أقلام حرة

أقلام حرة

في الأوقات المضطربة، قد يبدو أفلاطون وفوال السبكي كشخصيتين غير متناسبتين للمقارنة. ففي نهاية المطاف، يشتهر أفلاطون بأفكاره الفلسفية وتأمله في المجتمع المثالي، بينما يرتبط فوال السبكي بنشاط أكثر دنيوية وتجاريا. ومع ذلك، عند الفحص الدقيق، يصبح من الواضح أن هناك بعض الصفات وأوجه التشابه التي تربط هذين الشخصين المختلفين على ما يبدو.

أولا، يقوم كل من أفلاطون وفوال السبكي بتلبية احتياجات ورغبات الأشخاص من حولهم. تعكس كتابات أفلاطون، وخاصة في كتابه الشهير "الجمهورية"، اهتمامه العميق برفاهية المجتمع وسعادته. وبالمثل، يهدف فوال السبكي إلى تقديم علاج لذيذ وممتع للعملاء، مما يرضي رغبة معينة. وهكذا، ينخرط كلا الفردين في أنشطة متجذرة في تلبية رغبات الآخرين.

ثانيًا، يتأثر كل من أفلاطون وفوال السبكي بالسياق الذي يعملان فيه. يمكن للأوقات المضطربة أن تؤثر بشكل كبير على أفكار ومعتقدات المجتمع، وكثيرا ما استجابت أعمال أفلاطون للاضطرابات السياسية والاجتماعية في عصره. وبالمثل، يمكن أن يتأثر عمل فوال السبكي بعوامل مثل التقلبات الاقتصادية أو التغيرات في تفضيلات المستهلك. وبهذا المعنى، يجب على كل من أفلاطون وفوال السبكي التكيف والتغلب على التحديات التي تفرضها الأوقات المضطربة التي يجدون أنفسهم فيها.

علاوة على ذلك، يحتاج كل من أفلاطون وفوال السبكي إلى مستوى معين من المهارة والخبرة في مجال تخصصهما. تثبت أفكار ونظريات أفلاطون الفلسفية معرفته العميقة وصرامة فكره. وبالمثل، يجب أن يمتلك بائع الفشار فهما لتقنيات إعداد الطعام ومجموعات النكهات واستراتيجيات التسويق حتى ينجح في أعماله. وبالتالي، يجب على كلا الأفراد تنمية مهاراتهم واكتساب المعرفة من أجل التفوق في المساعي التي اختاروها.

علاوة على ذلك، يعتمد أفلاطون وبائع الفشار على المجتمع الأكبر لتحقيق نجاحهما. تأثر تأثير أفلاطون وإرثه إلى حد كبير من خلال نشر أفكاره واستقبالها بين سكان أثينا القديمة وخارجها. وبالمثل، يعتمد فوال السبكي على رعاية ودعم العملاء للحفاظ على أعماله. ولذلك يجب على كلا الأفراد الانخراط مع المجتمع الأوسع والاستجابة لاحتياجاته وتوقعاته.

بالإضافة إلى ذلك، يُظهر أفلاطون وفوال السبكي مستوى معينا من ريادة الأعمال والمخاطرة. غالبًا ما كانت مساعي أفلاطون الفلسفية تتحدى الحكمة التقليدية وتدفع حدود المعرفة. وبالمثل، يجب على فوال السبكي أن يتحمل مخاطر محسوبة من حيث التسعير، وتجربة النكهة، وتوسيع الأعمال. يجب أن يكون كلا الأفراد على استعداد للخروج من مناطق الراحة الخاصة بهم وتقبل عدم اليقين من أجل تحقيق النجاح.

علاوة على ذلك، يتعرض كل من أفلاطون وبائع الفشار للنقد والأحكام. غالبًا ما قوبلت أفكار أفلاطون بالتشكيك والمعارضة من قبل معاصريه، ولا تزال أعماله تخضع لنقاش حاد من قبل العلماء اليوم. وبالمثل، قد يواجه فوال السبكي انتقادات من العملاء غير الراضين أو المنافسة من البائعين الآخرين. يجب أن يتعلم كلا الأفراد كيفية التعامل مع النقد وإجراء التعديلات بناءً على ردود الفعل من أجل التطور والنمو.

علاوة على ذلك، فإن أفلاطون وفوال السبكي كلاهما مدفوعان بشغف ما يفعلانه. كرّس أفلاطون حياته للدراسة والتأمل في طبيعة الحقيقة والعدالة والمجتمع المثالي. وبالمثل، قد يكون لدى فوال السبكي حب حقيقي لفنون الطهي ويفخر بتقديم تجربة لذيذة وممتعة للعملاء. يتغذى كلا الشخصين بدافع داخلي لمتابعة المسار الذي اختاراه وإحداث تأثير بطريقتهما الفريدة.

بالإضافة إلى ذلك، يتمتع كل من أفلاطون وفوال السبكي بمستوى معين من التأثير على الأشخاص الذين يتفاعلون معهم. كان لأفكار أفلاطون تأثير عميق ودائم على الفلسفة الغربية، حيث شكلت تفكير عدد لا يحصى من الأفراد عبر التاريخ. وبالمثل، قد يخلق بائع الفشار تجربة إيجابية للعملاء، مما يترك انطباعا دائما يمكن أن يؤثر على مزاجهم ورضاهم العام. وبهذه الطريقة، يمكن لكلا الأفراد التأثير على أفكار وتجارب من حولهم وتشكيلها.

على الرغم من الاختلافات الواضحة بين أفلاطون وفوال السبكي، إلا أن هناك عدة صفات وأوجه تشابه تربطهما، خاصة في الأوقات المضطربة. يلبي كلا الفردين احتياجات الآخرين، ويتأثران بالسياق الخاص بهما، ويتطلبان مهارة وخبرة، ويعتمدان على المجتمع، ويظهران ريادة الأعمال، ويواجهان النقد، ويتحركان بالعاطفة، ويمتلكان التأثير. ومن خلال الاعتراف بهذه الخصائص المشتركة، يمكننا أن نقدر الطرق المتنوعة التي يساهم بها الأفراد في المجتمع، سواء كان ذلك من خلال المساعي الفكرية أو المساعي اليومية. عفوا سليمان العيسى في ديرتنا أفلاطون وفوال السبكي أنداد ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

في 28 سبتمبر 1995 تم التوقيع الرسمي على ما يسمى " اتفاقية أوسلو" بين الزعيم الراحل ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية، واسحاق رابين رئيس الكيان الإسرائيلي. جرى وصف الاتفاقية بالمحورية المركبة في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، تتحدث عن تأسيس حكومة ذاتية انتقالية  فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات تؤدي إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية .

كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد كشفت في 15 نوفمبر 1988 خلال انعقاد الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عن وثيقة " اعلان استقلال دولة فلسطين"

المفارقة الأولى أن بين الحدثين قرابة 7 سنوات، وأنه تم أولا الإعلان عن استقلال " الدولة " بكل ما تحمله الكلمة من معني، أي المفروض بكل ما يجب أن يتعلق بها من المقومات الأساسية: الشعب، الأرض الإقليمية والسلطة السياسية، ولكن ما حدث أنه جرى لاحقا تحديد المواقع الجغرافية لحدود الدولة  " الإقليم " في الضفة الغربية وقطاع غزة وكانا منطقتين متباعدتين لا تمثل مساحتهما مع  (ذات اللون الأخضر بالخريطة المرفقة) سوي 22% من مساحة فلسطين التاريخية. أي أنه تم وضع العربة قبل الحصان.3270 فلسطين

المفارقة الثانية، أنه تأسيسا على التباعد الجغرافي بين الضفة والقطاع سمح الوضع بحدوث تباعد آخر اقتصادي واجتماعي ووجداني ثم  جفاء سياسي تطور إلى استقطاب يهدد الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني من خلال اختلاق انتماءات تضع نوايا كل طرف في دائرة الشك لدى الطرف الآخر، وعليه تشكلت فعلا سلطتين، وحركتين مسلحتين: حركة " فتح " من التيار الوطني في الضفة الغربية تعترف بحق اسرائيل في الوجود بالأراضي التي احتلتها بعد حرب 1967 وحركة " حماس" في قطاع غزة من التيار السياسي الإسلامي المسلح المقاوم للاحتلال الصهيوني، وعليه تفتت وحدة المقاومة الفلسطينية المسلحة .

المفارقة الثالثة، أن الظرف الحالي يشير إلى اختلال كبير في واقع العلاقات بين طرف يفرض وجوده بالاحتلال العسكري الغاشم على كامل الأرض الفلسطينية، والطرف الفلسطيني الذي جرى اغتصاب أراضيه، ولكن ليست هذه هي المشكلة، إذ أن أراضي الدولة الفلسطينية محتواة بالكامل في مجموع أراضي الكيان الصهيوني جغرافيا، وأنه لا وجود لحدود دولية للأراضي الفلسطينية مع دول الجوار سوى إطلالة بحرية محدودة على البحر المتوسط بطول 41 كلم. وحدود مشتركة مع سيناء المصرية غربا بطول 11 كلم .  إن العمل النضالي المسلح الكبير الذي تخوضه عناصر المقاومة الفلسطينية في حركة " حماس " لمدة تقارب أربع أشهر بقى في دائرة الأخبار المثيرة الجديرة بالمتابعة بالنسبة للفلسطينيين البعيدين في الضفة الغربية، حتى شملتهم الأطماع التوسعية للكيان المحتل وامتدت إليهم يد القتل والتخريب والهدم والتدمير في عدة مدن بالضفة الغربية .

لقد أثر التباعد العمدي الجغرافي بين الضفة والقطاع في إمكانية إظهار تضامن أبناء الشعب الواحد في كلا من الضفة والقطاع وقوة ترابطهم وذلك لخطورة التنقل البري وصعوبة التواصل بينهما بعد تدمير البنية الأساسية في غزة ، والمؤلم في هذا الواقع أنه لم يتمكن أي طرف في الضفة من نجدة أهالي غزة مباشرة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية ...

الأمرالأكيد أن الكيان المحتل قد ضاق بوجود الشعب الفلسطيني على قيد الحياة بالقرب منه،ويرى أنه قد حان وقت تهجيره من أراضيه بالقوة المسلحة من الضفة الغربية نحو الأراضي الأردنية، ومن قطاع غزة نحو صحراء سيناء المصرية وفي هذا التشتت الواسع بلاء عظيم. إن مثل هذه الأطماع لا تتشكل في حينها ولا تنشأ فجأة من فراغ ولكنها نتيجة سيناريو خبيث محكم وكذبة كبرى حوّلت الأراضي الفلسطينية من أراضي محتلة منذ عام 1948 إلى أراضي مختلة جغرافيا وديموغرافيا باتفاقيات رسمية، والضحية هو الشعب الفلسطيني .

***

صبحة بغورة

 

تكونت الحكومات العراقية المتتالية بعد سقوط النظام السابق بوسـط مشكلات بنيوية أساسية، وفــي وسط بيئــة داخلية وخارجية مضطربــة، أهمها الاعتماد على المحاصصة في تولية الإدارات وتوزيع مناصبها، التــي نخرت هيــكل النظــام ومبانيــه وتفاعلاتــه، مـن خـلال اقتسـام السـلطة وفـق أسس طائفية-عرقيـة، تفاهـم بيـن النخـب الحاكمة يلزمهم باحتكار السـلطة، ممـا جعـل النظـام يخضع إلـى الوجـوه نفسـها، ليكـون ً نظـام بعيد عن الديمقراطية التي يتشدق بها النخب في خطاباتهم، وعدم وجـود الاسـس الديمقراطيـة التــي يرتكز عليها كما رافــق ذلــك علاقة اعتماد متبــادل، ضمـن معادلــة فساد" دخلت مفردة “المافيا” في قاموس بعض القيادات السياسية الحاكمة، خاصة من يعتقدون أنهم في حالة تنافس وصراع من أجل السلطة داخل المكوّن الطائفي ذاته"  "و فاقوا أقرانهم في كل مكان وزمان، إذ أنهم اليوم يتصدرون المشاهد كافة أهمها المشهد السياسي فيظهرون بصورة “المقاومين للاحتلال الأميركي” و”المحاربين للإرهاب” ويتولون أرفع المناصب الحكومية"- ودور التخــادم القائــم علــى أسـاس المحسـوبية، والخضـوع والتبعيـة بيـن الرعـاة والعمـاء مقابـل الفوائـد التي سيحصلون عليها، لتشيد المناصرين لهرمية النفوذ السياسي والمالـي، والمقايضة خدمــة مصالــح أصحــاب النفــوذ والســلطة، وتسخير مـوارد الدولـة للخدمـات الشـخصية والحزبيـة، ويتيـح لهــا تعبئــة أنصارهــا للتصــدي ألي خطــر قــد يهــدد مكانتهــا، وليعرقــل ذلــك مؤسســات الدولــة مــن أداء مهامهــا بمهنيــة وحياديــة، وســيطرة انعــدام التماثــل والتكافــؤ. لـم ينعكـس ذلـك، علـى السـلطة التنفيذيـة فحسـب، بـل تلـك المحاصصة-العملائية انعكسـت علـى أداء السـلطة التشـريعية، لتقـود إلـى عـدم إدراك البرلمانييـن للفصـل بيـن السـلطات وتدخلهم فـي عمل السـلطة التنفيذية، مما ولـد عمليـة ضغـط قصوى ضمـن مفهـوم المحاصصة علـى السـلطة التنفيذيـة بمـا يحقـق المصالـح الحزبيـة أو الفئويـة، وهـذا أفقـد البرلمـان قدرتـه علـى ممارسـة دوره الرقابــي الســليم علــى أداء الحكومــة العراقيــة، لتداخــل المصالــح الشــخصية بيــن الســلطتين، لاســيما علــى صعيــد المحاسبة والمســاءلة التــي خضعــت للتفاهمـات بيـن القـوى السياسـية أو التقاطـع السياسـي المحـض علـى حسـاب المصلحـة العامـة على الاغلب العام ، ومـا قضايـا سـحب الثقـة مـن بعـض الـوزراء الى مشــهد مــن مشــاهد تقاطــع المصالـح بيــن الكتــل، والتي فقدت مزاياها في حكومة السوداني 1 كذلكـ قـاد ذلـك إلى أكثـر منهـم مصلحـة عليـا وطنيـة. سـن البرلمـان قوانيـن تتعارض أو الاتتفـق وتنسـجم مـع الدسـتور العراقـي، مثـل قانـون الموازنـة، وحصـة كردسـتان فيـه، وتحكمهـا فـي الـواردات النفطيـة علـى حســاب الحكومــة الاتحاديــة بــأن يذهـب 250 ألف برميـل كقيمـة فـي حيـن الدسـتور ينـص علـى توزيـع الـواردات في النصوص السابقة للميزانية العام للبلاد،عكس ما هو في الدستور بـان النفـط والغـاز ملـك لكل العراقيين.

عاشت السياسة الخارجية السياسة الخارجية العراقية قبل عام 2003 بواقع أكثر تعقيداً وتأزماً فمنذ الحرب العراقية- الإيرانية في عام 1980 والعراق على حافة التدويل في مجمل شؤونه إلى أن جاءت الضربة القاصمة بعد احتلال الكويت، إذ كان القرار السياسي الخارجي يخضع كلياً لرؤية الحاكم الفرد رئيس الجمهورية، والأداء الدبلوماسي العراقي لم يكن يرتكز على خطط وصياغات استراتيجية للأهداف والوسائل، كما لم تحسب القدرات الحقيقية للعراق في صراعه مع القوى الإقليمية والدولية مما جعل حروب العراق تمثل انتكاسة للسياسة الخارجية العراقية.

وما تلى ذلك بعد عام 2003 فان السياسـة العراقيــة عمومـاً ومـن ثــم السياســة الخارجيــة عانـت ومــاتزال مـن الكثيـر مـن القيــود فـي الوقـت الــراهن داخليـاً وخارجيـاً، وفـي الوقـت نفسـه أمامهـا الكثيـر مـن الفـرص أن هـي اسـتغلت الامكانيـات المتاحــة لعمل دبلوماسي فاعل، بعيداً عن شعارات التوازن في سياسة العراق الخارجية والابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية، التي باتت شعارات مستهلَكة تكررها جميع الحكومات في برنامجها الوزاري وفي خطابها السياسي الخارجي والتي نعرف لحدّ الآن، إلى أين تتجه بوصلتها... رغم كل تلك اللقاءات والزيارات والقمم المتبادلة، التي كانت عناوينها الشراكة والتعاون وصور لاجتماعات وتوقيع اتفاقيات، لكننا لحدّ الآن لم نقطف ثمارها. ولعلّ السؤال هنا هو هل ستبقى تلك المؤتمرات واللقاءات الدبلوماسية مجرد دعاية لِلحكومات العراقية المتعاقبة التي تعدها إنجازاً لها في السياسة الخارجية؟ اوعلى الأقل يجد جوازَ سفره مقبولاً ومرحباً به في الدول التي تتفاخر الحكومات العراقية بنجاح زياراتها لها، ويبقى المواطن العراقي ينتظر ويترقّب عسى ولعلّ أن يقطف ثمار تلك الاتفاقات في تحسين واقعها الخدمي والاقتصادي.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

هل شاهدت مثلي مقطع فيديو يظهر ضابطاً في الجيش العراقي برتبة "مقدم" يقوم بصفع وضرب زميل برتبة "عقيد" يعلوه بالرتبة مما حدا به للبكاء؟، الفيديو تسبب بجدل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، البعض قال إن الفيديو مجرد مزحة وتمثيل من قبل الضابطين العراقيين، فيما أكد آخرون أنه اعتداء حقيقي من ضابط على زميله..

وقد حظي الفيديو بآلاف التعليقات كلها تؤكد أن هذا المقطع يسيء لسمعة الجيش العراقي. ربما يسخر البعض مني ويقول يارجل لماذا تلف وتدور، وتحاول أن تجعل من "الحبة كبة" كما يقولون في الأمثال؟ وحتماً البعض سيسخر من "جنابي" ويهز يده ساخراً وهو يقول: تترك مشاكل البلاد والمؤامرة الإمبريالية التي تريد أن تجهض تجربتنا الديمقراطية في بيع المناصب، ووصول عالية نصيف الى المريخ، وقبل أن اُتهم بالبطر اسمحوا لي أن أقول منذ سنوات تكررت في هذه البلاد ظاهرة لا وجود لها في الامم التي تحترم جيوشها، تتلخص في محاولة البعض أن يهين الجيش ويطمس دوره في كل شيء، وفي كل مرة تغيب صورة الجندي العراقي فيما يصر البعض على أن يجعل من الجيش الرقم الثاني في حسابات البلاد. وشاهدنا من يقول ان الجيش يجب ان تبقى مهمته الاستعراض، وعشنا مع مشاهد تم فيها مطاردة كل من ينتمي لهذا الجيش.

عندما كنا في هذا المكان ننتقد أداء الجيش ونطالب بالحفاظ على قيمه، فهذا لأننا نريد جيشاً وطنياً يكون للعراق والعراقيين جميعاً بعيداً عن الانتماءات الحزبية، لا جيشاً يدافع عن فشل فلان ويهتف باسم علان، ويأخذ التحية لقادة فاشلين من الذين ظلوا يهزجون بشعارات دعم القوات الأمنية طالما هي تتركهم يفعلون في البلاد ما يشاؤون.. كنا ننتقد الجيش لأننا ندرك جيداً خطورة أن يتورط في لعبة السياسة، فيصير طرفاً في معارك يمكن أن تُحل بلغة الحوار لا بلغة الحروب.

اليوم وغداً سنرفع شعار "حافظوا على الجيش العراقي من أذناب الفاشلين، ومن السياسيين الفاشلين الذين يحلمون أن تكون هذه القوات مجرد هامش في هذه البلاد، حافظوا على الجيش من الذين يصرون على ان وجوده زائد

اليوم من حقنا أن نطالب بأن يكون للجيش الدور المحوري في هذه البلاد، وأن لا نسمح بأن يخرج علينا شخص يطالب بالقصاص من الجيش، في مثل هذه اللحظات علينا جميعاً أن ندرك، أن بناء البلدان لا يتم بتهديم مؤسسات الدولة، ولا بسيطرة مجموعة على مقدرات الوطن.

في التعليقات التي كتبت على الفديو المسيء كان النقاش يدور حول: هل نحن نحتاج إلى جيش وطني أم جيوش طوائف؟ ربما نحن البلد الوحيد الذي يفرح فيه المواطن وهو يشاهد قنوات فضائية تسخر من قواته المسلحة.

***

علي حسين

 

أخيراً استعادت بغداد ترميم ذاكرتها، مدينة سكنية باسم الجواهري، ومكتبة تضم تراث نازك الملائكة ومقتنياتها الشخصية وكتبها ودفاترها، فيما الوزيرية تتباهى بإطلاق اسم فائق حسن على أحد مجسراتها. أشهر فنانيها وأشهر عشاقها وأشهر معالمها الثقافية. الفنان الذي أوصى أن يُذر رماده فوق نهر جلة، فيما نجد اليوم سياسيين ومسؤولين ونجوم فضائيات يتباهون بأن حبهم لبلدان الجوار يتقدم على العراق.

هذه البلاد التي يريد فيها جبار المعموري أن يزوّر التاريخ لمصلحته، ويرفع نجاح محمد علي اصبعه مهددا ومتوعدا، أنجبت الجواهري والرصافي والسياب وجواد سليم وعبد الله كوران وكوركيس عواد وعلي الوردي وطه باقر وجواد علي وهادي العلوي وسانحة زكي والكرملي وعاتكة الخزرجي والعلامة محمد رضا الشبيبي.. مصابيح للوطنية، لم يكن أحد منهم جزءاً من لعبة دول الجوار، صنعوا بإخلاصهم وتفانيهم تاريخاً زاهراً لهذه البلاد، ومثلما لا يمكن أن تتخيل روما من دون دافينشي وهولندا من دون رامبرانت، وإسبانيا من دون بيكاسو، وروسيا من دون شاغال، فإننا لا يمكن أن نتخيل بغداد من دون جدارية فائق حسن حيث فيها تطير الحمامات.. وفيها يقول العراقي: إننا سنبني المدينة ".

أعاد إلينا اسم فائق حسن سيرة مدينة بغداد التي غنى فيها محمد القبانجي بصوته الساحر:" دوما أنادي تحيا بلادي.. أنا المغني بنغمة شرقية.. أنا العراقي نفسي أبية". بغداد التي تعبق بألوان جواد سليم وعطا صبري وفرج عبو وحافظ الدروبي، وليلى العطار، المدينة التي أراد لها جيل فائق حسن أن تزهو بألوان الفرح، ولم يكن يدور بخلده يوماً أن يُصر البعض على أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا.

عاش فائق حسن مغرماً بما يرسم، يعتقد أن الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات زائفة، ولا يحرس استقراره ساسة يسرقونه في وضح النهار، عاش أسيراً للعراق لذي عشقه، متنقلاً في مدنه، يوثق لحظات الفرح والحزن. لم يكن فائق يُدرك أنه سيوحد العراقيين في لحظة عصيبة من تاريخهم وهم يقرأون اسمه أمس في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن عيونهم ستدمع وهم يسمعون أن اسمه سيزين واحدا من  أجمل احياء مدينتهم.

مات فائق حسن قبل أكثر من 30 عاماً بعد أن أثقلت حياته الأفراح والمسرات، اختبأ وراء جدران الفن، لكن جداريته ظلت تطل علينا كل يوم توزع الآمال وتحيي الشجن في القلوب والعيون.

نكتب عن فائق حسن ونبحث معه عن الذين صنعوا لنا الفرح، لأن امثال المعموري ونجاح لا يجلبون لنا سوى الهم الغم.

***

علي حسين

 

لا ندرك عظم لقائنا الأول مع الله إلا بعد عمر كونه أول لبنة في بناء عال التشييد، نقطع بعده مسير طويل في عملية السعي نحوه هو أفضل المعارف وأرقى المعلومات.

يقول مالك بن دينار: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قال: معرفة الله ومحبته.

فالعمر يستحق ذلك الطيب.. والمحروم من لم يعرف الله حق المعرفة.. والمسكين حقا من غابت عن ذهنه أن معرفة الله هي أصل وجوده ومنبع حضوره...والفقير من اعتز بما عنده ولم يعش لحظات الذل أمام ربه.. والعارف هو الذي اقترب من ربه في سجدة أو دعاء أو صلاة أو لحظات تأمل.

ولن يُدرك ما سبق من حقيقة ولن يسعى الفرد لإفناء الحياة من أجل الوصول إليها إلا إذا كانت أولى الخطوات صحيحة تبعها جهد مستمر يُساهم به المقربون، فعلى قدر الهمة يكون السعي والبذل نحو تحقيق ذلك الهدف بعيد المدى، وكلما كانت المداخل صحيحة فإن آثارها جلية في استقامة الأقوال والأفكار والأفعال عبر سنوات العمر.

إن كل المداخل المستعان بها لتعريف العابرين لهذا العالم حسنة وأساسية لكنها بحاجة لاستكمال ومتابعة وصبر لا تتعمق بمرور الوقت بحيث تكاد فقط تلامس القشور، لذا فإنها لا تٌتابع إلا عند القلة القليلة وليس الكل بأصحاب النفس الطويل القادر على تخطي كل المطبات والعقبات.

فالأمر قد يكون طبيعي أن يُترك البعض للتصورات عن الله بدون قيادة أو إدارة تعمل على استمرارية بث الوعي وقيادتهم نحو عوالم المعرفة بالله وتتابعهم كي يصلوا إلى الدرب الصحيح.

وبعض هذه التصورات أُسست من مصادر بعضها لا يكون صحيح فيحدث الإنفلات ويحدث كذلك الإنحدار نحو طريق فاسد.

يأتي دور الوالدين من أجل تغذية الأبناء على الصفات الجليلة التي تُقربهم من الله عزوجل فهو القريب، السميع، الودود، اللطيف، الكريم، الرحمن، الرحيم، النافع.

وضرورة تبيان بعض الصفات الأخرى بمرحلة قادمة وطرح قضية النار فيما بعد، والأبن والأبنة بحاجة إلى الترغيب والتحبيب من جهة أخرى ومن جهة اخرى إلى الترهيب والتخويف.

وتأتي أهمية الترغيب بمحبة الخالق من خلال أقوال الوالدين ووصفهم له وربط الأفعال به التي لابد أن تصب نحو التحبيب فيه وتقديره وتقديسه، فالإنسان مهما كان عمره ووضعه فهو مأسور بمن يحب ويأمل دوما بكسب رضاه وتقوية العلاقة معه باستمرار فكيف إذا كان أحد طرفي العلاقة هو الله. 

وهنا نستذكر مقولة تتردد: " من تربى في صغره على حب الله لا يمكن بأية حال أن ينقلب على عقبيه مهما واجهته الدنيا بالمغريات والتحديات".

ونأتي لمدخل آخر يعين ويساند عبر الزمن فعادة التأمل والتفكر في مخلوقات الله من أنجع الوسائل لتوسيع المدارك وتعميق الارتباط وبتكرارها لها بالغ الأثر، فربنا نجده في كل تأمل وعلى قدر الاقتراب والوقوف عميقا تأتي فتوحات الوصال.

ومهما عُرضت المداخل نحو الوصال بالله فهي متعددة تغذي الروح وتسمو بها وما على نفس الانسان إلا المجاهدة للأخذ بهذه المداخل وتنويعها والثبات عليها والتمسك بها وسيبقى المرء طوال مسارات الحياة ما بين شد وجذب وهبوط وصعود حتى نهاية حياته.

***

هيثم البوسعيدي

 

"يس يم يس"، " إلى الوراء در"، إلى الأمام سر"، والحقيقة أن واقعنا إستلطف المراوحة في ذات المكان، وآمن بأن الأرض لا تدور، ولابد من الإستكانة في بقعة زمنية ما وعدم مبارحتها، لأنها صارت مقدسة، ومن الكفر القفز عليها وتجاوزها.

عالمنا المعاصر ورائي بإمتياز، لا يعرف ما حوله وما أمامه، بل الإندساس في حفرة التضليل والتدجيل والعيش في بئر الويلات والتداعيات المطلوبة للفوز بجنات النعيم.

والخرافة تؤسس لمناهج تفكيرنا وترسم رؤانا وتصوراتنا، وكأننا لا نزال في عصور ما قبل التأريخ، فما فينا لا يوحي بأننا أبناء زماننا ومكاننا، ولا نقترب من مفردات وتفاعلات القرن الحادي والعشرين، وما أسهل وأسرع تصديقنا وإيماننا بالخرافات، أما التفكير العلمي والقول المنطقي المعقول الموضوعي الأدلة والبراهين فهو عدونا الأكبر، ونتهم أصحابه بالجنون أو الخروج عن صراط الأمة، وسعيها الحثيث للتعبير عن إرادة رب العالمين.

الوصاية المعرفية تهيمن علينا، ولابد لنا أن نقيس ونسند الخرافة بخرافة قبلها، وأن يكون قولنا مرسلا مسهبا مبهما، ولا نريد القول الحصيف والكلام النقدي الدقيق الواعي الخالي من الإدعاءات الفارغة.

ونجد وسائل الإعلام والتواصل المعاصرة في ذروة نشرها ما يعزز التمسك بالخرافات والأضاليل، وتدجين الناس ورصفهم في ميادين القطيع، لتأمين إرادة السمع والطاعة، وعدم التساؤل والنظر بعقل متفحص جريئ، لأن الجرأة كفر وزندقة، وكل من إدّعى الدين لابد من تكليله بالقدسية، وأنه لا ينطق عن الهوى، فيمارس دين هواه، ونحن تبّع قبّع خدّع.

في عالمنا الخرافي هناك ثوابت مقدسة، ومسلمات مطلقة لا يجوز الإقتراب منها، بل علينا أن نؤمن بها، ولا نعترف بدوران الأرض وبالتغيير، فالنسبي ممنوع، وكل شيئ يبقى كما كان، ودعنا من أدعياء التفكير العلمي النقدي، فهم من المشاغبين المعادين لإعتصام الأمة بحبل الدين المتين.

فلا تأتي بأدلة وبراهين موضوعية فهي من البهتان، ولا تكن دقيقا وواضحا وعلميا، لأنك تخاطبنا بلسان الشيطان، وإياك أن تستحضر المعارف العلمية وتحاجج ذوي العاهات الإدراكية الغاطسين في ظلمات، كان وقال.

أيها المجرم والعدو الفتاك إبتعد عن صراط إستعبادنا للناس، فنحن أدرى بتجارتنا وتسويق بضائعنا، التي تدر علينا ما تشتهي نفوسنا المؤمنة، يا أيها المتأبلس الرجيم!!

***

د-صادق السامرائي

 

الدفاع الشرعى هو استعمال القوة لرد الباغى المعتدي، وكفه عن النفر والعرض والمال والوطن، وهو صورة خاصة من صور الضرورة التى تدفع صاحبها لاقتراف ماهو محرم، فالقتل حرام شرعاً ولكنه واجباً هنا، والشريعة تبيح الفعل فى هذا الموضع وتحتمه، وللغير أن يعاونه ويعاضده فى الدفاع عن نفسه وعرضه وماله ضد الصائل الذى يريد أن يأخذ ما ليس له عنوة، وينبغى أن يرد عدوان هذا الصائل أو المعتدي بالقدر الذى يكفى لدفع الإعتداء، ولا يترتب على كبح جماع المعتدي، والذب عن النفس والعرض عقوبة في الإسلام والقوانين الوضعية، إلا إذا تجاوز المعتدي عليه حدود المشروع حينها فقط يكون عرضة للإستجواب والمحاكمة، والدفاع الشرعي اصطلح الفقهاء على تسميته بدفع الصائل، والصائل هو الظالم المعتدي الذي يسطو على أموال وأعراض الغير بقصد القهر والإستعلاء، كما اصطلح الفقهاء على تسمية المعتدى عليه مصولاً عليه.

كما عرفه واضعي قانون العقوبات المصري بأنه:”إستعمال القوة اللازمة لصد خطر حال غير مشروع يهدد بألإيذاء حقاً يحميه القانون، وتنص المادة مائتان خمسه وأربعون من قانون العقوبات المصري على أنه:”لا عقوبة مطلقاً على من قتل غيره، أو أصابه بجراح، أو ضربه، أثناء إستعمال حق الدفاع الشرعي عن نفسه، أو عن نفس غيره.

والأصل في دفع الصائل قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾البقرة:194. وما أخرجه أبوداؤد وصححه الترمذى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد”، وما أخرجه البخاري في الحديث الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال:قال أبوالقاسم صلى الله عليه وسلم :”لو أن أمرأً أطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح”، “وكما أقرت الشريعة دفع الصائل لرد اعتدائه عن نفس الدافع أو عرضه أو ماله، كذلك أقرته لدفع الاعتداء عن نفس الغير أو عرضه أو ماله، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه البخاري أيضاً: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”.

وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن دفع الصائل واجب يفرضه الدين، وتقضتيه النخوه والشرف، فإذا تعرض رجل ألهبت الشهوة جسده المسعور لإمرأة كما يحدث الآن، ولم تجد تلك المرأة مناصاً لرده إلا بالقتل فلها ذلك، لأن التمكين منها أمر لا ترتضيه جوانب الأرض، وخوافق السماء، “فإنه يجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك، لأن التمكين منها محرم وفى ترك الدفع نوع تمكين منها للمتعدى” ومن قضاء عمر رضي الله عنه فى هذا الصدد ما رواه أحمد بن حنبل رحمه الله: أن رجلاً أضاف ناساً من هذيل، فراود أحدهم امرأة على نفسها فرمته بحجر فقتلته، فقال الفاروق عمر  (والله لا يودى أبداً)، فالخليفة العادل درء الحد عن المرأة لشبهة الدفاع الشرعي الذى كفله الشارع عزوجل، وكذلك شأن الرجل الذي يرى غيره يزنى بامرأة أو يحاول الزنا بها ولا يستطيع أن يدفعه عنها إلا بالقتل، فإنه يجب عليه أن يقتله إن أمكنه ذلك، وكذلك الصائل الذى يدخل داراً ليست بداره مشهراً سلاحه فعلى صاحب الدار أن يبدره بالقتل؛ وإذا توقع صاحب الدار من لص أنه سيعالجه، وكان توقعه مبنياً على أسباب معقولة، فليقتله ولا شئ عليه كما يرى عبدالقادر عودة صاحب كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي.

***

د. الطيب النقر

 

الغزاويون تجاوزوا المائة يوم من الحرب، الصهاينة وامريكا ومن والاهم يدكون القطاع بمختلف انواع الاسلحة، لم يسلم المدنيون في منازلهم وفي الطرقات التي يسلكونها طلبا للماء كما في دور اللجوء والمشافي والمعابد وكذلك مقرات الامم المتحدة لغوث اللاجئين.

أي نوع من البشر هؤلاء الذين يطاردون شعبا صغيرا اعزل من السلاح محاصر منذ ثلاثة عقود في مساحة لا تتعدى الـ360 كيلومتر مربع، وقد خذلهم ابناء عمومتهم، تركوهم لوحدهم يشقون طريقهم بصعوبة.

الشعوب العربية كانت تجمعها وحدة اللغة والدين فلم تقف الحواجز الطبيعية والسياسية في طريقهم، رغم قلة الامكانيات الا انها شاركت في حرب الــ1948 بفاعلية، حيث تطوع العديد من مختلف دولها منهم من استشهد وبعض الذين كتبت لهم الحياة اثروا البقاء بفلسطين والدول المجاورة .

في هذه الحرب البشعة المدمرة المتواصلة، فان الانظمة العربية بمجملها لم تحرك ساكنة، سمحت لرعاياها بتسيير مظاهرات خجولة كنوع من امتصاص غضبهم، سرعان ما خفتت، لان المواطن لم يقو على الايفاء بالأشياء الاساسية للعيش الكريم، وبالتالي نجده يتجه الى العمل لتامين حاجياته.

 طوفان الاقصى مع مرور الوقت يتمدد، بفعل القوى الحية من ابناء الامة العربية فاليمنيون لم يتوقفوا يوما لنصرة غزة، فاعلنوها حربا ضد الصهاينة ومن يقف معهم باستهداف سفنهم ليشمل البحر الاحمر وبحر العرب والمحيط الهندي.

 بلاد ما بين النهرين، حيث ان الفصائل العراقية وغالبيتها تحظى باعتراف الحكومة تستهدف القواعد والقوات الامريكية التي تتواجد بتشريع من الحكومة ولكن هل هناك لزوم لوجود هذه القوات بالعراق؟ العراق الطائفي الان من حقه ان يطالب برحيل الامريكان والقوى الغربية وبذلك تنتهي مشكلة وجودها بالعراق .

اما في الشأن السوري فبإمكان الحكومة السورية تشكيل مجموعات مسلحة لتهديد القوات الامريكية المتواجدة على اراضيها دون تفويض من الامم المتحدة وهي في هذه الحالة تعتبر احتلال وجبت مقاومتها ومن ثم التخلص من الامريكان والغرب .من جانبها المقاومة الاسلامية في لبنان اخذت على عاتقها توجيه ضربات دقيقة وفاعلة واشغال جزء من قوات العدو لئلا ينفرد بغزة وتخفيف وطأة الحرب عن سكان القطاع.

لقد استفادت الفصائل المسلحة من التكنولوجية الحديثة في مجالات التصنيع الحربي وحاولت الاعتماد على النفس فنجدها تقوم بتطوير الصواريخ الى مدايات مختلفة طالت العدو، كذلك تصنيع وتطوير الطيران المسيّر واثبتت جدواها. لقد حققت الفصائل تطورا علميا بإمكانيات محدودة ما لم تحققه الانظمة العربية التي تمتلك الاموال الطائلة، لكنها تفتقر الى الرؤية الوطنية ومقارعة الاعداء وتحقيق الاستقلال التام عمن كانوا سببا في تمزيق الامة وتشرذمها، وللأسف الشديد فان الانظمة العربية تسعى الى ارضاء مستعمريها لأجل البقاء في السلطة. الطوفان يتمدد ويحاصر الصهاينة من مختلف الجهات.

هنيئا للوطنيين في كافة بقاع بلداننا العربية حيث يقدمون كل ما من شانه استعادة كرامة امتهنت، ولن تضيع حقوقا وراءها مطالبين ايديهم على الزناد ويسعون الى الاستفادة من النهضة العلمية.

***

ميلاد عمر المزوغي

ادعت الحركة الصهيونية كما أشرنا في مقال سابق أن فلسطين التي أطلقت عليها "أرض إسرائيل" هي حق شرعي لليهود ،بحسب ادعائها أن هؤلاء أقاموا فيها ممالكهم وهياكلهم. لذلك فإن هذه الحركة تطرح أدلة استملاك للقدس خاصة وفلسطين عامة. فهي دائما ما تسعى لإبراز الرابطة اليهودية الدينية والقومية للأرض، وفي المقابل تسعى إلى التقليل من أهمية وقيمة الرابطة الإسلامية العربية التاريخية الدينية والقومية للقدس وفلسطين. بل وتتجاهل الرواية التاريخية العربية والفلسطينية، وهذا التجاهل إنما يتم عن فكر مقصود. ومن هنا نستطيع أن نفسر سبب ما حدث عام ١٩٤٨ من عمليات هدم وتدمير لقرى وبلدات فلسطينية بالكامل، وما حدث بحق المساجد والمواقع الدينية الأثرية الإسلامية على نحو خاص بهدف إخفاء المعالم التي من شأنها أن تفضح التجاهل المقصود الذي أشرنا إليه سابقا. وقد عمل أول رئيس لحكومة العدو وبصورة ممنهجة على محو كل ما كان قائما في فلسطين من شواهد عربية وخاصة الماضي الإسلامي.

وقد ظهر في تموز/٢٠٠٧ تحقيق صحفي في جريدة هآرتس العبرية أشير في سياقه إلى أن قيادة الجيش اليهودي اتبعت " سياسية مقصودة كانت تهدف إلى تدمير المساجد". وذلك في نطاق سياسة محو القرى العربية والتي بقيت فارغة إثر النكبة عام ١٩٤٨ ،وما رافقها من تطهير عرقي. وقد ذكر التحقيق أنه من بين ١٦٠ مسجدا كان قائما في القرى الفلسطينية لم يبقى سوى ٤٠ مسجدا، علما أن الأرقام الحقيقية التي دمرت أكبر بكثير. وعملية التدمير تلك عملية مقصودة.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ قام جيش دولة الاحتلال بتدمير نحو ١١٧ مسجدا بشكل كلي و٢٠٨ بشكل جزئي. والأرقام تزداد كلما زاد عمر الحرب وعمليات التدمير. ومن بين المساجد التي قامت طائرات الهمجية باستهدافها مساجد تاريخية مثل المسجد العمري الذي يعود إلى ١٤٠٠ سنة ،حيث يعد أقدم وأعرق مسجد في مدينة غزة. كما دمرت مسجد الخلفاء الراشدين ومسجد الشيخ شعبان وغيرها الكثير ،كل هذا ضمن عمليات مقصودة بهدف محو أي ماض ديني إسلامي في أرض فلسطين ومسح تاريخ وحضارة هذه الأرض بالإضافة إلى طمس الهوية الفلسطينية والعربية الإسلامية. ومن هنا فإن دولة الاحتلال لا تمارس التطهير على البشر وحسب بل تسعى إلى تطهير كل ما له علاقة بعروبة فلسطين.

***

بديعة النعيمي

أنا مؤمن بالله لكني لست شخصاً خائفاً.. الاستقامة لم يفرضها عليَّ الدين بل أنا اعتقد بأني مستقيم واحب الاشخاص ذوي الاستقامة ومؤمن بأن الاستقامة تلتقي مع العدالة وتجلب السعادة. لذلك احب دعوة الله للاستقامة (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)..

لماذا تم حشر الموضوع في نقطة ضيقة فيها الكثير من الايديولوجيا والسياسة؟.

الدين كما افهمه انا على الاقل، ليس ضد ان يكون الانسان يسارياً حتى يسارع ذوي النزعة اليسارية الى التبرأ منه والالتصاق بشعارات اليسار السطحي الذي لم يفهم حتى مقولة ماركس (الدين افيون الشعوب)..

الاستغلال البشع والحروب المدمرة الحديثة والعنصرية والاستغلال للشعوب الضعيفة ليس سببها الدين!

من يريد ان يتدين بناء على هرطقات واكاذيب بعض رجال الدين وليس بناء على فهمه العقلي للدين، فهذا ذنبه وليس ذنب الدين...

هنالك أنتقائية في اختيار النصوص الدينية لاغراض المحاججة فقط ولاثبات ان الدين هو سبب مصائب العالم..

نعم الشعوذة والاكاذيب الدينية وتحريف المعاني والمقاصد الالهية وتوظيف الدين لتبرير القتل والسرقة، نعم انها تساهم في تخريب الحياة والمجتمعات..

احد الاصدقاء كتب لي قائلا ان الدين يدعو لقتل الآخر !!

قلت له، ان القتلة والمجرمين لايحتاجون الى فتوى او نص ديني للقتل !! كبار القتلة في التاريخ لم يكونوا متدينين !! يوليوس قيصر والاسكندر الاكبر وهولاكو وتيمورلنك وهتلر وستالين الخ .. لم يعملوا بموجب فتوى دينية .

النظام الرأسمالي العلماني استعمل السلاح النووي لقتل المدنيين اضافة الى سلسلة طويلة من المجازر الفظيعة في كل القارات !!

نحن نتحدث عن المؤمن الخائف وغير الخائف، فلماذا حشرت نصوص مجتزئة لاعلاقة لها بسلوك الفرد المستقل ؟؟

مع الأسف بعض الاشخاص لديهم اصطفاف طبيعي وتلقائي مع كل من يسخر من الدين حتى لو كان كلامه تافهاً ومتهافتاً !!

بعض الاشخلص ذوي الميول اليسارية جعلوا هويتهم محاربة الدين والسخرية منه متناسين ان كونهم يساريين يرتب عليهم واجبات اعلى وأرقى من ذلك.

نسوا مهام واهداف العدالة والانسانية والانصاف ومناصرة الضعفاء ومحاربة الجشع والاستغلال، وتمسكوا بمعاداة الدين كهدف وحيد تقريباً..

اذا كان الفرد يعتقد انه يساري واراد الاعلان عن كونه مستقيماً، فهل سوف يجعله ذلك متخلفاً في نظر التقدميين الملحدين؟؟

بعض المفكرين يعتقدون ان فكرة التديّن خاطئة ولااساس لها. الفرد مطلوب منه الالتزام بحدود معينة من الطقوس وعليه العمل باستقامة، فقط!!

لايوجد شيء اسمه فلان متديّن وفلان غير متديّن. هنالك  مؤمن وغير مؤمن..

البعض عندما يتناول قضايا الدين، فانه يتعامل معها كمن يدخل الى متجر ويبحث عن عيوب في السلعة لكي يبرر عدم شرائها...

انتقاء النصوص عند النظر الى اي عقيدة او منهج غير مفيد وغير بنّاء . لايجوز ذلك عند النظر في شؤون الدين او في النظرية الماركسية او الفكر الرأسمالي الخ..

تستطيع انتقاء واعادة تجميع مجموعة من النصوص لكي تصنع منها استنتاجاً تافهاً يحط من قيمة تلك النظرية او المنهج.

***

د.صلاح حزام

 

ما أفظع أن تسيء الأم وهي تعتقد أنها تحسن صنعا، وما أشد وبال نتاج عملها السيئ عندما يتجاوز حدود عالمها الخاص وحياتها العائلية إلى حياة أمة بكاملها.

إنها " أغريبينا"  والدة خامس وآخر إمبراطور روماني من السلالة اليوليوكلودية، نيرون (37 ـ 68 بعد الميلاد ) أوصلته أمه التي كبرت وهي تعتقد بأن القتل سلوك طبيعي لتولي حكم الإمبراطورية الرومانية وهو في سن 16 من عمره، فبعد وفاة والده وهو في سن الثالثة كفله خاله كاليغولا ذو النزعة العدوانية الشديدة الذي لم يجد يوما شيئا أسهل من القتل، ثم تمكنت الجميلة أغريبينا من إغواء الإمبراطور كلاوديوس لتتزوج منه بالرغم من أنه خالها، كانت امرأة راغبة لتخطي أي حاجز للحصول على أكبر نفوذ لترضي شغفها بالوصول إلى السلطة وتعطشها للحكم، كان دربها إلى السلطة من خلال ابنها نيرون فضغطت على كلاوديوس لتبني ابنها ويجعله وريثا له على العرش بديلا عن ابنه برتانيكوس .

بدأ نيرون حكمه بفترة من الإصلاحات متأثرا بمعلمه الفيلسوف والمصلح الروماني سينيكا أحد تلاميذ أفلاطون، ولكن سرعان ما انقلب حكمه إلى كابوس رهيب بعدما انغمس في اللهو . سيطرت عليه رغبة أن يكون مغنيا وعازفا للقيثارة وسائق عربة حربية، بذخه وحبه للعطور جعل مقربيه يمطرون سقف الدعوات برذاذ من العطور والزهور.

علمته أمه فن المؤامرات ودربته على القتل لأنها تعلم أن وصول الأباطرة إلى عرش روما كان يتحقق غالبا عن طريق الاغتيالات السياسية وهي السمة الأساسية للحكم في روما لذلك كثرت في عهد نيرون المؤامرات والاغتيالات السياسية التي كانت من تدبيره، ثم امتدت نزعته العدوانية فقتل برتانيكوس حتى لا ينازعه على العرش ثم أمر بقتل زوجته أوكتافيا لمجرد أنها لاحظت سقوط الصولجان من يده خلال أدائه مسرحية، ومن بعدها لم يتجرأ أحد من العاملين في قصره أن يعيب عليه أي عمل. تزوج نيرون من بوبايا اليهودية التي أوقعته في حبائل المرابين الأشرار وانحدرت شخصيته إلى الدرك الأسفل من السفالة و اللؤم وأخذت أعماله طابعا انتقاميا وأشكالا عدوانية علنية محطما كل شيء صالح وأنغمس أكثر في شهواته ونزواته الغريبة ولم يتردد في قتل أمه بسبب توبيخها له على عدوانيته،نطقت أغريبينا الصغرى عندما رأت الحرس قادمين إليها بكلمات شهيرة وقالت " اطعنوني في البطن، هذا البطن الذي حمل هذا الوحش"  نظر نيرون لجثة والدته وقال "لم أكن أعلم أنني أملك أما جميلة".. ومن حينها فقد معلمه سينيكا كل تأثير كان له عليه، وكره نيرون من جانبه كثرة توبيخه له على زواجه من بوباياسبينا التي كانت تحسب على العبيد فخضع لطلب المرابين بإسكات معلمه سينيكا إلى الأبد خوفا من تأثير شعبيته الكبيرة عليهم، وهكذا أمر نيرون سينيكا أن ينهي حياته بنفسه .

ظلت السنوات التالية تزيده عنفا وصار منطق القتل عنده يخضع لإرادة التخلص من كل شخص يمكن أن يمارس عليه نفوذا وهكذا كان قد تخلص من معظم من لهم صلة قربى به وهو في سن الثانية و العشرين من عمره .

كانت من أشهر جرائمه على الإطلاق حريق روما الشهير سنة64 م.حيث انتشرت النيران في البيوت الخشبية المتلاصقة لمدة أسبوع وبينما كانت ألسنة النيران تتصاعد والأجساد تحترق كان نيرون جالسا في برج مرتفع يتسلى بمناظر الحريق ماسكا آلة طرب يغني أشعار هوميروس على وقع صراخ الضحايا" طرواده تحترق" هلك الآلاف من سكان روما واحترقت نصف مساكنها، اتجهت أصابع الشعب والسياسيين تشير إليه بأنه المتسبب في هذا الحريق ولما تزايدت كراهية الشعب له اهتدى إلى إلصاق التهمة للمسيحيين فألهى الشعب وراء مطاردتهم والقبض عليهم واضطهادهم وسفك دمائهم وتقديمهم للوحوش الكاسرة وحرقهم بالنيران أمام أهل روما وأصبح من مؤهلات الولاة في الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين لإشباع رغبة الجماهير في رؤية الدماء على مدى أربع سنوات .. وقد كان من ضحاياه الرسولان بولس و بطرس اللذان قتلا عام 68 م. ثم قتل زوجته الثانية بوبايا ركلا بالأقدام وهي حامل منه،ولما سادت في الإمبراطورية الرومانية الفوضى والجريمة أعلن مجلس الشيوخ أن نيرون أصبح عدو الشعب، حينها قرر نيرون الموت منتحرا  بشكل مأسوي عام 68 م غرز الخنجر في عنقه وهو يردد نشيد العنف الأخير " قرينتي و أمي و أبي قد دفعوا بي إلى حتفي، ياله من فنان عظيم يلقى حتفه .." مات نيرون مخلفا وراءه حالة من الإفلاس نتيجة بذخه الشديد والفوضى جراء كثرة الحروب الأهلية .

لقد مات من عشق نفسه ورغب أن يحبه الناس فترك لعنة الذكرى لإمبراطور اختلف الرأي حوله بين قاتل مضطرب عقليا،وبين قاتل للمنفعة الشخصية، وفي الحالتين أخذ نيرون مكانة على رأس قائمة أسوأ مستبد في العالم يصفه التاريخ بالشيطان على أرضه الذي توج عنفه بحق نفسه كما توجت أمه عشقها للحكم و السلطة من خلاله بمقتلها على يديه، كان نيرون مثالا للطاغية التي عرفها أفلاطون بالشخصية التافهة التي تخلط بين الحق والقانون و المصالح الخاصة، وبين المتعة الشخصية و المصلحة العامة،كما تنطبق على نيرون نظرة الفيلسوف أرسطو إلى الطاغية باعتباره يمارس السلطة بلا مسؤولية أخلاقية ويتحكم بمصائر الناس من أجل مصلحته الخاصة وليس لمصلحة المحكومين .

ولكن أليس من التناول الموضوعي الاعتراف بأن نيرون قد سيق إلى قدره مبكرا دون إرادة منه ودون أن يستعد له ودون أن يتم تأهيله نفسيا لتقبل ثقل مسؤولية إمبراطورية بحجم روما وهو في سن السادسة عشر.. ؟ يمكن القول أن نمو الطفل نيرون قد تشكل وعيه بقوى عديدة ومعقدة ومن أهم هذه القوى التي شكلته  ضعف الإرشاد الأبوي وانعدامه عمن جانب الأم، وعدم تواجد المحبة في محيطه الأسري والعائلي، وغلبة المعتقدات المتعلقة بسيادة مفهوم القوة، وسوء نموذج القدوة ممثلا في أمه و خاله. إن كل واحدة من هذه القوى تؤثر في خيارات الفرد وتدفعه للعمل أو التصرف وفق طبيعتها التي تؤدي في النهاية إلى إنتاج الشر، والحقيقة يصعب القول أن أي واحدة من هذه القوى المؤثرة في الفرد هي بذرة شريرة بطبيعتها ولكن في ظل توليفة من هذه المؤثرات مال نيرون للشر انطلاقا من خيار تم اتخاذه من قبل الوعي على افتراض أنها خير، فحكم روما حلما جميلا ولكن عقيدة العنف في أسرته كانت قوية التأثير إلى درجة إنها حالت دون تمتعه بحرية الاختيار، لقد عاش نيرون وهما كبيرا باعتقاده في ازدواجية الحقيقة أي بأنه يوجد وجود منفصل سواء للخير أو للشر، أي أنه اعتقد أن للشر قوة خاصة به ووجود مستقل لفرض إرادته المبنية على دوافع أصلية كانت وراء قرارات اتخذها باعتبارها الأفضل في أوضاعها .إنها عقيدة وجدت لها صدى أقوى مما كانت عليه  لدى نيرون بعدما مهدت زوجته اليهودية بوبايا أعماق نفسه ودخيلة قلبه لتلقى رسائل الشر والجريمة، وهو نفسه السلوك اليهودي الممتد إلى اليوم في غزة، حيث اضطراب الشخصية والإفراط في القتل غير المبرر والهدم والتدمير كأسلوب عقاب جماعي الذي يمثل في حقيقته سلوكا أصيلا  لنزعة الشر والسفالة .

***

صبحة بغورة

 

الاعلام منبر حر ووسيلة لنقل الاخبار والحوادث اليومية وعلى مدار الساعة بكل حيادية ومصداقية على أن يكون مؤتمنا"عليه دون تزييف أو تحريف أو إضافة أو نقصان لإيصال الصورة الحقيقية كما هي وللاعلام عناصر لابد من الانتباه لها وهي المرسل وتعني الوسيلة التي يمكن من خلالها إيصال رسالته والرسالة تعني مضمون رسالته التي يريد ايصالها للناس والمستقبل هو كل من يستقبل الرسالة سواءكان جاهلا"أو عالما" وخاصة بعد توسع العمل في الفضائيات وانتشار وسائل التواصل الإجتماعي والتي هي في متناول اليد بسهولة لكن للأسف لا يصل من حقيقة الحدث الأ ما ندر لغاية في نفس يعقوب قضاها او لمصلحة مفادها تشويه الحقائق نتيجة بيع الضمير أولا "مقابل حفنة من الدولارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع ولا يحصد صناع الخبر الا الخزي والعار وتأنيب الضمير اذا كان لديه ضمير حي والا فلا عتب عليهم .

وكثيرة تلك التي نسمعها ونراها على شاشات التلفاز وعبر الفضائيات المأجورة لطمس الحقيقة وإظهار الجانب المظلم حيث لايمكن تغطية الشمس بغربال مهما حاول المندسين اخفاءها الا وظهرت جلية في جوانبها المشرقة لتفضحهم وكما يقال حبل الكذب قصير ويقال اكذب ثم اكذب حتى تصدق نفسك ثم اكذب حتى يصدقك الناس.

ومن أخلاقيات الاعلامي ان يكون صادقا"مع نفسه أولا"ومع الله والناس ثانيا"ولا يخضع للضغوطات السياسية وتحت أية مسميات كانت ولا يتاجر بقضية على حساب قضية أخرى ولا يخضع للإملاءات الخارجية ولا يرضخ لبيع ضميره الحي من أجل المادة او الشهرة التي يلهث وراءها الكثير وان يكون مستقلا" حرا"بأفكاره وطروحاته حتى يكون مقبولا"لدى الشارع ويضفي عليها جوانب من شخصيته بعيدا"عن كل المؤثرات الجانبية لكي يصل إلى ضمائر الناس ويتفاعلوا معه بإيجابية ويحقق الهدف الذي من أجله دخل مجال الإعلام الحر.

***

حسن شنكالي

الحرس الثوري الإيراني يستعرض عضلاته من جديد في مدينة أربيل، ليقصف ويدمّر بيوت آمنة بحجّة كونها مراكز للموساد الإسرائيلي، ضاربا عرض الحائط سيادة العراق وأستقلاله. وقصف أربيل الأخير هو سلسلة من عمليات قصف إيرانية لمدن ومناطق مختلفة في إقليم كوردستان. جزء منها تحت ذريعة وجود مقرّات للموساد، وأخرى ردا على ما تعلنه طهران من تواجد معارضة إيرانية في مقرّات ومعسكرات بالإقليم. لقد جاء القصف الإيراني الأخير لأربيل كردّ على تفجيرات وقعت في مدينة كرمان أثناء تجمّع للأحتفال بالذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي في يناير/ كانون الثاني 2020، والتي حمّلت فيها إيران مراكز للموساد موجودة في اربيل من التخطيط لها وتنفيذها.

الموساد علاوة على نشاطه في قلب إيران نفسها بإغتياله لعلماء ومسؤوليته عن حرائق في مبان إيرانيّة حسّاسّة، ونجاحه في شهر يناير/ كانون الثاني 2018 من سرقة خمسة وخمسون الف وثيقة و 183 قرص مدمّج بوزن نصف طن تقريبا والخاصّة بالبرنامج النووي الإيراني من مستودعات منطقة شير آباد بطهران، ونقلها الى تل أبيب كأكبر عملية سرقة من قلب بلد على عداء مع أسرائيل بل وفي اكبر عملية سرقة وثائق بالتاريخ، فأنّه ومنذ سنوات يصول ويجول في بلدان المنطقة بأكملها، بعضها بشكل سرّي والآخر بشكل علني. فعلى سبيل المثال وعلى هامش مؤتمر ميونيخ في شباط العام الماضي، أعلن نائب وزير الخارجية البحريني عبد الله الخليفي وبحضور رئيس هيئة الأركان الأسرائيلية الأسبق بيني غانز عن أنّ هناك "وجود رسمي وعلني للموساد في البحرين". وفي العشرين من شهر أكتوبر سنة 2020 ، نقلت صحيفة الشرق القطريّة مخاوف مصرية من تحوّل الأمارات الى "مركز أقليمي للموساد"، وذلك بعد مرور عشر سنوات على أغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح من قبل الموساد في قلب دبي. هذا ناهيك عن نشاطات الموساد في مصر والأردن وتركيا وغيرها من بلدان المنطقة.

لقد تباينت المواقف الداخلية من عملية قصف مدينة أربيل، فالحكومة العراقية مثلا لم تكتفي بالتنديد وأستدعاء السفير الأيراني وتسليمه مذكرّة أحتجاج هذه المرّة، بل ذهبت الى أبعد من ذلك بكثير حينما تقدمت بشكوى لمجلس الأمن الدولي، وهذه أوّل مرّة يتقدم بها العراق للمجلس بشكوى حول العمليات العسكرية الأيرانية داخل العراق. وهذه الشكوى علينا ربطها بمواقف أقطاب من الحكومة وموقف شعبي يحمّل إيران جزء كبير من المشاكل التي تواجه البلاد. ومن خلال تحميل إيران هذه المشاكل، فأنّ الأعين تتجه الى أذرع إيران شبه العسكرية والتي ضاق العراقيون بها ذرعا، خصوصا وأنّ قيادات هذه الأذرع المسلّحة تعلن عن مواقفها المؤيدّة لإيران وولي الفقيه علنا، وعلى الضد من مصالح وطننا وشعبنا. فهل الحكومة تريد بهذا أن تنأى بنفسها عن هذه الفصائل، خصوصا وأنّ الضربات الأمريكية لهذه الفصائل كثرت في سوريا والعراق؟

الملفت للنظر هو صمت قوى الأطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي وحزبه على عملية القصف، على الرغم من تنديد الإطار الشديد لأي قصف أمريكي وتركي للأراضي العراقية. الا أنّ قياديين في الأطار لم يكتفوا بالصمت بل ذهبوا الى تحميل أربيل سبب القصف، وذهب آخرون وسيرا خلف الرواية الأيرانية من مهاجمة الولايات المتحدة التي حوّلت اربيل بنظرهم الى ساحة خلفية لأسرائيل! أنّ قصف أربيل الأخير يعني أمور عدّة منها محاولات بدء عزل الميليشيات المسلّحة وتحت أي مسمى عن حواضنها الرسمية لما تشكلّه من خطر كونها تدخل بلادنا في معارك لا مصلحة لشعبنا في خوضها، ما يدفع أمريكا لضربها داخل وخارج البلاد وتأثير ذلك على الوضع الأمني بالبلاد، ومنها عرقلة المفاوضات التي تهدف الى تقليل أو "أنهاء" الوجود الأمريكي في البلاد.

لو أخذنا بالرواية الإيرانية بقصفها مقرّاً للموساد في أربيل، والتي كذّبها مسؤولون عراقيّون كثر ومنهم السيّد قاسم الأعرجي وهو وزير داخليّة أسبق، ومقاتل في صفوف منظمّة بدر أثناء الحرب العراقيّة الأيرانيّة، فلماذا لا تكون مقرّات غير أربيل كالتي في المنامة أو غيرها من العواصم مسؤولة عن تلك الأحداث، ولماذا لا تردّ إيران عليها بقصفها....!؟

أنّ قصف أربيل من قبل إيران نفسها وليس ضربها عن طريق أذرعها العسكرية، ليس بضرب النقطة الأضعف من بين المواقع التي يشتبه وجود مقرّات للموساد الأسرائيلي فيها فقط، وليس تصفيات حسابات مع قيادة البارزاني وعلاقته الهشة مع الأطار الشيعي والميليشيات الولائية، بل رسالة إيرانية الى أمريكا وبعد أحداث غزّة والوضع الصعب للحوثيين في اليمن، من أننا موجودين وسنستمر بمهاجمة المصالح الأمريكية.

***

زكي رضا - الدنمارك

بغداد تنتخب الحلبوسي والمالكي يأتي تالياً، وفي البصرة فازت العشيرة على الإطار التنسيقي، ماذا كان سيحدث لو شارك فيها التيار الصدري؟!

لنكن صريحين، ليست بغداد ولا حتى ربعها التي شاركت في مهزلة الانتخابات المحلية الأخيرة، بل هي تلك النسبة المزورة من الناخبين والتي لم تتجاوز العشرين بالمائة في أيام عز العملية السياسية الأميركية في العراق والتي نفخوا في صورتها وقيل إنها بلغت 41 بالمئة أي ما يعادل 6.6 ملايين ناخب من أصل 16.1 مليونا يحق لهم التصويت. وهذه النسبة كذبة فاقعة فشهود العيان ووسائل الإعلام أكدوا أن مراكز التصويت كانت شبه فارغة طوال ساعات النهار الانتخابي.

في حين أعلنت المفوضية العليا للانتخابات، يوم الاثنين 18/12/2023، وهو يوم الانتخابات أن عدد الناخبين الذين حدثوا بياناتهم بلغ مليون و31 ألفا و605 فقط لا غير فمن أين جاءت الستة ملايين وستمائة ألف مواطن شاركوا في التصويت؟

ومع ذلك فمن الواضح أن بغداد عاقبت الساسة الشيعة الفاسدين في الإطار التنسيقي ومنحت الأولية إلى قائمة الحلبوسي الذي تقدم على نوري المالكي. فقد حصل الأول على 132 ألف صوت بغدادي، متفوقاً على ائتلاف المالكي الذي حصد نحو 130 ألف صوت. ويعتقد محللون أن جمهور التيار الصدري الذي لم يشارك في الانتخابات في قائمة خاصة به صوت بعضهم لمصلحة الحلبوسي نكاية بالمالكي والإطار التنسيقي!

وهو الأمر نفسه الذي حدث في البصرة حيث تقدمت قائمة عشائرية هي «تصميم» يقودها المحافظ الحالي الشيخ أسعد العيداني بفارق مهم عن أقرب منافسيه في «الإطار التنسيقي» رغم أن قائمة العيداني عوقبت بغرامة مالية ثقيلة من قبل المفوضية الانتخابية بتهمة تقديم رِشى انتخابية. وقد فاز العيداني بأكثر من 26 ألف صوت، فيما لم يحقق تحالف «نبني» الذي يضم «عصائب أهل الحق» سوى نصف هذا العدد. وهناك حملة لمنع العيداني من البقاء في منصبه كمحافظ للعاصمة الاقتصادية للعراق البصرة رغم فوزه هذا من قبل خصومه!

وإذا صح هذا التحليل القائم على مقول (ليس حبا في زيد بل كرها في عبيد) وهو ليس مستبعدا في الحقيقة، فماذا كان سيحدث لو شارك التيار الصدري في الانتخابات بقوة وفاعلية؟ أليس من الممكن أن يفوز بمقاعد بغداد والمحافظات الجنوبية "شلع قلع" ويحيل ساسة الإطار التنسيقي الى التقاعد المبكر أو إلى لجان التحقيق في الفساد؟

ألن تشجع هذه النتائج زعيم التيار الصدري على إنهاء مقاطعته للحياة السياسية التي دفع إليها دفعاً كما نتذكر وبموجب فتوى من المرجع الحائري، والتي وصف فيها الصدر بأنه "فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو -في الحقيقة- ليس صدريًّا مهما ادعى أو انتسب"، خصوصا وقد كشفت الأحزاب الشيعية المناوئة للصدر في أزمة القصف الإيراني الأخيرة لأربيل بأنها سيمكن أن تتمرد وبقوة على إيران من أجل الاحتفاظ بالسلطة.

وتبقى الخلافات بين هذه الأحزاب والمليشيات خلافات شكلية بين مجموعة من أحزاب المنظومة الحاكمة المكوناتية والتابعة والقابلة بالهيمنة الأميركية ولا فرق بين هذا الحزب أو ذاك وبين الحلبوسي والمالكي والبارزاني وحتى الصدر طالما لن يتبَّ البرنامج الوطني الاستقلالي القائم على مناهضة الهيمنة الأميركية وطرد قواتها ومعها القوات التركية من العراق ووقف التدخلات الإيرانية الفظة في الشأن العراقي وإعادة كتابة الدستور الاحتلالي بما يكفل إقامة نظام حكم ديموقراطي يحرم ويجرم الطائفية السياسية وتقسيم العراق مجتمعيا وسياسيا على أساس الطائفية. وكل ما حدث ويحدث وسيحدث سيكون مرتبطا بغياب البرنامج الوطني الاستقلالي والقوة السياسية التي تتبناه وتعمل على تجسيده حتى هذه اللحظة ولا يبدو في المدى المنظور أن قوة استقلالية كهذه ستبرز إلى الوجود!

***

علاء اللامي

لماذا تطالب المقاومة بمحاسبته؟

حينما تصدر تصريحات تتجاوز المبادئ الوطنية والأخلاقية باتجاه التموضع الموقفي في منطقة التشارك المصلحي مع العدو فهذا يستلزم رداً أعمق من المعتاد، من خلال استحضار مواقف سابقة في ظروف مماثلة.

هذا سيوسع من آفاق الرد ليشمل مواقف سابقة لسلطة أوسلو التي ينتمي إليها المذكور، لأنه تجاوز الشخصي إلى العام دون مراعاة لشعب يُسْحَقُ تحت جنازير الدبابات.

يتم ذلك على نحو ربط تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي تم سحبه في ظروف غامضة من قِبَلِ قيادة أوسلو عام 2009، بما صرح به مؤخراً الوزير وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية "المجمدة"، أحمد مجدلاني في قناة الحدث، يوم الأربعاء الماضي، تعليقاً على مستقبل "حماس" ما بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة في أن "حماس منظمة إرهابية بشكلها الحالي وبرنامجها الحالي وخطابها السياسي الحالي"، وفق زعمه.

وهو تصريح يتجاوز في يمينيته الليكوديين في حكومة نتنياهو وخاصة أن صاحبه من المفروض انه يقف في صف شعبه الذي يتعرض للإبادة.

وهذا سياخذنا إلى سؤال يتعلق بمجدلاني فيما لو اقتحم بيته مغتصب اعتدى على أهله -لا سمح الله- وسرق ما فيه حتى الكرامة فهل سيقدم للمعتدي راضخاً فنجانَ قهوة مع أرجيلة فاخرة! أم سيقاوم العدو الغاشم حتى الرمق الأخير! نريد جواباً من المجدلاني على هذا السؤال العاصف كي تستقيم الأمور في عقولنا، فهذا خير مثال على هكذا موقف! فهو قد صرح بذلك عبر قناة الحدث واسعة الانتشار، ولم يكن حينها مخموراً؛ بل يقظاً ويرتدي أفخم الأطقم وربطات العنق، ويعني تماماً ما يقول.

من جهتها وفق -قدس برس- أدانت القوى والفصائل الفلسطينية في غزة التي توحدها غرفة عمليات مشتركة تصريحات الوزير في حكومة السلطة الفلسطينية، أحمد مجدلاني والتي يتهم فيها حماس بالإرهاب لأنها -ترتدي اللباس العسكري الكاكي أو المرقط- وتحمل السلاح خارج إطار الشرعية وتدافع عن الشعب الفلسطيني. فيما اعتبرت المقاومة تصريحات مجدلاني "خارجة عن الإجماع الوطني، ويتحدث فيها بلسان الاحتلال".

مع العلم أن السلطة الفلسطينية التي يعمل فيها مجدلاني لم تعد شرعية ناهيك عن كونها تنسق أمنياً مع الاحتلال في الوقت الذي يتعرض فيها الفلسطينيون لحرب إبادة.

فشرعية الرئيس عباس التي يمثلها أمثال مجدلاني تأثرت بشكل كبير بسبب انتهاء عهدته منذ العام 2009 وعِوَض اللجوء للديمقراطية، عبر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة، أظهر رغبة بتحييد هذا الجانب. بل إن عباس أظهر ميلاً للاستبداد، علماً أن عملية انتخابه والسلطة الفلسطينية نفسها شكلتا تجربة مثيرة للاهتمام في العالم العربي من حيث التحول الديمقراطي، وفقا لما قاله بليغ نابلي الباحث في مركز البحوث الدولية التابع لمعهد الدراسات السياسية في باريس على خلفية الاضطرابات التي عمت الضفة الغربية عقب اغتيال نزار بنات الذي حارب الفساد عبر الفضاء الرقمي مطالباً بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.

ويذكر أن عباس يتولى السلطة الفلسطينية منذ العام 2005. وقد تم الإعلان عن انتخابات في أوائل يناير 2021 كجزء من مشروع "المصالحة" بين فتح وحماس التي تتولى الحكم في غزة منذ عام 2007، لكن أعيد تأجيلها إلى أجل غير مسمى. وهذا يشكل هدراً مقصوداً للوقت على حساب المشروع الوطني الفلسطيني وخياراته التي اعطبتها السلطة بنهجها الاستسلامي الذي قدمت من خلاله التنازلات غير الشرعية، ما سيدرجها في قائمة الاتهام ربما بالخيانة العظمى أو الإهمال المُبَدِّدْ لحقوق الفلسطينيين ولا نريد أن نقول ب"الفساد" وعدم الكفاءة، وكلها في نظري تهم متكافئة شكلاً ومضموناً.

حينها لفت نابلي إلى أن "الصورة أصبحت واضحة أمام الشعب الفلسطيني بأن عباس لا يتمتع بالشرعية الكافية لتمثليهم، وقد خرجوا للمطالبة برحيله" عقب تصفية بنات في 2021.

وأكد إعلان الفصائل أعلاه على أن حماس تنظيم فلسطيني وطني مقاوم مطالباً بضرورة محاسبة مجدلاني على تصريحاته التي جيرت لصالح الاحتلال، وجاءت خارج سياق النقد والشفافية؛ لتبرر لجرائم جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، والتي تم تصنيفها كجرائم إبادة في سياق الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" والمنعقدة في محكمة الجنايات الدولية بلاهاي.

على الأقل حتى تكون محاسبة الوزير مجدلاني عبرةً لغيره من تجار المواقف المجيرة لسردية الاحتلال التي تُسْحَقُ اليوم في لاهاي تحت مطارق القضاة.

من هنا يجيء الربط بين تصريحات الوزير في سلطة اوسلو، مجدلاني، الشاذة، مع تقرير غولدستون حينما يذكرنا بأمثاله من قادة السلطة الذين افشوا مقاضاة "إسرائيل" في الأمم المتحدة عام 2009 حيث قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تأجيل التصويت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون، الخاص بتجريم جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه المجنونة على قطاع غزة عام 2008 .

التقرير جاء منصفاً للفلسطينيين وقد أوشك أن يحقق غاياته لولا قرار سحبه المشبوه من قبل سلطة أوسلو في إجراءٍ أثار عاصفة من الأسئلة حول المغزى والأسباب، على صعيدي منظمات حقوق الإنسان التي أدانت القرار، والشعب الفلسطيني الذي أصيب بالخيبة والذهول.

جاء التقرير في أكثر من 600 صفحة، بناءً على شكوى تقدم بها وفدُ السلطة الفلسطينية الذي كان يترأسه آنذاك، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة إبراهيم الخريشا.

أما لماذا أقدمت السلطة على هذه الخطوة المشبوهة؟ فقد كشفت صحيفتا نيويورك تايمز الأميركية وهآرتس الإسرائيلية أن رئيس السلطة الفلسطينية تعرض لضغوط أميركية للتراجع عن دعم القرار عبر اتصال من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي دعته إلى رفض ما جاء في التقرير بدعوى أنه سيعمق الفجوة مع "إسرائيل". وحسب الصحيفتين نفسيهما فإن سلام فياض نصح الرئيس عباس بالتراجع عن التقرير خشية عقوبات اقتصادية إسرائيلية وأميركية على السلطة الفلسطينية إذا رفع التقرير إلى القضاء الدولي. وحسب هآرتس فإن "إسرائيل" اشترطت على السلطة الفلسطينية تراجعها عن دعم التقرير الذي يدينها بارتكاب جرائم حرب مقابل السماح لشركة اتصالات فلسطينية بالعمل خلافاً لرفضها السابق. المقصود هنا الشركة الوطنية للاتصالات، حيث ذكرت القناة الرسمية الإسرائيلية آنذاك بأن طارق نجل رئيس السلطة محمود عباس كان من أكبر المستثمرين فيها. فيما اتهمه دحلان بالفساد عبر الفضائيات؛ لكن عباس من جهته أنكر صلته ب"الوطنية"كيلا يتهم بأنها رشوة قدمتها له "إسرائيل"ثمناً لتنازله عن تقرير غولدستون على حساب الدم الفلسطيني الذي ذهب أدراج الرياح.

وعودة إلى تصريحات مجدلاني التي إعادتنا إلى قصة إفشال تقرير غولدستون ، فقد يكون إطلاقها في هذه الأوقات العصيبة يأتي كبالونات اختبار تمهيداً لحرب إعلامية مقبلة ضد المقاومة توطئة لدخول سلطة أوسلو إلى القطاع على ظهور دبابات الميركافا الإسرائيلية بعد أن دمرت قذائف الياسين معظمها؛ ولكن خسئوا فحساب هذه "الشرذمة" -كما يصفها المناوئون- قادم على يد المقاومة كما يفهم من ردها على كلام الوزير مجدلاني المجير للاحتلال، وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني الذي لا يؤمن بعد التجربة إلا بخيار المقاومة.

***

بقلم بكر السباتين

19 يناير 2024

المجتمعات تكون وتتحقق بقادتها، وعندما يغيب القائد يتيه المجتمع ويضيع الوطن، ويدخل الشعب في دوامة عشوائية ذات خسرانية عالية.

أمتنا أوجدها قائد لا يزال مؤثرا فيها، وصداه خالد ومتألق في مسيرة الأجيال؟

والعديد من دولنا المعاصرة بلا قائد، مما تسبب بتداعيات ضارة بحاضرها ومستقبلها، ويستثنى من دول الأمة بعضها التي حظيت بقيادات تجسد معاني القيادة الوطنية الصالحة، أما باقي الدول فنسبة قدرات قادتها على التعبير عن معاني القيادة القوية ما بين الغياب التام والتجسيد النسبي لمعانيها.

وبسبب الفراغ القيادي في دول الأمة، فأنها تعاني من العثرات والمعوقات، التي تدفع بها إلى الوراء، وتجعلها في ديمومة تناحرية مع بعضها.

والواضح أن القيادات العقيمة أو المعوقة تتسبب بإنهيارات تفاعلية بين أبناء المجتمع، تصبح متكررة ومؤثرة في مسيرة الأجيال المتعاقبة فمنها ما أن قضت على أنظمتها الملكية، حتى دخلت في صراعات دموية متنامية، وأوجدت أنظمة حكم متماحقة، جعلت دولها تراوح في ذات المكان في أحسن الأحوال، وفي أسوئها تتراجع مئات الخطوات إلى الوراء ، وما تمكنت من بناء آليات قيادية ذات إرادة وطنية وتطلعات إنسانية.

إن الفرق هائل بين القائد الوطني والقائد المتوهم بالقيادة الذي لديه أتباع عاطفيون ومضللون، وفيهم النوازع السلبية التي يجدون فيه ما يسوّغها ويشجعها.

القائد القدير يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم، ويستثمر الطاقات الشعبية والوطنية، لتأمين الإرادة والحرية والكرامة الإنسانية لمواطنيه.

القائد القدير يبني أمة ويصنع تأريخا، لا أن يكون أنانيا، نهابا سلابا متمتعا بمردودات الفساد والإفساد ويرفع رايات ما لا يعمل به.

فهل فازت دول الأمة بقادتها؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

كان الحل لمشكلة اليهود وفقا لجابوتنسكي الصهيوني التصحيحي، إحداث تغيير جوهري شامل في ظروف حياة اليهود. وهذا التغيير يتمثل بإيجاد بقعة أرض خاصة وتجميع الأقليات اليهودية المنتشرة في الشتات. أي أن الحل هو حل إقليمي. بعد ذلك انتزاع اعتراف من المجتمع الدولي وخاصة من دول عظمى بهذه البقعة. وكان من المفترض أن يتوفر في هذه البقعة شرط لن يتوفر في أي بقعة أخرى، وهو " قوة جذب لليهود". وقوة الجذب هذه لم تتوافر في أي بقعة عدا فلسطين. فكانت الخيار من حيث "الرابطة الدينية". ولأن جابوتنسكي لم ينشأ في أسرة يهودية ذات تقاليد يهودية دينية لذلك لم تكن تربطه بفلسطين أي رابطة دينية، إلا أنه اختارها لأنه أراد استغلال قوة الجذب تلك"الدينية", والتي بدونها لن يتحقق تجميع اليهود في بقعة واحدة تكون وطنا لهم. وكان اختيار فلسطين أيضا بسبب وجود قاعدة ديمغرافية جيدة لليهود في فلسطين لا تتوافر في أي بقعة أخرى من بقية الخيارات. ونجد ذلك في قول جابوتنسكي" في ارض إسرائيل لدينا ثلاثون مستوطنة وبنك له فروع وأراض بملكية خاصة" ويتابع " من السهل بفضل وجود هذه الأرضية الحصول على موافقة الجهات الدولية على إعطاء عهدة على فلسطين أكثر من أية بقعة أرض أخرى".

ومن هنا فإن مشكلة اليهود كانت قد شكلت مركز وجوهر بالنسبة لرؤية جابوتنسكي الأيديولوجية، فإنقاذ اليهود من الشتات والاضطهاد كان هو الأساس وحتى لو كان على حساب الشعب الأصيل (الفلسطيني) الذي سيكون مصيره القتل أو النفي وفي أحسن الأحوال سيتحول إلى أقلية على أرضه. وهنا نجده يقول " نحن نصر على وجهة النظر القائلة: نعطي من لا يملك شيئاً، ونأخذ ممن يمتلك أكثر من اللازم" فجابوتنسكي يرى أن مطلب اليهود بالسيادة على أرض فلسطين، عادل أكثر من مطلب العرب وحقهم بأرضهم. وهو بذلك يقر بوجود قومية فلسطينية لذلك فقد رأى بأن الصراع لا يمكن حله من خلال التسويات السياسية لأن الفلسطينيين لن يقبلوا بذلك. لذلك سيتم حسم هذا الصراع "بالقوة". هذا الصراع الذي كان جابوتنسكي انتقائيا في اختيار مصطلحاته من أجل كسب تأييد الرأي العالمي، لم يصفه بالصراع الفلسطيني الصهيوني بل نعته بالصراع العربي والشعب اليهودي "المسكين" الذي يبحث له عن بقعة تقيه الموت. قال العربي ولم يقل الفلسطيني حتى يشعر العالم أن هؤلاء اليهود سيكون صراعهم مع كل الشعوب العربية. وبنفس الوقت نجد جابوتنسكي وقد تمسك بفكرة وحدة فلسطين التاريخية الشرقية والغربية بالرغم من سايكس بيكو التي قسمت فلسطين إلى دولتين شرق النهر وغربه. وقد ظل طيلة سنوات عمره متمسكا بوطن مزعوم اسمه " أرض إسرائيل" وهو يرى أنه بهذا يقيم وطنا لليهود يساعد من خلاله على توسيع حدود أوروبا التي يفتخر بأنه ينتمي إلى ثقافتها ويتقزز من ثقافة الشرق الذي طالما نعته بالشرق المتخلف وأن احتلال اليهود له سينعشه ثقافيا ويخرجه من غياهب التخلف. ومن هنا فهو لا يرى أن ما حصل من احتلال لأرض فلسطين التي لا يمتلك اليهود فيها شبرا ظلما بل تحررا لأن مطالب الحركة الصهيونية التي تسعى للتغيير هي الإعمار والتطوير. فتفوق ثقافة غربية على ثقافة شرقية يحتم للأولى الحياة وللثانية الاندثار والموت.

وقد مر في التاريخ القصير لهذه الدويلة اليهودية شخصيات سياسية وثقافة يهودية اعتبرت نفسها وريثة مخلصة لأفكار جابوتنسكي الأيديولوجية وتوجهاته السياسية من أمثال مناحيم بيغن وإسحاق شامير وأرئيل شارون وصولا إلى بنيامين نتنياهو. ومن المعروف أن حزب الليكود الذي ينتمي له نتنياهو يحمل أفكار جابوتنسكي السياسية ويعمل على تحقيقها. والدليل على ذلك ما حصل قبل عملية طوفان الأقصى بأيام حينما عرض نتنياهو خريطة لدولة الاحتلال في الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطابه.  

وهو لم يفعل ذلك إلا أنه ورث خريطة الأب الروحي جابوتنسكي التي تدعو إلى توسيع هذه الدولة.

وقد صرح بنيامين نتنياهو في ١٩/ يناير/. ٢٠٢٤ في تصعيد جديد لمواقفه تجاه غزة بأنه" لن يسمح بقيام دولة فلسطينية ما دام في منصبه" وهذه عقيدة جابوتنسكي.وهو بذلك يعيد فكر الثاني التوسعي الاستيطاني.

كما أن حكومة نتنياهو تبنت نفس النظرة التي حملها جابوتنسكي للشرقيين من حيث أنهم متخلفين وحيوانات فنجد وزير الدفاع اليهودي غالانت الذي قال في بداية الحرب على غزة" نحن نحارب حيوانات بشرية وسنتصرف وفقا لذلك".

فالتاريخ يعيد نفسه بأحداثه وأشخاصه بفارق الأسماء والسنوات.

لكن تبقى غزة هي الشوكة في حلوقهم، ودماء شهدائها ستظل اللعنة التي تلاحق كل من كان وراء فورانها الذي لن يتوقف إلا بعد أن يغرق الدولة الظالمة ويقذف بها مجددا نحو التيه ودروب الضياع. وقتها ستقذف أوروبا التي تبجح بها جابوتنسكي وورثته بالانتماء إليها الأحذية المهترئة في وجوههم وتحشرهم في غيتوات وكأنهم حيوانات مريضة، وقد تصب الوقود عليهم في عمليات تحت اسم الوقود المصبوب.

***

بديعة النعيمي

 

هزل خالص

إن الحقيقة التي لا تحتاج إلى حدس أو ظن، أو اعمال خيال، أن الكثير من الاختراعات الخطيرة، التي وضعت الانسانية في ركب التطور، جاءت من رجال "جرد"، لم يخضعوا قط لسطوة" الشعر"، أو يطمعوا في نمائه، فأشد ما يمقتوه، ويزدروه، هو كثافة "الشعر" وغزاراته، فالصلعة مستقرة عندهم، ممعنة في الاستقرار، وهي باستقراها ذلك، انحرفت عن عوامل التحول والتطور أشد الانحراف، فالشعر الذي كان يقبع في فروتها، يصور أجيالا مختلفة من العصور والبيئات، بعض هذه العصور تحث خطاها نحو التطور وتوغل فيه، والبعض الآخر مؤثرا للثبات، وحريص عليه، والسودان مثل" شعور رأسنا"، شديد الاتصال بمعاني الثبات والاستقرار، لذا لم يشهد طوال قرنه المنصرم، أي تحولا أو انتقال، ولعل الأحداث وتتابع الخطوب، هي التي جعلته يأنف من مواكبة الحضارة المادية الحديثة، واستعارة النظم والقيم الجمالية، التي ينظر الناس إليها في الخارج، نظرة حب ورضا واكبار، فشبابه من غير شك، إذا سعوا لتتبع هذه القيم والموضات المتعابقة التي لا حصر لها، والتي تزداد انتشارا وتغلغلا، في طبقات الفئات العمرية الأقل سنا داخل قطرنا المهترئ وخارجه، أضحوا عرضة لأصحاب الاصلاح الاجتماعي،  أو عبث بهم ألسنة قاسية في عبثها، وفي الحق هذه الفئات، ترى أن الحياة القديمة التي عاشها أبائهم، قد انقضت أيامها، لأجل ذلك هم يتبرمون منها، ويثورون بها، ويخرجون عليها، وجيلنا يشهد أطوار هذا الانتقال، ويقبله على كره، ويغض منه على استحياء، فمن أهم مزايا شباب اليوم، أنهم مأخوذين بحميا حياتهم الجديدة، بعد أن تداعت مثلنا العليا في حناياهم، فهم لا يعترفون بها، ولا يحرصون عليها، بل يضيقون بها أشد الضيق وأعنفه، ولعل كل فرد منا، يذكر تلك الخصومات العنيفة، التي وقعت بينه وبين ابنه، أو بينه وبين ابن أخته، في "قصة شعر" عمد إليها هذا  الغر تأسيا بأخدانه، وهو يجهل أن هذه "الحلاقة" من شأنها أن تعيبه، وتجعل الناس على سعتهم وضحالتهم، وعلى تنوعهم واختلافهم، يتحدثون عنه في ايجاز واطناب، ويحوطون "قصة شعره" تلك بالرعاية والعناية، ووالده الذي لا يستطيع أن يدفع العاديات عن ولده، تطاله جلسات الغيبة التي ترتفع عنها كل رقابة، وتسقط دونها كل خشية، سيعرض الابن والده فعلا لمحنة قاسية، وسيجد الوالد نفسه بين اثنتين، أن يدع فتاه الذي يخطر في مطارف الشباب، يفعل بشعره ما يشاء، يقصة ويرجله، بالصورة التي تروق له، ويتحمل هو الأذى في سبيل هذه الحرية التي منحها لولده، أو يكبح هذه النظم والظواهر على انتشارها وشيوعها، ويؤثر ابتعادها عن "خاصته" غير حافل برضاهم أو سخطهم.

أنا أرى من الأفضل أن يلائم بين هذا كله، ويستخلص من وأد شعر ابنه هذا الرحيق الذي تقدمه أشعة الشمس الحارقة للعقول،  فهي تجلو الأفهام، وتدفع الأسقام، كما أن"الصلعة" لا تحوجك إلى هذا الجدال والمراء  العقيم، حتى تقنع ابنك بنجاعة الاحتفاظ بأصولك القديمة، وستدروء عنك  دون أدنى شك مرارة الاخفاق، أو اتخاذ العلل والأسباب لنبذ كل ما هو طارف، ولدك حتما، سيبذل من الجهود الهائلة المضنية، لقطع الصلة بينه وبين أصولك التقليدية، وسيتهافت على الجديد الذي لا تستسيغه أنت وتبرأ منه.

الحل يكمن في اقناع ولدك بمزايا وسحر "الصلعة" التي لم يسمع عنها قليلا أو كثيرا، وقد يبلغ الغلو بالغر أقصاه، فينكر هذه المزايا، ويجحد هذا السحر، ما عليك إلا أن تتحلى بالصبر حينها، وأن تخبره بلغة حانية، وأسلوب لين، أنه ما من عالم ثبت، أو أديب يتخير اللفظ الجزل، أو كاتب محافظا يغالي في المحافظة، إلا وكان "أجهى" وصليعا فاحش الصلع، كما أن أكثر أقطار الأرض المتحضرة، لا تغالي شعوبها في العناية بشعر رؤوسهم، فقد زاروها من هم في سني، ودرسوا في جامعاتها، ونقلوا إلينا الكثير من أنبائها، فالدول الأوربية والغربية، تحتفي حقا بالرجل "الأقرع" وتباهي به لداته وأنداده، لأنه بفكره الثاقب المتقد، فتح الأبواب على مصاريعها، حتى تتقدم البشرية وتتطور، هنا في السودان، ودعنا نواجه الحقائق كما هي، أصحاب الشعور الكثيفة المرسلة، في ثورتهم الظافرة قبل عدة أعوام، ماذا جلبوا لنا غير هذا التغيير المهلك، والعناء الذي لا يضاهيه عناء، لقد طالت هذه الحرب وثقلت وطئتها، وحتى نخمد ثائرتها، ونستعد لنأخذ بأسباب الحضارة من كل وجه، علينا أن نكبر "الصلعة" و"المصلعين" وأن يسعد المرء في هذه الديار بمقدار اتساع "جلحته"، ولعمري إذا تحقق لطائفة أهل "الفروة الجرداء" ما يشرئبون إليه، إذا تحقق فعلا "للملط"هذا التغيير الذي ينفعنا وينفع الناس، لن يفسد اليأس علينا أمرنا، في اتخاذ كاعب حسناء، زوجة وخليلة، نجدد بها شباب قد أزف على الرحيل، ونحتفل بمظاهر هذه الثورة الظافرة التي أهديت إلينا.

***

د. الطيب النقر

 

برز الذكاء الاصطناعي كقوة أساسية للتغيير والتحول في أنماط الإنتاج والاستهلاك ، وأعاد تشكيل هياكل الصناعات وبنيات الاقتصادات وأنشطة المجتمعات في جميع أنحاء العالم.

وبينما تمضي جل الدول المتقدمة جاهدة لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي، فقد أصبح إنشاء مؤسسة مغربية متخصصة في المجال أمرًا بالغ الأهمية وخيارا استراتيجيا لا محيد عنه .

إن المغرب، بتاريخه الغني وثقافته المتنوعة، يوجد في وضع متقدم يسمح له باحتضان ثورة تكنولوجية طليعية في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، للاستفادة الناجعة من إمكاناته ، من الضروري تأسيس أكاديمية متخصصة في هذا المجال. وفي الوقت الحالي، يفتقر المغرب إلى مؤسسة مركزية لأبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار. إن غياب مثل هذه المؤسسة يضع بلادنا في وضع غير مناسب ولائق مع صيتها في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي.

إن من شأن إنشاء الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي أن يشكل منعطفا محوريا للبحث والتطوير. ومن خلال تعزيز التعاون بين الأوساط العلمية والصناعية والحكومية، يمكن لهذه الأكاديمية النهوض بالابتكارات والمساهمة في خلق حلول محلية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات بلادنا في هذا الميدان.

أحد التحديات الرئيسية في النهوض بالذكاء الاصطناعي هو الخصاص الواضح في المهندسين المتميزين. ومن المرتقب أن تلعب هذه الأكاديمية دورًا محوريًا في معالجة هذه الفجوة من خلال تقديم برامج تعليمية وتدريبية متخصصة . ولن يؤدي هذا إلى تكوين مجموعة من خبراء ومهندسي الذكاء الاصطناعي المهرة فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تنمية ثقافة التعلم المستمر والقدرة على التكيف في القوى العاملة.

يمكن للأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي أن تعمل كمحرك قوي للنمو الاقتصادي من خلال تحفيز الابتكار وريادة الأعمال. وعندما سيغامر الخريجون والباحثون من الأكاديمية بدخول حقول التصنيع والإنتاج ، يمكنهم تأسيس مقاولاتهم الناشئة، ودفع التقدم التكنولوجي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما سيساهم في نهاية المطاف في الرخاء الاقتصادي وبالتالي المجتمعي.

طبعا هناك تحديات يجب معالجتها إذ يتطلب الحفاظ على إحداث أكاديمية للذكاء الاصطناعي استثمارات مالية ضخمة حيث يعد تأمين التمويل الكافي من الحكومة والقطاع الخاص والشراكات الدولية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح رهاناتها.

من جانب آخر ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت الاعتبارات الأخلاقية أيضا ذات أهمية قصوى. يجب أن تلعب هذه الأكاديمية دورًا هاما في تطوير المبادئ التوجيهية الأخلاقية والأطارات التنظيمية للحماية من سوء الاستخدام والاحتياط من الأضرار المحتملة.

ولمواكبة وتيرة سرعة تطور الذكاء الاصطناعي، يجب على الأكاديمية أن تشارك بنشاط في عمليات التعاون الدولي . يمكن للشراكات مع مؤسسات الذكاء الاصطناعي الشهيرة في العالم والمشاركة في المؤتمرات الدولية والمشاريع البحثية الثنائية والمتعددة الأطراف أن تعزز المكانة العالمية للأكاديمية المغربية وتساهم في التبادل المعرفي والتقني.

إن إنشاء الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي سوف يجعل المغرب رائدا إقليميا في مجال البحث والابتكار في هذا المجال. وهذا لن يعزز مكانتنا فحسب، بل سيجذب أيضًا الخبراء والاستثمارات من الدول المتقدمة، مما يعزز التعاون والتنمية على الصعيد المغاربي والإفريقي.

كما ستكون هناك آثار إيجابية على الأمن القومي الوطني، بدءًا من الأمن السيبراني إلى تطبيقات الدفاع عن حوزة الوطن . وتضمن أكاديمية متخصصة في الذكاء الاصطناعي أن يكون المغرب مجهزا لمواجهة تحديات الإرهاب وأعداء الوحدة الترابية والمافيات الدولية للمخدرات والاتجار بالبشر، وحماية المصالح الوطنية في العصر الرقمي.

بقينا أنه سوف تعمل الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي التي سنعرفها اختصارا ب MAAI كقوة محورية توجه بلادنا نحو مستقبل يصبح فيه الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحسين مستوى عيش المجتمع المغربي. وبينما تتسابق البلدان في جميع أنحاء العالم لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي، فإن الموقف الاستباقي للمغرب في إنشاء أكاديمية متخصصة في هذا المجال الحساس والاستراتيجي يظهر التزامه بالبقاء في المقدمة في السباق التكنولوجي الإقليمي والعالمي.

إن مستقبل النمو الاقتصادي اليوم يرتكز أساسا على حتمية الاستثمار في تطوير الذكاء الاصطناعي. وبالتالي ستعمل الأكاديمية على تأهيل مجموعة من المهنيين والمهندسين المهرة المجهزين لقيادة الصناعات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وجذب الاستثمارات الدولية وتعزيز الابتكارات المحلية. يمكن للمغرب أن يضع نفسه كمركز للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعزز نظامًا بيئيًا نابضًا بالحياة يتجاوز الحدود ويدفع الأمة إلى طليعة الريادة التكنولوجية.

***

عبده حقي

لا يخفى على العراقيين ما كان يمارسه النظام البائد من ممارسات غير قانونية خارج العرف الإجتماعي حيث تصنف في طبيعتها وسلوكها من العنف السياسي على مدى سنوات حكمه الشمولي لجميع أطياف الشعب حيث كان عادلاً ومنصفاً في توزيع الظلم بالتساوي على كل من يعارض سياستهم الرعناء مما خلّف الآلاف من الأرامل والأيتام نتيجة لتحقيق أهداف سياسية بإستخدامه القوة المفرطة لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين، فلابد من التمييز بين العنف السياسي الذي يتمثل في الاستخدام الفعلي للقوة المادية من قبل الأنظمة السياسية ضد الأفراد أو من قبل الأفراد ضد النظام السياسي .

وبعد تحرير العراق من براثن الدكتاتورية المقيتة ظهرت بعض السلوكيات المذمومة وقد تكون حالات فردية لا تشكل خطراً على السلم المجتمعي لكن الخطورة الإجتماعية والأخلاقية التي تهدد إستقرار المجتمع هي أن تتحول هذه السلوكيات الى ظاهرة اجتماعية يمارسها عدد كبير من الأفراد، حيث بدأ مفهوم العنف يأخذ مساراً خطيراً ولا يحمد عقباه في المجتمع من خلال تنامي ظاهرة التسليح بين العشائر وضعف سيطرة الجهات الأمنية من أخذ دورها في تحقيق الأمن والأمان وإنعدام مفهوم المحاسبة وتطبيق القانون نتيجة للفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة العراقية وعليه يتم تطبيق المثل القائل (من أمن العقاب أساء الأدب) حيث بدأت ظاهرة إستخدام العنف السياسي تتزايد على مستوى الشارع كوسيلة لتصفية الخصوم من قبل جهات متنفذة في حالة عدم التوافق على الرؤى السياسية التي تنتهجها تلك الجهة أو تهدد مصالحها السياسية المرتبطة بأجندات سياسية، وقد تلجأ القوى السياسية المعارضة أحياناً الى العنف السياسي لتحقيق غاياتها للوصول الى السلطة .

وما يشهده العراق في الآونة الأخيرة من تصعيد سياسي وتقاطع واختلاف في الرؤية السياسية النابعة من المصلحة الشخصية بعيداً عن المصلحة العامة وفرض سياسة الأمر الواقع بانتهاج مفهوم لي الأذرع وإرغام المعارضين على القبول والرضوخ بالرأي دون قناعة قد ترتقي في تعاملها إلى نظير مبدأ الدكتاتورية المبطنة بالديمقراطية المفرطة وتؤدي في نتائجها إلى عواقب وخيمة وتدفع بالعملية السياسية إلى منزلق خطير لتشكيل إمبراطورية الأحزاب المتنفذة المسنودة بميليشيات مسلحة وبدعم دولي خارجي لتحقيق الأهداف التي من أجلها دفعتهم للتدخل المباشر في الأمور الداخلية للدولة والتحكم بمقدرات الشعب دون اعتبار للسيادة الوطنية التي أصبحت حبراً على ورق في البروتوكولات الرسمية والدبلوماسية فقط .

فلابد من الالتزام بالبرنامج السياسي الذي طرحته الحكومة والذي يخدم قطاعات واسعة من الشعب والالتزام بمبدأ الشراكة السياسية الحقيقية والتوافق في القرار السياسي والتوازن في مؤسسات الدولة بين جميع الكتل والأحزاب المشاركة في العملية السياسية خدمة للعراق.

***

حسن شنكالي

- تناقلت وسائل الاعلام المحلية والعالمية، مؤخرا خبر تعرض أحد المقار الأمنية في بغداد إلى استهداف بطائرة مسيرة وأدى إلى وقوع العديد من الضحايا، وقد حمّل الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية قوات التحالف الدولي مسؤولية هذا الهجوم، فيما أعلن لاحقا ناطق باسم الإدارة الأمريكية مسؤوليتها عن هذه العملية.

- وحصل في 3 كانون الثاني 2020 ان تم اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي يعتبر العقل المدبر لأنشطة إيران في الشرق الأوسط، ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بواسطة ضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد الدولي، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في حينها مسؤوليتها عنها وقالت إن العملية تمت بـ (توجيهات) مباشرة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نفسه.

- تواصل الجارة تركيا بين الحين والأخر مسلسل قصف قرى ومواقع في كردستان العراق، بشن غارات جوية أو بالقصف بالمدفعية، تحت حجج انها مواقع يستخدمها مقاتلو حزب العمال الكردستاني. 

- تابعت شخصيا مؤخرا لقاءا تلفزيونيا أجرته منصة المشهد أجراه الإعلامي اللبناني طوني خليفة مع السيد محمد دحلان، السياسي ورجل الأمن الفلسطيني المثير للجدل، وأحد مساعدي الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. اجري اللقاء في اليوم التالي لاغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في جنوب لبنان وهو شخصية رئيسية في كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحماس، لم تعلن إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عن الهجوم، لكن متحدثاً باسم حزب الله، قال لصحيفة واشنطن بوست إن الهجوم نُفذ باستخدام طائرة بدون طيار وثلاثة صواريخ، ملقياً اللوم على إسرائيل. هكذا عرجت أسئلة مقدم البرنامج، على موضوع قوائم الاغتيالات ومن يعدها ومسؤول عنها. لفت انتباهي ان مقدم البرنامج قدم لاحد اسئلته مشيرا الى (...، ... نعرف اليوم ان هناك ثلاث ساحات هي بيئة سهلة لإسرائيل لتنفيذ عمليات الاغتيال وهي العراق، سوريا ولبنان، ...) 

- ينظر الكثير من المفكرين الى كون سيادة الدولة هو مرادف للاستقلال، ولذلك فالسيادة هي حق قانوني لاي دولة مستقلة، لا يمكن انتهاكها وفقا لمواد ميثاق هيئة الأمم المتحدة، كما ورد في المادة الثانية من الفصل الأول (تقوم الهيئة ـ الأمم المتحدة ـ على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها).

- يعرف كثير من رجال السياسة والمفكرين، بان حالة الهيمنة الدولية والنفوذ المتزايد لبعض الدول واستخدام لغة القوة وانتهاك مفهوم السيادة الوطنية للدول الاخرى، والخروج على ميثاق الأمم المتحدة والنظام الدولي القائم على الأمن والسلم الدوليين يعتبر (بلطجة سياسية دولية).

- ان تعتبر دولة ما ساحة سهلة لتنفيذ الاغتيالات على أراضيها، من قبل أطراف دولية أخرى، وفقا لأعمال بلطجة سياسية دولية، دون اعتذار واتفاقات أمنية معلنة، فأن هذا مدعاة لإعادة النظر في مفهوم استقلال وسيادة هذه الدولة أساسا!

- إن السيادة هي أحد المفاهيم الأساسية في علم السياسة، ويعني باختصار وجود في كل دولة مستقلة سلطة نهائية، تعتبر هي العليا في كل الشؤون الداخلية والشؤون الخارجية.

- في تعريفات حديثة تتمثل السيادة الوطنية في قدرة نظام أي دولة في توفير ديمقراطية حقيقية يقوم على مفهوم السيادة الشعبية، حيث يلعب الشعب دورا فعالا في تشكيل سياسة الدولة عبر مزيج من الهيئات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، حيث يكون قادرا على اتخاذ القرارات التي توفر حياة كريمة للشعب الذي لديه القدرة على توفير الآمن والغذاء والدواء والأسلحة والقدرات للدفاع عن نفسه.

-  إن نظام المحاصصة الطائفية والاثنية في أي دولة، ما هو إلا انتهاك فظ للسيادة الوطنية!

***

يوسف أبو الفوز

 

حديث الساعة.. حديث اليوم.. حديث الأسبوع وغيرها الكثير، عبارات عادة مايطلقها الناس على المواضيع التي تشغل بالهم، وتكون ذا تأثير مباشر على خصوصيات حياتهم ومفردات يومياتهم. وغالبا ما تأخذ هذه الأحاديث من الوقت هنيهة لتصبح بعدها في خبر كان، او كما نقول (تصير سوالف).

وقد مرت علينا نحن العراقيين كثير من هذه المواضيع خلال الحقب التي مر بها البلد، وهي لاتتعدى كونها حقبة سوداء وأخرى بني قاتم، وثالثة قد يكون لونها على أعلى درجات التفاؤل رماديا داكنا، إذ لاوجود لحقبة بيضاء في تاريخنا الحديث والمعاصر. ولو أردنا سرد المواضيع التي تهم المواطن لاحتجنا الى حديث الدقيقة والثانية واللحظة، لكثرة مواضيعنا وتشعبها وتعقيداتها وشمولها جميع مفاصل يومنا.

فمن حديث الفساد بصنفيه اللذين بدورهما يصنفان الى أنواع كثيرة تنخر الجسد العراقي أيما نخر، الى الحديث عن تدني الخدمات الإدارية والبنى التحتية، الى مشكلة السكن والبطالة الأزليتين، الى عار البطاقة التموينية التي فاق الزيف والتلاعب والسرقات والتحايل بمفرداتها حد العقل والتصور، الى الوضع الأمني الذي عشناه سنوات وهو لم يُبقِ بيتا او عائلة إلا وطالها شره وشرره. أما الطامة الكبرى التي لا يصفها حديث ولا تحتويها نقاشات، فهي غض النظر عن كل هذه الإحباطات والانهيارات من قبل المسؤولين عن حلها وفك عقدها، وركونهم الى موقف المتفرج والخانع، وبدل ان يضعوا أيديهم على نقاط الخلل ومكامن الضعف، وضعوا أياديهم (على خد الترف) ونأوا تمام النأي عن السعي الجاد، لإيجاد الحلول الجذرية والنهائية والناجعة لهذه المشاكل. وما يزيد الطين بلة، تركهم البلاد بلا عصب الحياة وجوهر ديمومة عملها، تلك هي الموازنة، فقد باتت الأخيرة أسطوانة مشروخة يتخذها المسؤولون عن إقرارها ذريعة وأحجية، بل ألعوبة يمررون تحتها مشاريع فسادهم اللامنتهية. والعجب العجاب أن الفساد والزيف والسرقات، هي ذاتها تُطبّق على واردات البلاد من مبالغ التعويضات التي من المقرر ان تصرف الى المنكوبين والمتضررين لاسباب شتى.

يذكرني تكرار الاختلاسات وانتشارها في مفاصل الدولة جميعها، بوزير المالية (ساسون حسقيل) إبان حكومة عبد المحسن السعدون في العهد الملكي، إذ جرى حديث بينه وبين وزير الداخلية ناجي السويدي، والحوار كان على مبلغ (45) دينار ضمن التخمين الاجمالي الذي قدمه ناجي السويدي الى وزير المالية لترميم بناية (القشلة).

قال السويدي: "ياسيد حسقيل لماذا اقتطعت (45) دينارا من الـ (300) دينار المخصصة لترميم بناية القشلة وفق تخمينات المهندس المسؤول؟

أجابه حسقيل: "يا سيد ناجي افندي ناقشت هذه المسألة مع المهندس في موقع العمل، ودار بيني وبينه حديث طويل وتوصلنا الى نتيجة مفادها بأن (255) دينارا تفي بالغرض".

فقال السويدي: "خلف الله عليك ساسون افندي أليس بالإمكان إعادة مبلغ التخمين الى (300) دينار، فالقشلة من المعالم التاريخية لبغداد.

فرد عليه ساسون: "يا سيدنا ناجي افندي ان الحفاظ على المعالم التاريخية في بغداد يجب ان يكون متوازيا مع الحفاظ على المال العام وبعيدا عن الإهدار. لأن الإهدار يجعل من المال (سائبا) والمال السائب يعلم السرقة".

ولا أظنني أضيف حرفا على ماقاله حسقيل سوى قولي: إن ساسون حسقيل يهودي ياساسة العراق المسلمين الصايمين المصلين المزكّين المخمسين الحاجين الطابخين النافخين.

***

علي علي

 

شهد المجتمع اليهودي في دولة الاحتلال منذ بداية 2023 صراعات واستقطابات سياسية واجتماعية حادة على إثر شروع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الانقلاب القضائي الذي هدف إلى إضعاف السلطة القضائية وإخضاعها للسلطة التنفيذية وما إلى ذلك ،حيث أدى الصراع بين حكومة نتنياهو وحركة الاحتجاج إلى تراجع شعبيته وائتلافه الحكومي.

واليوم في حربها على غزة تتعرض حكومة نتنياهو إلى عدد من التحديات بسبب انعدام ثقة الشارع اليهودي بها،ومن هذه التحديات انهيار قاعدة الأمن التي تعتمد عليها دولة الاحتلال في بقائها. وفشلها في حسم المعركة السريع الذي تعتمده الدولة في حروبها. وتكبدها الخسائر على جميع المستويات سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي،ثم فشل هذه الحكومة في تحقيق أهدافها في غزة من توعد لاجتثاث حركة حماس والقضاء عليها من خلال إغراق أنفاقها. والأهم فشلها وعدم قدرتها على استعادة الأسرى ،بل تعدى الأمر إلى قتل عدد منهم بنيران جيشهم.

وقد شهد حزب الليكود استقالة بعض أعضاءه منذ بداية الحرب من أمثال رئيس المجلس الإقليمي الذي قدم استقالته على الهواء مباشرة من حزب الليكود الحاكم قائلا أن السبب في ذلك هو فشل بنيامين نتنياهو في مساعدة سكان غلاف غزة وحمايتهم من صواريخ حركة حماس.

كما وجه عدد من المحللين وكبار الضباط العسكريين والمتقاعدين نقدا له على شاشات التلفاز بل ومطالبته بالاستقالة فورا وقبل انتهاء الحرب ،ما أدى إلى انهيار القاعدة المؤيدة له ولحزب الليكود وانخفاض المقاعد التي سيحصل عليها في الانتخابات المقبلة.

فهل من الممكن أن تؤدي هذه الإشكاليات جميعها إلى تكرار ما حدث في تشرين الثاني من العام 1995 عندما تم اغتيال رئيس الحكومة من حزب العمل "إسحاق رابين" على يد أحد المتطرفين اليهود على خلفية مفاوضات السلام التي بدأها رابين مع منظمة التحرير الفلسطينية؟ هل سيخرج أحدهم بدعم أحد الأحزاب أو حتى بدافع شخصي ليطلق رصاصة على رأس نتنياهو المتهم بتوريط نفسه في وحل الحرب لأسباب ومنافع شخصية؟

فإلى أين بنيامين نتنياهو؟ إلى الانزواء بعد الفشل الكلي على جميع المستويات والمعاناة مما عانى منه بيغن بعد اجتياح بيروت؟ أم نهاية كنهاية شارون؟ أم الانطفاء النهائي بطلقة طائشة؟

***

بديعة النعيمي

 

قصة الإنسان بدأت برسم اللغة وأصبح من خلالها التواصل والتطور والإبتكار ومنها بدأت الحكاية وتكونت ممالك وابتكرت القوانين والتي جاءت لحاجتها بالسيطرة على الإنسان وتنظيمه بمجتمع مدني تحت لواء قائد يقود زمام الامور فإذا إفترضنا بعدم حدوث هذا التطور والتقدم فتصوري لم تكن هناك إنسانية باقية وحتى لو كانت باقية لم تكن بهذا العدد وبلغت إلى هذا المستوى من التقدم والتحضر فمن منطلق ذلك قالوا إنّ الانسان هوَ محور الكون ‏عرفت الفلسفة عبر تاريخها تعريفات متعددة اختلفت في تحديد معناها كانت جلها قدح وتنقيص من قيمتها وأهميتها من قبيل انها ضرب من الكفر والزندقة والالحاد وتعمل على ترسيخ فكرة نكران الله وعدم الاعتراف بالدين وإنها كلام فارغ لا طائلة منه سوى مضيعة الوقق هذا المعنى المتداول عن الفلسفة ‏وكما تعلمون جيداً إنّ تفّسير المفاهيم والمصّطَلحات يخَتلف من مكان إلى آخر بإختلاف الأمكنة والأزمنة وما لهُ من تأثير في طريقة التعاطي مع الأفكار وتحليله وتفسيره من خلال الحصيلة المعرفية والتجربة الحياتية وهذه سنة الله في خلقه ونتيجة ذلك حدث هذا التطور الإنساني فالمعرفة كلها تراكمية وتتطور وتتغير لتواكب العصر والذي لا يتماشى مع ذلك سينتهي ويندثر وكم رأينا من أمم وحضارات فأصبحت كالهشيم تذروه الرياح فأصبحت نسياً منسيا كأنها لم تكن شيئاً يذكر ‏ وإذا أردنا أن نفهم أي مصطلح أو مفهوم ينبغي علينا أن نعود إلى نقطة البداية ولا يمكن ذلك إلا من خلال العودة للتاريخ ونجمع أكبر قدر من المعلومات للوصول إلى أقرب نقطة تقربنا للحقيقة أو هي الحقيقة بعينها فحتى لو لم نصل إليها فطريقنا إليها جزء من الحقيقة نقرب ونقارب فموضوع اليوم الفلسفة وتاريخها وتطورها ومن أهم المدارس الفلسفية وروادها سنذكرها كالآتي: المدرسة المثالية: أفلاطون المدرسة الواقعية: أرسطو المدرسة التجريبية أو البراغماتية: تشارلز بيرس المدرسة الوجودية: سورين كيركغور المدرسة العقلانية: سقراط، رينيه ديكارت المدرسة الوضعية المنطقية: برتراند راسل، رودولف كارناب. المدرسة الرواقية: زينون، ماركوس، سينيكا، ماركوس أوريلوس. المدرسة العدمية: فريدريك نيتشه، ماكيز دوساد. المدرسة المتعة واللذة: أبيقور، ميشيل أونفراي.

 الفلسفة وجدت حيث وجد العقل فالفلسفة تخضع تحت نطاق العقل والمنطق وبالتأمل في الاشياء وتفسيرها وتحليلها والغوص في أعماقها والاتيان بالحجج والبراهين لفهم الاشياء من جميع الابعاد الفلسفة نتجت عنها اللغات بجميع أشكالها وكينونتها فقبل خلق مصطلح الفلسفة هي كل ما ينتج من افكار تخوض غمارها عقلياً ومنطقياً لتتوافق مع قوانين الطبيعية فالفلسفة وجدت حيث وجد التفكير فكل العلوم والمعارف تراكمية فقصة الفلسفة هي كانت البداية فتفرعت منها شتى العلوم وظل مصطلح الفلسفة في عالمنا الاسلامي عامةً والعربي خاصةً مقرون بتفسير الغيبيات وقد أثير الجدل نحو ذلك وهذه من الاسباب التي تم الهجوم على الفسلفة ولأنها أيضاً تتعارض مع كثير من الافكار والمعتقدات التي لا تنسجم مع المنطق والعقل فلذلك يتم الهجوم عليها وتشويه هذا المصطلح ممن يدعونها ومن يرجع إلى تاريخ الفلسفة سيفهم القصة قبل ظهور أرسطو وأفلاطون وسقراط وفيثاغورث وحتى قبل ظهور اللغة والكتابة فقد وجدت الفلسفة عند وجود العقل فكما يقول رينيه ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود الفلسفة هي تفسير وتحليل الظواهر للوصول إلى ماهية الأشياء ونختم مقالنا بهذه العبارة الرائعة الفلسفة جائت من الإغريقية والتي تعني حرفياً "حب الحكمة والحكمة هنا لم يقصد منها سداد القول وإنما البحث والتأمل لمعرفة الحقائق وماهية الاشياء من حيث هيَ وإلى هنا قد وصلنا النهاية " . انتهى

***

زكريا الحسني

كاتب من سلطنة عمان

ما قامت به حكومة جنوب إفريقيا في رفعها دعوة ضد الكيان الاسرائيلي في محكمة العدل الدوليّة بـ (لاهاي)  سابقة تاريخية وإنسانيّة تُحسب لبلاد الزعيم الثوري الخالد نلسون مانديلا. وهي عدوة عجزت عن القيام بها حكومات أمّة إقرأ ن التي يزيد عدد (غاشيها) عن المليار والنصف. وهو دليل – رغم وجود علاقات دبلوماسية بينها وبين تل أبيب. لقد استطاعت جنوب إفريقيا أن تتجاوز المصالح الاقتصادية وتضرب بها عرض الحائط، وانتصرت للقيّم الإنسانيّة النبيلة، وعلى رأسها نصرة المظلوم مهما كانت جنسيته وموقعه ولونه ولغته وهويته، والوقوف في وجه الظالم مهما كانت قوته وهويّته. لقد عانت جنوب إفريقيا من الميز العنصري (الأبارتايد) عقودا من الزمن، منذ الغزو الاحتلال الهولندي والاستيطان الغربي. وذاق أهلها مرارة التعذيب والتقتيل والتطهير العرقي والإبادة الجماعيّة، وخبروا قساوة الظلم والعبوديّة. فلا غرو أن تُقدم حكومة جنوب إفريقيا، وتكون السبّاقة في المطالبة بمحاسبة مجرمي الحرب الصهيونيّة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة.

وما يثلج الجوانح حقا، تلك المرافعة التي أدّها المحاميّة الجنوب إفريقيّة، عديلة هاشم، بكل اقتدار ومهنيّة وموضوعيّة وروح إنسنيّة شفّافة، مقرونة بأدّلة دامغة ووقائع ثابتة، نقلتها كاميرات العالم، وشاهدتها عيون الأحرار عبر كوكبنا الأرضي إلاّ تلك العيون العمياء او الحولاء، وتفاعلت معها الضمائر الإنسانيّة الحرّة، الحيّة إلاّ تلك الضمائر التي رانت الله عليها أكاذيب الصهاينة وأوهامهم وأنبائهم المزيّفة.

و ممّا جاء في مرافعة المحامية الجنوب إفريقية عديلة هاشم، عضو الفريق الجنوب الإفريقي في محكمة العدل: " غزّة التي تُعدّ واحدة من أكبر الأماكن كثافة سكانية في العالم، هي موطن حوالي 2.3 مليون فلسطيني نصفهم تقريبا أطفال. خلال  96 يوما الماضيّة خضعت غزّة لما وُصف بأنّه واحدة من أشدّ حملات القصف في تاريخ الحرب الحديثة. الفلسطينيّون في غزّة يُقتلون بأسلحة وقنابل إسرائيليّة من الجوّ والبرّ والبحر، كما أنّهم معرّضون لخطر الموت الفوري، بسبب الجوع والعطش والأمراض، نتيجة للحصار المستمّر من قبل إسرائيل، وتدمير المدن الفلسطينيّة وعدم كفاية المساعدات المسموح بها للوصول إلى السكان الفلسطينيين، واستحالة توزيع هذه المساعدات المحدودة أثناء سقوط القنابل "

لعلّ العالم الغربي المؤيّد للصهاينة تأييدا مطلقا، وعلى رأسه الولايات المتّحدة الأمريكيّة وانجلترا، يستفيق من رعونته، ويستعيد وعيه، ويثوب إلى رشده، ويضع الحقيقة في موضعها. وإنّه لمن مصلحة العالم الغربي أن يدرك – قبل فوات الأوان – الخطر الذي تمثّله الإيديولوجيّة الصهيونيّة على شعوب العالم جمعاء. ويعي العقلاء أنّ الفكر الصهيوني لا علاقة له بالملّة اليهوديّة – الموسويّة، ولا بالإبراهميّة التي تروّج لها بعض الأقلام لثقافيّة الغربيّة والمنابر السياسيّة، بهدف ترسيخ فكرة التعايش السلمي في الشرق الأوسط، وترجمة فكرة حلّ الدولتين على مبدإ الأرض مقابل السلام . وهي أفكار يوتوبيّة ومساع فاشلة سلفا، لأنّ قائمة في نيّتها وغايتها على تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة، وعلى رأسها إخماد روح المقاومة في نفوس الأجيال الفلسطينيّة ، إضافة إلى زرع ثقافة النسيان وإعدام الذاكرة والاستسلام للأمر الواقع.

لقد عرّت الهجمة الشرسة على أهل غزّة الوجه الحقيقي البشع للصهيونيّة العالميّة - التي يريد الغرب وأذنابه من المطبّعين العرب والمطبّلين - وهو وجه عمل الغرب وسعى بكل الوسائل الماديّة والمعنويّة والأخلاقيّة إلى تجميله في غرف الزيف والخداع، وتقديمه للعالم في صورة أفلاطونيّة مثاليّة. وإنّه لمن المؤسف حقّا أن يصدّق العقل الغربي الأوهام والأساطير والتقاريرالزائفة  ويتغاضى ، بل يتعامى عن تصديق صور المجازر المروّعة والإبادة الجماعيّة في غزّة الأبيّة. إنّ صهاينة القرن الواحد والعشرين قد أطهروا للعالم - بقصد أو بدونه – أنّهم على استعداد تام لتدمير البشريّة وتعجيل يوم القيامة  بحجّة حقّ الدفاع عن النفس. فقد ألقت طائراتهم الحربيّة المصنّعة في الولايات المتصنّعة الأمريكية ودول الغرب، آلاف الأطنان على رؤوس السكان الأبرياء ؛ من الأطفال والرضع والنساء والشيوخ، ثم يأتي قادة الصهيونيّة إلى وصف جيشهم بأنّه أكثر أخلاقيّة في العالم. فكيف كان سيفعل بأهل غزّة لم يكن كذلك، كما زعم قادة الكذب والتزييف ؟ إنّه، فعلا، كما قالت العرب قديما (شرّ البليّة ما يضحك)، وإنّه لضحك مؤلم لوطأة المأساة الفظيعة.  إنّهم يكذبون كيّ يصدّقهم الغافلون، عملا بمقولة غوبلز (اكذب، اكذب حتى يصدّقك الآخرون).

لقد أفحم فريق الدفاع الجنوب إفريقي بالدلائل الدامغة والحقائق الثابتة المدعمة بالصور والمشاهد، الفريق الصهيوني، الذي ظهر مرتبكا، قلقا، ضائعا كجرذ في بالوعات  لندن العتيقة.   أمام هيئة المحكمة الدوليّة، لكونه لا يملك، في ملّفه، ما يمكن أن يغطّي شمس الحقيقة، و ينفي جناية الإبادة لجماعيّة والتطهير العرقي في غزة. وهو الذي أضاع محاميّه البريطاني بعض أوراقه وهو في الطريق إلى المحكمة للمرافعة، واختلطت عليه العبارات والجمل والكلمات. إنّه لمنظر يترجم ما وصلت إليه الفلسفة الغربيّة المتطرّفة والمتعجرفة.

إذا لم تسمّ الهجمة الصهيونيّة على الفلسطينيين في غزّة من جيش الهجوم الصهيوني - وليس جيش الدفاع كما يزعمون – إبادة جماعيّة، فما هي الوصفة المناسبة والتسميّة العادلة لها ؟ إذا لم يكن الحصار العسكري والمادي على غزّة ؛ قطع مواد الماء والكهرباء والدواء والغذاء، ومنع دخولها من المعابر المعلومة، كمعبر رفح، إذا لم نسمّه هذا كلّه إبادة جماعيّة ، فما هي التسميّة اللائقة به ؟ فإذا لم نسمّها كذلك، نكون قد ارتكبنا جناية لغويّة، مصطلحيّة. مفهوميّة. لقد تعوّد الفكر الغربي المتطرّف على تزييف هويّة الآخر، وسلب حقوقه اللغويّة، ومحو حسناته، وإلصاق السيّئات به. إنّ الشرق - في نظر الغرب – هو منبع التطرّف والإرهاب والكراهيّة، وهو مصدر الشرّ والتهديد. بينا الحقيقة أنّ الغرب هو المعتدي الحقيقي على الشرق. وهو الذي قام بتهجيرالصهاينة  وبعض اليهود المغرّر بهم إلى فلسطين، وبثّ فيهم روح العداوة للعرب والمسلمين والنصارى الفلسطينيين. وصوّر لهم فلسطين أرضا للميعاد، وجنّتهم الموعودة.

و الحقيقة، أنّ غباء الصهاينة وطمعهم وخبث سرائرهم، أعمتهم عن إدراك المغزى من وعد بلفور، وهو تهجير اليهود من أوربا والتخلّص منهم، بعدما أثخنوهم تعذيبا وقتلا وإبادة. وها هم الصهاينة يرتكبون، بكل عنجهيّة ورعونة، الإبادة التي تعرّض له أسلافهم  بعد سقوط الأندلس وأثناء الحرب العالميّة الثانيّة على أيدي الصليبيين المدعومين بالفكر الكنسي المتطرّف.

حسنا، لنفترض أنّ حماس منظّمة إرهابيّة ودمويّة، وأن الفلسطينيين القاطنين بقطاع غزّة كلّهم إرهابيّون، هل هذا يبيح لقادة الجيش الصهيوني " الذي يوصف بأنّه جيش دفاعيّ أكثر أخلاقيّة في العالم " أن يمارس الإبادة الجماعيّة ويحوّل غزّة إلى محرقة أشدّ اضطراما من المحرقة النازيّة.

ولنفترض أنّ أهل غزّة وحوش حيوانيّة - كما نعتهم أحد أعضاء مجلس الحرب الصهيوني – و قطعان من الذئاب والثعالب، هل يبيح ذلك قتلهم وإبادتهم بالشكل الوحشي. إنّه لمن العجب العجاب أن يرتكب الصهاينة جرائمهم الفظيعة على مرأى من العالم، الذي يتشدّق بالحريّة وحقوق الإنسان والحيوان.

إنّ منطق القوّة الضاربة والعنجهيّة والساديّة والاستعلاء، هو الذي يزجي أساطيل الولايات المتحدة وغلمانها الغربيين  في خوض غمار البحار والمحيطات البعيدة عن مياهها الإقليميّة وأراضيها، وكأنّها تمتلك تفويضا من شعوب الأرض كلّها. ولا أدري كيف يسير هذا التناغم بانسجام بين الجمهوريّة الديمقراطيّة الأمريكيّة من جهة والصهيونيّة من جهة أخرى، بين الحريّة والاستبداد، بين حقوق الإنسان والإبادة الجماعيّة. هل أصيب الغرب بالعمى أمام هذا الجنون الصهيوني؟ أم أذهب عقله سحرة فرعون؟.

إنّ ادّعاء الصهاينة بأنّهم ساميّون، لا أساس له من الصحّة، ولا تؤيّده سلوكاتهم وأخلاقهم وجرائمهم في حق الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود. إنّ الساميّة براء من الصهاينة، بل ما أبعد هذا الكيان الصهيوني عن الملّة اليهوديّة، الموسويّة، والعرق السامي. هل من شيّم السامييّن إبادة الأطفال والنساء والرضع الحدّج والشيوخ والمرضى والأسرى؟ هل من أخلاقهم قنبلة البيوت والعمارات الآهلة بالسكان ليلا ونهارا، ودون أدنى تمييز، بحجة محاربة الإرهاب؟ إنّ مناظر الضحايا المقطّعة أجسادهم، تهت الركام، والمبعثرة أشلاؤهم يمينا وشمالا، ليدمي القلوب، ولو كانت من حجر. إنّه دليل دامغ على مقدار الحقد والبغضاء والكراهيّة التي يكنّها الصهاينة للجنس البشري. لقد فاقت درجة الجنون. وأذهلت أحرار العالم شرقا وغربا جنوبا وشمالا . والسؤال الذي سيبقى عالقا، إلى أن يثبت العكس: هل يمكن أن يعيش الشرق الأوسط والعالم في سلام وطمأنينة وتعاون في ظلّ فلسفة دمويّة رعناء ؟ إنّ للحروب أخلاق، مهما كانت دوافعها وغاياتها، إلاّ هذه الحرب على غزّة، فقد تجرّدت من كلّ خلق إنساني، وبدت وكأنّ مضرمي نيرانها، من الصهاينة صمٌّ، بكمٌ، عميٌ، قد فقدوا عقولهم وعواطفهم وبصائرهم.

وأخيرا أجدّد التحية لدولة جنوب إفريقيا، ولفريقها القانوني الذي أبدع في مرافعته، وأظهر للعالم صورة ناصعة  للإنسانيّة الحقّة، التي لا يقف في وجهها البعد الجغرافي ولا الاختلاف الإثني والإيديولوجي والديني. إنّها آية من آيات التراحم والتكافل والمواساة.

***

علي فضيل العربي – أديب وكاتب جزائري

 

ان صمت الانظمة العربية عن كل هذه المذابح التي تقترفها دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ يشكل مثلبة كبيرة. ان لم اقل انها تقع في مسار اكثر من كونها مثلبة؛ فالأنظمة العربية تتدخل كوسطاء بين المقاومة والكيان الصهيوني وكأن الامر ليس له علاقة بمستقبل  اوطانهم وشعوبهم، اضافة الى ما يربط فلسطين بالأمة العربية من وشائج التاريخ واللغة والمصير المشترك، والى ما هو ذو صلة بهذا كله. ان ما حدث في السابع من أكتوبر؛ قد هشم كما يقول السنوار؛ اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر؛ فقد قهرته صولة فرسان المقاومة. ان الكيان الاسرائيلي لا يختلف في مجازره هذه، عن ما قام به الغرب وامريكا؛ فكلاهما قاما بالمذابح على مر كل تاريخهم، في فيتنام وفي امريكا اللاتينية وفي العراق وفي افغانستان، وقبلهما بقرون من الزمن؛ قام الامريكيون الاوائل؛ بتصفية الهنود الاحمر تقريبا، تصفية كاملة، لم يبق منهم او من ناجا منهم من المجازر والمذابح الامريكية، الا بضعة آلاف. الغرب الاستعماري هو الاخر قام بكل ما لا يمت باية صلة الى الانسانية، من محارق ومجازر ومذابح خلال سيطرتهم الاستعمارية في القرن العشرين. لقد بنى الامريكيون والغربيون بصورة عامة تطورهم وتنمية بلدانهم على دماء الشعوب؛ كي يستمروا في نهبها واخاضعها لهم، عبر دمى قاموا بصناعتها. لذا ليس غريبا؛ ان تدعم امريكا دعما حقيقيا، وايضا البعض من الدول الغربية؛ الكيان الصهيوني في ما يقوم به من قتل شامل لكل الفلسطينيين في القطاع، لم تقم به حتى النازية. فهي ثقافة استعمارية امريكية وغربية واسرائيلية؛ مترسخة في وجدان وضمائر وعقول المسؤولون في امريكا والغرب. لقد عمل الغرب وامريكا خلال عدة عقود، وبالذات خلال العقدين الاخيرين؛ على ترسيخ ثقافة الهزيمة في الوجدان العربي، وعلى بث روح القبول بالممكن الذي تمنحه له هذه القوى الاستعمارية. لكن رغم كل هذا، جاهدت وناضلت الشعوب العربية خلال القرن العشرين، نضالا داميا من اجل حريتها وسيادة اوطانها، لكنها كانت قد اصطدمت بجدار من الخنوع والانبطاح الذي مثلته؛ الكثير من الانظمة العربية. هذه الانظمة حاربت، او للصحة والدقة، الكثير منها وليست كلها؛ قد حاربت وقاتلت هذا النضال بكل من لديها وفي امكانياتها من قدرة قوة، بالإنابة عن القوى الاستعمارية؛ تثبيتا لأركان نظامها. فقد كانت ولا تزال هذه الانظمة هي من تقول لشعوبها؛ من ان امريكا لا يمكن مقارعتها فخيوط كل اللعبة الاقليمية والدولية بيدها. ان هذا يعني تماما؛ ان على هذه الشعوب ان تقبل بما تريد امريكا لأنها هي الاقوى في العالم؛ اذا ارادت هذه الشعوب ان تعيش بسلام واستقرار؛ بمعنى عليها ان تكون او ان تقبل بخضوع الانظمة التي يفترض بها؛ ان تمثلها وتمثل مصالحها؛ وبالتالي فقدان القرار السياسي والاقتصادي المستقلين، وما يجر هذا على الوطن من تكسير اعمدة السيادة، وعلى الشعوب من فقر وغيره الكثير جدا. السابع من اكتوبر حطم هذه المقولات وهذه الثقافة تحطيما كاملا، مهما كانت نتائج الحرب التي تشنها اسرائيل على القطاع وعلى كل الفلسطينيين؛ فأن تداعيات السابع من اكتوبر سوف تكون كبيرة جدا وواسعة وعميقة على الاوطان العربية وعلى القضية الفلسطينية. من المؤلم في اتجاه الركوع امام ما تريد وتطلب امريكا؛ ان تقوم البعض من الانظمة العربية، في المفاوضات التي تجري وراء الستار، وفي الغرف المظلمة؛ وتنفيذا للحلول التي تتقدم بها امريكا لإيقاف اطلاق النار في القطاع؛ منها على سبيل المثال وكما تقول بها التسريبات؛ ان تغادر قيادات المقاومة القطاع الى خارجه، الى احدى الدول او الى دول اخرى، ونزع سلاحها. الا يعني هذا؛ ان هذه الانظمة اولا؛ لا تمثل شعوبها، فهذه الشعوب واقصد بها الشعوب العربية هي داعمة ومساندة بقوة للمقاومة، وترفض كل طروحات امريكا والكيان الصهيوني، وثانيا تنطق بلسان امريكا واسرائيل، بالإنابة عنهما، وبالضد من إرادة شعوبها، وثالثا تقدم طوق نجاة للكيان الصهيوني ولنتنياهو. اسرائيل التي وفي ظل مجازرها هذه؛ تعاني من انقسامات داخلية، ووضع اقتصادي يسير نحو الاسوأ على الرغم من الدعم الامريكي له، كما ان الاثمان باهظة على هذا الكيان الصهيوني. أما من الجانب الثاني فان نتنياهو هو الأخر يخشى من العواقب التي تنتظره بعد انتهاء حربه على الفلسطينيين، وما سوف يتعرض له من محاكمة قد تقود او تدفع به الى السجن. عليه فانه يصر على الرغم من ان كل الخبراء العسكريين والاستراتيجيين الاسرائيليين؛ يقولون من ان اسرائيل سوف تخسر هذه الحرب، حتى لو استمرت لعدة شهور، وان المقاومة سوف تنتصر، يقول هؤلاء الخبراء، ان اسرائيل حتى لو افتراضا يقولون تمت خسارتها عسكريا، فان المقاومة قد ترسخت في عقول وضمائر الفلسطينيين، اكثر عمقا واتسعا، مما هي اصلا مترسخة ليس في القطاع فقط، بل حتى في الضفة الغربية، ويضيفون مع ان هذا لن يحدث؛ فإسرائيل تتكبد يوميا خسائر كبيرة في الجنود والمعدات، وتحرج حلفائها الامريكيون، وتضعهم في مربع يخسرون خططهم الدولية المتعددة فيه، ان استمرت هذه الحرب على الشكل والمسار الذي تسير فيه من قتل عشوائي. الامريكيون لا يعارضون حرب المجازر الاسرائيلية هذه، بل يريدون من اسرائيل ان تخفف اشتعالها؛ حتى بلوغ اسرائيل لأهدافها. في هذا الاتجاه تنحصر الإرادة الامريكية في ايجاد مخرج لوقف اطلاق النار بالطريقة، سابقة الذكر في هذه السطور، بالاستعانة ببعض الانظمة العربية؛ في انضاج هذه الحلول التي تضمن لإسرائيل تحقيق اهدافها، وتقديمها على طبق من ذهب للكيان الصهيوني. لأول مرة؛ تكون امريكا واسرائيل في وضع صعب، وتفقدان الامساك بخيوط اللعبة والسيطرة على كرتها المنزلقة على اراضي لزجة، بعد السابع من اكتوبر. امريكا تحاول بجهد جهيد على الاحتفاظ بالإمساك والسيطرة على مداخل ومخارج الصراع على عدة جبهات في العالم؛ في اوكرانيا، وفي تايوان، وفي بحر الصين الجنوبي، وفي المنطقة العربية. ففي حرب اوكرانيا؛ بدى بوضوح، ان امريكا على طريق خسارتها هذه الحرب لصالح روسيا. ان هذا التطور اذا ما تم او واصل تطوره حتى المحطة النهائية، في تحقيق روسيا اهدافها من غزوها لأوكرانيا؛ تكون عندها الخسارة الامريكية، خسارة استراتيجية. ان هذا هو ما يفسر، اضافة الى عوامل أخرى، في الداخل الامريكي، وفي الفضاءات الدولية، وفي المنطقة العربية؛ الضغط الامريكي على البعض من الانظمة العربية، بالمساعدة، في ايجاد طريقة، لتسكين المجازر الصهيونية، تسكينا جزئيا وليس تاما، إنما لصالح اسرائيل. اسرائيل هي الأخرى ايضا تعرضت بعد السابع من اكتوبر الى ازمة وجود؛ هناك في الداخل الاسرائيلي، انقسامات افقية وعمودية، في الاحزاب والقوى السياسية، والطبقة الحاكمة، وفي المجتمع الاسرائيلي، الذي تعرض الى اهتزاز الشعور بالأمن والامان لدى السكان، وترسخ في عقولهم ونفوسهم من أنهم يعيشون حياة قلقة تفتقر الى الاستقرار، بل تسود فيها الفوضى والاضطراب وعدم اليقين من المستقبل لهم ولعوائلهم وابناءهم واحفادهم. ان ما قامت به المقاومة الفلسطينية، من ملحمة تاريخية في طوفان الاقصى؛ سوف تكون لها، تأثيراتها على القضية الفلسطينية، وعلى الوطن العربي، وعلى العالم.. في الختام اتقدم بالتحية والتقدير والامتنان لأبطال المقاومة الفلسطينية في غزة، وفي اليمن (حركة انصار الله) وفي غير اليمن. اقول: ان المنجز التاريخي كلما كان كبيرا، لجهة التحولات الكبرى، كانت التضحيات جسيمة..

***

مزهر جبر الساعدي      

 

أوهمونا بأن تأريخنا دموي متوحش فتاك، وغرسوا هذا الإدعاء في الوعي الجمعي عبر الأجيال، بينما التأريخ الغربي يمثل أفظع مسيرة دموية عبر العصور، فالدول المؤلفة للإتحاد الأوربي، مسيرتها حروب قاسية على مدى الأيام حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما إستفاقت بعض النخب وقررت أن ترجم التأريخ وتبدأ صفحة حياة جديدة، فكان لها ما أرادت فتقدمت وتطورت في النصف الثاني من القرن العشرين، وأمسكت بزمام القوة والسيادة الأرضية.

وتأريخنا ناصع وفيه من القيم والمساهمات الحضارية ما يدعو للفخر والإعتزاز، وتجدنا نبخس إنجازاتنا العلمية والمعرفية، ونتوهم بأنه دم، ونترجم ذلك بسلوكياتنا المعاصرة المطلوبة لإبعادناعن حقيقتنا ولتدمير جوهرنا الإنساني.

فماذا درسنا في كتب التأريخ المدرسية؟

هل وجدتم فصلا يتحدث عن العلماء ورموز الحضارة؟

ما تعلمناه هو تأريخ الكراسي والسلاطين والحروب والبطولات، التي تعني سفك الدماء وقطع الرؤوس وحرق المدن، وغيرها من السلوكيات الفائقة التخريب.

ألا تساءلنا لماذا يوضع بيننا وبين تأريخنا الحقيقي الزاهي المنير؟

لماذا يكررون البطولات الوهمية، وتحويل البشر الفاعل إلى موجودات خيالية لا تمت بصلة إلى الحياة الدنيا، وكأنهم كينونات ضوئية تمرق بيننا ونبقى نتصورها كما يحلو لنا.

معظم ما كتب عن الخلفاء والسلاطين أكاذيب لترويج السمع والطاعة، وإضفاء الهيبة على الكراسي المستحوذة على السلطة، ولا تزال الحالة كما عهدتها الأجيال تتكرر بآليات أخرى.

ففي تلك الأزمان كان الصوت الإعلامي للدول، المؤرخون والشعراء وخطباء الجُمع، فهل يستطيع الواحد منهم قول كلمة حق؟

علينا أن نتحرر من قبضة الأوهام المحشوة في رؤوسنا، فتأريخنا أبيض، وتأريخهم أحمر وأسود، وقد دفنوه ودنسوا تأريخنا بمفرداتهم الدامية.

أحرقوا تأريخهم وأولعونا بتأريخنا وبديننا!!

فهل صدق المقال؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

اعتادت دولة الاحتلال أن تأخذ بالحسبان عددا من الأسس في سياستها الأمنية ضد أعدائها. وكان امتلاكها لأجهزة استخباراتية متطورة من ضمن هذه الأسس. ومن المعروف أن أهمية هذه الأجهزة تتلخص بتزويد قيادتها بإنذارات سابقة تتيح لها التصدي لأي عدوان من خلال استدعاء قوات الاحتياط وتجهيز الأسلحة بكافة أنواعها وتهيئة الجبهة الداخلية لصد أي هجمات صاروخية في حال تعرضها لذلك.

ولكن ما شهدناه في ٧/ أكتوبر/٢٠٢٣ أثبت فشل هذا الأساس،حين شنت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية عسكرية بهجوم صاروخي باتجاه المستوطنات الجنوبية والشمالية والشرقية تزامنا مع اقتحام بري من أفرادها عبر سيارات رباعية الدفع ودراجات نارية بالإضافة إلى طائرات شراعية،حيث سيطروا على عدد من المواقع في مستوطنات غلاف غزة.

ومن الأسس أيضا ما يعرف بالجيش الرادع. وكنت قد ذكرت في مقال سابق بعنوان (الحرب غير المتكافئة) بأن طبيعة وشكل الحروب التي تخوضها دولة الاحتلال تغيرت فهي لا تواجه دولة أو جيشا إنما باتت في حروبها تواجه فصائل مسلحة. وقد مر جيش الاحتلال بمثل هذه المواجهات في غزوه للبنان عام ١٩٨٢ وفقد خلاله قدرته على الردع، حين واجه وحدات صغيرة من المقاتلين. وأعيدت الكره فيما بعد في حروبه جميعها حتى اليوم ٢٠٢٣_٢٠٢٤ في حربه على غزة ،وها هو يفقد ردعه ويتكبد الخسارات على جميع المستويات.

ومن الأسس الأخرى الضربة الاستباقية. وقد كانت ناجحة في حروبها السابقة مثل حربها على مصر ٥٦ وحرب الأيام الستة. أما اليوم فقد فشلت في كسب الضربة الاستباقية لأنها كانت من نصيب الفصائل الفلسطينية كما ذكرنا.

ومن الأسس التي تعتمد عليها دولة الاحتلال في ربحها للمعارك الحرب السريعة. فهي ملزمة أن تكون لديها القدرة على الحسم السريع لأي حرب تخوضها. ذلك لأنها تقوم باستدعاء الاحتياط وتجنيدهم ،الأمر الذي من شأنه التأثير على اقتصادها ،لذلك فإنه لا يجب أن تطول أي حرب أكثر من عشرين يوما.

واليوم دولة الاحتلال تخطت المائة يوم في حربها على غزة ،ما يعني أنها قد أضافت فشلا آخر وانهيار في أساس تعتمد عليه في منظومتها الأمنية.

وهناك أساس آخر وهو تدمير صواريخ الخصم قبل وصولها إلى أهدافها لكننا رأينا كيف فشلت القبة الحديدية جزئيا في التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية.

أما الأساس الاخير فهو لجوئها إلى استخدام السلاح النووي وهذا ما لم تجربه دولة الاحتلال بعد ولا زال استخدامه في ضبابية التوقعات.

***

بديعة النعيمي

 

كان يُفترض أن يكون عمود الصفحة الأخيرة من جريدة الصباح لهذا اليوم الثلاثاء من حصة الكاتب الساخر الكبير حسن العاني، لكننا سنقرأ بدلاً من قطعة أدبية ساخرة خبراً عن رحيل فيلسوف البسطاء، ولا أعرف ما الذي كان حسن العاني سيكتب لو عاش يوماً آخر في ظل كوميديا الديمقراطية العراقية التي وصفها ذات يوم بأنها:

" أتاحت فرصة ذهبية لرسم صورة مشرقة، وخير دليل على ذلك أن المسؤول يمارس الديمقراطية حيث يكتفي بمشاهدة التظاهرات والاعتصامات، وسماع طلبات المتظاهرين، ولم ينفذ منها طلباً واحداً، لأن مهمته الرئيسة هي المشاهدة والاستماع فقط " .

يرحل حسن العاني ليسدل الستار على مرحلة مهمة من فن الكتابة الساخرة، والنابضة بالحياة ، والمشبعة بالوطنية ، ونفتقد واحداً من دراويش الصحافة الذين اختلط عندهم الواقع بالحروف ، فلم تكن هناك حدود فاصلة بين لوحة الحياة التي ظل يعيشها بكل مصاعبها، ولوحة الكتابة التي أراد لها أن تكون صادقة ومعبرة.

منذ أن ترك مقاعد التدريس ودخل أبواب صاحبة الجلالة ، وحسن العاني يحمل العراق على كتفيه الهزيلتين، وكانت وصيته الأخيرة في آخر مقال نشره الثلاثاء الماضي تحمل هماً عراقيا خالصا :" كل مواطنٍ من أبوين عراقيين بالتولد، يجب أنْ يعبّرَ عن انتمائه العراقي عبر أية وسيلة لخدمة شعبه والنهوض ببلاده، بغض النظر عن بساطة تلك الوسيلة أو الخدمة، طالما كانت النوايا إيجابيَّة" . كانت الحياة بالنسبة له ورقة بيضاء يرحل خلالها مع هموم الناس، رحلة ربما تجاوزت النصف قرن، مليئة بالصور الساخرة بالغة الوضوح والمعنى، تمنح صاحبها لقب فيلسوف البسطاء، والناطق الرسمي بعرض همومنا جميعا .

عاش حسن العاني مهووساً بالتفاصيل، وهذا سر اختياره الكتابة الساخرة ، يعلن بشيء من التواضع: " أنا في الحقيقة لم أنتقل من الرواية، أو القصة تحديداً، إلى الصحافة، فأنا لم ولن أتنازل عن هويتي الحقيقية كأديب، وإلى مرحلة عمرية متقدمة.ولي موقف مضاد للصحافة، لكن في العام 1976 عُينت مسؤول قسم في جريدة العراق، وبحكم ذلك العمل حاولت الغوص في الكتابة الصحفية، واستحسان زملاء العمل لما كتبت دفعني للاستمرار بهذا العمل، ليس حباً له وإنما اتخذته كمصدر رزق لا أكثر." ، ورغم هذا فانه اقتحم عالم الصحافة مفعماً بالحيوية ومشحوناً بطاقة خفية، متخذا من الكتابة مغامرة ممتعة برغم مخاطرها.

لم يكن حسن العاني يكتب كي يُضحك الناس، بل كي يذكرهم بما يحيق بهم، ويوصيهم بسخريته المعهودة :" لا تنتظر أنْ يتحقق أي حلمٍ من أحلامك السعيدة في يومٍ من الأيام، ولكن لا تتوقف عن الأحلام لأنها أفضل وسائل الترفيه عن النفس".

***

علي حسين

من المُحتملِ أن يُؤثر السُّلوك الِاستهلاكِي على كُل وجُوهِ حياتنَا، فالكلُّ اليوم يعِيش تحت ضغطِ أن نستهلِك أَكثر، رغم جُنون الأسعار وبِذلِكَ صرنَا سِلعًا في أَسواقِ الِاستهلَاكِ.

ومع انتشار شبكاتِ التواصلِ الِاجتماعِي وسهُولةِ نَشر الإِعلاناتِ حيثُ يتعرضُ المرءُ لِقصفٍ مُتواصلٍ منْ الإِعلَاناتِ حتى يقتنعُوا بِحاجتهِم الحتميةِ لهذهِ السِّلع المُعلنِ عنهَا، ولِشِراءِ مَا يظُنونَ أنهُم يحتاجُونهُ فإِنهُم أمام خِيارَينِ- أولًا:- الهجرةُ خارج الوطنِ أَو يعملُونَ لِساعاتٍ أطول لِكسبِ مزيدٍ من المالِ، ولِكونهِم بعيدِينَ عن أُسرهِم لِسنواتٍ أَو كانُوا دَاخل المُجتمع لِتِلْكَ الساعات المُمتدةِ فإِنهُم يُعوضُونَ غِيابهُم هذا بِهدايا ثمِينةٍ تُكلفُ عِبئًا ومزيدٌ من المالِ، وهُو مَا أسماهُ أحدُ العُلماءِ (بِ تَمدِينهِ الحُب) أي جَعلِ الحُب ماديًّا.،،، إِن هَذَا الِانفِصالَ العاطفِي والغياب الجسدِي عن المنزلِ يَجعل أَفراد الأُسرةِ الواحدةِ غيرَ قادِرِينَ على تحمُّل حتى الخلَافاتِ التافِهةِ،، مما لَا يحتملُهُ العيشُ تحت سَقْفٍ واحِدٍ، لقد أَدى الِانشغَال بِالحُصولِ على مزِيدٍ مِنْ المالِ لِشِراءِ مَا يظنُّ أنهُ ضرُورِي لِتحقِيقِ السعادةِ إِلى عدمِ وجُودِ وقتٍ لِلحوَار والتفاهُم والمُشاركةِ والتعاطُفِ.

إِذنْ فسيادةُ المُجتمع الِاستهلَاكِي قد أَدى إِلى أَمرَينِ: أَولهُما ذُبُولُ التكافُلِ الإِنسانِي في المُجتمعاتِ مدنِية ورِيفِية، والثَّانِي:- اضْمحلَال قِيم التراحُم والتشارُك في الأُسرة فالعولمة الِاستهلَاكِية أَصبحتْ تحديًا أخلَاقِيًّا. فَبعد غِيابٍ طويل مِن رَبِّ الأُسرة، وعودتُهُ يحدثُ خِلافٌ لِأن الأَبَ كانَ عِبَارةً عن آلَةٍ ماديةٍ لِسعادةِ الأُسرةِ فقطْ فيحدثُ انفِصال بين الزَّوجِ والزَّوجَةِ بعد هذا العُمر الطوِيلِ وقد أَشار إِلى ذَلِكَ [عالمُ الِاجتِمَاعِ البُولندِي زيجمُونت باومان] في كِتابةِ (الأَخلَاقِ فِي عَصرِ الحدَاثةِ السَّائلةِ \"حيثُ إِن مفهُوم المسؤُوليةِ الذي كان في الماضي مُرتبطًا بِالوَاجِبِ الأخلاقِي والِاهتِمام بِالآخر، ارتبط اليوم  بِتحقِيقِ الذاتِ، فأَصبحَ الِاستِثمار في الذاتِ هُو مشرُوع الفردِ الوحِيدِ. هُنا قامت السُّوقُ الِاستهلَاكِية بِتجريدِ مفهُوم التكاتُف الِاجتِماعِي الذي يُعززُهُ الوُجود المُشترك مِنْ قِيمتهِ. وإِذا كان العُلماء فِي الماضِي يروْنَ أَن المُجتمع بِدعةٌ اختُرِعتْ لِجعلِ الِاجتماعِ الإِنسانِي المُسالِم مُمكِنًا لِكائِناتٍ أنانِيةٍ بِالوِلادةِ، فإِنَّ الحدَاثةَ السائِلَةَ جُعِلت منْ المُجتمعِ حِيلةً لِجَعلِ الحيَاةِ الأنانِيةِ قابِلَةً لِلتحقِيقِ لكائِناتٍ أَخلاقِيةٍ بِالوِلَادةِ، وذلِكَ بِالحدِّ منْ المسئُولياتِ تجاهَ الآخرِين.

أَصبحنَا نعِيشُ فِي مُجتمع ماديٍّ مُجردٍ مِنْ الأخلاقِ.

*** 

محمد سعد عبد اللطيف - مِصر

انحنى طفل في سن الرابعة بكل حنو على أخيه الأصغرفي الثانية من عمره الراقد على أرض المستشفى يلقنه في هدوء شديد شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كان الصغير يحتضر وهو غارقا في دماء تسيل من كل عضو فيه ويكاد لا يرى أحدا، عيناه زائغتان لأعلى ولا يكاد يسمع من صوت أخيه الذي ما زال يواصل بصبر جميل تكرار تلقينه الشهادة، طغى صراخ الوجع وتعالى بكاء الألم في كل أرجاء قاعات العلاج مع وصول أطفال أبرياء آخرون غيره، ضحايا ومصابون يتوافدون وآخرون ممزقين وأشباه جثث محمولين على أكتاف آبائهم، دماؤهم تقطر على الأرض وهم لا يدرون بأي ذنب يقتلون.

توثق دماء الرضع والأطفال ضحايا الإجرام الصهيوني رسالة للعالم أن قضية غزة صارت مسألة عزة،وستكون دماؤهم مدادا لآبائهم لمواصلة كتابة شهادات تاريخية جديدة على قتل أبنائهم صغاراوهم لا يدرون لمقتلهم سببا. سيبقى طيف أرواحهم يمثل أمام أعين المجرمين يعذبهم في الحياة ويؤرقهم في الممات ويتبعهم في الموقف العظيم بأي ذنب قتلوا .

لم يعد أمام أطفال فلسطين أفاقا ليحلموا لأنهم لا يتوقعون أن يعيشوا طويلا، بل لم يعد لهم رجاء لغدهم لأن يشعرون بالموت يترصدهم في كل وقت وفي كل حين، وأن رحيلهم القريب عن الدنيا وأصبح مسألة وقت فقط يحسب بالساعة ليس أكثر وما يزيد عن ذلك فهو فضل ونعمة من الله له الحمد وله الشكر، سقف آمالهم في الحياة أصبح منخفضا جدا، وأنه لم يعد لصغارهم في الدنيا ما يبكون عليه، لم تمنحهم الأيام الفرصة للتعبير عن وطنيتهم، ولكن قضت إرادة الله أن يكونون سعداء وقد اختارهم مبكرا إلى جواره وسيكونون فرحين بما آتاهم من فضله الواسع .

".. وبشّر الصابرين.." كلمات طيبة لآية كريمة من لدن العزيز الحكيم لعباده المؤمنين، عمق معناها ترياقا للنفوس المفجوعة في رحيل أبنائها الصغارالذين لن يدخلوا الجنة إلا مع والديهم مهما كانوا .. هذا جزاء عظيم لمن صبروا على قضاء الله تعالى وقدره وصابروا إلى حين يأتي اليوم الذي يشفي فيه المولى عز وجل صدور قوم مؤمنين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

***

صبحة بغورة

من خلال الكتب يتكلم التاريخ وبموتها يصمت..

عندما اجتاح المغول مدينة الحضارة الأولى بغداد بقيادة هولاكو خان أقدموا على حرق بيت الحكمة والذي يحوي الكتب القيمة في مختلف المجالات، كما ألقوا الكثير من الكتب في نهري دجلة والفرات وفتكوا بالكثير من أهل العلم والثقافة، فأخرسوا جزءا طويلا ومهما من التاريخ.

ولأن اليهود هم مغول وبرابرة هذا العصر فقد كادوا للكتب والمؤلفات الفلسطينية فبعد قيام دويلتهم على أنقاض أهلها الشرعيين، أقدموا على إبادة أكثر من ٢٦٣١٥ كتابا في شكل جديد وفتاك للتعامل مع الأملاك الحضارية. وامتازت هذه الأشكال بهدم منهجي للحضارة والكتب والمكتبات، وهذا الهدم لم يكن عن عبث أو أنه غير مقصود، بل نستطيع القول أنه نتاج مبرمج للاحتلال والشراسة السياسية وجزء لا يتجزأ منه.

ففي بداية حزيران من العام ١٩٥٧ عبر مدير قسم مستودعات الكتب اليهودي للسيد سلمون مدير قسم المعارف العربية في ذلك الوقت عن أسفه جراء عدم السير قدما في" إبادة الكتب العربية.. وفي غضون ذلك انتهت مناقصة المحاسب العام لبيع نفايات الورق ولذلك تستطيع السير قدما" انتهى قوله..

 وهنا وردت كلمة إبادة الكتب وهي كلمة بربرية تغتال ذاكرة شعب بل حضارته وتاريخه. وهذا ما سعت وتسعى إليه دولة الاحتلال لإلغاء الآخر وإحلال شعبا آخر لا جذور له مكانه.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ دمر القصف اليهودي البربري أكثر من ٧٠% من المكتبات العامة والخاصة في القطاع. فمثلا قام العدو بقصف مكتبة بلدية غزة ولم يسلم أي من كتبها أو مقتنياتها التاريخية من القصف. حيث كانت المكتبة مؤلفة من ثلاث طوابق تضم عددا كبيرا من الوثائق التاريخية ومجلدات تحتوي على صحف فلسطينية قديمة. كما تم تدمير الأرشيف المركزي للمدينة التابع لبلدية غزة والذي كان يحتوي على وثائق تاريخية مهمة جدا يتراوح عمرها ما بين مائة إلى مائة وخمسين عام. كما أقدموا على قتل عشرات علماء ومفكري القطاع.

كما لا نستثني المدارس بمكتباتها ومستودعاتها التي تحوي آلاف الكتب سواء التعليمية منها أو تلك التي تمثل جميع المجالات سواء الأدبية أو الفلسفية وغيرها. فنقلا عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قالت بأن قصف طائرات الاحتلال أتى على ٢٨١ مدرسة حكومية و ٦٥ مدرسة تابعة لوكالة الغوث (أونروا). وبذلك يكون قطاع التعليم بمكتباته وكتبه أحد ضحايا الإبادة لهذه الحرب.

فإذا افترضنا إعادة إعمار المكتبات والمدارس، كيف سيعاد ما أبيد من كتب إلى رفوف المكتبات الجديدة؟.

***

بديعة النعيمي

 

أتابع المقالات التي يكتبها المفكر السعودي توفيق السيف في جريدة الشرق الأوسط، وكنت ومازلت مغرماً بكتابه "رجل السياسة: دليل في الحكم الرشيد " الذي يثير من خلاله الأسئلة عن مفهوم السياسة وعلاقة المواطن الفرد بمجتمعه، وآليات الحكم الرشيد.

في المقال الأخير الذي نشر قيل أيام بعنوان " صناعة الكآبة " يناقش مقالاً نشره الصديق إياد العنبر بعنوان " العراقيون في 2024: بين التشاؤم والأمل " حيث يرى توفيق السيف أن دور النخب والمثقفين، تقديم أفق للمستقبل بدلاً من الاستغراق في التشاؤم والبكاء على الأطلال ".

ربما يمكنني أن أزعم أنني أكثر من طالب بإشاعة التفاؤل، وكنت أسخر من الذين يشيعون الكآبة وأحاول من خلال هذه الزاوية المتواضعة بث الأمل في نفوس العراقيين. ولكن ماذا نفعل ياسيدي ونحن نعيش مع ساسة ومسؤولين حولوا مؤسسات الدولة إلى سيرك كبير يستعرضون فيه مهاراتهم في الضحك على عقول الناس، وكان آخرها ما حدث في الجلسة الأخيرة للبرلمان، وكيف نُصب مزاد بيع كرسي رئيس البرلمان.

منذ سنوات والمواطن العراقي المغلوب على أمره لديه مشكلة أساسية مع ما يقوله الساسة والمسؤولون عن الفساد والإصلاح، وتراه يضحك في السر ويتجهم في العلن كلما شاهد مسؤولاً سابقاً أو حالياً يذرف الدمع على حال العراقيين، ويطلق الزفرات والآهات على أحوال البلاد والعباد، والأموال التي سلبت في وضح النهار. فالمواطن المتشائم مثل حالي يعرف جيداً أن القضية لم تعد مجرد تفاؤل وإصلاح، بل إخراج العراق من دوامة الفشل والانتهازية والطائفية، وقد أعطيت نفسي مثل أي مواطن عراقي أكثر من فرصة أتفاءل فيها وانتظر ما سيفعله السادة المسؤولون الأفاضل، وكنتُ مراهناً نفسي على أنّ البعض منهم سيخلع "معطف" الطائفية، ويرتدي ثوب رجل الدولة، ويبدو أنّ المتشائم ينتصر كل مرة، مثلما اخسر الرهان كلما راهنت على مسؤول عراقي.

أعرف جيداً ياسيدي أن على الكاتب والأكاديمي والمثقف أن يضيء شمعة بدلاً من أن يلعن الظلام، وأعرف أن من المؤسف أن لا يكون لدى الكاتب ما يكتبه للقرّاء سوى التشاؤم والسخرية من الأمل، ولكنني سأترك "المتشائم " جانباً وأتمنى على أحزابنا التي تخوض معركة كسر العظم من أجل كرسي رئاسة البرلمان أن تخبرنا ماذا ستختار: السعي إلى المستقبل أو الإصرار على التبرّك بالماضي، نظام سياسي يعتمد على الكفاءة والنزاهة أم نظام يصفّق للمحسوبية والانتهازية؟

هذه الأسئلة وغيرها تشغل بال معظم العراقيين المتشائمين مثل جنابي، الذين يدركون أنّ صناعة الفشل لا تقلّ خطراً على العراق من صناعة الإرهاب، مثلما يدركون ان صناعة الفرح والتفاؤل تحتاج الى ساسة ومسؤولين يرون ويسمعون ويقرأون هموم الناس جيداً.

***

علي حسين

من البديهي تأثر اللغات وهي قديمة قدم الإنسان ولولاها لبقي كباقي الحيوانات دون أن يحدث أي تغيير في حياته والتي تعد وسيلة التفاهم بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة على مر السنين ببعض المصطلحات الدخيلة عليها نتيجة

الاختلاط والتداول والتعامل معها دون قصد حتى غدت من اللغة الأم لا سيما بعد تأثر المجتمع بعالم التكنولوجيا وعصر العولمة والانفتاح على القرية الصغيرة (العالم) من خلال الشبكة العنكبوتية ليتباهى البعض بإستخدامها كظاهرة حضارية أو ثقافة دون معرفة مدياتها وتأثيرها في المستقبل على لغة الأم عبر الأجيال والتي قد تكون في مهب الريح حيث تعتبر اللغة هي الهوية التي يفصح عنها الفرد تبعيته بمجرد أن ينطق بها لكن تطعيمها ببعض المصطلحات وتبديل بعضها وتداولها بشكل يومي حتى باتت تتردد على ألسنة الشباب من باب التفاخر وتناسي بعضها بقصد قد يؤدي إلى تفكيكها لتشكل بعد حين لغة ركيكة غير مفهومة لدى البعض من المحافظين على لهجتهم المحلية فلكل قوم لغته الخاصة وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما طرق سمعي لمصطلحي (ترند وهاشتاغ) إندهشت وتحيرت حتى بحثت عن معانيهما في القاموس ومثلها (لايك) و(بيج) و(كومينت) و(بوست) و(مسج) و(سيرج) و(كوبي بيست) وغيرها كثير فهذه معاناة البعض من المثقفين فكيف بالبسطاء من أهلنا؟

عليه ينبغي على الآباء والأمهات وانطلاقا”من الوازع الإخلاقي والإجتماعي الحفاظ على اللغة التي تفوهت بها ألسنتنا منذ الأيام الأولى من طفولتنا البريئة وعدم السماح بالتلاعب بها بأعتبارها من الموروث الشعبي والأصالة التي تميزنا عن غيرنا ولا تحتاج الى تحديث أو تطعيم أو إعوجاج في اللسان كما يفعله بعض الدخلاء المحسوبين وفي حالة تمازجها مع لغة أخرى فالأفضل التكلم بلغة جديدة وتعلمهاكي نأمن شر القوم كما يقال حيث نجد صعوبة وحرج بين وسط أفراد من مجموعة لغوية أخرى لا نجيدها ولا حاجة لإختلاط لغتنا بكلمات بعيدة كل البعد عن ثقافتنا وحضارتنا وأخص بالذكر اللهجة الشنكالية التي نتفرد بها ونتذوقها ولا يجيد لكنتها الاٌ الشنكالي الأصيل وما أعذبها وأجملها بين اللهجات لذا لابد من الحفاظ عليها في صيغتها وقالبها الذي تعلمناه وعدم إنصهارها في لهجات أخرى فكل أمة تفصح عن روحها في الكلمات التي تستعملها وتحافظ عليها جيلا بعد جيل.

***

حسن شنكالي

أمضينا أكثر من قرن ننادي بشعارات وأهداف متنوعة، وبعد تلك المسيرة المشبعة بالحروب والأحداث، وصلنا إلى ما دون خط الشروع.

فلماذا؟

البعض ما عاد يرى جدوى كلمة الأمة، والوحدة والمصير وغيرها.

لقد عصفت بفكرنا حقيقة واضحة دامغة مفادها، أننا حولنا القوانين إلى نظريات، والممكن إلى غير الممكن، فتوجهنا نحو واقع قائم وحولناه إلى نظريات نصوغ منها أهدافا وشعارات.

فالعرب أمة واحدة منذ أن وجدوا وحتى بدايات القرن العشرين، وعندما أخذوا ينظّرون ويقلبون المخروط على رأسه، بدأت تسير بقوة من الوحدة إلى التجزأة، ومن التفاعل الإيجابي الشامل بأركانه الإقتصادية والثقافية والعسكرية، الى التفاعل السلبي الشامل، فأصبحت كل دولة منعزلة عن الأخرى، والسفر بينها متعسرا، وكان أسهل، وكذلك إنسياب التبادل التجاري والثقافي، أي أنها مع الزمن إزدادت عزلة عن بعضها، بموجب نظرياتها التي تنقل الواقع إلى خيال.

فالوحدة بمعناها العملي كانت قائمة وفاعلة، فأريد لها أن تكون نظرية، ولكي تكون كذلك يجب إجتثاثها من الواقع، فنحن نريد نظرية الوحدة ولا نريد الوحدة، ونظرية الحرية لا الحرية، وتحقق لنا ما أردنا.

فلماذا اليأس والقلق على المستقبل، إننا نستطيع تحقيق ما نريد،، إننا لم نصب بخيبة أمل كما نتوهم، لأننا حققنا ما نريد، فالسياسة حققت غاياتها، والدول طموحاتها، ومضينا من الحقيقية الملموسة إلى الحلم البعيد والمفقود دائما.

فلم نؤسس لشيئ غير موجود، وما سرنا في طريق واضح وهدف مرسوم، لكي نصاب باليأس والخياب.

فلنتأمل ماذا فعلنا، أ لم تكن فلسطين حقيقة حية بأيدينا فنقلناها إلى حلم بعيد، يستدعي سفك الدماء والحروب والخسائر والتصحيات، وكان العرب أخوة متحابين ومتداخلين، وتربطهم علاقات إجتماعية وعائلية ومصالح مشتركة وتبادلهم التجاري على أحسنه، وباقي العلاقات ومنها السفر الحر بين الدول.

لقد كانت وعاشها آباؤنا وأجدادنا، وتمتعوا بحرية الحركة، وحجوا لبيت المقدس، وبعد قرن صارت أهدافنا أن يكون ما كان.

ولهذا فلا يحق لنا أن نسمي ما جرى في القرن العشرين هزيمة وخسران، لأننا حققنا مشاريعنا وطبقنا نظرياتنا.

نعم حققنا ما نريد، وما نحن عليه اليوم إرادتنا الحقيقية الفاعلة فينا، ومنذ إبتداء النصف الثاني من القرن العشرين، فأصبحت الوحدة من أبعد الأحلام، لأن الأدب الثوري أغرق الساحة بالمعاني الرومانسية للوحدة، وكأنها لا تكون إلا بنظام سياسي واحد، ورئيس دولة واحدة، والتي لا تتحقق مع واقع الوجود الإنساني في الأرض.

فدولنا المختلفة تعبر عن الوحدة عندما حكامها يتفقون في آرائهم ومواقفهم إزاء الأحداث والمستجدات ويتفاعلون بإيجابية أكثر فيما بينهم، إقتصاديا وعلميا وثقافيا.

أما الطلبات الخيالية، والأهداف الرومانسية المنثورة على الورق فغير ممكنة وفقا لمفردات الواقع، والعوامل الفاعلة فيه ضمن فترتها التأريخية، فلكل حالة زمنية شروطها وأولوياتها وقوانينها، أما إذا جرّدنا الحياة من عامل الزمن، فأن مقاييس الخطأ والصواب ستضيع.

إن أبسط ميكانيكيات الوحدة هو التفاعل الإيجابي ولا معنى لها بغير التفاعل، أما أن ننادي بغير ذلك، فسلوكنا لا وحدوي منذ البدء.

فكيف نقول اننا فشلنا في تحقيق الوحدة، وما خطونا خطوات وحدوية على الإطلاق، فما كانت تجاربنا وحدوية حقيقية وإنما خيالية ووهمية .

إن إرادة الأمم والشعوب تكون، ولا توجد إرادة مهما كان نوعها قد حملتها الأمم والشعوب وعملت من أجلها إلا وكانت أو تحققت، فلننظر إلى التأريخ بعين العقل وندرك قوانينه ولا نتصورها.

ولا أريد ان ألغي الإرادة الطامعة بالأمة ودورها.

لكننا نحمّل الغير أسباب كل شيئ ونعفي أنفسنا من كل شيئ، ولهذا نصف أنفسنا دون قصدٍ على أننا دمى ومجتمع من البشر الآلي.

لا أحد يستطيع قهر الشعوب إن لم تمكنه الشعوب من نفسها، ولا يوجد في التأريخ شعب مغلوب إلا وقد مكن غالبه منه، ووفر له الأسباب والظروف اللازمة لتحقيق إرادة الطامع فيه.

وموضوع العداء، حالة قائمة ما دامت الحياة، ولا يمكننا أن نتصور الحياة نزهة، وغيرنا يضمرون الحب لنا.

إن الحياة تفاعل ما بين الشعوب، وكل شعب لديه رغبة في إمتلاك ما لدى الشعب الآخر، وكل قوي يطمح إلى فرض سيادته وإظهار قوته وأثرها، والذي يريد أن يكون عليه أن يعرف كيف يتعامل مع كل القوى والأطراف، ويستنفر ما فيه من قدرات الحلم، والسياسة والحكمة والعقل لكي يحافظ على وجوده القوي ودوره المؤثر في الحياة.

ولنا في صيرورة الإسلام وسياسة محمد أعظم دروس والعبر، فقد ترعرع الإسلام في بيئة محبطة فيها الأعداء من كل جانب، لكن محمد بحكمته وسياسته إستطاع أن يشق طريقه وسط أعدائه ويحتويهم جميعا، وهذا دليل على أن الصيرورة ممكنة في وطن الأعداء وليس بوجودهم وحسب.

إن تفسيراتنا كانت تبريرية إسقاطية وما أقل تحليلنا العلمي الدقيق، وهذان الإتجاهان لا يزالان بؤثران، وهما آلياتيان دفاعياتان للنفس البشرية لا تعبران عن درجة عالية من النضج الفكري والعاطفي.

إن الإسقاط والتبرير من أكبر العيوب التي رافقت الفكر العربي على مدى قرن من الزمان، وتم إستخدام التأريخ والدين ليطلقا وجهات النظر، وأضيف إليها العدو المتصور والحقيقي، حتى صرنا نكتب وكأننا في بطن الحيتان، أو في أعماق المخاطر وأتون الهلاك، وفي هذا إسفاف في التضخيم ومجانبة لمفردات الوافع، وإنغماس في رؤانا التي تأخذنا إلى حيث تشاء الأهواء والتهيؤات.

وإنا جعلنا النور نارا في ديارنا!!

***

د. صادق السامرائي

12\6\1998

إن الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال ابتداءً من الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ لا تصنف من ضمن الحروب التقليدية فهي لا تشبه من حيث الشكل والطبيعة الحروب التي خاضتها في ٤٨ وما تلاها من حروب كالعدوان الثلاثي ٥٦ على مصر ولا حرب الأيام الستة ٦٧ ولا حرب ٦٨ ولا حتى حرب أكتوبر ٧٣. فحرب الانتفاضة ٨٧ وما تلاها عام ٢٠٠٠ الانتفاضة الثانية والتي لم تتوقف فعليا إلا عام ٢٠٠٥ ثم حروبها الستة على غزة ابتداء من عام ٢٠٠٨ وانتهاء بحربها الأخيرة ٢٠٢٣ كانت مختلفة في شكلها وطبيعتها فهي ليست بين دول وبالتالي ليست بين جيشين. فالدولة التي تشارك هي دولة الاحتلال والجيش هو جيشها وقد يشاركهم جنود من جيوش أخرى مثلما يحصل اليوم في غزة حيث يشارك جنود أمريكان وفرنسيين ومرتزقة من شتى أصقاع الأرض وفي الطرف المقابل المقاومة الفلسطينية بفصائلها.

ومن هنا لو نظرنا إلى طرق الحرب ووسائلها لوجدناها مختلفة عن الحروب الأخرى فالقوة غير متساوية ولا متكافئة لا من حيث عدد المشاركين ولا في نوعية وكمية الأسلحة المستخدمة. كما سنجد أن هناك هناك مساس بالمدنيين ومساكنهم والمستشفيات وغيرها من المؤسسات والبنى التحتية التي لا يحصل المساس بها في أي حرب متكافئة.

واليوم في حربها على غزة نجد دولة الاحتلال كجيش بكامل معداته وأسلحته المتطورة مقابل حركة حماس بذراعها العسكري وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى بأسلحتها المتواضعة. بهدف معلن لدولة الاحتلال وهو القضاء على حماس. لكننا نجدها تفرض العقوبات الجماعية التي ترتكب بحق المدنيين وتعوض عن عجز جيشها في تحقيق أهدافها بارتكاب المجازر دون التفريق بين بشر أو حجر أو حيوان. كما انها حرب ليس من السهل إنهاؤها، بل ان دولة الاحتلال لا تريد إنهاء هذه الحرب بل وخرقت القوانين التي تسمى بالدولية ولم تحترم قوانين حقوق الإنسان بارتكابها ما لم يرتكب في أي حرب أخرى. كما أن تدخل بعض القوى الدولية في مثل هذه الحروب كما تدخلت أمريكا وغيرها.

وكون دولة الاحتلال الوحيدة التي لم تعلن إلى يومنا هذا حدودا رسمية لها ،فإن قضية اليهود لم تنتهي كونها تتعلق بأهداف توسعية وتحقيق الدولة الكبيرة التي يحلمون بها والخالية من أي عرق آخر غير اليهودي لذلك فإن حروبها لن تنتهي وستبقى تصارع على البقاء حتى وهي تلتقط أنفاسها الأخيرة. وأخيرا وبما أنها حرب غير متكافئة،هنالك سؤال يطرح نفسه..هل استخدام قوة عسكرية أكبر في قطاع ضيق ومكتظ وإبادة سكانه جلب الانتصار لدولة الاحتلال وهل حققت أهدافها؟

 ما يحدث في غزة أجاب، وكانت الإجابة" لا" فبالرغم من كل الفظاعات التي ارتكبتها إلا أنها لم تحقق أهدافها ولم تنتصر فهذه طائرة إف ١٦ لم تهزم المقاوم الفلسطيني ولا الميركافا استطاعت الصمود أمام مسافة صفرهم.

***

بديعة النعيمي

هناك مثل سائد في مجتمعنا العراقي، يصور حالة الحرج واللابد والحتمية في اتخاذ قرار ما على عجالة، يقول المثل: "الحديده حاره".

اليوم نمر بظرف ليس لنا فيه متسع للوم والتقريع او المحاسبة، وإن أنصفنا الحكم والرأي فإن ماوصل إليه بلدنا، بوضعه على شفا حفرة من نار، فإننا جميعا قد أسهمنا بإيقادها، وليس حكومتنا وساستنا وحدهم، كما أن كشف حساباتٍ وإثارة ملفات ونشر غسيل قديم ماعاد لها جدوى، إلا إذا كانت الجدية في تصحيح المسار هي نقطة الشروع فيما نمضي فيه.

وكما للأعمال أولويات، كذلك للمشاكل والمصائب أولويات أيضا، ولحلولها قطعا أكثر من أولويات ودرجات اهتمام قصوى، نشترك في صياغتها على النحو الأمثل والوجه الأكمل. وكلنا مسؤولون عن النتائج كيفما كانت، وليس لنا مناص من المواجهة الحقيقية -وإن كانت صادمة- مع الأمر الذي وقع والذي واقع لامحالة. وليس من مصلحتنا التهرب بعيدا، او الانزواء جانبا أمام ماتفرزه لنا الأحداث ومايستجد منها يوميا. وإن فرزنا العراقيين من حيث الولاء والانتماء للوطن، فهم على صنفين، صنف يمتلك مستمسكات رسمية بيروقراطية لا تعدو كونها حبرا على ورق، لاتنم بصلة إلى الولاء والانتماء الصادق إلى الدولة كوطن أم. والصنف الثاني، هم المجنسون بهوية عراقية بصمتها فصيلة الدم، وهم يستنشقون هواء العراق ويرتوون من ماء نهريه، ولهم امتداد روحي خالص من جذوره قلبا وقالبا، جوهرا ومظهرا، وكما نقول: (من الوريد للوريد). وكما أن الصنف الأول كثيرون، فإن الصنف الثاني كذلك، غير أن الصورة العامة تحكمها قاعدة: (الساية تعم). أو كما يقول مثلنا: "اثنين يبخرون وعشرة..."

وبذا فإن ثقل مسؤولية تصحيح المسار، يعوَّل على حمله العراقيون المنتمون روحا إلى تراب وطنهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر سأبين بعضهم في السطور التالية:

- الذين يستنشقون نسمات مدنهم بملء صدورهم وكأنها عبق من ريح الجنان، ولايستبدلونها بهواء بلاد غير بلادهم.

- العراقيون الذين تمتد جذورهم مع امتداد حضارات سومر وأكد وبابل وآشور، فيلتصقون بتراب الأرض المعطاء على مر العصور الغابرة واللاحقة.

- العراقيون الذين يجري في عروقهم دم لايستغنون عنه، كما هم لايستغنون عن الماء الذي يجري في أحضان دجلة والفرات.

- العراقيون الذين لاينام لهم طرف إذا مس شر او ضرر شبرا من محافظات عراقهم.

- العراقيون المتألمون لما حدث بالأمس ومايحدث اليوم على أرض وطنهم، والشاكون لأنفسهم عن سوء ما جناه رعاع خونة محسوبون على العراق والعراقيين، وهم لاينتمون اليه من قريب او من بعيد، كما يقول شاعر:

وددت لو يسـتعيد الدهر دورتــه

ولو لحظة من زمان الأمس تسـترق

ماذا سأشكو على الأوراق من ألـم

أقــل شـكـواي لايقـوى لـه الورق

نحـن انتمينـا الـى تاريخنـا بدم

وآخـرون علـى تاريخهـم بصقـــوا

إنه من غير المعقول أن يستوي الأعمى والبصير، ومن غير المستساغ ان يتساوى المحب للخير والجمال، مع الذين في قلوبهم مرض ولا يفقهون شيئا عن معنى الجمال وأشكاله وألوانه، فهم صم بكم عمي عن كل ماله صلة بالحياة.

هؤلاء الظلاميون هم الذين لايرون في دوران الأرض غير الصداع و(دوخة الراس) ولايرون في النجوم الزهر غير ضوء آفلٍ، ليس له في قاموسهم أي معنى، فيما يراها الطيبون الخيرون لآلئ تضيء صفحة السماء، فتبعث في نفوسهم التأمل في جمال الكون وعظمة صنيعة الخالق. اليوم نحن جميعا مطالبون بالوقوف أمام من يودون إرجاع عقارب حضارات العراق الى الخلف، وليس لهم من الحب والجمال والحياة الكريمة من شيء، هم بأسماء عديدة فمنهم؛ "الداعشي" ومنهم "الطائفي" ومنهم "السارق" ومنهم "الفاسد" ومنهم "المزور" ومنهم "المرتشي" وأغلبهم يشغل منصبا قياديا في مؤسسات البلاد، ويتوجب علينا جميعا مواجهتهم ما استطعنا.

***

علي علي

 

في هذه الأيام، لو وضعت أصبعك بشكل عشوائي، على أي مكان في خارطة العالم، ستجد هناك مهاجرون ولاجئون وصلوا اليه من العراق. لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد اللاجئين والمهاجرين من العراق، لكن منظمة الهجرة العالمية (IOM) تقدر العدد بأكثر من مليونين، ممن تركوا بلدهم في العقود الأخيرة، وبدأوا حياة جديدة بعيدا عن سمائهم الأولى في دول الجوار ومختلف البلدان الاوربية ومنها فنلندا.

ارتبطت الهجرة في العراق أساسا بطبيعة الانظمة الحاكمة وسياساتها المباشرة. إذ شهد العراق موجات هجرة كبيرة في ثمانينات القرن الماضي بسبب من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، واستقر اغلب العراقيين في تلك الفترة في دول الجوار، مثل إيران وسوريا وتركيا والأردن وحتى بعض دول الخليج والسعودية، على آمل حصول تغيير ما في بلدهم والعودة أليه، لكن بعد فشل انتفاضة الشعب العراقي في اذار 1991 ، التي حاولت الحكومة الإسلامية في ايران التدخل في مجرياتها، فقمعت الانتفاضة بشكل دموي ووحشي من قبل نظام صدام حسين بتسهيلات من الادارة الامريكية، التي خافت من إمكانية قيام نظام موال لإيران، فتولدت أيامها قناعة عند العراقيين، من ان نظام صدام حسين سيعيش فترة أطول، فبدأت موجة هجرة من دول الجوار العراقي نحو البلدان الاوربية. وحصلت لاحقا موجات هجرة أخرى من بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003، ومن ثم بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والحملات العسكرية لتحجيمها والقضاء عليها. في كل هذه الهجرات، كان هم وهدف العراقيين الأول والدائم هو البحث عن سقف آمن. ربما في فترة العقوبات الاقتصادية، التي فرضت على العراق، والتي استمرت من عام 1991 حتى الإطاحة بنظام حكم صدام حسين يمكن اعتبار الأسباب الاقتصادية أحد العوامل لهجرة العراقيين، لكن عموما، كانت الحروب، حروب صدام الداخلية والخارجية والسياسات البوليسية القمعية، هي في صدارة الأسباب التي تدفع بالعراقيين لترك بلدهم وتحمل المخاطر والمجازفات وصرف مدخراتهم لأجل الوصل لبلد آمن.

هذه الأيام، مع ازمة الحدود ما بين روسيا وفنلندا، ووصول اعداد متزايدة من اللاجئين الى نقاط العبور على حدود فنلندا الشرقية، اشارت الاخبار الرسمية الى وجود عدد ليس قليل من العراقيين ما بين راكبي الدراجات بغرض طلب اللجوء والحماية الدولية، ونشرت وسائل الاعلام الفنلندية لقاءات مع بعضهم، وان مرور سريع لأي متابع لوسائل التواصل الاجتماعي، لمواقع بعض من هذه الأسماء، سيجد ان احوالهم الاقتصادية في العراق كانت جيدة، بل وبعضهم يعيش حياة باذخة، إذن... لماذا يتركون كل هذا ويتحملون أخطار السفر ومجازفاته في البرد والثلج ويقصدون بلدا مثل فنلندا، بعيدا تحت سماء القطب؟

تبين دراسة لمنظمة الهجرة العالمية (IOM) نشرت في شهر آب الماضي، ان فنلندا وألمانيا هي أكثر البلدان الاوربية تفضيلا بالنسبة للمهاجرين العراقيين للاستقرار فيها، بسبب ما معروف عن البلدين من استقرار سياسي وطبيعة الأنظمة والقوانين فيها، وتشير نفس الدراسة الى ان أسباب الهجرة من العراق في الفترة الأخيرة تكمن في (عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي وغياب العدالة الاجتماعية في البلد). يشير الدستور العراقي الحالي، الذي اقر عام 2005 بعد سقوط نظام صدام حسين، بأن العراق الحالي جمهورية برلمانية ديمقراطية فيدرالية، وفيه نظام التعددية الحزبية، لكن الواقع المعاش ان الحكومات المتعاقبة، التي شكلتها قوى الإسلام السياسي، المدعومة بإشكال مختلفة، من قبل جمهورية ايران الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية، قامت على أساس نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، مما ساعد على انتشار الفساد في كل مفاصل الدولة العراقية نهجا وممارسة، وأعتمد مبدأ تقاسم السلطة والثروة، فتعطل الدستور عمليا، وغاب مبدأ المواطنة والهوية الوطنية، وتم تفتيتها الى هويات دينية ومذهبية وقومية ومناطقية، مما عزز منظومة الفساد والفاسدين واستمرار ظاهرة سرقة المال العام وغياب سلطة القانون وبروز سلطة الاحزاب التي تملك اذرعا مسلحة (ميلشيات)، فارتفعت نسبة البطالة بين الشباب، مع الانتهاك المستمر من قبل قوى المليشيات للحريات العامة والشخصية، ترافقا مع غياب العدالة الاجتماعية، مما كان سببا في اندلاع احتجاجات واعتصامات كانت ذروتها في انتفاضة تشرين عام 2019 ، التي عمت العاصمة بغداد واغلب المدن العراقية، احتجاجا على تردي الأوضاع في البلاد. وجوبهت الانتفاضة الشعبية بعنف شديد من قبل قوات الامن العراقية ومليشيات الاحزاب، ونشط القناصة لاغتيال المحتجين وكانت النتيجة استشهاد حوالي 740 شخصاً، وفي حينه حدثت موجة الهجرة الى أوروبا، حيث وصل الالاف منهم الى فنلندا.

في كل الهجرات، التي حصلت من العراق، كان المهاجر العراقي يبحث عن سقفا آمن، يبحث عن استعادة كرامته المنتهكة من السلطات القمعية والمليشيات، لهذا نجد شباب نالوا التحصيل الأكاديمي العالي في العراق، أو ان أوضاعهم الاقتصادية جيدة، يتركون بلدهم بحثا عن حياة أفضل يستعيدون فيها انسانيتهم، بل ان بعضهم ولأجل ضمان قبوله كلاجئ يضطر لإدعاء تغيير دينه أو يدعي المثلية او حتى البحث عن علاقة زواج غير متكافئة،  وهكذا ما دامت في العراق والشرق الأوسط تحكم أنظمة غير ديمقراطية، وتغيب العدالة الاجتماعية وتنتهك الحريات العامة والشخصية وتقمع حرية التعبير، فان الهجرة من العراق الى أوروبا وفنلندا لن تتوقف. وهذا يضعنا امام أسئلة أكبر، ويلقي على المؤسسات والحكومات الدولية مهمة معقدة ومتشعبة، قد يكون لها حديث آخر!

***

يوسف ابو الفوز

......................

* نص المقال، الذي نشره الموقع الاليكتروني لحزب اتحاد اليسار الفنلندي ليوم الاثنين 18 كانون الأول 2023 عن الهجرة من العراق عبر الحدود الروسية، ترجمه الى اللغة الفنلندية الدكتور ماركو يونتنين أستاذ كرسي دراسات الشرق الأوسط في جامعة هلسنكي. ونشرت طريق الشعب البغدادية استعراضا له في عدد يوم الاحد 14 كانون الثاني 2024 .

لا يعترفون بالهزيمة بل يواصلون تعنتهم وصلفهم وعشقهم للغنيمة.. عرفنا هذه الحقيقة جيدا من دفاتر التاريخ وبامكاننا أن تذهب بعيدا في التفسير وتاويل المقاصد.. وحده الزمن بكل منعطفاته ومفارقاته وكوابيسه كفيل بكشف الالاعيب والمخططات والمؤامرات.. رغم كل شيء سنواصل السير على جمرات الواقع ولا يهمنا انهاك الجسد والذاكرة.. لابد من الخروج من النفق الكبير مهما تكبر التضحيات..

المدافع الجسور عن المشروع الوطني الديمقراطي بافقه الاجتماعي لا ترعبه الاساليب المنتهجة من قبل الخصوم بل تزيده اصرارا على مواصلة الدرب العسير بعزيمة المقاتلين الشجعان وعقيدة المحاربين العاشقين لبهاء المعركة...

لقد اثبتت التجارب عبر كل مسارات التاريخ القديم والحديث والمعاصر ان الشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي، لا ترهبهم التضحيات الجسام والخسائر في الأرواح والممتلكات،بل تزيدهم إصرارا وعزيمة على مواصلة المشوار والمسار المضني بإتجاه الحرية،هذه الحسناء الخارقة الجمال والبهاء والنبل الساكنة في ادمغة الأحرار..

ليس خافيا على أحد ان مشاريع التحرر الكبرى التي خاضتها الإنسانية التقدمية، لم تات من فراغ، بل كانت بوصلتها المركزية في المعركة قيم العقلانية والتنوير ومناهضة الظلامية والذهاب بافكار التقدم والمواطنة وعلوية القانون والأفق الإجتماعي للدولة الوطنية إلى الأمام مهما تكبر التضحيات في الزمان والمكان.المهم في المعركة، هو الإيمان اليقيني بمشروعية الصراع مع كل الكيانات المتصادمة مع الإنسان، جسدا وروحا وقيمة مناهضة للاستبداد والإستغلال والتبخيس والسلعنة والتحقير.

يبدو ان الإنسانية في هذه المرحلة التاريخية المفصلية تمر باحلك فتراتها عل الإطلاق، ولعل وحشية المجازر والمذابح التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب النازي في غزة، وبايعاز وتشجيع من القيادة السياسية والعسكرية للامبريالية الأمريكية دليل واضح على هذا المسار الغارق في الظلام.

ليس هناك أي افق للخروج من هذا النفق الكبير، سوى التحالف الموضوعي الذي فرضته الأحداث والوقائع بين القوى السياسية والمدنية المؤمنة بقيم التنوير والتقدم والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات لخوض معركة مفصلية ومصيرية مع القوى الإستعمارية بكل رمزية هذه في قاموس الفكر السياسي، هنا وهناك، في كل اقاليم المعمورة. إن المنعطفات التاريخية الكبرى التي حدثت الإنسانية، لم تكن ثمرة صراعات هامشية، بل كانت نتيجة معارك حاملة لمشاريع كبرى في التحرر والإنعتاق ضد خصوم الحرية والعدل الإجتماعي وقيم التقدم وانسنة المجتمعات خارج محددات الدين والعرق والإقليم واللون واللغة والطائفة..

سابقى الإنسانية تدور في دوامة المتاهة، طالما ان القوى المؤمنة بانسنة المجتمعات، لم تتوحد وتتكتل في جبهة واحدة ضد كيانات الإستبداد والإستغلال والعبودية المعاصرة.. الغد تصنعه السواعد والعقول المستنيرة بعيدا عن الظلام بكل تعبيراته.

***

البشير عبيد

كاتب تونسي مهتم بقضايا التنوير وإشكاليات المشهد السياسي العربي والنزاعات والصراعات الدولية.

 

في المثقف اليوم