روافد أدبية

الموظف المختص

احمد دسوقي مرسيتقدمت بخطى ثابتة، وعلقت على فمى أبتسامة ودودة وقلت بصوت رقيق:

- صباح الخير يا أفندم.. سيادتك الأستاذ إبراهيم جمعه؟

فنظر إلى الرجل من خلف مكتبه، بوجه كالح، وعينين عابستين، وقال بصوت أجش:

- نعم أنا هو الأستاذ إبراهيم

- أهلا يا أفندم.. والله أذا سمحت توقع سيادتك هنا

- وأشرت إلى مكان التوقيع، ومددت إليه يدى بالطلب وبكسل شديد راح يقرأ بهمهمة مرتفعة، راحت فيها الكلمات تتشابك بأصوات لا معنى لها حتى أتى عليه فى لحظات ثم ألقى به على المكتب، فتزحلق الطلب على سطحه، حتى وصل إلى مهرولاً

- عند الأستاذ " سعيد حسونه ".. أنا غير مختص بالتوقيع على هذه الطلبات فأبتسمت فى صبر شديد، وأنا أضغط على أعصابى التى تكاد تنفلت

- متشكر يا أفندم.. .و لكن أين أجد سعيد أفندى من فضلك؟

- فى الغرفة التى بجوارنا عن اليمين

- متشكر..

- ولم يرد تحيتى، ودخلت الغرفة المجاورة، وسألت موظفاً أنيق الثياب خيل إلى أنه سيهدينى سواء السبيل

- صباح الخير يا أفندم.. أين أجد الأستاذ سعيد حسونه؟

و أشار الشاب إلى ركن قصى قبع فيه رجل هائل الجرم بوجه أسمر جاد أتجهت إليه من فورى

- الأستاذ سعيد يا أفندم

- نعم..

- والله أذا سمحت توقع لى من فضلك على هذا الطلب

و أبتسمت حتى تجذبه ابتسامتى، ومددت يدى إليه بالطلب فمد يداً غليظة وأمسك به وراح يقرأه كلمة..كلمة فى هدوء أثارنى.. ثم ألقاه على المكتب، وألتفت إلى يمينه ورفع صوته قائلاً:

- ولكن إلا تعرف أين نقل يا سيد أفندى؟

و تملكنى غيظ عارم، سرى فى عروقى ناراً كاوية.. لقد كان يوجه سؤاله إلى زميله الذى يجاوره فـرد عليه (سيد أفندى) هذا وكان رجلاً أشيب الشعر:

- سمعت أنه نقل إلى الفيوم، مع أن عائلته كلها تسكن هنا كما تعلم

- صدقنى "يا سيد أفندى" أفعاله هى السبب..

يعنى أذا كان أحنى الرأس قليلاً وتغاضى قليلاً.. لربما حصل على حقه وزيادة

فقلت له وأنا أتميز غيظاً:

- لمؤاخذة.. الطلب يا أفندم

فقال لى بصوت هادىء، غير مبال:

- تعرف فوق؟

و أشار بسبابته إلى أعلى.. فقلت فى نفسى، والدماء تلهب رأسى: " يا حشرة سامة على مكتب الوزارة " .

و ابتسمت فى آسى وأنا أبتلع غضبى:

- طبعاً .

- اذن على فوق.. وقابل " مسعود المستكاوى" فهو المختص بمثل هذه الطلبات

وكرهت الرجل من أعماقى وكأن كراهيته نبتت فى قلبى منذ زمن بعيد، ولعنته ألف لعنة فى نفسى..

ولم أشا أن أساله عن غرفة هذا المسعود المستكاوى المختص بهذه الطلبات التى على شاكلة طلبى التعيس .

وسألت فراشاً فى الردهة يجلس على كرسى فى استرخاء والنوم يكاد يداعب جفنيه

- السلام عليكم يا حاج..  والله أذا سمحت.. أين مكتب الأستاذ    " مسعود المستكاوى"؟

وأشار الرجل إلى غرفة تقع عن يساره.. ودخلت.. فوجدت رجلاً نظرت إليه فتوسمت فيه الطيبة.. فتوجهت إليه وسألته عن الأستاذ " مسعود المستكاوى " فقال لى وهو يضحك:

- خرج منذ خمس دقائق .

وأستأنف حديثه مع زميله وكأنه لا يرانى فأنسحبت أخرج فى هدوء أتفرس فى وجوه الرجال الذين يذهبون ويجيئون والذين يدخلون الغرفة.. عل من بينهم هذا " المسعود المستكاوى " المختص بتوقيع الطلبات، والذى سيحل بحضوره أزمتى المستعصية وسألت ساعياً خرج من مكتب قريب وكان يحمل اوراقاً كثيرة فى يمناه .

- أذا سمحت والله يا حاج أين أجد الأستاذ " مسعود المستكاوى" من فضلك؟

فقال الرجل.. بأبتسامة طيبة، رقيقة لأول مرة ألقاها منذ هذا الصباح:

- تعال

و أمسك بيدى، ودخل بى المكتب الذى غادرته منذ دقائق وقال بصوت مرتفع رزين:

- يا أستاذ مسعود.. .كلم سيادتك

و ألتفت الرجل إلى شخصى، فإذا هو ذلك الموظف الذى أخبرنى منذ قليل بخروج "مسعود المستكاوى".. وهو يضحك.. فنظرت إليه مصعوقاً، والغضب الحبيس يكوينى وقلت فى تملق:

- لابد أن تكون مشغولاً سيادتك.. أنا عارف.. أنكم تعانون من أرهاق العمل.. وأنا فى الحقيقة أعذركم

و لكنه لم يتكلم ولم يعلق على نفاقى المصنوع ومد يده المعروقة وأمسك بطلبى ثم أعطاه لى بعد لحظات.. وقال لى بصوت غاضب:

- أذهب الى الأستاذ " إبراهيم جمعه " فى الدور التحتانى " فهو المختص بتوقيع هذه الطلبات

***

أحمد دسوقى مرسى من مصر

 

في نصوص اليوم