حوار مفتوح

المثقف في حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي (266): تحرير الوعي الفقهي والأخلاق

خاص بالمثقف: الحلقة السادسة والستون بعد المئتين، من الحوار المفتوح مع ماجد الغرباوي، حيث يواصل حديثه عن الأخلاق:

تحرير الوعي الفقهي

إن توقف استنباط  الحكم الشرعي على وجود دليل شرعي، دفع الفقهاء للبحث عن مصادر جديدة، لتفادي حاجة الواقع للتشريع مع قلة آيات الأحكام، وعدم كفاية أحاديث السُنة النبوية، كأدلة شرعية يُستدل بها على الحكم. سيما أن الفقيه قد ألزمَ نفسه: "ما من واقعة إلا ولله فيها حكم". فهو مطالب بموقف شرعي من كل مسألة مستحدثة، سواء ورد فيها نص أم لا. ومع ارتفاع وتيرة الواقع، ترتفع الحاجة لمصادر جديدة لتغطية حاجة الاستدلال بأدلة ترفد عملية استنباط الحكم الشرعي. وهذا بذاته دليل على عدم صدقية مقولة "شمول الشريعة". التشريعات، كما يؤكدون، توقيفية. تتوقف على وجود إذن من الشارع بالأمر أو النهي. غير أن معظم ما يستدل به الفقيه ليست نصوص قرآنية، ولا أحاديث نبوية مبيّنة ومفصلة لها، وإنما روايات تنقل آراء بشرية، واجتهادات شخصية، أضفى عليها الفقيه، بدوافع أيديولوجية، طابع القداسة وارتفع بها إلى مصاف آيات الأحكام، بل وحتى صارت مخصصة ومقيّدة لها. يجب أن يكون الفرد أكثر وعياً، عندما ينقاد لفتاوى، وتكرّس منطق الكراهية والاقصاء.

لا خلاف بين المذاهب الإسلامية حول القرآن والسنة رغم اختلافهم حول دائرة حجيتها. وقد يضاف الإجماع بشروط كما يأتي. لكنهم اختلفوا حول حجية: القياس، الاستحسان، العرف، المصلحة المرسلة، سد الذرائع، عند الجمهور. وأكتفى الشيعة بالقرآن والسُنة، والعقل والإجماع. واقتصر القرآنيون على القرآن مصدراً وحيداً للتشريع. وهو الحق. إذ لا ريب أن الولاية التشريعية لله أصالة وبالذات. لا تثبت لغيره إلا بآية صريحة واضحة تنص على جعلها، كما مرَّ. شأنها شأن الولاية التكوينية. فكما الثانية منتفية لغيره، فالأولى مثلها: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ)، (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) في إشارة واضحة أن التشريع إلهي لا نبوي.(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ). التشريع ليس من اختصاصك يا أيها النبي!!، فلا تحرم ما أحله الله لك. وهناك نصوص تؤكد ذلك. فالنبي ليس مشرّعاً: (... قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ)، تقتصر وظيفته على بيان وتفصيل الشريعة. أي خصوص الأحكام المنصوص عليها قرآنيا، وفقاً لظرفه الزمكاني، وليس خارجه، فيمكن أن يتغير مستوى إلزام الحكم تحت ظرف مختلف، لتوقف فعلية كل حكم على فعلية موضوعه، الذي يتوقف بدوره على جميع شروطه وقيوده. فالنبي وفقا لهذا الاتجاه ليس مشرّعاً بل مبلّغاً ومفصلاً ومبيّناً. هذا هو المستفاد من الأدلة القرآنية. وهو الرأي الذي يتبناه الاتجاه الأخلاقي في التشريع: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). فتقتصر حجية السُنة، وفقاً لهذا الاتجاه، على ما كان له جذر قرآني، مادامت شارحة ومبيّنة ومفصّلة له، بصريح الكتاب وقد مرَّت الأدلة والآيات الدالة عليه. غير أن حجية السُنة لدى الاتجاه الفقهي تقع في عرض الكتاب، باعتبارها وحياً، لا فرق بينها وبين الكتاب الكريم، مخصّصة ومقيّدة لأحكامه. وهي لا تقف عند حدود قول الرسول وفعله وتقريره بل تعدته إلى أقوال الصحابة والأئمة. وقد تمت مناقشة أدلتهم وبيان ضعفها وهشاشتها، فلم نجد سوى تأويلات، بدأها الشافعي بتأويل الحكمة بسُنة النبي (الرسالة، ص32)، فتكون وحياً: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ)، (.. يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). ومرَّ تفصيلاً ما المراد بالحكمة.

النتيجة المهمة التي من أجلها مهدّت بهذا الكلام: أن كل حكم بعد وفاة الرسول هو حكم فقهي ورأي اجتهادي، ليس ملزماً لأحد، ولا يصلح دليلاً على الحكم. وهذا يشمل كل ما يُروى عن الصحابة والأئمة. وأما العصمة بأية مفهوم كانت سُنياً أو شيعياً، لا تغير من الحقيقة شيئاً. وهنا يصدق مفهوم التقليد أو اجتهاد يستبطن التقليد. وربما مفهوم "اجتهاد تلفيقي" أصدق. جميعها نصوص ثانوية، مهما حجبت النص الأول، أو المدونة التشريعية التأسيسية / آيات الأحكام. الثانية وحي، لا ريب فيه، والأولى منجز بشري، لا يرقى لمستوى النص الأول في حجيته. فينقلب الاجتهادُ الى تقليدٍ حينما يساوي الفقيه بينها وبين النصوص الوحيانية من حيث حجتها. وأغلب فتاوى وأحكام الفقهاء هي تقليد لعقول اجتهادية بشرية، ارتقى بها علم الكلام القديم إلى مصاف الكتاب الكريم. وبهذا الشكل تتعرى حقيقة الاجتهاد. هو صَنعة بشرية، لا يلزم من امتهانها أي مقام ولائي أو وصايا على فهم الدين واحتكار الحقيقة والاختصاص بالنجاة. فتبقى الآراء الاجتهادية نسبية، محتملة وليست مطلقة. غير أن العقل الفقهي، يعتبرها مصادر للتشريع، فتسببت بارتفاع نسبة الأحكام الفقهية، وفرض رؤية تاريخية على واقع مغاير. الفقه يعالج المسائل الفقهية المستحدثة بعقل تراثي، يستبعد الواقع، ويفرض عليه واقعاً مغايراً، هو واقع الرواية التي يعتبرها دليلاً على الحكم الشرعي. مهما كان الصحابي أو الإمام قريباً من عصر النص، غير أن رؤيته الفقهية ناظرة لذلك الواقع وشروطه، فيأتي رأيه الفقهي مطابقا لها، دون إطلاق، مادامت فعليته مرتبطة بشروط موضوعه. للسلف واقع وظروف حياتية خاص،  ولنا واقع مغاير وظروف حياتية مختلفة. الأحكام الشرعية، وتفسيرها ناظر للواقع. وعليه، لا حجية لأية رواية ما لم تتوفر فيها شروط الصحة التي مرَّ ذكرها، والتي معها من الصعب ضمان روايات تورث الجزم واليقين بصدور الحكم من النبي الكريم، مبيّناً أو شارحاً أو مفصلاً، إلا نادراً، وهذا كان دافعاً وراء البحث عن منهج عقلي - أخلاقي لملء الفراغ التشريعي، بدلاً من منهج الفقه التقليدي، المرتهن لعقائده ومتبنياته التراثية. الذي يضع النص فوق العقل، فيجافي الأخلاق، وهي هدف النبوات والرسالات السماوية والأرضية. ينبغي أن تكون الأخلاق معياراً لحجية الروايات، لتفادي توظيفها، بعيدا عن مقاصد الدين. الفقه سجين التراث والفهم التراثي للدين، حداً لا يقارب النص القرآني إلا من خلال نصوص ثانوية، فيصدق أن المجتهد في منطقة الفراغ التشريعي مقلد، وقد تورط بركام من الروايات لم يتخذ تجاهها موقفاً سوى التسليم وفق مقولات كلامية نجحت في أسطرة جملة رموز تاريخية.

نخلص، وهذا هو المهم بالنسبة لهذا البحث بالذات، أن نسبة البشري إلى الإلهي في عملية استنباط الأحكام الشرعية من قبل الفقهاء، هي نسبة عدد آيات الأحكام إلى غيرها من أدلة يعتمدها في عملية الاستنباط، باستثناء ما كان مبيّناً، شارحاً من أحاديث الرسول ضمن شروط فعلية الأحكام. أضف تأثّره بقبلياته الأيديولوجية والعقدية وفهمه للدين ورؤيته للعالم وتفسيره للأحداث والظواهر المختلفة، فيتأثر فهمه وتفسيره لآيات الأحكام، حداً يتماهي تأويل النص مع قبلياته وفاء لعقيدته وتوجهه الطائفي والسياسي. فكيف يحتكر الفقيه ملء الفراغ التشريع بمرجعيات بشرية وليست إلهية؟ وما هو الفرق بينه وبين الخبير المتمّرس الذي لا يجافي الأخلاق والقيم الإنسانية ويشرّع وفقاً لمقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع؟ بل آيهما أصوب، من يفرض الماضي على الحاضر أم من يأخذ بالواقع وضروراته في ضوء مبادئ التشريع؟.

الأدلة الشرعية

عندما يتناول الفقيه مسألة إقامة الصلاة مثلاً، أو أية مسألة أخرى كالصوم والحج والزكاة. يسأل عن نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟ فإن حصل على دليل، يجب عليه تحديد موقفه العملي واستنباطه على أساسه. ويكون استنباطاً قائماً على أساس دليل. وإن لم يحصل على دليل في المقام، يسأل عن القواعد التي تحدد الموقف العملي من الحكم المجهول. وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، كأصالة البراءة القائلة: (إن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الانسان وليس الانسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقيد به). (أنظر، الصدر، محمد باقر، دروس في علم الأصول، ج2، ص69). ويُقصد بالحكم الشرعي: "الحكم الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان". وأنواعه: "وجوب، حرمة، استحباب / ندب، كراهية، وإباحة". (وللاتجاه الأخلاقي تعريف مرَّ ذكره وترجيحه لسنا بصدده الآن). فيتم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي. والفرق بينهما أن الأصل لا يحرز الواقع بل يحدد الوظيفة العملية تجاهه أو تحدد كيف يتصرف الإنسان الذي لا يعرف الحكم الشرعي للواقعة. وأما الدليل فيطلب به كشف الواقع. وهي نتجية مهمة. وهنا يأتي السؤال عن شرعية القواعد الأصولية أو ما يسمى بالأصول العملية. وقد أشرت سابقاً إلى مجموعة قواعد أصولية يحتكم لها الفقيه حينما يفتقد الدليل الشرعي، كأصالة البراءة أو الاحتياط العقلي. وأصالة البراءة الشرعية، ومن ثم تطورت لتشمل الاستصحاب. ورغم الجهود المبذولة لتصحيح الاستدلال بها غير أن جملة أدلة تعاني الضعف والهشاشة. والتفصيل في محله. وهنا يفرض السؤال نفسه: كيف يجزم الفقيه بالحكم؟ وما هو الدليل على صواب رأيه؟

هناك عنصر مشترك يدخل في جميع عمليات استنباط الأحكام الشرعية، سواء استدل الفقيه عليها بدليل محرز أو حدد الموقف العملي بقاعدة أصولية. أي سواء استدل الفقيه على الحكم بالدليل الأول أو الثاني، فهناك عنصر مشترك هو حجيّة القطع. ويُراد بالقطع، كما عند محمد باقر الصدر: (انكشاف قضية بدرجة لا يشوبها شك)، (المصدر السابق، ص184). ومعنى حجيته: (كونه منجزّاً، أي مصححاً للعقاب إذا خالف العبد مولاه في تكليف مقطوع به لديه. وكونه معذّراً، أي نافياً لاستحقاق العقاب عن العبد إذا خالف مولاه نتيجة عمله بقطعه)(المصدر نفسه). وللقطع بهذا المعنى كاشفية بذاته، ومحركية نحو ما قطع به. فالعطشان إذا قطع بوجود الماء خلفه تحرك نحو جهته. إضافة إلى الحجية. بمعنى أن القطع بالتكليف ينجّز ذلك التكليف، أي يجعله موضوعاً لحكم العقل بوجوب امتثاله، وصحة العقاب على مخالفته. والحجية لازم ذاتي للقطع. (المصدر نفسه، 186 و187).

والأدلة المحرزة، التي تكشف عن الواقع على قسمين: أدلة قطعية، تؤدي إلى القطع بالحكم الشرعي، وتكون حجة على أساس حجية القطع. وأدلة ظنية تؤدي إلى كشفٍ ناقصٍ محتمل الخطأ عن الحكم الشرعي. وهذه الأدلة تسمى بالإمارات. الثانية أي الإمارة أو أي دليل ظني، لا يمكن أن يكون حجة إلا إذا قام دليل قطعي على حجيته شرعاً. مثاله خبر الثقة، فإنه دليل ظني لا حجية له، لكن لو قام دليل قطعي على وجوب الأخذ بخبره، كسيرة المتشرعة والسيرة العقلائية ونصوص دلت عليه، فحينئذٍ يأخذ الفقيه بخبر الثقة، فيقال هنا أن الشارع قد جعل الحجية لخبر الثقة. فهو بنفسه ليس حجة، لكن الشارع جعله حجة.

الأدلة من النوع الأول / المحرزة: يجب أن تكون قطعية السند والدلالة، كقوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)، إذ يمكن للفقيه استنباط حكم وجوب الصلاة في هذه الأوقات، بعد أن قطع بصحة الدليل الذي هو آية قرآنية هنا.

وهذا الكلام علمي ودقيق وصحيح، لكن بما أننا بصدد تمييز الإلهي عن البشري في عملية استنباط الأحكام الشرعية، لذا نتوقف عند الأدلة الظنية، التي لا تورث العلم واليقين والقطع مادامت محتملة الكذب. ولقوله تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ). كيف يستدل بها الفقيه؟.

بدءا، إن أغلب روايات الأحكام هي روايات آحاد، ظنية الصدور. وما لم يقطع المجتهد بصحة صدور الرواية واتصالها بالنبي الكريم لا يمكنه الجزم والقطع بصدورها. ومع عدم القطع بصدورها لا يصح الاستدلال بها على الحكم، لأنها مجرد إمارة. أي دليل ظني غير محرز. فتنتفي حجيته. غير أن الفقهاء استدلوا بأدلة على جعل الشارع الحجية للخبر الواحد كما بينت آنفاً. فهو رغم كونه دليلاً ظنياً، لكن وردت نصوص دلت على جعل الشارع الحجية له، فيكون دليلاً محرزا بالجعل لا بذاته. وشغلنا الأساس مع الأدلة التي دلت على جعل الحجية. هل حقا أنها تورث اليقين والجزم والقطع فتكون حجة لحجية القطع وفقا للمنهج الأصولي المتداول أم؟. بشكل أدق، هل ما استدل به على جعل الحجية للامارة تامة بنفسها؟

أشرت سابقاً إلى حجم الثغرات في روايات الأحكام، كونها روايات آحاد لا يمكن القطع بصدورها. فأهم شرط بعد ضمان اتصال السند إلى الرسول، وضمان عدم وجود انقطاع أو إرسال، فلا تكفي العنعنة ما لم يُضمن السماع المباشر بالتحديث في إحدى أنحاء تحمل الرواية في علم دراية الحديث، يجب أن يكون الراوي ثقة، عارفاً بالأخبار والروايات، لا يتأثر بعقيدته، ينقل بأمانة وموضوعية بعيدا عن تحيزاته. وشروط أخرى لكن عندي أهم شرط هو إمكانية التحقق من صدق الخبر، حينئذ سنحكم بصحة هذا الخبر بالذات، وليست جميع إخبارات الراوي. وهذا متعذر مع تعدد طبقات الرواة وبعدنا تاريخياً عن زمان صدور الرواية. كل الكلام يدور حول خبر الثقة، هل هو حجة أم لا؟ فإنما يصدق الناس خبر الثقة، وهو أحد أدلتهم في المقام، إنما يصدقونه مع إمكانية التحقق من مضمون الخبر، وهذا ممكن مع إمكانية التحقق من وقوع الحدث مثلاً. أو من صحة إخبار الثقة. لكن الأمر متعذر بعد 1400 سنة. وهو موضوع بحاجة إلى تفصيلات كثيرة تجدها في علم الأصول وعلم الدراية والرجال والحديث، لسنا بصددها. لنبقى مع هدف تحري الإلهي والبشري في عملية استنباط الحكم الشرعي. وقد دل الاستعراض المتقدم بوضوح على مساحة البشري، فكل استنباطات المجتهد جهد بشري. وهذا بدوره يؤكد انحسار الإلهي. فيكف تنسب تشريعات الفقيه للإله؟

يأتي في الحلقة القادمة

.................

للاطلاع على حلقات:

حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي

للمشاركة في الحوار تُرسل الأسئلة على الإميل أدناه

[email protected]

 

في المثقف اليوم