حوارات عامة

القاص المغربي رشيد شباري... في ضيافة المقهى؟؟!

 "ألق المدافن"، التي سيتم توقيعها خلال الشهر القادم بسيدي قاسم، ومن أجل اكتشاف العلاقة الجميلة التي تجمع المبدع رشيد شباري بفضاء المقهى كان الحوار التالي...

 

من هو رشيد شباري؟

من الصعب تقديم النفس، كما أنه من غير الممكن رصد كل معالم الشخصية بكل نجاحاتها وإخفاقاتها، انتصاراتها وانكساراتها، لكن واستجابة لرغبتك أقول: رشيد شباري. من مواليد 1962 أستاذ بثانوية علال الفاسي التأهيلية بطنجة، مؤسس للعديد من الجمعيات الثقافية، مدير جريدة فضاء المواطنة المتوقفة قسرا،حائز على جائزة التأليف في المهرجان الوطني للمسرح المدرسي (2005)، صدرت له مجاميع قصصية بعنوان (سر من رأى) سنة 1996 ، ( ألق المدافن) سنة 2009.

 

كيف تورطت في عالم الكتابة والقصة بشكل خاص؟

الكتابة بالنسبة لي أكبر من ورطة، إنها حالة بيولوجية بدأت عدواها تستشري  في خلاياي مذ باغتني المنفلوطي وجبران والمتنبي وغيرهم، و أنا في عز المراهقة، في هذه المرحلة عشت حربا طاحنة في دواخلي بين نوازع الكتابة شعرا ونوازعها نثرا، فكانت الغلبة في بداية الأمر للشعر حيث كتبت ونشرت عدة قصائد (جريدة البيان، جريدة أنوال..) لكنه سرعان ما انقلبت الأمور لصالح النثر بعد أن شهدت ولادة العديد من شعراء جيلي وقد كنت وقتها مشرفا على اللجنة الثقافية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، أذكر منهم : ياسين عدنان، ادريس علوش، محمد عابد...

فجاءت قصة (إجهاض) المنشورة بجريدة الأفق لتعلن بداية الانقلاب ، تلتها قصص أخرى توجت بالمجموعة القصصية (سر من رأى) عن دار البوكيلي للطبع والنشر، ثم المجموعة الثانية ( ألق المدافن) عن دار إخوان سليكي..

تشجيع القراءة والكتابة هو مشروع مثير للاهتمام خاصة وأنه يضم ثلة من الأقلام المغربية المعروفة في المجال الأدبي، باعتبارك أحد الأطراف في هذا المشروع ماذا يمكنك القول عن دواعي هذه الفكرة؟ وكيف تمكنتم من الاجماع على هذا الهدف؟

لعلك تقصدين (الراصد الوطني للنشر والقراءة) فمشروع الإطار لم يعد موضوع سؤال في دواعي وجوده المتوفرة منذ زمان، فالسؤال ينبغي أن يطرح عن دواعي تأخره إلى هذه اللحظة، ذلك أن المبدع المغربي ظل ومازال يعاني في صمت، أشبه برقابة ذاتية، وخاصة منهم من لم يبايع أحد شيوخ الزوايا الحزبية أو الثقافية أو الإعلامية، فالمبدع المغربي ينجز عمله بعد مخاض عسير ليواجه إكراهات النشر والقراءة، ناهيك عن انحسار النقد والمواكبة المنشغلة بأسئلة أكاديمية عقيمة بعيدة كل البعد عن تطورات الإبداع المغربي، منعزلة داخل أسوار جامعاتنا تداعب المربعات والمكعبات، تحت مسميات مثل المختبرات....

هذا من جهة، ومن جهة أخرى نلاحظ تدنيا فظيعا في منسوب القراءة أمام تعدد أسباب التضبيع التي يتعرض لها المجتمع، فالمشروع إذن له أكثر من مبرر وأكثر من سياق، ويحمل أكثر من رهان وأهمها دعم المبدع ماديا ومعنويا بتوفير شروط مناسبة لنشر منتوجه والقيام بحملات تحفيزية للرفع من منسوب القراءة.

 

ما هي طبيعة المقاهي بطنجة؟ وهل هناك مقاه ثقافية؟

المقاهي بطنجة نموذج مصغر للحياة الاجتماعية بهذه المدينة اللغز، وإذا شئت التصنيف فإنها تتسم بخصوصيات متعددة ومتنوعة كأهاليها، فبعضها متخصص في نقل الدوري الإسباني لكرة القدم، حيث تتحول فضاءاتها إلى ما يشبه مدرجات كروية، وبعضها مختص بالصفقات السرية لعصابات الحشيش والعقار الهجرة السرية، وهناك مقاهي الأحياء التي تتميز بالشعبية والبساطة وهي الأكثر قربا من قلوب الساكنة، كما أنها أصبحت هي ملاذنا نحن معشر التائهين في مدينة لم تتصالح بعد مع الثقافة رغم أنها كانت ملجأ الكثير من المثقفين، وتلك هي المفارقة الغريبة؟؟؟

أما بخصوص المقاهي الثقافية فقد كانت لنا البادرة في تأسيس مقهى أدبي منذ سنة 2001 بمقهى حدائق الإليزيه، حيث استضفنا عددا من شعراء ومثقفي المغرب والأجانب، كما أننا نظمنا العديد من حفلات التوقيع، لكن وبكثير من الأسف توقفت تلك المبادرة لأسباب ليست المناسبة لتعدادها ، ومع ذلك مازال في الإمكان إحياؤها، ضمن هذا المشروع..

 

مجموعة من المبدعين ارتبطوا بعلاقات إبداعية حميمية خلال القرن الماضي مثل المبدع محمد شكري الذي ارتبط بعدة مقاهي في طنجة والتي كانت محطة بعض كتاباته، فما رأيك في علاقة المبدع بالمقهى خلال الفترة الراهنة؟

للراحل شكري حضور قوي في المدينة بجميع أمكنتها، ولا أخفيك سرا إن قلت إنه لحد الآن يتراءى لي أحيانا وهو يعبر الشارع بين البريد المركزي ومقهى البريد باعتبارها آخر صورة له ارتسمت في ذهني قبل وفاته، كما ينبغي الإشارة  بهذه المناسبة أنه أول من بادر إلى زيارتنا في المقهى الأدبي في أول نشاط لنا رغم حالته الصحية المتدهورة آنذاك جراء الكسر الذي تعرض له في يده، وإذا كانت المقهى مصدر إلهام لمبدعي القرن الماضي، وأستحضر هنا كذلك تجربة الروائي نجيب محفوظ، فإنها الآن صارت مكانا للنميمة والسلخ وغيرها من مظاهر المسخ الثقافي الذي يرزح تحته مشهدنا.

 

على هامش هذا الحوار عرفت أن هناك علاقة غريبة تجمعك بالمقهى، فإلى أي درجة ترتبط بهذا الفضاء؟

صحيح ، فعلاقتي بالمقهى تقومت وتمتنت مذ كنت طالبا بجامعة محمد بن عبد الله وذلك من خلال مقصف الحي الجامعي أو مقصف الكلية الذي كان يشكل متنفسنا الوحيد سواء من حيث إمكانية التعبئة لخوض معاركنا أو من حيث الترويح عن النفس في وقت لم يكن لنا من ملاذ خارج أسوار الجامعة بسبب اشتداد وطأة القمع ونحن في عز المتابعات البوليسية ، أما بعد ذلك فقد أصبحت لي بالمقهى علاقة وجودية، بمعنى أن وجودي يتحقق كل صباح شرط احتساء كوب من القهوة في أقرب مقهى لبيتي...

 

ماذا تمثل لك: طنجة، الورقة، الحرية؟

طنجة: بالنسبة لي لغز يصعب فكه ، فتراها تارة ساحرة فاتنة هادئة ، لكنها سرعان ما تصبح بشعة هادرة شمطاء، ساحرة ببحريها بتقاليدها وأعرافها ، بشعة ببناياتها العشوائية  وعماراتها غير المتناسقة وزحفها على كل فضاءاتها الخضراء،..

طنجة أيضا إن كانت ذات البحرين فهي كذلك ذات النهارين، بمعنى أن يومها يمضي بنهارين بلا ليل ، لأن ليلها نهار مختلف ، فالمدينة لا تنام، فقط يتغير سكانها..

الورقة: يخيفني بياضها، إذ بقدر إغرائه لي بالكتابة، بقدر إعلانه التحدي لي، أحيانا أرفع التحدي وأنتصر، وأحايين كثيرة هزمني ، وذلك سر خوفي منها..

أما الحرية: فهي المطلب المستحيل التحقق، على الأقل على المدى المنظور، فالحرية هي الواحد المتعدد، حرية التعبير، حرية التفكير، وهي أشكال معروفة وموضوع نضال عدة إطارات مدنية لكن الحرية المستحيلة هي ما نطمح إليها وليس لنا من سند فيها، مثلا الحرية في الزمن، لأننا مكرهون على الانضباط لإيقاعات الزمن النمطية .. أو حرية المعتقد حيث أنه لا يحق لك إعلان اختلافك فتضطر إلى كتمه داخل قفصك الصدري الخ..

 

كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟

لا أحبذ فكرة النموذجي لأنه قد يقضي على طبيعة المقهى كما هي ويقربها إلى ما هو نخبوي، وذلك عكس ما نطمح إليه فنحن نريد إنزال الثقافة من برجها العالي لتتناول كوب قهوة مع الشعوب، لذلك فنحن نبحث فقط عن مقهى ...

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1263 الاثنين 21/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم