كتب واصدارات

الفرهود ظاهرة اجتماعية عامة في المجتمعات الغارقة في التخلف.. العراق انموذجا

صدر حديثا عن دار الفرات للثقافة والاعلام - العراق - بابل 9-9-2022 بالاشتراك مع دار سما للطبع والنشر والتوزيع كتابي الموسوم: (الفرهود - ظاهرة اجتماعية عامة في  المجتمعات الغارقة في التخلف - العراق انموذجا) وهو اول دراسة لظاهرة الفرهود في العراق. الكتاب تضمن (612) صفحة من الحجم الوزيري، وكُسِرَ على (11) فصلاً.

الفصل الأول تضمن الفرهود في العهد السلجوقي، أما الفصل الثاني كُسرَ بواقع حال الفرهود في العهد المغولي، كما احتوى الفصل الثالث الفرهود في عهد الدولة الإيلخانية. أما الفصل الرابع فقد وضح حال الفرهود في العهد العثماني الأول في العراق، والفصل الخامس دَونَّ الفرهود في العهد العثماني الثاني، والفصل السادس أوضح حالات الفرهود في العراق نهاية القرن الثامن عشر. أما الفصل السابع فقد سلط الضوء على حالة الفرهود وغارات الوهابيين على العراق. أما الفصل الثامن فقد تضمن حالات عمليات الفرهود في عهد سليمان الكبير. أما الفصل التاسع فقد أحتوى حالات عمليات الفرهود في عهد العراق الملكي. والفصل العاشر سلط الضوء على حالات الفرهود في حقبة نظام البعث 1968-2003م، أما الفصل الحادي عشر فقد نقل واقع حال الفرهود بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003م، وفي النهاية اختصار حالات الفرهود في العراق لما ذكرنا في الكتاب واحتوته الخاتمة.4235 نبيل الربيعي

غالباً ما يسعى أرباب الحركات الوضعية التغييرية إلى إحداث تغيير جذري ينقلب فيه على واقع الشعب نظاماً ومنهجاً وسلوكاً وقيماً، لأنهُ يتحرك في حدود الفعل وردة الفعل المبنية على تفاعلات فكرية وعاطفية وعصبية وثأرية، بما يمس صميم إنسانية الإنسان وخطوط مسيرته التكاملية، فيلجأ إلى العمل على تحديد نُظم حياة جديدة بحسب رؤى ومتبنيات بشرية قاصرة ومقصرة تدفعها الميول والأهواء والمصالح والعواطف والرغبات والعصبيات والتحزبات، فتمارس لأجل تحقيقها سياسة الترغيب والترهيب والحيلة والخداع والوعود الزائفة، من أجل خطف إرادة الشعب وتذويبها ضمن إرادة دعاة التغيير، التي لا تخرج في واقعها عن تسييس المجتمعات وفق أهداف ضيّقة تُمزق وحدة المجتمع مرة بعد أخرى، وبالتالي تسلب (تفرهد) منه ثرواته وإرادته.

حينما نتكلم عن العراق بموضوعية في إطار زمن محدود لا يُمكن لنا أن نتجاوز المحطات المفصلية المؤثرة في طبيعته عبر التاريخ، لأنّ لها دوراً تراكمياً كبيراً في تركيب شخصيته، وتغيير بوصلة اتجاهه تبعاً لقوة جاذبيتها المتسلطة عليه ولو في جهة من الجهات، وقد ثبت أنّ حركة الأمة متغيرة بفعل ما يطرأ عليها من حوادث واقعة عليها قهراً أو بمحض إرادتها، سواء كانت من الداخل أم من الخارج، وواقع الحال يكون التغيير مختلفاً بطبيعته من جهة إلى جهة باختلاف مناهجه وقوة تأثيره ومساحة بسط نفوذه، وآليات عمله ومدى استجابة الجماهير له. وعلى ضوء ذلك تتم عمليات تسقيط التوجهات السابقة واستبدالها بأخرى، لتحديد هوية جديدة، وانتماء ذي طابع مغاير لسابقه، فتجد حينئذ تغيرات حاصلة في المبادئ والقيم والأخلاق والنُظم، بل حتى المعتقدات والشعائر العبادية والطقوس والرجال الدعاة، ومن هنا يجري توظيف قادة وزعامات جُدد يتفاعلون مع هذه المتغيرات، حتى تكتمل عندهم دائرة التحول الاجتماعي داخل الأمة، ضمن إطار الهوية الحديثة، وهذا البناء الجديد للأمة والصياغة المستحدثة لها، تبعاً لإرادة جديدة مهما كان توجهها، لا تقوم عادة كما هو الواقع التاريخي إلا بتحطيم الرموز القديمة، وتهديم بنائهم ونظامهم بكل الوسائل الممكنة، ورفع أنقاضه، ووضع خارطة عمل وبناء يتناسب وتطلعات الحركات التغييرية القائمة بالأمر، والتي لا يعني أنها تعتمد التغيير الايجابي الذي يتناسب مع تطلعات وطموح الشعب، تبعاً لتطور الزمان وتغير المكان بل غالياً ما كان التغير سلبياً، لأنه يسير وفق قناعات الجماعات الحاكمة المستبدة التي تسعى جاهدة لتغيير البُنية الاجتماعية لدى شعوبهم، وفق إرادة وإيمان الحاكم القاصر والمقصر، وبفعل قوة الحاكم الذي يتسلط على إمكانيات الدولة من الجيش والشرطة والقضاء والسجون ومنافذ الحياة الاقتصادية المهمة، وكذا خشية الجماهير على مصالحها وحقوقها من الضياع والمصادرة وشعورهم بالضعف اتجاه الحاكم وزبانيته وتجنبهم ضرره حتى صار الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون على دين ملوكهم.

وهكذا مرَّت أدوار هزيلة على الشعب العراقي عبر التاريخ وإلى يومنا الحاضر، لكونه عاش أدواراً متضادة ومتناقضة في صميم حياته الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية، ففي كُل دولة من الدول المتعاقبة تتبنى غالبية الجماهير وجهة نظر تلك الدولة حتى أثَّر ذلك على طبيعة الشعب وسلوكه وتصرفاته وسهولة انقلابه وتغيره وكأنه اعتاد وتطبع على هذا المنهج في التحول، واستساغ حالة التقمص ولعبة الأدوار المختلفة وازدواجية المواقف والتحالف مع الأضداد. ونأمل أن يكون هذا الكتاب قد ساهم برفد المكتبة والمجتمع بدراسة عن مراحل الفرهود في العراق، لعلها تكون نافعة بتوثيق بعض المعلومات، وبيان الواقع الغالب على طبيعة المجتمع العراقي.

الفرهود كما جاء في لسان العرب لابن منظور: ولد السبع وقيل ولد الوعل، ويقال أيضاً للغلام الغليظ، وصرفوه فقالوا: تفرهد إذا سمن. وهو مصطلح غريب في اللغة العربية، لم تذكر القواميس العربية هذا المصطلح ولكن الفرهود يعني السلب والنهب وهذه صفة ملصقة بالمجتمع البدوي حسب تفسير العلامة علي الوردي، بأن البدوي نهاب وهاب، وقد يكون نهاب فهذه الطبائع موروثة بشعب العراق دون غيرة، وتشير بعض الدراسات منها للمهندس البريطاني وليم كوكس: (إن أحداث الفرهود هي من خصال الشخصية العراقية وطبيعة وادي الرافدين في معرض تمييزه لها عن نهر النيل، وما أشار إليه من اختلاف في مناسيبها التي ترتفع بصورة مفاجئة وخلال فترة السنة. فتدمير للمحاصيل الزراعية وتحطيم للسدود وقنوات الري، الأمر الذي يؤجج الصراعات والتنازع بين السكان والعداء والاقتتال)، إن تعرض الإنسان المعاصر في العراق لمثل هذا التناقض الصارخ والمتعارض مع الحقيقة التاريخية المثبتة التي تؤكد أن بلاد الرافدين هي المكان الذي نشأت وكُتبت وطبقت فيه منذ أكثر من أربعة آلاف سنة أولى القوانين في التاريخ البشري لحماية حقوق وحرية الإنسان مثل قانون اشنونا وقانون لبث عشتار وقانون أورنمو وقانون حمورابي والقوانين الآشورية وغيرها، وهنا تبرز الحقيقة المفجعة فأقدم القوانين قد ظهرت في العراق بينما هدر الحقوق والكرامات يتواصل في العراق، وهذه الدراسة لم تستبعد السلوكيات للمجتمع العراقي وخاصة المجتمع البدوي الذي بدء أبناؤه ينسحبون إلى المدن وينقلون عاداتهم وتقاليدهم الغير صحيحة معهم في التجمعات السكانية، وأعمالهم في الدوائر الحكومية والتنظيمات السياسية في العراق الجديد وسلوكيات أبناء المجتمع البدوي.

تضمن الكتاب على المقدمة والتمهيد والخلاصة وإحدى عشر فصلاً،

لا بد من توجيه الشكر وأسمى آيات العرفان إلى كل من الصديق صباح السماك، والباحث محمد علي محي الدين لمراجعة الكتاب والتصويب والتعديل والتنقيح، إذ كان لهما الأثر الواضح والحميد في مواصلة العمل لإخراج هذا الكتاب إلى النور ووضعه في متناول القراء.

***

نبيل الربيعي/ حلة/ 6 ايلول 2022

في المثقف اليوم