اخترنا لكم

ستوكهولم سيندروم

وبمرور الوقت يحدث تعاطف ما بين الأول (الضحية) والثاني، المسيطر عليها، كما في حالة الاختطاف مثلا، حيث تبين للباحثين في هذه الظاهرة أن طول مدة الاحتجاز في حالة الاختطاف تؤدي إلى تعاطف الضحية المختطفة مع الخاطف والانصياع لأوامره، فيطالب مثلا بعدم معاقبته بعد إلقاء القبض عليه (أقصد الخاطف). وأحياناً ربما تشارك الضحية في عمل إجرامي لصالح المُختطف. وعلّة ذلك، كما يرى الباحثون في هذا الشأن، أن الضحية بسبب الخوف الدائم من المجرم تتوصل نفسياً إلى الاقتناع بأن السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة مرتبط بهذا المجرم، وأنه لا حيلة لها (الضحية أو الرهينة) سوى الانصياع لضمان البقاء على قيد الحياة.

 

مقاربة بهذا الوضع النفسي المتجلي في هذه الظاهرة النفسية الغريبة، يمكن القياس على وضع الإنسان العربي في مواجهة النظام السياسي. فمن الملاحظ أن العرب غالباً ما يتعاطفون مع أنظمتهم السياسية حتى ولو كانت تسبب لهم الأذى في معيشتهم، وفي أسلوب حياتهم بشكل عام، سواء كان النظام السياسي جيداً أم سيئاً، فالأنظمة العربية بشكل عام، استبدادية باستثناء نظام الطاغية المقبور صدام حسين الذي كان ديكتاتورياً في حكمه للعراق، ومع ذلك لا يزال هذا الحاكم يعشش في ذهنية المواطن العراقي، بل إن منهم من يتمنى لو ظل حاكماً للعراق إلى اليوم. فالإنسان العربي غالباً ما يقف مع نظامه السياسي حتى ولو كانت معيشته سيئة، وحرياته منتقصة أو مُنتهكة بفعل القانون. فالمواطن في الدول العربية التي يوجد بها هامش من الحريات السياسية والفكرية، غالباً ما يمتدح هذا الهامش دون مقارنة بالحريات الفكرية والسياسية الموجودة في الغرب، بل ولا يتردد في مدح حكومته على هذا الهامش الضيق للحريات. ومن الأشياء المزعجة في الكويت مثلا، باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الخليج، ما يردده الناس بدون عقل لمن يعترض على السياسة الحكومية، "أحمد ربك، تقدر على الأقل تتكلم"! وكأن الأصل هو ألا أتكلم معارضاً الحكومة وناقداً لأخطائها. إضافة إلى ذلك تعاطف المواطن مع الحكومة لا لشيء سوى علمه المسبق بعجزه في مواجهة الحكومة. بل يصل الأمر إلى درجة الإقناع أنه لا فائدة من معارضة الحكومة بإقامة دعوى قضائية ضدها مثلا، لو أنها أساءت في تقديم الخدمة العامة بشكل جيد. وكذلك يتمثل الأمر في خضوع المواطن لموظف الدولة التي تحمي موظفيها في مواجهة المواطن بالغرامة أو السجن، حتى لو كان موظفها هو المخطئ. فانقطاع الكهرباء مثلا، لا يدفع المواطن لرفع دعوى ضد وزارة الكهرباء لتضرره نفسياً أو مادياً من انقطاع الخدمة العامة، بل يصبر بانتظار الفرج، والموظف من جهته لا يهمه الأمر في شيء ما دامت الحكومة تحميه. ولذلك لا يوجد مواطن عربي يؤمن بفائدة المعارضة أو الشكوى، بل ويشكر الحكومة أو الوزارة على توفير الخدمة.

 

لماذا لا يعارض المواطن العربي حكومته، ويطيع قوانينها دون مقاومة حتى لو كانت ظالمة، بل ولا يتردد في مدحها والإشادة بها لمجرد أنها قامت ببناء مستوصف أو مخفر شرطة؟ المواطن العربي يفضل البحث عن واسطة متنفذة (نائب مثلا أو وزير) لإنهاء معاملاته الرسمية مع الحكومة، بدلا من الاحتجاج. والسبب في هذا كله سيادة ظاهرة "ستوكهولم سيندروم" في حياة الإنسان العربي الذي يؤمن من طول بقاء "احتجازه" في الدولة وارتباط حياته اليومية بها، بل والإحساس بأن البقاء على قيد الحياة مرتبط بهذا الخضوع، خوفاً من الاعتقال التعسفي.

     الاتحاد الاماراتية

في المثقف اليوم