هايكو
محمد جنيدي: عند المَساء
عند المَساء
وأنا أَطُوفُ بدَارِها
لأعيشَ بين سُطُورِها
وأشُمَّ عِطْرَ زُهُورِها
نَزَل المَطَر
شَيْئاً فَشَيْئاً
بين نبْتاتِ الأرِيج
وتَساقَطَتْ قِطَعُ الثَّلِيج
فوق الزُّهورِ الحانِية
وكَأَنَّ مِنْ بين الزُّهور..
عُصْفُورَةً ضَلَّتْ طَرِيقَ رِفاقِها
ومُصابَةٌ في ساقِها
نَظَرَتْ إِلَيَّ كأَنَّها
تَبْكِي بِعَيْنٍ دامِيَة
تَشْكُو بأَوْجاعِ الفِراق
وأنا كذلك مِثْلُها
أحْيا وَحِيداً هَاهُنا
بين الرِّفاق
فدَنَوتُ مِنها سائلا
أصَغِيرَتي.. عُصْفُورتي
ما لي أراكِ آسِية
فلِمَ البُكاءُ عَزِيزَتي
قالتْ هُنا
فوق الغُصُونِ الدَّانِية
بالأمْسِ كانوا هَاهُنا
بعضُ الطُّيُورِ الزَّاهِيَة
طافُوا بعُشِّي هَاهُنا
وشَدَوْا تَراتِيْلَ السَّفَر
لم يعلَمُوا
أنَّ النِّهايَةَ قد أَتَتْ
ودَقائقَ العُمْرِ انْتَهَتْ
وبأنَّهُم
جاءوا إلى السَّهْلِ الوَعِر
جاءوا هنا
في قَرْيَتِي.. في بَلْدَتِي
رَكَضُوا وراء سَرابِها
لم يعلَمُوا بشِعابِها
يا لَلْأَسَف
طافُوا بوَهْمِ جِنانِها
لم يَعرِفُوا سُكَّانَها
سُكَّانُها.. سُكَّانُها!!
لَيْسُوا فَرِيقاً مِنْ بَشَر
بل هُمْ كَسُمٍّ مُنْهَمِر
تِلْكَ الطُّيُورُ الحالِمَة
كانتْ وِرُوداً باسِمَة
هَبَطُوا جميعاً هَاهُنا
عند افْتِراقِ الأَوْدِية
ودَعُوا بِأَشْرَفِ أدْعِيَة
يا ليْتَهُم
ما جاءوا نَحْوِي واعْتَلُوا
قِمَمَ الجِبالِ العالِيَة
يا لَلْأَسَف
جَاءوا أُنَاسٌ لِلْمَكَان
في غَفْلَةٍ من عُمْرِنا
في خِفْةٍ جَاءوا هُنا
وكأنَّهُم أطْيَافُ جان
هُمْ نَسْلُ أَشْرارِ الجُناة
شَبُّوا على أَيْدِي الطُّغاة
أَبَداً فَهُمْ..
لا لَمْ يَعِيشُوا لِلْحَياة
في كُلِّ صَوْبٍ أَطْلَقُوا
حُمَمَ المَدافِعِ حامِيَة
فَتَدَمَّرَتْ كُلُّ الغُصُونِ
ونافِذَاتُ الأبْنِية
لم يَنْجُ مِنْ تلك الطُّيُورِ
سِوَى الرُّفَات..
تِلْك الرُّفَاتُ
رَأيتُهُم..
قد أشْعَلوا فيها حَرِيق
وأنا أُصِبْتُ ولَيْتَها
ذَهَبَتْ حَياتِي لا أَفِيق
أو لم يَكُن هذا جُنُون!
مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ يَسْخَرُون
حتَّى كأَنِّي خِلْتُهُم
جَوْعَى وسوف يأْكُلُون!!
لكن بلا أدْنَى هَدَف
قَتَلُوا وهم يَتَضاحَكُون
قَتَلوا وهم يَتَضاحَكُون!!
ثمَّ انْتَهَتْ من قَوْلِها
وتَفَقَّدَتْ أطْلالَها
سَكَتَتْ وطُوفَانُ الدُّمُوع
يَجْرِي بِصَمْتٍ في خُشُوع
ثمَّ اسْتَدارَتْ لِلسَّماء
يا رَبَّنا
يا مَنْ خَلَقْتَ الأرْضَ مِنْ
طِينٍ وماء
يا مَنْ حنَوْتَ على أنينِ الأبْرِياء
هَذِي الْعِصابَةُ أوْجَعَتْ
قلْبي الحَزِين
جَعَلَتْ عُيُوني بِرْكَةً
يجْرِي بها دَمْعُ الأنِين
يا ربَّنا
كانَتْ فَرَاشاتُ الزُّهُورِ الآسية
تَضْوِي الدُّرُوب
كانَتْ تَغارِيدُ الطُّيُورِ الرَّاقِيَة
تُشْجِي القُلُوب
فاشْفِ صُدُوراً
طالَها بَأْسُ السِّهامِ الجَائرَة
لَكِنَّها يا رَبَّنا
عاشَتْ لأجْلِكَ صَابِرَة
عاشَتْ لأجْلِكَ صَابِرَة
***
محمد محمد علي جنيدي