الرئيسية

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (6)

 

 

س 43: غالب حسن الشابندر: باحث وكاتب عراقي / السويد: هل للشعر جسد؟ وأي جسد هو في انتمائه الكوني؟

اظنه جسدا مضمرا يفتش عن مكان في هذا الوجود ليتحرر من الاسر اللعين حتى في بلاد الحرية!!

ج 43: اولاً اقدم شكري للباحث غالب حسن الشابندر وأشكر له مشاركته التي نحت بي منحىً غير ما سبق...وسأجيبه على نحو غير ماسبق.

بحثاً عن الجواب أخذت حيرتي ومضيت بها اتلفت علَّ بصيصاً من نور يكشف لي دربي اليه ... طرقت أبواباً عدة ولكنها كانت ترفع يافطة كبيرة تقول "مغلق إلى إشعار آخر"، حتى رأيته.

رأيته يبكي، ورأيته يغني

رأيته يضحك ويهزج ويصفق

رأيته يحمل صخرة سيزيف ورأيته يحدق مع نرسيس في الماء مسحوراً بانعكاس صورته على سطح الماء

رأيته يلوح لأيروس ويرقص رقصة جنونية يتعرى فيها من ثيابه

ورأيته غجرياً ينقر الدف ويرقص رقصة السيوف

رأيته منكساً رأسه يبكي ما أل اليه حاله

رأيته قانطاً ورأيته حانقاً

ورأيته يلعن كل ماهو موجود

وكل ما يدعي الوجود،

 

قلت: جئت أبحث عن الشعر، فماهذا المهرجان الذي أراه؟

ضحك وضحك.. وضحك ثم قال: هذا أنا! ألا ترينني؟

قلت لا أصدق كل ما أراه .. الظامئ من شدة ظمئه يرى السراب منهلاً عذبا

قال: وكيف لي أن أقنع من لا يصدق بصره؟

قلت: لا أدري، وأنت أدرى بنفسك مني، فأجبني وأعنٍّي...

فقد سألني مفكر سؤالأ جئت أنشد جوابه لديك،

هل لك جسد؟

قال: أنا لا أحترف الإجابة، أنا السؤال..

قلت: ولكنك تعرف جواب سؤالي.. قل لي هل لك جسد؟

قال: هل على الجسد أن يكون محسوساً؟

قلت: إن الأحساس أنواع .. فأي نوع من الإحساس تعني؟

قال: وما هو تعريفك للإحساس..

قلت: يختلف الإحساس باختلاف المحسوس..

قال: إن وضعت طعاماً أمامك كبف تعرفين أنه طعام؟

قلت: برائحته وملمسه وبتذوقه.. و شكله.

قال: وإن لم يتفق شكله ورائحته وملمسه وطعمه مع مافي ذهنك، ألا يكون طعاماً؟

قلت: لا

قال: ماذا تسمين الجراد الذي شوحته الشمس لمن تاه في الصحراء ولا زاد له؟

قلت: كفي، كفى.. فهمت قصدك.

والآن نعود للسؤال، المفكر يريد أن يعرف هل لك جسد؟ فأجبني،

قال: وهل تقبلين مني نعم أو لا كجواب..؟

فكرت.. وقلت: ربما .. ولكن السؤال الذي يتبع، هل سيقبل المفكر هكذا إجابة؟ وأنت، أتريد أن تخذلني معه؟

سكت... كأنه يفكر، .وبعد تفكير قال: السؤال موجه لك، فلماذا لا تجيبين عليه بنفسك؟

لقد رمي بالسؤال ثانية ألى!

 .. أحسست بنوع من الألفة ينمو بيني وبينه وشيء من الطاقة قد تولد في الحيز الذي بيننا،... مددت يدي لاتحسسه فانطلقت شرارة منها، تهللت وقلت هذه علامة تدل على وجود شيئ محسوس، فحينما ترسل الطاقة من مصدرها، لا تنطلق منها شرارة إلا إذا كان هناك مستلم للطاقة.. قطب موجب وقطب سالب، إذن هذه علامة تبشر بالخير.

وعلمت أن هذه الشرارة تقودني الى الجواب فتبعتها...وحين انطفأت الشرارة حلت محلها الفكرة .

أول مقطوعة شعرية وجدت على الأرض هي من خلق الخالق العظيم الذى وضع الأنسان على وجه الأرض وعلمه الأسماء وقال إمض فقد علمتك ما يكفي.. فمضى يغني ويتغنى بما أودِع فيه من طاقة الخلق، ترافقه الكلمة يعزفها أنغاماً ويصورها ألواناً تذهل وتذكي خيالاتنا.

الشعر يخلق فينا فكلنا شاعر.. أول آية تجسِّد الشعر ما ينطقه الطفل كأجمل مقطوعة شعرية .. ماما.. بابا.. دادا .. وينطلق هذا الجزء منه محلقاً فيما اتسع له من الأجواء..

الشعر بِضعة منا.. هو الجزء الذي ينطلق حين يكون الجسد مقيداً بشتى القيود .. السلطة والزنزانات، المرض والألم، الخوف والعرف الى غيرها من القيود. وينطلق حين يرسل الشوق والتوق والتيم والوله والحزن رسلهم لتنبئ عنهم، فهو خير رسول لأنه جزء منا.يحلق ممسكاً بالروح يقودها لتبوح وتحرر مافيها. ..

فهل بعد هذا ننكر عليه جسده؟

 

الشعر حر.. لايقيده قيد .. لاتقيده القافية فإن وجدت فيه أحالها بعصاه، وهو الساحر، الى لون من الوانه، فيبهرنا بها. ولا يقيده اسلوب.. فهو ملول يلعب بالكلمات ليصوغ منها أشكالا نختار منها مايروق لنا وما يتماشى مع احاسيسنا فيغنى لنا طرباً حين يملأ الحب قلوبنا،ويذرف الدمع مواسيأ حين تلم بنا النوائب. لا حرية كحرية الشعر منطلقاً محلقاً في فضاءات الله الواسعة،ولكنه يعود الى اصوله. حين يعلو الضباب سطح البحر ويتصاعد ويمضي مع الريح، يتبدد ولا يبقى منه أثر، ولكنه يبحث عن بعضه ويتجمع سحاباً ويعود بحباته الى البحر الذي ولد منه. هكذا هو الشعر، إن انطلق يحن للعودة إلى أصوله. الانطلاق والتحليق حلو ولكن الإنطلاق المطلق ضياع.. والشعر يهوى الإنطلاق ولكنه يعرف معنى الضياع.. لو كان الشعر طائرة ورقية لما أراد لخيطه أن ينقطع، فمصير الطائرة الورقية التمزق لولا هذا الخيط الدي يشدها ويعيدها الى اصولها حين تشتد الرياح.

الشعر حر حتى وإن بقي تمتمات فوق الشفاه أو همسات بين الجوانح.

هل يمكننا وصف الشعر ككائن واحد؟ بوصف واحد؟ بهيئة واحدة؟ بجسد واحد؟ هل يمكننا ان ننسبه الى كون محدد؟ إنه أكثر من كون في كون واحد، إن دغدغ مشاعرك فهو موجود، إن أوصل رسالتك، فهو موجود، وإن نام بين جوانحك أو على شفتيك، فهو موجود، إحساسك به وإدراكك لكنهه يحدد كينونته في مدى إدراكك،

التفتُّ فوجدت الشعر ساهماً، قلت: أتراني أجبت على السؤال؟

قال: في التساول كل الجواب!

فأكملت: ياسيدي الباحث، سؤالك لا يبحث عن جواب، سؤالك يبحث عن سؤال. لو أنني ادعيت أن لدي الجواب لكان هذا اعترافاً مني بالجهل..

ولو أنني أعطيتك الجواب لقتلت السؤال!

وإن قتلت السؤال، قتلت الفكر،

وكيف لي أن أرتكب فعلاً كهذا؟

ها أنا أمسك بالفكر وأعيده اليك معافى وبيده سؤال:

هل يغير من كينونة الشيء ما نراه فيه أو ما لا نراه؟؟

 

سامي العامري: شاعر عراقي / المانيا: هناك التباس من بين التباسات عديدة انتبهتُ إليها وربما انتبه لها غيري في مسألة المساواة بين المرأة والرجل مثلاً وقد ذكّرتني بهذا أسئلة السيدة نور حامد وأجويتك الشافية لها فقد قلتُ في نص نثري متكون من مقاطع عديدة بمناسبة يوم المرأة العالمي السابق بعنوان لا يخلو من مرح ربما: تحية لنفسي بمناسبة عيد المرأة !

ونشرته في عدة مواقع ومنها المثقف ولكنك ربما لم تحصل لك فرصة الإطلاع عليه لتغيبك في تلك الفترة ربما وعلى أية حال قلتُ التالي:

إذا كان الرجل جاهلاً غافلاً

فمن الخطأ حديثُ المرأة عن المساواة

بل هي تَحمِل الرجلَ على كتفها اليمنى

ونفسها على كتفها اليسرى

وتشقُّ طريقاً إلى الحياة

وسط أمواجٍ

أسموها اعتباطاً ( حياة ) !

---

أما عن عنوان النص فقد بررته بقولي في قطعة داخل النص:

تحية لنفسي بمناسبة عيد المرأة

لماذا؟

لأنَّ النفس مؤنثة !

 

س44: سامي العامري: كثيرٌ من المثقفين المتنورين يتخيل عن حسن نية أن مساواة المرأة بالرجل هو الحل الناجع لمشاكل المرأة والمجتمع وأعتقد هذا سيصح لو كان الرجل العربي كالرجل الغربي من حيث فهمه للحرية وللحقوق وتمتعه بهما

فما هو رأيك في هذا الطرح؟

ج 44: أشكر الشاعر سامي العامرى مشاركته في الحواروكذلك مقدمتة التي وردت قبل السؤال والتي تتحدث عن مساهمته في يوم المرأة العالمي. وأقول:

منذ فتحت عيني ووعيت الكلام حتى غادرت العراق كان الحديث بين المرأة والرجل هو مساواة المرأة.. وحين رحلت نسيت الموضوع.. حتى أنني لم أكن أعرف متى يحتفل العالم بهذا اليوم الذى يسمى "يوم المرأة" حيث نحتفل هنا بيوم الأم لا يوم المرأة، فكل يوم هو يوم المرأة ولكن للأم كما للأب يوم حيث يكرمها فيه أبناؤها بأن يقدموا لها الخدمات التي اعتادت تقديمها لهم كل يوم. وحين أعود اليوم عن طريق الإنترنيت بعد أربعة عقود أجد نفس الموضوع ونفس الأحاديث، عن حقوق المرأة ومساواة المرأة .غير أنها قد أصبح لها يوم.. ترى ماذا تحصل في هذا اليوم؟

هل يدخل الرجل المطبخ ليعد الطعام لها ولأبنائه ويغسل الصحون، ويعمل الغسيل؟ ربما .. وربما يقدم لها باقة ورد، وهذا شيء جميل إن فعل، وربما يقدم لهاعقداً ثميناً .. ولكن، هل يسألها ماذا تريد ليحققه لها مما بحَّ صوتها لعقود تطالب به؟ لو أن مطلباً واحداً من مطالبها قد حقق كل عيد لما بقيت لها مطالب!

إذن ما معنى يوم المرأة ولماذا يحتفل به؟

ثم هذا التعبير "حقوق المرأة"، البلانكيت الذي تهرأ والكل يلوح به ـ الرجال أكثر من النساء ــ ماذا يعني؟ اليس الأحرى أن تحدَّد معالمه؟ أن تكون فيه فقرات؟ مطالب محددة لكي يمكن قياس النسبة التي تم تحقيقها من  هذه المطالب ؟وبالتحديد ماذا تحقق منها وماذا يجب المطالبة به، وأي المطاليب لها الأولوية. إن استعمال هذا التعبير العام الغامض إنما هو ستراتيجية المجتمع وبضمنه الرجل الذي يطالب بحقوق المرأة لتمويه وتعتيم المنجز الذي يراد انجازة في قائمة حقوق المرأة، حيت لا توجد قائمة محددة المعالم. المجتمعات التي قطعت المرأة فيها اشواطاً في موضوع الحقوق حددت اولوياتها ومطالبها وكل مطلب تبنته إمرأة شجاعة وضحت حتى حققته للأجيال القادمة وانتزعته من يد الرجل المهيمن على القرارات بحكم الأكثرية. كما في الحصول على حق التصويت والدخول في مجالات مم يكن يسمح للمرأة الدخول فيها .. كدخول الجامعات والفروع التي اقتصرت على الرجال في وقت سبق. وحتى عضوية النوادي التي كانت أنظمتها تحدد العضوية بالرجال بعد الأعتراضات عليها بالمقاضاة حسب القوانين التي تمنع التفرقة بسبب الجنس واللون والعرق والأثنية، استطاعت المرأة أن تكسر هذا الحاجز.  على المرأة أن تحدد مطالبها بالتحديد وتحدد أولوياتها لكي يتم التركيز على أعلى الأولويات وأكثرها أهمية. ولن يتحقق أية مطلب مالم يكن وراءه تشريع يستند عليه.

المرأة العراقية حصلت على حق التصويت ومارسته، وحصلت على حق التمثيل البرلماني وحصلت على مقاعدها ولولا الإحتلال وفرض شروطه بوجود نسبة من المقاعد للمرأة لبقي هذين التحقيقين ضمن التعبير المدغم "حقوق المرأة"

على هذه المرأة تقع اليوم مسؤولية تفعيل هذا الدور لكي تثبت أهليتها لهذه المكتسبات وإلا ساهمت في إحباط الجهود الرامية إلى تحقيق مطالب أخرى للمرأة.

هنا اقول أن المجتمع الذي لم يحقق التشريع لحقوق الإنسان وتطبيق هذه التشريعات لا يبشر بخير. على المجتمع هذا أن يجاهد في سبيل إعطاء الأنسانية حقها من الحماية وحينذاك يصبح تحقيق المرأة لمطالبها كمرأة ضئيلاً إن عوملت كإنسان.

أما الرجل اذي يطالب بحقوق المرأة فعليه أن يبدأ ببيته ويرى كم من مطالب المرأة قد تحققت فيه، وحينذاك يظهر مدى إخلاصه للقضية.

وكما يقال، الكلام يحتاج الى عضلة واحدة والعمل يحتاج الى عضلات وإرادة.

وقولك أننا يجب أن نبدأ بالرجل هو صحيح الى حدٍّ ما، ولكن المرأة هي شريكة الرجل أو بالأصح هي التي أعطت الرجل السلطة. الرجل الأمريكي أو الأوروبي الى وقت قريب كان في سلوكه مع المرأة وموقفه من إعطائها المساواة لايختلف كثيراً عن موقف الرجل العربي. الفرق أن العالم يتغير والعالم العربي لايتغير بل ويحصِّن نفسه ضد التغير بحجة الدين والتقاليد، في حين أن الفتاوى التي تصدر هذه الأيام بخصوص النكاح وما يجوز وما لا يجوز في تطبيقاتها تقترب مما هو متبع في الغرب دون حاجة الى فتوى.

وتأنيثك للنفس هو تأنيث لغوي عربي، ولا يصح في اللغات الأخرى لان النفس تتبع جنس صاحبها.

 

س45: سامي العامري: إن مسألة الحجاب حسب رأيي ما كانت لتكون لولا سوء الفهم الكافر للدين ومن هو الذي أساء فهم الدين أولاً؟

لا شك أنه الرجل وهو يفرض الحجاب على المرأة في الغالب لأنه لا يعانيه ! ولو عانى منه لعرف كم هو مسيء وكم فيه من الإختزال للإنسان وتبسيط لكونيته وتقزيم للمرأة حيث شرفها يتحدد في ظهور شعرها أو عدم ظهوره

وهنا في الغرب هناك ضجة كبيرة بدأت في سويسرا وانتقلت إلى فرنسا ووجدت امتداداتها في ألمانيا حيث ظاهرة الحجاب ترعب المهتمين بالإجتماع وبالمعاهد العلمية وبالمبدأ العلماني ... الخ

والمجتمع الغربي يعرف بما يكفي أن أغلب المسلمات يرغبن بالتخلص منه لولا سيف الرجل المسلم المسلط عليهن !!

فما علاقة شرف المرأة بالحجاب وما هي معايير شرف الرجل وكيف يمكن

لهذه الظاهرة وهي تستفحل أن لا تضع الرجل المسلم في مأزق أمام الرأي العام العالمي وما هي رؤيتك لتطورات هذه الحالة؟

 ج 45: الحجاب أساساً ليس أسلامياً وقد تبناه الإسلام نتيجة الفتوحات. ففي بعض البلدان التي تم فتحها كانت الطبقة العليا في المجتمع تلبس نساؤها الحجاب كالبرقع في افغانستان، فلبسته زوجات القادة المسلمين الفاتحين كونهن من الطبقة العليا وبذا اصبح زياً إسلامياً. وقد تحدثت من قبل في حلقة سابقة عن موضوع الحجاب واعتقادي أن من حق المرأة أن تختاره كأي زي آخر ولتكن لها دوافعها دينية أو اجتماعية أو موضة ،وليس لأحد الحق في منعها من لبسه، كما للمرأة حق حق اختيار السفور ولا لأحد حق إجبارها على لبس أي زي تحت اسم الحجاب، ولو وجدت تشريعات تضمن الحرية واحترام حقوق الإنسان وبالتالي تضمن معاملة المرأة كأنسان لما كان الحجاب موضوعا بالأساس.

من بيده السلطة يفسر القوانين والتشريعات والدين لصالحه. القانون والدين بيد الرجل يفسره كما يشاء، والمرأة تساعده في ذلك. ومشكلة المرأة في الشرق ليست فقط سلطة الرجل المتناهية في فرض ما يرتأيه في المجتمع وإنما المشكلة أن الرجل قد أقنع المرأة بأن مايرتأيه هو الصحيح وبهذا أصبحت هي نفسها قيداً لنفسها ولغيرها من النساء ممن لا يرين ما ترى.. وسلطة المرأة على المرأة أقوى من سلطة الرجل على المرأة. وأبسط مثال اتباع الموضة وتقليد المرأة للمرأة الأخرى ومنافستها لها.

وفي الغرب، إصدار القوانين بمنع الحجاب أو أي لباس آخر لا أراه متفقاً مع حقوق الإنسان بصورة عامة. ولكن المجتمعات من حقها أن تحافظ على التجانس في أرضها لتتجنب زعزعة النسيج الاجتماعي. وحين يهاجر الإنسان من أرضه الى أرض أخرى عليه اتباع قوانينها. والدول الأوربية ولا شك ترفض أن يظهر المجتمع الأوربي بمظهر إسلامي لارتباط هذا المظهر بالعنف الذي تقوم به القاعدة وغيرها من التأسيسات التي اتخذت من العنف وسيلة لإظهار رفضها للغرب وسياساته والتي ارتبط اسمها بالإرهاب. وهناك حقيقة يتجاهلها المسلمون الذين يتمسكون بمظاهر الحجاب أنهم في الواقع لا يساهمون في تقبل الغرب للإسلام بل يساهمون في تأليبه ضد الإسلام تحت منطق: (اأت في أرضي وأنت لاتشبهني إذن من حقي أن أزدريك ومن حقي أن أعاديك لأنك تلبس لباس من يمارس الإرهاب ويهدد أمني).. وفي المدارس قد يسبب الأذى للمسلمات من قبل الطلاب الآخرين ، وحتى إن لم يكن الأذى جسديا فقد يقابلن بالإزدراء من قبل الطلاب الآخرين، والآثار النفسية الناتجة عن ذلك ثفوق الأذى الجسدي... فمنع الحجاب قد يكون فيه حماية للفتيات المسلمات. وأنا أرى أن من الظلم أن يأخذ الأب بناته ليعشن في الغرب ويفرض عليهن سلوكاً غير سلوك رفيقاتهن وفرض سلوك مجتمع شرقي لم يعشن فيه ليألفن عاداته. وهناك حقيقة تستحق الذكر، إن استطاع الأب وهو من الجيل المهاجر تواً أن يفرض تقاليده على أبنائه وبناته، فمن يضمن له أن أبناءهم أو أحفادهم سيتبعون تقاليد أجدادهم و قد ولدوا وعاشوا في حضارة وتقاليد مختلفة. فالعملية إذن كلها عملية عبثية.

أما كون الشرف او العفة مرتبطة بالحجاب فهذا قول لا يحمل أساساً من الصحة. ولا يحتاج الى تفنيد. .. أما الفسوق بمفهومه المحدود الذي يتعلق بالجسد، فهو عمل مشترك بين اثنين رجل وامرأة فلو حافظ الرجل على عفته لما مس عفة المرأة سوء. الرجل في المجتمع الشرقي يرمي بجريرة ضعفه أمام غرائزه على المرأة. في حين أن المجتمع الغربي يحاسبه على أفعاله. والقوانين تحمي المرأة من سوء سلوك مثل هذا الرجل. والغريب أن المسلم لا يرى الحكمة في الصيام وهو يصوم شهر رمضان. أليس الهدف من الصيام هو التحكم والسيطرة على احتياجاته الجسدية؟ فلماذا لا يتعلم الدرس الذي يطلبه منه الإسلام؟ والشرف بمفهومه الصحيح أوسع كثيراً من تحديده بالعلاقة الجسدية فهويشمل السلوك كله للرجل وللمرأة على حد سواء وفي كل مناحي الحياة..

 

س 46: سامي العامري: وطبيعي أنا أتمنى أن يُنظر إلى المرأة العربية والمسلمة كقيمة وليس شكلاً أو زياً وبما أن الموضوع يطول فلا بد أن أوجز بالقول أن الحجاب بات لا يُنظر كقطعة قماش في الرأس !

وإنما هو منظومة من القيم والعادات المستحكمة وبالتالي فهو ثقافة وتأريخ وما أنا بالغافل عن أسبابه فما قولك بجدية نتائج الدعوة إلى الكفاح المستمر والتوعية بأهميته التأريخية لحد الآن وضرورة دعمه مادياً وإعلامياً من قبَل المؤسسات والمنظمات العالمية التي تنادي بحقوق الإنسان والتي لها تأثيرها وخبراتها؟

ج 46: المؤسسات والمنظمات العالمية التي تعني بحقوق الإنسان ليس من مهماتها أو أهدافها (الكفاح المستمر والتوعية بألأهميه التأريخية لأي منظومة فكرية..او دعمها مادياً وإعلاميا) وإنما أن تحقق احترام الإنسان ورفع الحيف عنه إن تعرض للظلم .. فهي تدعو للتسامح، والتسامح يدعو الى تقبل الإنسان للأنسان وعدم تعريضه للأذى بسبب مايعتنقه من عقيدة أو بسب اللون أو العرق أو الجنس . ولا أدري إن كنت تعني المنظومة الفكرية الأسلامية بصورة عامة ام المنظومة الفكرية التي تقف وراء الحجاب، في كلتا الحالتين هذه من مهمات من يقف وراء هذه المنظومة أي المسلمين ولكن ليس بفرضها، فهم بذلك يخلقون ردود فعل معاكسة.، وإنما بشكل لا يهدد ولا يبعث على الخوف. وهنا يظهر دور ثقافة التسامح التي تحدثنا عنها في ملف المثقف حول التسامح، االتسامح أو التعايش بين البشر يحتاج الى التحلي بثقافة خاصة .من شأنها التغلب على التعصب الديني والمذهبي والعرقي الى غيره من الفروقات. وهذا لا يعني نشر ثقافتي التي أرتأيها لنفسي والدفاع عنها لكي يعتنقها الغير.، فهذا عكس المطلوب في التسامح، وإنما خلق جو من التفاهم يتقبل فيها كل طرف ما يعتنقه الآخر رغم أنه يختلف تماماً عما يعتنقه هو، ومحاولة فهم وجهة النظرالأخرى رغم عدم اعتناقه لها. والعالم بوضعه الحالي والإسلام الذي يقدم على طبق الإرهاب والتعصب لا يساعد ولايسهل مهمة تقبل الأسلام في الغرب إلا بجهود فوق اعتيادية لتقديم الإسلام والمسلمين على طبق آخر غير العنف وغير الذي يركز على الخلافات، وهذا العبء يقع عاتق المسلمين..

 

س 47: سامي العامري: فتح المجال الكامل للمرأة في استحصال الثقافة والتعمق بها ومن ثم الإبداع فيها أمرٌ جوهري تماماً وحين تكون المرأة مثقفة أو حتى نصف مثقفة فلا خوف على ذائقتها إنْ ارادت ارتداء حجاب أم لا ولا خوف على الأسرة والمجتمع .ولكن الكثير من الرجال العرب يجن جنونهم من المرأة المثقفة فهي تشعرهم بالنقص حسب ظنهم وتضعهم في حجمهم الطبيعي لا التلسكوبي !

فما هو رأيك بما يفكر فيه مثل هذا الصنف من الرجال؟!

 ج 47: لقد تحدثت عن أهمية الثقافة وتحدثت عن عدم أهمية الحجاب كعامل أو كمؤشر على مدى ثقافة المرأة وفهمها. ولكن موقف الرجل من المرأة المثقفة المتميزة هو نقطة التركيز هنا.

قلت في إجابتي على أحد أسئلتك السابقة مامعناه أن الرجل الذي ينادي بحقوق المرأة عليه أن يبدأ ببيته. وفي موضوع الثقاقة والتحصيل العلمي، إن شجع الرجل زوجته وأخنه وابنته على ذلك وتقبل تفوقها عليه فالدنيا بخير. قد يعجب الرجل بالمرأة المثقفة والجميلة في آن واحد ما دام له حصة فيها كأن تكون من الأصدقاء أو الأقرباء الذين يمكن أن يضيف من تحقيقاتهن ريشة ملونة الى طاقيته (وهذا مايفعله الصياد لتبيان حرزه من الطيور)، وما دامت لا تشكل تهديدا لرجولته كأن تكون منافسة له فيما يتباهى به، فإن هي تفوقت عليه وأخذت الإهتمام بعيداً عنه هاجمها وحاول الإنقاص من قدراتها لكي يستعيد هيبته. وكذلك مع الزوجة .. إن هي تفوقت عليه تباهى بها أمام الجميع وانتقص من قدرها ومن إنجازاتها حين يخلو بها. والرجل يفترض في نفسه الثقافة المتميزة حتى وإن كانت المرأة أكثر منه تحصيلا. . وهو يفترض أن هيبته تكمن في طوله فإن كانت أكثر تقافة منه وأطول منه كانت الكارثة. إن التقى الرجل بالمرأة الجميلة المثقفة، حاول بشتى الطرق لفت نظرها اليه كأن يظهر مهارته كما تفعل الطيور الذكور لجذب انتباه الأنثى، منها من ينفش ريشه ومنها من يغير ألوان ريشه ومنها من يرقص أنواع الرقصات ومنها من يغرد بمختلف النغمات ، فإن انتبهت له أمنت شره وإن لم تعره إهتماماً قلل من شأنها انتقاماً لخيبة أمله. وهناك من يبدأ استفزازاًً يثير الأعصاب ليمنح نفسه فرصة الإعتذار مستقبلاً ليصبح صديقاً. هذا النوع لايعلم أن المرأة بذكائها  الفطري لا تنسى اللدغة الأولى ولن تلبسه حلة الأمير بعد أن كان اليعسوب . أول انطباع لايحدث مرتين. المرأة المثقفة تعرف كيف تتعامل مع كل هذه الاحتمالات .

ربما عندما تصبح المرأة المثقفة حدثاً عادياً ويعتاد الرجل على وجودها يقل احساسه بالتهديد لرجولته. هذه تفسيراتي الشخصية وملاحظاتي وليست مستندة إلى أى رأي علمي!

 

س 48: سامي العامري: لأدونيس قول بارع في مجال فهمه لدور المرأة يطيب لي أن أنقله هنا: على المرأة العربية وهي تخوض صراعها التأريخي المشرِّف من أجل نيل حريتها أن تناضل في نفس الوقت من أجل حرية الرجل العربي فليس صحيحاً أن الرجل العربي حرٌّ فالحر لا يستعبد وإنما يحرر .

ما مدى اتفاقك مع أحد أهم مؤسسي الحداثة العربية شعراً والمنظرين لها وأهم داعية في تجديد الحياة العربية سلوكاً وطريقة تفكير؟

مع الشكر الجزيل

 

ج 48: أتفق مع أدونيس، وأنا أنظر لنفس الموضوع من جانب آخركذلك.. كثيراً ما أقول حين تطلب المرأة الحرية لنفسها إنما هي تطلب الحرية لزوجها.. فهي تحرره من بعض ما فرض عليه حمله من أعباء كرجل ..

في كل حديثنا عن المرأة والرجل ننسى أن المجتمع الشرقي وحتى الغربي يحمل الرجل عبء تكوين العائلة وتهيئة الموارد المادية التي تحتاجها العائلة. وفي المجتمع الشرقي يحمله ايضاً مسؤولية إعالة اخوته واخواته ليحل محل الوالد إن عجز وهذه مسؤولية كبيرة تعفي منها المرأة إلا إذا رغبت هي بحمل بعض المسؤولية .. ومن هنا يأتي تحريره.. وحين يقبل مشاركتها له المسؤولية وخروجها الى معترك الحياة يكون فكره قد تحرر أيضاً.

 

وهنا اتوقف عن حديث المرأة والرجل وأعتقد أننا انتهينا من هذا الموضوع وأشبعناه تحليلاً. فشكراً لك مشاركتك.

 

للاطلاع:

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (5)

 

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. انعام الهاشمي (7)

 

...............................

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاور عن طريق اميل المثقف

[email protected]

...............................

حوار مفتوح خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1434 الاثنين 21/06/2010)