كتب واصدارات

إيزابيل الليندي تستحضر روح أمها في "فيوليتا"

الخير يستنفد المرء بشدة، كما حذرتُك. فالأشرار يحصلون على قدرِ أكبر من التسلية، ويعيشون عمراً أطول وحياة أفضل من القديسين أمثالك.

ايزابيل الليندي من روايتها "فيوليتا"

تُرجمت كتبها إلى أكثر من 42 لغة وبيعت منها أكثر من 75 مليون نسخة حول العالم. في معظم رواياتها تحاول إيزابيل الليندي استذكار لحظات الماضي الذي بات موحشا بعد رحيل الجميع واخرهم والدتها التي توفيت قبل سيطرة فايروس كورونا على العالم باشهر قليلة. بعد وفاة ابنتها "بولا" اصيبت بالاحباط، وامتنعت عن الكتابة، لكنها ستعود عام 1994 برواية "باولا" – ترجمها صالح علماني -، قالت: "أردت وصف الألم الرهيب لرؤية ابنتي تموت بينما انا استمر في العيش". إلى جانب الحب والعنف وقوة المرأة وغياب الآباء، يظل الموت يرافقها من "بيت الأرواح" إلى "سفينة نيرودا"، لتعيد سرد حكايته في روايتها التي صدرت مؤخرا بعنوان " فيوليتا " – صدرت ترجمتها العربية عن دار الاداب بترجمة مارك جمال – وفيها تروي حكاية والدتها التي تمنت ان تعيش مئة عام، لكنها توفيت قبل عام واحد من تحقيق امنيتها تقول ايزابيل الليندي وهي تسترجع حياة والدتها وتجربتها في الحياة: "كل شيء يموت، كان من المهم توضيح ذلك في الرواية، أنه كلما طالت مدة حياتك، كلما خسرت اكثر "4429 ايزابيل الليندي

قبل ان يعلن فايروس كورونا عن نفسه كانت ايزابيل الليندي قد بدأت بكتابة رواية " فيوليتا"، واثناء انتشار الوباء لم تكن تعرف اين ستسير الاحداث ؟، فهي منذ كتابة اولى رواياتها لا تزال تتعامل مع شخصيات رواياتها على انهم اسرار غير واضحة، فهم يصبحون بشرا على الورق:" يبدأون في التحدث إلي والقيام بأشياء لم أتوقعها أبدًا. ثم أعرف أن الكتاب قادم ".. الرواية التي انجزتها اثناء الجائحة تروي فيها حكاية امرأة تعيش مائة عام. ولدت في وقت انتشار وباء الانفلاونزا الاسبانية عام 1918، هذا الوباء الذي وصل إلى تشيلي في عام 1920. وستتوفى بطلة الرواية عام 2020، وهذه المرة سيكون وباء كورونا خاتمة لحياتها التي استمرت قرنًا من الزمان.

إيزابيل الليندي التي ولدت في الثاني من آب عام 1942، عاشت معظم حياتها في بيت جدها، دار عجيبة كانت فيها جدتها مغرمة بالأشباح، في هذه الدار خالان غريبا الأطوار، أحدهما أمضى عدة سنوات في الهند ليرجع يعيش حياة فقير هندي يتكلم السنسكريتية ويتغذى على الخضراوات فقط، والآخر كان مهووساً بالقراءة، وبفضله قرأت روايات تولستوي، وأميلي برونتي وفوكنر وديكنز، في الحادية عشرة من عمرها انتقلت مع أمها للعيش في بوليفيا، بعد أربع سنوات من التنقل بين بوليفيا وبيروت والارجنتين، تعود مع اخويها الى تشيلي، لتعيش من جديد في بيت الجد، كانت قد تخطت الخامسة عشرة بأشهر قليلة، تهيء نفسها لأن تصبح راهبة، فقد كانت في قرارة نفسها تعتقد إنها ستعيش طوال حياتها عزباء، في الأربعين من عمرها حين حمل إليها البريد ذات يوم من عام 1982 خمس نسخ من روايتها الاولى"منزل الارواح"، شعرت بالرهبة والخوف من أن يفتضح سرها وخبأتها في درج المكتب. كان عليها الإنتظار أسبوعاً لتجد الصحف تشيد بروائية جديدة، توضع صورتها الى جانب صور ماركيز ويوسا. أحدثت الرواية ضجة بين أفراد عائلتها الذين وجدوا حياتهم مكشوفة أمام الآخرين، وقد كتبت إيزابيل قائلة:"في السنوات الأخيرة تعلمت شيئاً واحداً مؤكداً أن لا شيء يجعل روحي تُغني مثل الجلوس وأمامي ورقة

تدور أحداث " فيوليتا" في باتاغونيا التشيلية، مع لحظات في الأرجنتين وميامي والنرويج، وتتناول الرواية مجموعة من الموضوعات، من النسوية وانتهاكات حقوق الإنسان، إلى المشاعر العاطفية والخيانة الزوجية وحتى الاحتباس الحراري.

نشأة فكرة الرواية بعد وفاة والدتها التي كانت تتبادل معها الرسائل بشكل يومي:" كنت أكتب لأمي، وكانت هي تكتب لي لمدة عقود كل يوم. استأجر ابني شركة لرقمنة الرسائل، وقد قدروا أنها تبلغ حوالي 24000 رسالة. كل شيء هناك؛،حياة أمي كلها، وكذلك حياتي. ولكن الآن بعدما فقدت أمي، ليس لدي سجل يومي للحياة التي عشتها كل يوم، وأدرك أن أيامي تمُر سريعاً جداً

تقدم لنا ايزابيل الليندي في " فيوليتا " ملحمة روائية نجد لها روابط وثيقة مع حياتها الشخصية: ضياع ثروة العائلة، وزواج عاصف تتخلله علاقات الحب، ومكائد الأسرة والأصدقاء على مدى قرن من الزمان. الاضطرابات السياسية في وطنها، قالت انها ارادت استخدام الاوبئة كنهاية للقرن الذي تعيش فيه فيوليتا وعاشته امها ايضا:" كانت والدتي إنسانة رائعة لكنها لم تكن تتمتع بحياة استثنائية. تعيش فيوليتا بطريقة أتمنى أن تفعلها أمي. كانت والدتي أكثر اعتمادا على الآخرين: فقد اعتمدت أولاً على والدها، ثم على زوجها، ثم على زوجها الثاني. كان لديها رئيس جيد جدا للعمل. كانت مبدعة للغاية، كانت فنانة جيدة. لكنها لم تفعل أيا من ذلك ".

تقول لمراسل وكالة رويترز من منزلها في كاليفورنيا،: "ككاتبة، كان الوباء فرصة للحصول على الوقت والصمت والعزلة ".

منحتها العزلة التي فرضها فايروس كورونا، الفرصة للكتابة بشكل يومي:" لقد كنت في معتكف الكتابة المثالي. في العام ونصف العام الماضيين، كتبت فيوليتا و"روح امرأة"، وانتهيت من رواية أخرى. يبدو أن مصدر الإلهام يختبئ معي في المنزل".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم