حوار مفتوح
المثقف في حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي (245): مبدأ الاصطفاء والأخلاق
خاص بالمثقف: الحلقة الخامسة والأربعون بعد المئتين، من الحوار المفتوح مع ماجد الغرباوي، حيث يواصل حديثه عن الأخلاق:
مبدأ الاصطفاء
ماجد الغرباوي: كانت فرضية البحث أن ثنائية (السلطة / المعارضة) لا ثنائية (حق / باطل) وراء أحداث القرون الأربعة الأولى من تاريخ المسلمين، رغم محاولات شرعنة الصراع، وتلبّسه بلباس الدين أحيانا. وفي هذا السياق يأتي التنافس لمراكمة شواهد ترفد رأس المال الرمزي للأطراف المتنازعة على السلطة، انسجاما مع سيادة ثقافة دينية قَبلية تنقاد للنص دون العقل، عززت رمزيته وسلطته، وأغرت بصدور فائض من روايات الفضائل لتعزيز شرعية رموز السلطة والمعارضة. أغلبها روايات موضوعة، غدت عبئاً يستفز تراث المسلمين، فأُلفت فيما بعد كتب لدراستها وتمحيصها وفق ضواب الجرح والتعديل، بعد التباس الصحيح بالضعيف والموضوع، وربما تفوقه نوعا وعددا. وأولاها علماء دراية الحديث أهمية تضاهي خطورتها في مجتمع يضع النص فوق العقل. ويعتبر مضامينه نهائيات لا تقبل الريبة والشك، حتى في مجال العلوم الطبيعية. ويتمسك بتفسيرات التراث وأحيانا يقدمها على التفسير العلمي. فمن الطبيعي في أجواء التنافس والصراع، المشحونة بروح الانتقام والثأر يغدو توظيف الديني للسياسي أمرا مبررا. لا فرق بين السلطة التي استبدت بالحكم وجعلته وراثيا، وملكاً شخصيا، والمعارضة التي دأبت جاهدة لسلب شرعية السلطة دينيا من خلال النصوص والسجال الكلامي والتمسك بكل وسيلة ترفد ذلك، بعد تعرضها للملاحقة والإقصاء.
والسؤال في ضوء المقدمة أعلاه عن جذر الاصطفاء الذي لم يكف عن تكريس التفوق القَبلي والديني، وفرض استحقاقات سياسية، وأحكاما فقهية تصدى الفقهاء لتشريعها. إضافة لقدسيته، وسلطته ومحدداته، التي يرضخ لها العقل التراثي لا شعوريا، عندما يخصه بالولاء والانقياد، من وحي قداسته وتعاليه التي تارة تكون قداسة موهومه ورغبة ذاتية في التقديس أو تحت ضغط التحديات الطائفية. وفي جميع الأحوال تكون القداسة على حساب كرامة الإنسان وحيثيته التي يتنازل عنها بفعل أوهام الحقيقة ورثاثة الوعي أو بسبب اليقين السلبي، الذي يمارس دوره وسلطته في توجيه وعي الفرد والعقل الجمعي. ودائما أقصد بالقداسة مفهومها التراثي الذي يعني التعالي المطلق على النقد والمراجعة بأعذار غير موضوعية كخفاء الحقيقة، وعدم قدرة العقل على كشف مضمرات النص أو الأبعاد الميتافيزيقية في شخصية المصطفى، لذا لا تنفك الروايات ترفد العقل الأسطوري بما يرسخ البعد الغيبي وعجز العقل. وهذا هو مبرر السؤال للكشف عن جذور جملة مفاهيم ظهرت في القرون الهجرية الأربعة الأولى، مازالت تابوهات ترتهن الوعي الديني والأيديولوجي، يُعد المساس بها مساسا بالمقدس. وأي ارتياب يعرّض الفرد للمساءلة وربما التكفير وما يترتب عليه من عقوبة دنيوية. الاصطفاء بالمعنى التراثي معطى نهائي مقدس، مُنزلاً من السماء، نجهل حقيقته، يقتصر واجبنا اتجاهه بالتسليم والطاعة والانقياد، تقربا لله. والشك ارتياب بالإرادة الإلهية، وهو حد الكفر بها. وهذا مكمن الخطر عندما يمارس الفكر الديني تزوير الوعي لغايات أيديولوجية تذل كرامة الإنسان.
احتكار السلطة
الاصطفاء مفهوم تأسيسي، ارتكزت له النظرية السياسية للمسلمين، ومازالت مبانيهم الفكرية والعقدية مرتهنة له، وثمة ما يترتب عليها من أحكام، أخطرها اختصاص السلطة بالخليفة والإمام المصطفى أو الإمام المعصوم، ولازمه التحفظ على كل سلطة خارج سلطته مباشرة. وإذا كان الفكر السياسي السُني قد تجاهل شرط القريشية في السلطة، رغم تأكيده نظريا، إلا أن النظرية الشيعية ما فتئت تخص الإمام المعصوم بالولاية دون غيره، فكان قدرها انسداد فكري سياسي بانتظار عودة الإمام الغائب المهدي ليقيم دولة العدل الإلهي. وعلى هذا الأساس حكم الفقهاء بغصبية كل دولة تخرج عن سلطته، لولا نظرية ولاية الفقيه التي تم التنظير لها تزامنا مع الدولة الإسلامية في إيران قد حلحلت الأمور، عندما منحت الولي الفقيه حق إقامة السلطة نيابة عن الإمام المعصوم، مستدلة على تخويل السلطة للفقيه برواية ضعيفة استظهروا منها نيابته عنه عبر تفويض عام للفقهاء، يمنح الفقيه الولي ولاية مطلقة على كافة شؤون الحياة، الدينية والسياسية، بعد جبران ضعف الرواية بجملة شواهد ومؤيدات، لذا مازالت فتوى الفقهاء بوجوب أخذ الإذن من الفقيه شرطا لحلية ما يتقاضاه الموظف الحكومي في غير الدولة الشرعية باصطلاحهم، لعدم شرعيتها أو لغصبيتها كما يعبرون. وقد انتهى بالفقهاء المطاف إلى اعتبار أموال الدولة المغتصبة أموالاً "مجهولة المالك"، لا حرمة لها،. يمكن كل من وضع يده عليها استئذان الفقيه بالتصرف بها بعد دفع خمسها. وكان هذا أحد أسباب الفساد المالي، كما حصل في العراق للأسف الشديد. فكم هو مرعب استباحة ثروات البلاد بحجة عدم شرعية السلطة!؟. المال عصب الحياة، وقوة الدولة، ورصيدها المالي، ودعامة الرفاه والتمدن والتطور، وعدم احترامه باعتباره ثروة الشعب يفضي لمتاهات الفساد والحرمان.
والأمر لا يختلف في الفكر السياسي السني، فمازالت دولة الخلافة تمثل نموذجا وطموحا لجميع الحركات الدينية، وقد سفكت داعش وأخواتها دماء بريئة هائلة من أجل استعادتها. فهي دولة لا تاريخية تتسم بمرونة استثنائية تستوعب جميع المتغيرات الزمكانية، خاصة وهي تعزز مكانتها برواية "خير القرون قرني"، التي تنفي التطور عندما تعتبر دول القرن الأول هي النموذج الإلهي الذي له حق الولاية والتصرف بالمال العام، فيكون واجب المسلمين استعادة ذات النموذج، مع مراعاة بسيطة للظروف الزمانية والمكانية. لذا عين المسلم الحركي على الماضي، يمشي ويتلفت، مترددا متذبذبا، مرتابا من الحضارة حتى مع شعوره بالفارق النوعي، لكنه يعتقد أن دولة الخلافة هي النموذج المطلوب دينيا، ولا ولاء إلا لها ومن أجلها، وهو نحو من أنحاء الاصطفاء. وبالفعل أكدت أدبيات الحركات الإسلامية كما في كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب الذي حكم بعدم شرعية جميع الحكومات، وراح يدعو صراحة للثورة عليها. فلا حرمة لثرواتها، ولا شرعية لقوانينها. ومهدورة الدم، مما دفع جملة من حركات التطرف الديني إلى مواجهات دامية مع السلطة، كانت تداعياتها على الشعوب وسمعة الدين أكبر وأخطر.
وبالتالي ليس البحث عن جذر الاصطفاء عملا ترفيهيا، بل ضرورة ترتبط بالنهضة، وكيفية انتشال الشعوب العربية والمسلمة من واقع مرير، مازال يرتهن إرادته للتراث دون دراسة ونقد وتمحيص لشروطه الفكرية والعقدية، واعتباره مسلمات نهائية. وعليه ستختلف النتيجة وما يترتب عليها من آثار بفارق الدلالة بين الاصطفاء الإلهي الثابت عبر نص قرآني صريح، والاصطفاء عندما يتلبس بلباس الدين، وهو عمل دقيق، يحتاج لتأمل كافٍ للكشف عن حقيقته. فتارة يمارس المفهوم تزوير الوعي ما لم ينتسب لمبدأ أخلاقي. أي نفس المفهوم بذاته قادر على خلق وعي ينحاز لدلالته، حداً يقصي الشك والريبة عن مبدئه. وهذا ما حصل، فالعمل على كشف جذر المفهوم كشف عن بعده الأيديلوجي، وتحدد مبدئه الأخلاقي. فربما تعبد الناس به دينيا خلافا للحقيقة، فمن المسؤول عن تزوير الوعي، واستغلال طيبة الناس وبساطتهم، ومن ثم استغلالهم سياسيا، وزجهم في معارك أيديولوجية لا تورث سوى الأحقاد والتنابذ والكراهية؟.
الاصطفاء في وعي الناس يلازم القداسة، ومن يقع عليه الاصطفاء مقدس بالضرورة، بغض النظر عن صدقية انتسابه للخالق والمطلق. هكذا هو في نظر العرف، مفهوم آسر، يتمتع بهالة قدسية ودلالة سحرية، توحي بوجود أبعاد غيبية وأسطورية في شخصيته هي سر اصطفائه، كما في واحدة من أهم روايات الغلو الشيعي التي تقول أن أهل البيت خُلقوا من نور وأن شيعتهم خُلق من خالص طينتهم، فثمة حقيقة وجودية مفارقة لا ندركها، يعبر عنها بالنور والطين رمزيا، وأما الحقيقة في شيء بعيدا عن الإدراك وهذا موجب للطاعة والانقياد والإذعان وعدم الريبة، فضلا عن الشك والتمرد والعصيان. وهذه الفكرة الفنطاسية تكفي لاثارة الخيال، وإسقاط كل رغبات الإنسان عليه، فراح يضفي قدرات أسطورية، وليدة رغبات أيديولوجية ونفسية. بينما مقاصد الاصطفاء قرآنيا محددة، مهمته الأولى تبليغ رسالة السماء: (ٱللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ) دون أي ارتفاع أسطوري، ليبقى المصطفى بشرا، لديه مؤهلات لتحمّل مسؤولية رسالة السماء: (قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ). فهو بشر، ورسول وفق معيار استعرضته جملة آيات وصفت الأنبياء وأخلاقهم وميزاتهم، كما في قوله: (إِنَّا وَجَدْنَٰهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ). غير أن الغرائبيات تأسر العقل المغيب الذي يقتات على السحر والغيب. يهرب من الموضوع الذي يفقده لذة التحليق في عالم الخيال. وإعادة تشكيل المقدس، بكل غرائبيات اللامعقول الديني، متهما نفسه وغيره بعدم قدرته على معرفة الحقيقة. وليس اتهام النفس بالجهل سوى إدمان الخيال من أجل طلسمة المقدس، وتلغيز حقيقته ليكون أكثر مهابة وسطوة.
السياسية والاصطفاء
الاصطفاء أول مفهوم يدشّن القاموس السياسي للمسلمين، وأول مبدأ ومن بعده الإمامة يرسي البنى الأولى لفكرهم السياسي الذي تأسس على شرط القريشية في الخلافة، وهو تعبير آخر عن اصطفاء قريش للسلطة والإمامة دون غيرهم من العرب والمسلمين. وما كان لهذا المفهوم الاستتباب لولا وجود ثقافة تؤمن به كاستحقاق وفضيلة اقتضته مؤهلات ذاتية فرضت تميّزه، فكيون الاصطفاء أخلاقيا عندما يرتكز لمبدأ أخلاقي أو لا يكون عندما يقوم على أساس عنصري أو سياسي. وقد عبّرت الآية التالية عن فكرة الاصطفاء الإلهي وفق معايير تراعي وحدة العنصر البشري ليكون التماييز على أساس أخلاقي: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، لذا اعتبرت الآيات الاصطفاء تفضلا لا استحقاقا ذاتيا كما هو السائد في الأعراف القَبلية والاستبدادية والعنصرية، فتشعرك أن الاصطفاء مسؤولية وتفضلا من الله على الأنبياء: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا). فتكون الاستجابة لهم استجابة لله تعالى، على أن يكون الرسول ملزما بتعاليمه، قدوة لغيره في امتثاله. والعكس بالنسبة للاستحقاق الذاتي، عنصريا كان أو اجتماعيا، حيث تكون دواعي الطاعة استعلائية، من الأدنى للأعلى بفعل الفارق النوعي. دون إعطاء مبررات موضوعية لوجوده، سوى ما يسمونه بالتوفيقات الغيبية والحَظوة وغيرها من أسباب تبرر الاعتراف بتميّزهم، ووجوب الطاعة لهم. والحقيقة ثمة مجموعة عوامل يقف على رأسها الوعي والثقافة والتجربة الحياتية والعادات والتقاليد وقيم الاستبداد، بل حتى العوامل المادية كالثراء والفروسية والرصيد المعنوي والرأسمال الرمزي. جميعها يساهم في رسم صورة تفرض نفسها. وبالتالي ما نريد الوصول له، أن الاصطفاء يفرض جملة استحقاقات، أهمها احتكار السلطة، وفقا لمنطق الغنيمة والمُلك الذي مهّد لخلافة قريش. ثم نجحت في ارتهان شرعية الخلافة لشرط القريشية مطلقا. سيما بعد اكتساب المفهوم قدسية دينية استمدها من رواية أبي بكر عن النبي: "الخلافة أو الإمامة في قريش". بمعنى أدق، أن انتقال السلطة لقريش كان مفروضاً مسبقا وفقا لأعراف ومبادئ الحكم السائدة آنذاك، التي تقتضي انتقال مُلك محمد بن عبد الله لقبيلته قريش، وعلى هذا الأساس نشب الصراع بين الخليفة وبني هاشم باعتبارهم أهل بيت النبي وأحق الناس بمُلكه. والأنصار خبيرة بالأعراف والتقاليد السائدة، وتقرها، لكنهم راهنوا على قيم ومبادئ الدين، فكان مجرد اختبار لشعارات التفاضل الديني على أساس التقوى والكفاءة، ولم يتوقعوا صدور رواية من النبي تسلبهم حقهم في السلطة. فهل كانت الرواية قارب نجاة لاحتكارها من قبل قريش بعد أن شعرت بخطر رهانات الأنصار على القيم الدينية؟. ربما.. فالمُلك عضوض، والسلطة مغرية، واستعادة أمجاد الماضي مسؤولية تاريخية، فمازالت تعاني الانكسار بعد فتح مكة وانكسار شوكتهم وعزتهم.
وأما شرط القريشية في الخلافة فقد اكتسب شرعيته من مبدأ الاصطفاء القَبلي معززا بالنص الديني. بهذا اتضح الجذر القَبلي لمفهوم الاصطفاء في السلطة. إذ كانت قريش تتحدث وفقا لمنطق القبيلة عندما رفضت جيمع التسويات وأصرّت على احتكار السلطة بعد إقصاء الأنصار. فلم يكن مجرد اصطفاء بل كان تأسيسا لشرط قهري غدا دينا يتعبد به الناس، وهذا ما فهمه فقهاء الفقه السلطاني، وأفتوا بموجبه. ولا ريب بصفوة قريش بين القبائل العربية، حيث كانت لها العزة والزعامة الدينية والسياسية، وهو أمر متفق عليه بين جميع القبائل ضمنا. بيد أن الكلام عن مجتمع يتأسس حديثا وفق قيم أخلاقية ودينية حسب الفرض، فكيف تكرّس القيم الاستبدادية والقبلية بهذه الطريقة؟
يفترض أن الدين قد أحدث انقلابا جذريا في مجتمعه ومبادئه وقيمه، ولم يُعد هناك تفاضل على أساس قَبلي وعنصري، بل وحتى ديني: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). غير أن منطق القبيلة والغنيمة والمُلك، استحوذ على الفكر السياسي للمسلمين جميعا ومازال عصيا على التحرر من سطوته وقيوده. أو نصدّق محاباة صاحب الرسالة لقومه وعشيرته قريش، وهي تهمة تراود التفكير المتحرر من قيود الأدلجة والاستتباع، لولا ضعف رواية أبي بكر، كما بينته في بحث سابق. فإذا ثبت الجذر القَبلي لمفهوم الاصطفاء فكيف وظفته المعارضة لسلب شرعية سلطة الدولتين الأموية والعباسية؟ هذه النقطة التي ينبغي تسليط الضوء عليها، لتتضح الأمور، وتنكشف الحقيقة، وليكون الناس على بينة من أمرهم، وعدم إدمان التقليد في العقيدة فهي مسؤولية تاريخية ودينية: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ)، التي نزلت في سياق العقيدة ومدى خطورتها، عندما تكون كذبا وافتراء على الدين.
ورغم أن النقد عمل استفزازي يثير حفيظة الطائفيين قبل غيرهم، لكنه ضرورة ومسؤولية أخلاقية ودينية. علينا تكشيف جميع مدونات الوعي التاريخي، واستدعاء كل مهمش ومرذول من نصوص ومواقف، للكشف عن مواربات القداسة الزائفة التي تلبست بلباس الدين فكانت عبئا عليه، مازال المسلمون يدفعون ضريبته، ويتحملون وزره.
يأتي في الحلقة القادمة
.................
للاطلاع على حلقات:
للمشاركة في الحوار تُرسل الأسئلة على الإميل أدناه