اخترنا لكم

علي العميم: سلامة موسى والشيخ الغزالي وبينهما علي جواد الطاهر

مقال الشيخ محمد الغزالي «بين الهلال والصليب» الذي ضمَّه إلى كتابه «من هنا نعلم» الذي هو ردٌّ على كتاب خالد محمد خالد «من هنا نبدأ»، هو – كما قلنا في المقال السابق – في الأصل ردّ على حملة من حملات سلامة موسى على جماعة الإخوان المسلمين. ومقاله هذا كان مقالاً مقحماً في كتابه؛ إذ لا صلة له بموضوع ردّه على كتاب خالد محمد خالد «من هنا نبدأ».

إنَّ الشيخ محمد الغزالي في مبتدأ مقاله حين نزع الإيمان الديني من قلب المسلم محمد التابعي، وحين نزعه قبله من قلب اليهودي أينشتاين، لم يكونا هما المستهدفين بهذا النزع، بل هو فعل ذلك رشوة للأقباط، لكي يتيسر له نزع الإيمان الديني من قلب القبطي سلامة موسى.

فهو يريد أن يفصل سلامة موسى عن الأقباط، بالزعم أنه ملحد ومعادٍ للأديان، وأنه أنشأ عصابة من الأقباط عددها قليل لهدم الأديان التي من ضمنها الدين المسيحي. واعتقد أنه بهذا القول أنه سيؤلب الأقباط على سلامة موسى من ناحية دينية.

إنَّ الشيخ الغزالي حينما خاطب القمص سرجيوس سرجيوس في مقاله «بين الهلال والصليب»، لم يسلكه – كما الاثنين الآخرين – في «عصابة سلامة موسى»؛ لأنه كان رجل دين قبطياً. وكان أقصى ما قاله عن الهيئة الدينية القبطية، عبارة عارضة، هي أن بعض رؤساء الكنيسة قرروا أن يجاروا العصابة الملحدة في أعمالها ضد الإسلام وضرورة فصله عن الدولة رسمياً.

اشتهر سلامة موسى في خطابه السياسي والفكري بعلمانية صلدة وحادة إلا أنه لم يكن ملحداً، وبخاصة بإيمانه الديني المسيحي الذي لم يكن يجاهر به، أو يعلنه، لكي يكون متسقاً مع علمانيته الصلدة والحادة. وهذه مسألة كان يعرفها عنه الأقباط اللاهوتيون والأقباط العلمانيون، ويعرفها عنه الأقباط الطائفيون من هذين الاتجاهين.

فهو مع علمانيته الصلدة والحادة، كان منخرطاً في النشاط الاجتماعي والثقافي لجمعية الشبان المسيحيين، منذ أن انضم إلى عضويتها في عام 1922.

فلو كان ملحداً لما قبلت هذه الجمعية أن يتولى فيها توجيه الشباب المسيحيين وغير المسيحيين، من المسلمين واليهود، ثقافياً واجتماعياً.

يروي علي جواد الطاهر قصة حصلت له مع سلامة موسى في شبابه. وقبل أن تحصل هذه القصة كان مثل كثيرين في مصر وفي العالم العربي يصنف سلامة موسى بحسب خطابه السياسي والفكري العلني. فهو تعرف إلى بعض كتب سلامة موسى وهو في المرحلة المتوسطة (أو الإعدادية) من دراسته، وافتتن بآرائه. وقد بلغت هذه الفتنة حدّها الأعلى بأن سلامة موسى وكتابه «في الحياة والأدب» هما اللذان – لا هو – اختارا له الدراسة في القسم العلمي لا القسم الأدبي في مرحلة دراسته الثانوية، مع أنه نشأ نشأة أدبية!

يقول في قصته مع سلامة موسى: «وها أنذا في حارة شعبية أرقى أربعاً أو ثلاث عتبات نحو باب قديم متين، وتمتد اليد إلى الجرس، فيفتح الباب وتطل امرأة – لا شك في أنها أم البيت – ووراءها فتاة – لا شك في أنها البنت التي كان يحلم بها صديقي الذي كان صديقي – قالت السيدة المحترمة: يمكنك الالتقاء به في جمعية الشبان المسيحيين. فشكرتها وودعتها، ولكن العجب من هذا الكاتب الذي علمنا شيئاً، ويلتقي في المكان الذي لا يكون فيه! وتذكرت ما كان من أسماء أولاده: خوفو وخفرع (وربما ميكرع)... وما روي في غير مصلحته من أشياء أخرى تضعه في موضع المتناقض.

لا أدري كيف بلغت بيته... ولا أتذكر كيف وصلت إلى مقر الجمعية، ورأيته وجلست أحدّثه ومعي حماستي التي صحبتني من عراق 1947، ومن كتبه... وأفكاره... واندفع... ولكنه ليس معي... وحين ذكرت له أخباراً عن مكانته عند القارئ العراقي، وذيوع كراسه عن (الحرية)، بدا – على غير افتعال – وكأنه لا يعرف شيئاً عن هذه المكانة. وسأل: هل يجيز نوري السعيد بيع كتبي؟

ولم يطل اللقاء... لأن أهراماً شاهقة قد تهاوت من مخيلتي، ولم يكن سلامة موسى الذي إزائي سلامة موسى الذي ملأ ذهني. وافترقنا على غير سعي إلى اللقاء. وانتهى في النفس شيء اسمه سلامة موسى، فقد مات فيها سنة 1948 (وليس 1958 حين مات فعلاً عن إحدى وسبعين سنة)».

هذه القصة ذكرها علي جواد الطاهر في مقاله «حدود القراءة وآفاق المعرفة»، المنشور في جريدة «الجمهورية» ببغداد بتاريخ 25/10/1985، وأعاد نشره في كتابه «أساتذتي ومقالات أخرى» بعنوان مختلف، هو: «سلامة موسى».

وأوردت هذه القصة؛ لأنها تعبر عما قلته عن نوع علمانية سلامة موسى التي تلتبس على قارئ كتبه، مع إدراكي أن خيوط القصة مهلهلة...

يقول علي جواد الطاهر في مقاله المشار إليه: «وبلغ القاهرة، والحال متوترة، والنقراشي وفاروق في أعلى مراحل الشدة. بلغ وتهيأ له أن يقرأ كتاب (تربية سلامة موسى) في بلد سلامة موسى».

في هذا الكتاب تحدث سلامة موسى عن تجربته في جمعية الشبان المسيحيين، وتحدث كثيراً عن هذه الجمعية. فما العجب – بعد أن قرأ هذا الكتاب – أن يكون سلامة موسى في هذا المكان؟!

لماذا في اللحظة التي أخبرته زوجة سلامة موسى فيها أن زوجها في جمعية الشبان المسيحيين، تذكّر أن من أسماء أولاده: خوفو وخفرع؟!

فما الصلة بين جمعية مسيحية بروتستانتية وبين الأسماء الفرعونية؟!

سلامة موسى ذو اتجاه فرعوني، فما التناقض في أن يسمي بعض أولاده بأسماء فرعونية؟!

صدم سلامة موسى علي جواد الطاهر بأنه غير مكترث بأن له مكانة عند القارئ العراقي. وكان يجب عليه ألّا تصدمه هذه الحقيقة؛ فسلامة موسى مثقف قومي مصري إقليمي يخاطب القارئ المصري، ولا يعنيه أن يكون له قارئ في «الشام»، وفي «بغداد»، وفي «نجد»، وفي «اليمن»، وفي «تطوان»، مع أنه – والحق يقال – له تأثير «تنويري تبسيطي» لدى أجيال متتالية من القراء العرب في القرن الماضي. وهذه الحقيقة تنسف ادعاء الغزالي في ذلك المقال، بأن مريديه عصابة قليلة النفر من الأقباط.

هل هو – حقاً – مات سنة 1948 في وجدان وعقل علي جواد الطاهر لسبب وطني عرقي، قبل ميتته الفعلية سنة 1958؟

وهل صدق على جواد الطاهر في روايته التي قال فيها: «وافترقنا على غير سعي إلى اللقاء»؟

في مقال له عنوانه «في جامعة فؤاد – القاهرة شباط (فبراير) 1947 – حزيران (يونيو) 1948» نشره في مجلة «الرواد»، وأعاد نشره في كتابه «فصول ذاتية من سيرة غير ذاتية»، كان قد قال: «وسلامة موسى ومقر مقابلاته: جمعية الشبان المسيحيين، قابلته وزاد إعجابي به، وهو الذي يعجبني منذ زمن بعيد».

فأيهما الناسخ، وأيهما المنسوخ في أحاديث ذكرياته المصرية؟

التناقض الواضح عند سلامة موسى أنه على علمانيته الصلدة والحادة كان يكتب في مطبوعة طائفية، هي جريدة «مصر»، وأكثر من هذا أنه تولى رئاسة تحريرها لمدة من الزمن.

هذا التناقض الواضح، كان قد أشار إليه الكاتب الماركسي القبطي أبو سيف يوسف الذي كان يكتب في مجلة «الفجر الجديد» الشيوعية ما بين عامي 1945 و1946، تحت اسم رأفت يوسف وأ. يوسف.

ففي أثناء حملة موسى على الإخوان المسلمين عام 1946، رد عليه بمقال عنوانه «لن نسمح باستغلال الدين للتفرقة بين أبناء الشعب».

وقال في هذا المقال عن جريدة «مصر»، إنها «تعالج المشاكل في نطاق طائفي، فتثير بذلك الحقد العنصري عند الأقباط. وسلامة موسى يهاجم الإخوان المسلمين في هذه الجريدة، فلا يحاول أن يعلو على مستواها، بل يكتب ويدور في حدود الطائفية... فهو لا ينقد الإخوان المسلمين على أساس قومي وطني، ولكن على أساس عنصري ديني».

الشيخ الغزالي يعلم أن سلامة موسى غير ملحد بالمسيحية، لكنه يتبع سياسة الإخوان المسلمين مع الأقباط في ذلك الوقت، وهي سياسة الاحتواء والمداراة من أجل ألّا يثيروا كثيراً من العواصف حول دعوتهم إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. ولينفوا عن أنفسهم قبلها تهمة التعصب الديني، وهي التهمة الموصومون بها هم و«الحزب الوطني» وحزب «مصر الفتاة» من قبل الأقباط ومن قبل قوى وطنية.

ومع حرص الإخوان المسلمين على هذه السياسة إلا أنهم يخرجون – أحياناً – عنها، فيكتبون مقالات فيها تعصب طائفي، تسبِّب غضب الأقباط وسخطهم عليهم.

نقد الشيخ محمد الغزالي الديني العنيف لسلامة موسى في ذلك المقال لم يكن له أثر يذكر في كتب الإسلاميين وفي مقالاتهم، مع أنهم كثيراً ما يقتبسون من كتبه ومن مقالاته الصحافية.

وقد يكون السبب في هذا أن كتابه «من هنا نعلم» الذي إلى عام 1954، طبع أربع طبعات، لم يطبعه الشيخ طبعة خامسة وسادسة وسابعة وثامنة... مثل باقي كتبه؛ فكتابه هذا يحضر اسمه في كتب الإسلاميين وفي مقالاتهم عند تطرقهم في الحديث لخالد محمد خالد وكتابه «من هنا نبدأ»، فيقولون: وتصدى له الشيخ محمد الغزالي بكتاب «من هنا نعلم»، ثم يذكرون أن خالد محمد خالد تراجع عما دعا إليه وعما قاله في كتاب «من هنا نبدأ» في كتاب ألّفه بعد سنوات طويلة، هو كتاب «الدولة في الإسلام». وهذه المعلومة يقدمونها بوصفها انتصاراً ثانياً لرد الغزالي في كتابه «من هنا نعلم».

فكتاب الشيخ محمد الغزالي «من هنا نعلم» يحضر اسمه عند الإسلاميين بطريقة تمجيدية واحتفائية بمضمونه الذي يدعون أنه رد علمي ملجم، وبعنوانه الذي يباهون بأنه عنوان الاعتدال في الردود والمناظرات. ويقدمون صورة ناقصة لموقفه الناقد للأزهر في تفكيره بسحب شهادة العالمية من خالد محمد خالد، للادعاء بأنه يتمتع بمناقبية أخلاقية عالية. وقد نجح الإخوان المسلمون بتسويقهم الدعائي للشيخ الغزالي، خطاباً ومواقف، بأنه رجل الاعتدال والتسامح والانفتاح على المخالفين والمختلفين معه. وهذه الصورة هي بخلاف ما هو عليه حقيقة.

بعد كتابة الشيخ محمد الغزالي عن سلامة موسى في ذلك المقال المكرس للهجوم الديني عليه، لم يخصه مرة أخرى بمقال ديني هجائي قدحي.

تناول الشيخ محمد الغزالي لويس عوض بالنقد الديني الطائفي مرة واحدة، وكانت هي المرة الأولى والأخيرة. ففي مجلة «الدوحة» كتب ثلاثة مقالات في موضوع متصل، وهو الدفاع عن محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وصد هجمات بعض الإسلاميين القادحة فيهما.

المقال الأول، عنوانه «وجهة نظر في أقدار الرجال: لماذا الهجوم على محمد عبده والأفغاني؟». نشر في مجلة «الدوحة»، بتاريخ 1 يوليو (تموز) 1983.

المقال الثاني، عنوانه «يا جمال الدين... لماذا يهاجمونك ويحقدون عليك إلى هذا الحد؟ مدرسة رائدة وإمام ضخم». نشر فيها بتاريخ 1 ديسمبر (كانون الأول) 1983.

المقال الثالث، عنوانه «متى تهدأ هذه الزوابع؟! هل كان الأفغاني ومحمد عبده خارجين عن الإسلام؟». نشر فيها بتاريخ 1 يناير (كانون الثاني) 1984.

ففي مقاله الثاني قال: «وفي هذه الأيام المهزولة من تاريخنا العلمي والسياسي تتعرض سيرة جمال الدين الأفغاني لمطاعن شديدة من صنفين متباعدين جداً. فالدكتور لويس عوض يصب جام غضبه على الثائر الإسلامي الحر ويصفه بكل موبقة، فهو مغامر مجهول، كافر مجنون، مخاطر مغمور، زنديق مخبول، ملحد مأجور، أفّاق دسّاس دجّال متلوّن... إلخ».

أشار بعدها إلى أن أحمد بهجت وسامح كريم في «أهرام» 29-8-1983 كتبا تعليقات على طريقة لويس عوض في البحث والحكم، وأنهما «بيّنا أن الرجل كان يرجع إلى تقارير المخابرات الدولية، ويستقي من مصادر لا تعرف بالنزاهة والصدق».

وأشار إلى أن جابر قميحة «كتب مقالاً تحت عنوان (التزوير وأمانة الكلمة)، يكشف فيه أن الدكتور لويس في حديثه عن جمال الدين كان قاصر البحث غائب المنهج»، ثم قال هو عن لويس عوض: «والدكتور لويس عوض رجل واسع الاطلاع على الثقافة الغربية، شديد الولاء لأغراضها، وأعتقد أن كرهه لجمال الدين نابع من حبه لدينه واحترامه لدور أوروبا في احتلال الشرق الإسلامي، وتغييرها الواجب لعقله وضميره!

وقد نفّس عن كوامنه بالأسلوب الذي هاجم به جمال الدين! ومع أني لا أتوقع أن يقول الدكتور لويس كلمة طيبة في جمال الدين أو في محمود شاكر إلا أني فوجئت بهذا الضغن الشديد على زعيم من زعماء الإصلاح الإسلامي!

فلنترك التيار الصليبي ورجاله وطرائقه في النيل مِنّا! ولننظر إلى صنف آخر من الناس يحارب مجددي القرن الماضي، ويستميت في تجريحهم».

وبعد أن أنهى جولة مناقشته وردوده على آراء بعض الإسلاميين القادحة في شخص الأفغاني وفي سيرته وفي أفكاره، من دون أن يسمي أحداً منهم، ختم مقاله بقوله: «وقد تلاقى هذا البعض مع الدكتور لويس عوض في التهجم على جمال الدين الأفغاني.

والدكتور لويس يرى أن يعقوب حنّا الذي خان مصر وانضم إلى الجماعة الفرنسية هو زعيم قومي عظيم القدر (!) وأن جمال موقظ الشرق الإسلامي في العصر الحديث جاسوس ملحد (!)

وكما قلت، لا عجب في موقف الدكتور: وإنما العجب في موقف الذين تلاقوا معه في ضرب رجل الإسلام، والجنون فنون».

ويسعني أن أقول: إن تعرّض الشيخ محمد الغزالي للويس عوض بالنقد الديني الطائفي لم يكن بنيّة مجابهة دراسته «الإيراني الغامض في مصر»، بل الغرض منه كان التشنيع على الإسلاميين القادحين في جمال الدين الأفغاني بأنهم يلتقون مع لويس عوض – وهو من هو في سوء السمعة الثقافية والفكرية عندهم – في القدح بالأفغاني.

فالشيخ الغزالي كتب مقاله الأول في موضوعه المتصل في مجلة «الدوحة»، وكانت مجلة «التضامن» اللندنية التي كان يرأس تحريرها فؤاد مطر، ما تزال تنشر مقالات دراسة لويس عوض عن الأفغاني التي بدأت نشرها بتاريخ 16 أبريل (نيسان) 1983. وكتب مقاله الثاني في تلك المجلة الذي وظف فيه اسم لويس عوض ضد الإسلاميين القادحين في الأفغاني، بعد أن انتهت مجلة «التضامن» من نشر سلسلة مقالات لويس عوض الثمانية عشر عن الأفغاني بتاريخ 10 سبتمبر (أيلول) 1983.

إن الشيخ الغزالي لو كانت نيته مجابهة دراسة لويس عوض «الإيراني الغامض في مصر»، لقال بالعكس، وهو أن لويس عوض التقى أخيراً بالإسلاميين الذين يطعنون بتاريخ جمال الدين الأفغاني؛ ذلك لأنهم كانوا يطعنون بتاريخه وسيرته قبله بما ينوف على العشرين عاماً.

دراسة لويس عوض عن الأفغاني في الأصل كان قدمها لجريدة «الأهرام» التي يعمل بها، لنشرها، لكنها رفضت نشرها. فغضب لويس عوض من جريدته واستقال منها.

وقد أثارت مقالات الدراسة حين نشرها في مجلة «التضامن» وعند نشرها فيها ردوداً وتعليقات كثيرة في مصر وفي العالم رافضة لها، يصعب حصرها.

وما قاله الشيخ الغزالي عن لويس عوض في مقاله الثاني لم يكن له صدى في كتب الإسلاميين وفي مقالاتهم في عقد الثمانينات وأول التسعينات الميلادية؛ لأنه قاله ضمن موضوع لا يحظى رأيه فيه بالقبول لدى أغلبية الإسلاميين.

فالشيخ الغزالي كان ضمن فئة قليلة من الإسلاميين، رفضت قدح الإسلاميين الديني والسياسي بالأفغاني ومحمد عبده. فأهمل تيار الإسلاميين الديني والسياسي بالأفغاني ومحمد عبده. فأهمل تيار الإسلاميين العريض رأي هذه الفئة ولم يتعرضوا له حتى بالرد والمناقشة.

استشهد الشيخ محمد الغزالي في كتاب له صدر عام 1991، اسمه «تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل» بكلام للويس عوض حول صلة العلمانية بالإسلام، من دون أن يثلب في الرجل ويقدح فيه.

فتحتَ عنوان «الحضارة لا تبنى بخصام الكون»، قال في كتابه: «ورجال محمد عندما بنوا لكتابه دولة، كانوا يسبحون في بحر الحياة، ويتعاملون بذكاء مع تياراته ومدّه وجزره، أو بتعبير الدكتور لويس عوض، كانوا علمانيين خبراء بالمادة والمجتمع وشؤون الحياة كلها.

سئل الدكتور لويس: هل يحافظ الإسلام حتى يومنا هذا على دعوته الشاملة؟ فأجاب: كلّا، وإذا كان الإسلام قديماً قد استطاع التغلب على بيزنطة؛ فلأنه كان ديناً علمانياً أكثر من الدين المسيحي في القرن السابع، وكان ديناً معنياً بأمور الحياة، كما كان معنياً بالغيبيات والروحانيات! على حين كان نظام بيزنطة روحانياً مغرقاً في الغيبيات، ثم قال الدكتور: ويبدو أن ما تحلم به الجماعات الإسلامية هو الإسلام البيزنطي!».

علّق الشيخ الغزالي على كلام لويس عوض، قائلاً: «ولست بصدد التعليق الموسع على كلام لويس عوض، وإنما يهمني الإشارة إلى أن التربية الإسلامية الصحيحة تقوم على فقه واسع في الحياة والأحياء، في الأرض والسماء، في كل ما يؤثر فينا ونؤثر فيه...».

الشيخ الغزالي استشهد بكلام لويس عوض الذي ينحو منحى تاريخياً في تحليل صلة التاريخ الإسلامي والتاريخ المسيحي بالعلمانية؛ لأنه استحسنه وأعجب به، ثم راح في تعليقه عليه يصوغه صياغة إسلامية إنشائية محدثة.

نأتي إلى ثالث الثلاثة المدنسين عند الإسلاميين، وهو غالي شكري.

وفق مراجعة سريعة، لم يتعرض الشيخ الغزالي لغالي شكري بذم إسلامي في كل كتبه وفي كل مقالاته. وللحديث بقية.

***

علي العميم - كاتب وصحافي سعودي

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية ليوم: الأحد - 10 شوال 1444 هـ - 30 أبريل 2023 مـ رقم العدد [16224]

في المثقف اليوم