اخترنا لكم

البابا شرودر هيدغر

فأنتم لاتحترمون أحدا في نهاية المطاف. وهذا التعصب للذات او للطائفة علي طول الخط قد ينقلب عليكم يوما ما كما نبهكم الي ذلك شخص عظيم هو شارل ديغول.

 

وهو ايضا حاولتم ابتزازه والتطاول عليه بعد عام 1967 ولكن هيبته التاريخية سحقتكم وأجبرتكم علي التراجع خوفا من اغضاب الشعب الفرنسي. اذ أقول هذا الكلام فاني لا أقصد اطلاقا انتقاد الشعب اليهودي ككل.

 

فهو شعب كبير مليء بالعبقريات والامكانيات. وقد عاني علي مدار التاريخ من الاضطهاد ويستحق كل احترام وتقدير. ولكني أقصد فئة محددة منه هي ما ندعوها: بغلاة الصهاينة او اللوبي الرهيب.

 

وهي فئة مشهورة بتعصبها وملاحقتها لكل من يتجرأ علي انتقاد السياسة الاسرائيلية ولو بشكل بسيط. وهم يلاحقون حتي كبار مثقفي اليهود أنفسهم من أمثال ادغار موران ومكسيم رودنسون وآخرين عديدين، فما بالك بالمثقفين غير اليهود؟

 

كل الناس تعرف ان البابا عندما دخل منظمة الشبيبة الهتلرية عام 1941 وهو في الخامسة عشرة من عمره كان مضطرا الي ذلك كمئات الالاف من الشباب الالمان المغلوبين علي أمرهم. فهتلر لم يكن يسألك رأيك فيما اذا كنت تريد الانخراط في صفوفه ام لا. انه يقطع رأسك بكل بساطة ككل الطغاة في العالم اذا ما رفضت. وبالتالي فكيف نحاسب البابا علي شيء لا حيلة له به. هذا يدعي تعجيزا بالمعني الحرفي للكلمة. 

 

من المعلوم ان كل الشخصيات الالمانية كبرت ام صغرت مصابة بعقدة النازية. ولذلك فكلها تبحث عن رضي اليهود لكي يشعر ضميرها بالارتياح او لكي تتحاشي الملاحقات بكل بساطة.

 

وحده غيرهارد شرودر رفض ان ينصاع لهذا القانون التعسفي الذي يشبه سيف ديموقليس المسلط علي عنق كل الماني. فعندما طرحوا عليه الموضوع بعد انتخابه مباشرة لكي يحرجوه نظر اليهم باشمئزاز قائلا: هذه قصة حصلت قبل ستين سنة ودفع الشعب الالماني ثمنها باهظا.

 

 ولا يمكن ان تحاسبوا كل الاجيال الالمانية الي أبد الدهر علي جريمة اقترفها رجل واحد وجيل واحد هو جيل الحرب العالمية الثانية. هذه صفحة طويت وانتهت ولا اريد ان تثيروا هذا الموضوع أمامي بعد اليوم.

 

 اذا كان عندكم سؤال عن موضوع آخر فاطرحوه. ثم أغلق الكلام بغضب مع الصحافي الفرنسي الذي حاول ابتزازه ما ان اعتلي عرش المستشارية في المانيا. لقد أعجبني موقفه آنذاك كل الاعجاب. وشعرت باني أمام شخصية سياسية من الدرجة الاولي.

 

في القرآن الكريم هناك آية تقول: ولا تزر وازرة وزر أخري. وهي تشكل مبدءا أخلاقيا كونيا ينطبق ليس فقط علي المسلمين وانما علي جميع البشر ايضا. ولكن يبدو ان غلاة الصهاينة لم يسمعوا بها حتي الان! أقول ذلك علي الرغم ان ما يشبهها موجود في الديانة اليهودية ومعظم الأديان والفلسفات الكبري.

 

لا يمكن ان تكون مسؤولا عن عمل قام به أحد غيرك حتي ولو كان أبوك او أخوك الشقيق! كنا نعتقد ان هذا قانون بدهي وتحصيل حاصل لا يحتاج حتي الي مجرد ذكر. ولكن يبدو انه ينبغي علينا حتي التذكير بالبدهيات..

 

ثم ينبغي ان ينتبهوا ان هذه لعبة خطرة قد تنقلب عليهم يوما ما. بمعني آخر فان الفلسطينيين قد يستخدمون معهم نفس الاسلوب ويظلون يلاحقونهم علي المحرقة الفلسطينية حتي بعد مائة سنة مثلما يلاحقون هم الالمان علي محرقتهم اليهودية حتي بعد سبعين سنة. واحدة بواحدة! وما حدا أحسن من حدا.

 

والواقع ان هذا مايخشونه أشد الخشية. وهو ما سيحصل حتما حتي بعد عقد معاهدة السلام النهائية التي نأمل حصولها علي يد الرئيس أوباما قريبا. فقد مللنا من هذا الصراع الجهنمي الذي قصم ظهر النهضة العربية وأخر انطلاقتنا.

 

زهقت أرواحنا. ولكن هل سيستطيع تحقيق المعجزة؟ عندئذ سيشعر كل اسرائيلي بانه لن ينال شرعية الوجود وراحة الضمير الا بعد ان يرضي عنه شخص فلسطيني تماما كما هي حالة الالماني مع اليهودي. سوف يكرر التاريخ نفسه ولكن بشكل معكوس هذه المرة.

 

وهنا قد يطرح سؤال نفسه: ألا يستخدمون قصة المحرقة النازية بمثل هذا الالحاح والتركيز خوفا من ان يسائلهم العالم عن المحرقة الفلسطينية؟ الا يفعلون ذلك للتغطية عليها بألف شكل وشكل؟ هكذا نكون قد عدنا مرة اخري الي مسألة صناعة الهلوكوست التي تحدث عنها المفكر اليهودي الاميركي المحترم: نورمان فنكلشتاين.

 

أخيرا سوف أقول ما يلي: لقد تعرض الفيلسوف مارتن هيدغر لنفس العملية الابتزازية علي مدار الثلاثين سنة الماضية. بل وحاولوا منع تدريس كتبه في أقسام الفلسفة في الجامعات الكبري. ولكن بما ان عظمته الفكرية كبيرة جدا فانهم لم يستطيعوا الاطاحة به فظل شامخا يتحدي أعاصير الشائعات الكاسحة.

 

 والشائعة ضرب من الاغتيال بالمعني الحرفي للكلمة وبخاصة اذا كان يقف وراءها جهاز دعائي او اعلامي جبار يبث علي مدار الساعة. فاذا لم تكن قويا راسخا في حقيقتك فانها قد تقتلك او تدمرك او تزعزعك من جذورك زعزعة.

 

يعرف ذلك كل من تعرض لهذا النوع من الحملات المكثفة والشائعات المنظمة ومحاولات الاغتيال المعنوي والنفسي. بعد كل ذلك السيل العارم من الكتب المضادة له والمقالات المشوهة لشخصه وفكره لا يزال مارتن هيدغر يفرض نفسه كأكبر فيلسوف في القرن العشرين.

 

 ذلك ان الحقيقة قد تهتز قليلا تحت ضغط الدعاية المشوهة والأكاذيب الملفقة، بل وقد تشحب كثيرا في لحظة ما، لكنها لاتموت!

الراية 14 تموز 2009

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1111  الجمعة 17/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم