بين الناس..."

***

د. صادق السامرائي

 

من أمثلتنا الدارجة القديمة مثل يردده من يريد مواراة مقصده، خلف ظاهر من كلام يخالف الباطن المقصود، وما يجبره على اتباع هذا الأسلوب هو المجهول مما سيلقاه لو أفصح بما يريده علنا، ذاك المثل يقول: "أحاچيچ يابنتي واسمعج ياچنتي".

ومن موروثات أجدادنا أبيات شعر قديمة قالها سهل بن مالك الفزاري في امرأة من قبيلة طي، بعد أن ثوى في حيهم، حين خرجت من خبائها ورأى جمالها وحسنها الذي أبهره، حيث وقف في فناء الدار وأنشد الأبيات التي غدا شطرها الأخير مثلا على ألسنتنا، قاصدا ان يسمعها مايعنيه، متخوفا من الرقباء، وكيف لا! وهي سيدة قومها. فقال فيها سهل:

ياأخت خير البدو والحضارة

كيف تريـن في فتى فـزارة؟

أصبح يهوى حرة معطـارة

إياك أعني واسمعي ياجارة

ومعروفة هي القصة عن آخرها، حيث فهمت المرأة المبتغى من كلامه والمقصد من إشارته تلك. وعلى بعد المكان والزمان بيننا في عراق القرن الحادي والعشرين، وبين صاحبنا سهل وفاتنته الطائية، هناك تشابه بين ماقال وما نقول اليوم، والشبه تحديدا ممزوج بالخوف والاحترام والـ (مستحاة). فهو كان يخاف العرف الإجتماعي السائد آنذاك، فيكبح رغبته في البوح بالغزل والتشبيب بامراة، أما نحن فنخشى على (لوزتنا) و (خبزتنا) من البوح بما نعاني منه أمام أنظار الساسة والمسؤولين على وصول أيديهم الطولى الى رقابنا، حيث حرية الرأي والتعبير مازالت حبيسة الراديكالية، وسياسة مواجهتها بقسوة وتعنيف لم يبرحها بعض أرباب الكتل والأحزاب.

ففي عراقنا اليوم مامن كبير او صغير، كاتب او ناقد، صحفي او اي انسان من الذين يمتلكون الهوية العراقية، إلا وكلهم مشتركون بنفس المشاعر، وعليهم نفس الضغوط التي تتعدد مصادرها من أفراد وشخوص كانوا قد انتخبوها، إلى نواب وزعماء اصطبغت لأجلهم إصابع ناخبين. والعراقي مرغم على الحديث عنهم لصعوبة الحديث معهم، إذ هم أبعد مايكون عن المواطن قلبا وقالبا، فهم كما يقول مثلنا: (مبيتين المحبس) بعد أن ضمنوا ان الكرسي أصبح (طابو) بكل صلاحياته وامتيازاته. ولم يعد لنا نحن العراقيين من منفذ، إلا التلويح والإيماء بالأيادي او الغمز واللمز بالاعين، او تسخير أقلامنا في صياغة مقالات وكتابات ملأت الصحف العراقية، وأخرى هموم ناءت بحملها صناديق الشكاوى، بحق وزير أو محافظ او موظف تبوأ منصبا، يمكّنه من التلاعب بمقدرات العراقيين حين يطوي طلبا او حاجة لمواطن، في درج من أدراج مكتبه ويتركه الى حيث غبار النسيان.

لكن الفرق بين حسناء شاعرنا المذكور وبين أغلب موظفينا بدرجاتهم كافة، بدءًا من كاتب بسيط، صعودا الى مدير ومدير عام ووكيل ووزير، وأعلى من ذلك الى قمة الهرم العراقي، ممن بات أمر العراقي المسكين بيدهم، ان تلك الفاتنة أجابت (سهيل) ببيتي شعر أشفت بهما غليله و(انطته مراده). أما السادة المسؤولون فأظنهم يرون في تلكم الكتابات والشكاوى، متعة في تكاثرها وتزايدها، وهم يتلذذون برؤيتها تزدحم على مكاتبهم صباح مساء.

فليت شعري يامن كتب لكم العراقيون أسفارا من الهموم، وبنودا من الطلبات والشكاوى، وهي جلها من واجبكم تنفيذها له، لاتنسوا انكم موظفون، مهما علت درجاتكم وازدادت رواتبكم، فحللوها وتذكروا حين تسمعون أنين عراقي مغبون حقه، انه يعنيكم ويُسمعكم شكواه ويقصدكم وحدكم لاغير، إذ ما من غيركم مسؤول عنه وعن شكواه، فأنتم ياساسة المقصودون وأصابع اللوم تتجه صوبكم.

***

علي علي

 

لم تنكشف حقيقة الحكم القائم في العراق كما انكشفت في جلسة البرلمان التي أطلقوا عليها جلسة طارئة لبحث الاعتداءات الأميركية على السيادة العراقية قبل أيام قليلة: في هذه الجلسات ظهرت دويلات الأمر الواقع العراقية الطائفية والعرقية الثلاث (الشيعية والسنية والكردية) على حقيقتها بكل وضوح، ويبدو أننا على أبواب مرحلة جديدة من صراعات ضباع الطائفية السياسية على الغنائم والمال السحت قد تكون مصحوبة بالتفجيرات والاغتيالات. فقد سجل المراقبون في هذه الجلسة سقوط النصاب وتحول الجلسة من جلسة عادية إلى جلسة تشاورية حيث:

1- لم يحضر أي نائب من العرب السنة الذين قاطعوا الجلسة. والتبرير الذي تردد هو رفضهم لقرار محتمل يصدر من البرلمان بوجوب انسحاب القوات الأميركية من العراق حتى لا تنفرد إيران وحلفاؤها بالوضع العراقي العام!

2- لم يحضر النواب الكرد باستثناء نائبين من الحزب الإسلامي الكردي، والتبرير الذي طُرِحَ هو قول بعض الساسة الكرد إن كل إنجازاتنا (غنائمنا وسرقاتنا) تحققت بوجود القوات الأميركية وسنخسرها كلها إذا خرج الأميركيون.

3- لم يحضر نصف النواب الشيعة وقيل إنَّ الغائبين أكثر من النصف، وحجة هؤلاء كما قال محللون هي إنهم لا يريدون أن يغامروا بالتقدم الاقتصادي الذي تحقق (يقصدون الغنائم والسرقات التي حققوها) ويلقوا في العراق تحت حصار أميركي واضطراب مالي وهذه حجج تافهة سبق وأن وضحنا تهافتها بالأرقام والحجج الموثقة/ رابط 1.

* سجل النواب المستقلون والمنسوبون إلى انتفاضة تشرين – باعتراف نائب من الإطار التنسيقي هو مصطفى سند - سجلوا "حضورا جيدا في الجلسة" وهذه شهادة لمصلحة تشرين والمستقلين رغم كل تحفظاتنا على من يزعمون الانتساب حاليا إلى الانتفاضة الشهيدة المغدورة برصاص الحكم الطائفي التابع، فالذين يمثلون الانتفاضة هم شهداؤها والمخلصون لها ولمبادئها ومثلها الاستقلالية والتحررية الكبرى.

وقد أضاف النائب مصطفى سند أن الجلسة انتهت الى تشكيل لوبي شيعي من عدد من النواب قرروا معاقبة النواب السنة والأكراد بكسر نصاب الجلسات القادمة لعرقلة اختيار رئيس مجلس النواب من الكتلة السنية، بما يعني أن مجلس النواب سيبقى بلا رئيس وهكذا يكون الساسة العرب السنة قد خسروا هذا المنصب كما سيتم منع أي تعديل بالموازنة من شأنه رفع حصة الإقليم الذي سترسله الحكومة بتعديل الجداول. وأعتقد أن هذه التهديدات مجرد كلام فارغ لا قدرة لمن أطلقوه على فعل شيء فالقرارات ليست بأيدهم ولا بأيدي رؤساء كتلهم النيابية بل بيد "المندوب السامي - والسفيرة صاحبة الجلالة إلينا رومانوسكي".

***

علاء اللامي

.....................

1- رابط مقالتي ردّاً على ترهيب العراق بالعقوبات الاقتصادية.

https://al-akhbar.com/Opinion/375770/

2- رابط مداخلة أدلى بها وزير النقل الأسبق والنائب الحالي المستقل عامر عبد الجباروقال فيها أن عدد الحضور لم يتجاوز الثلاثين ويبدو أن بعضهم انسحب ورابط في كافتيريا البرلمان ولم يدخل القاعة!

https://www.tiktok.com/@deco.7777/video/7334712865816956165?_r=1&_t=8jwYvAbwUCb

 

في المثقف اليوم