حوارات عامة

راضي المترفي يحاور الأديب علي لفتة سعيد الروائي العراقي ..

3087 علي لفتة سعيد- كنت احلق مع حكايات ابي الجنوبية التي تمنحني طاقة في تصوير ما أسمعه منه من قصص خيالية لا ترتبط بالواقع بصلة

- أنا رجل مخيال.. أمتلك الكثير من الأفكار التي تسبح في رأسي مثل بحر وليس مثل حوض أسماك

- كلما نجحت زاد (الحاسدون) وكلما أصدرت ما لم يتمكن هو من إصداره زادت عملية الطعن من الخلف

- أتحدث عن البدايات التي وجدت فيها (الطاولات) وما يقوم به أديب المحافظات من (صرف) و(تملق و(مد رقبة) كي يبقى في بقعة الضوء

 تعلمت ان اكون واضحا في طبيعيتي وصادقا في رايي لذا أطرح ما اراه ولا أجامل

- لو خرج السياب الان وصاح بأعلى صوته انه سيكتب القصيدة الحديثة لما اشتهر


 منذ أن بزغ نجم عبد الرحمن مجيد الربيعي صاحب القمر والاسوار في سماء الناصرية وحتى ظهور علي لفتة سعيد صاحب حب عتيق امتدت مساحة خالية من روائي مشاكس يحول همومه الذاتية ومعاناة المجتمع جسرا يتلاقى عليه مع قراء اللغة العربية رغم وجود العشرات من الكواكب التي توهجت في مكانها او على مقربة منه مكتفية بمحليتها او التوسع قليلا وعلي لفتة سعيد المولود في مكان مكتظ بالفقر والجوع والحرمان والعوز وإهمال السلطة وطغيان الأعراف العشائرية وعادات المجتمع كان عين مشاكسة مبصرة تعشق المشاكسة وتجيد المقارنة وتحلم وهي مفتوحة وكأني به استهلم سيرة (همنغواي) الروائي القادم من ضجيج امريكا الذي عشق الصحافة وتابع الأحداث حد حشر نفسه في أتون الحروب يوم عمل سائق إسعاف مع قوات الحلفاء في ايطاليا ابان الحرب العالمية الثانية ونتج عن ذلك روايته المثيرة (وداعا للسلاح) ثم انتقل إلى اسبانيا ورسم لنا ما دار في مرحلتها الفرانكونية في رواية (لمن تقرع الأجراس) وقد تكون هناك أكثر من وشيجة نسب بين رواية علي لفتة سعيد (حب عتيق) ورواية (الحب في زمن الكوليرا) للروائي ماركيز القادم من قاع أمريكا اللاتينية كصحفي إلى أضواء باريس المزدحمة بكل متع الحضارة والتكنلوجيا حينها وقد يتقارب وضع على لفتة سعيد مع أوضاع همنغواي والماركيز لكن باختلاف الحظوظ اذا حظيا هما بما لايحلمان به من الترحيب والانتشار من الأوساط الأدبية والثقافية وترجمت اعمالهما إلى أغلب لغات العالم وحصلا جراء ذلك على الكثير من المجد والمال والجوائز ومنها (نوبل) في حين حرم سعيد حتى من الاحتفاء الرسمي به من قبل الدولة ودوائرها الثقافية ولم يحظى باهتمام إعلامي ولم يسلط الضوء على بعض أعماله التي احتفت بها بعض الدول العربية من دون أن يثير هذا الاحتفاء غيرة او فرح مواطنيه سلطة ومثقفين وقراء ولم تنصفه حتى الصحافة التي عمل فيها طويلا الا من شذرات تناثرت عنه هنا وهناك ..

عموما احب ان أثبت هنا ان علي لفتة سعيد هو روائي عراقي لا يقل موهبة ودراية بالرواية عن من حصلوا على الشهرة والمجد والجوائز وان تأخرت عنه اليوم ستاتيه منقادة تجر اذيالها شرط ان لاينال منه الانكسار او يوهن العزم منه جراء إهمال الدولة الذي يكاد ان يكون مقصودا وتغاضي كبار النقاد عن تسليط الضوء على تجربته الروائية ذات الحميمية العراقية الأصيلة. وعلي لفته سعيد المولود في مدينة سوق الشيخ تلك المدينة التي تناظرها في الجانب الشرقي من الجنوب مدينة (سوق جنديل) وهما مدينتان كانتا في بداياتهما مدينتان مترفتان حيث اختصر السكن فيها على كبار مالكي الاراضي والاقطاعيين من شيوخ القبائل والعشائر واحتوت على اماكن لهو بريء وغير بريء ليقضي هناك أصحاب الثروات والسلطة الإقطاعية أوقات لهو وملذات لكن بمرور الزمن وغروب شمس الإقطاع والشيوخ أفلت شمس المدينتين وانضمتا إلى قوافل مدن الفقر والعوز في الجنوب واحتفظت سوق الشيوخ باسمها وذكرياتها في حين استبدلت الأخرى اسمها من سوق جنديل إلى ناحية (شيخ سعد) وتبعت لمحافظة واسط إداريا ومن أعماق سوق الشيوخ وليالي شتائها ومواقد النار والتفاف العوائل حولها حمل علي لفتة سعيد قلة ما يملك من متاع وضخامة ما فيه من احلام نازحا إلى مدينة الثورة والعشق والقباب الذهبية مستبدلا جوار وذكريات سوق الشيوخ بجوار الحسين وقبابه الذهبية والقدسية التي يقسم بها أهل الجنوب وقد مرت على ذاك الرحيل قرابة الثلاثة عقود من السنين فهل نسى بن سعيد سوق الشيوخ وهل احتلت ذكريات سنينه المنصرمة في كربلاء مكان ذكريات سوق الشيوخ حيث الطفولة والصبا وبواكير الشباب؟ هذا ما سنحاول التأكد منه من خلال حوارنا معه.

- ايهما كان أكبر من الاخر خيالك او عمرك عندما كنت طفلا ويافعا في سوق الشيوخ؟ وهل من جناية او تهمة الحقها بك هذا الخيال؟

* نولد ويولد قبلنا الخيال او يرافقنا.. هكذا ارى الامر من الناحية السيكولوجية وليس العلمية .. فالخيال روح لا تتنفس بل تحلق.. تأخذ المرء الى مديات اوسع من المكان الذي يعيشه.. ولكن الاحساس به قد لا يكون مبكرا، ولا يكون متاحا، وإن كان كذلك فان الواقع لا يقبل لك أن تسافر معه وتحلّق وتمارس ما يمنحه لك من علامات دالة على وجوده.. خاصة واني مولود في بيئة مخيالية .. بيئة حكائية، حين كان الاب الذي أخذ زمام الام والاب معا بعد موت والدتي المبكّر فكنت يأخذني لأحلق مع خياله.. مع حكاياته الجنوبية التي تمنحني طاقة في تصوير ما أسمعه منه من قصص خيالية لا ترتبط بالواقع بصلة.. قصص تجعلني مرات أنام من خوفي منها، ومرات ألتصق به كي لا أهرب من قدرته على سبك الحكايات.. قصص رائعة من المخيال الشعبي والفولكلور وكذلك الفنتازيا وحتى الكوميديا السوداء.. كنت مندهشا ومرعوبا من قصص (الطنطل) و(أبو مرايا) لذا فاعتقد على الصعيد الشخصي، كان الخيال مرافقا لي منذ البدء، كأن القدر يرسم لي طريقا ان أكون في هذا المضمار.. مضمار الادب والخيال والحرف.. لذا وبعد هذه السنوات الطويلة من الكتابة والاغتراف من الأدب أشعر أن هذا تهمة تلاحقني وجناية ارتكبتها حين أسطر حياة الناس في الكتابة وإن كانت مخالية، ارتكب جناية تحورهم وتحولهم وتناسلهم وقتلهم وموتهم.. أحاول أن أصدق إن ما أكتبه لا يمت الى الجريمة بصلة.. ليست الجريمة المادية التي يعرفها الجميل بل جريمة التنصّت والتلصّص على دواخلي لانتزع منها حيوات الآخرين.. حتى ابي حولته في بعض الروايات الى شخصية أخرى غارقة في الخيال لكنها طافحة من الواقع.

- نحت في جدار الرواية ودندنت في الشعر ودلوت في بئر القصة القصيرة وحاولت في النقد لكنك أبحرت مع الصحافة .. أين وجدت نفسك؟ وكيف؟ وهل وظفت بعض هذه الضروب من الأدب في خدمة بعضها الآخر؟

* كثيرا ما أسأل وكأنها تهمة مثلما سألتني.. لذا أنا أقول دوما.. الأديب الذي يغترف من روح الحرف لا يقف عند حدود معينة وكأنه اختصاص علمي دقيق.. فأنا خياط ماهر.. الفكرة هي نوع القماش، لذا أنا أمتلك خاصية تحويل الفكرة الى المراد.. بمعنى لا يمكن لقماش بدلة رسمية أن يتحول الى قميص، ولا يمكن لقماش دشداشة أن يتحول الى لباس سباحة.. أنا رجل مخيال.. أمتلك الكثير من الأفكار التي تسبح في رأسي مثل بحر وليس مثل حوض أسماك.. والذي يتعرض على كتاباتي المتنوعة فأنه أما لم يقرأ لي أو إنه عاجز عن المجارات.. لذا فان السؤال هو ليس لماذا أتعدّد، بل السؤال لماذا لا أتعدّد، وأنا أديب اتعامل مع الحرف.. وكل أدباء العالم عبر التاريخ يتنوّعون ليس في الأدب فحسب، بل في تخصصات أخرى مرافقة للأدب.. وهو الامر الذي ساعدني كثيرا على ان تكون هناك استفادة من هذا التعدّد في المجالات الكتابية.. فالصحافة تمرين والأدب خلاصة.. ومن عملية دمج الحالتين أكون قد اتممت الفاعلية التدوينية بقدرة غير هادئة أو لأقل بلا غرور أن الاخرين الذي لا يعرفون علي لفتة سعيد وخاصة العرب فهم ينظرون الى النتائج، أما بعض الداخل العراقي فانه ينظر الى اسمي وصفتي الأولى ولا يقرأ لكي يرمي التهم، كما قال أحدهم مرّة بطريقة غير مستساغة ولا أقول غير مؤدبة.. إن علي لفتة سعيد يدخل الى الحمام وحين يخرج ينجز كتابا.. فهو يقرأ الإعلام ولا يقرأ ما اكتب

- انت كثير الشكوى وشعورك بالحيف يكبر مع كل منجز لك من أهل الإعلام والمختصين في الأدب..ماهو السبب؟ هل يعود لك لأنك فشلت في إقامة علاقات ودية مع مراكز القرار الأدبي والإعلامي؟ او ان لك غرورا ونرجسية تجبر الآخرين على الابتعاد عنك؟ او انهم وجدوك منافسا خطرا فضربوا عليك سورا من العزلة؟ او ان ما قدمته في مجال الرواية والقصة والشعر والنقد يخالف الذائقة فجافاك الآخرون؟

* لا هذه ولا تلك.. ثم لا أحد لا يشتكي ولا يشعر بالحيف.. رغم أن هذه الشكوى كان عمرها عشرين عاما، منذ أن فزت بجائزة الابداع العراقي عام 1988 عن مجموعتي القصصية (بيت اللعنة) ولأني بعيد كما هم أدباء المحافظات الذين لا يتواجدون في بغداد، وليست لهم رحلات مكوكية بين مدينتهم وبغداد، فان الامر يبدو مشابها للمثل (البعيد عن العين...) لهذا فان مثل هذه العلاقات هي علاقات هشّة تعتمد على تلك اللقاءات التي وجدت فيها من الزيف ما يجعل الامر أكثر اشمئزازا.. أتحدث عن البدايات التي وجدت فيها (الطاولات) وما يقوم به أديب المحافظات من (صرف) و(تملق و(مد رقبة) كي يبقى في بقعة الضوء.. انا هنا لا اقول الكل، بل هم المؤشر في الخارطة الادبية التي زادت حدتها بعد عام 2003 وزادت معها الغيرة والحنق.. فكلما نجحت زاد (الحاسدون) وكلما أصدرت ما لم يتمكن هو من إصداره زادت عملية الطعن من الخلف.. بل ان البعض يصل الى النقاد ليتهمني بعدم الثقاف، الادهى من ذلك ان آخرين (من الداخل) تبرع بطعني لدى نقاد عرب من اني لا أشكل شيئا في الثقافة العراقية لان الناقد العربي كتب عني ووصفني بخليقة نجيب محفوظ الرواية العربية الحديثة.. لذا أنا اقول .. من لا يحترم أدبه فانه بلا أدب.. والعلاقة التي تقود الى شهرة زائفة لا اريدها، لذا تأخرت لدي هذه الشهرة بسبب تقاطعي مع هكذا سلوكيات.. وهو امر لا أنفرد به وحدي، بل هناك العشرات من الادباء العراقيين المخلصين لفنهم يعانون منه.. وبعضهم ترك مدينته لينتقل الى بغداد ليكون وسط بقعة الضوء، وهو أمر محمود.. لأننا لو اخذنا خارطة المبدعين في بغداد لوجدنا ما نسبته تزيد على 90 بالمائة منهم هم من أدباء المحافظات

- التمسك بأكثر من ضرب من ضروب الابداع قد ينتج تشتتا وتلاشي .. لماذا الإصرار على الإمساك بتلابيب الشعر والرواية والقصة والنقد الم يكن من الأفضل أن تكون مبرزا في ضرب واحد من الأدب خيرا من الضياع في دروب متعددة؟

* هي ذات الإجابة صديقي.. في داخلي بحر من الحروف.. والادب فن مخيالي وليس علما وجدول ضرب.. أنا مثل المخترع الذي بإمكانه ان يخترع العديد من الآلات فلا يمكن القول له تخصص في مختبرات الطب واترك الهندسة مثلا... والتشتت الذي اراه هو الذي لا يستطيع الكتابة في ضروب مختلفة من الادب، لأنه وحسب رأيي لا يمتلك مفاتيح عديدة لفتح أقفال الابداع واسراره.. انا منحني الله القدرة على فتح الابواب.. لي القدرة على تطويع الكلمة لكي تكون قصة او شعرا او رواية وحتى مقال نقدي او تقرير صحفي وحتى أغنية.. فانا متعدد المواهب كما هم أجدادي الكبار من العلماء والادباء العرب عبر التاريخ.. فانا لم أكتف بما ذكرت بل كتبت المسرح والسيناريو لفيلم طويل درامي أبحث عمن ينتجه وهو سبيل محاصر من قبل مجموعة لا تسمح لك بولوج هذا العالم.. لان السينما ليست فعلا كتابيا فقط بل هو انتاج متعدد.. اما من افضل فلا ارى تفضيلا لأدب على ادب أو لجنس على جنس.. فكل الحروف تمور في داخلي وتريد الخروج.. ولي من الافكار ما يمكن ان انتج عشرين كتابا في سنوات العشر المقبلة ان ارد الله لنا البقاء.,. لذا لا ارى نفسي ضائعا بل العكس ارى من يطالبني بالتخصص انه ضائع وانه لا يفقه من الادب سوى ما ينتجه..

- هل مارست النقد لتنال من اخرين او لإثبات الذات او رغبة في تقويم نصوص نالت إعجابك او رأيت فيه نافذة ترمي بها زجاج النقاد في حالة تناولهم نصوصك بما لا يرضيك؟ وهل مارست (الاخوانيات) والمجاملة في النقد؟

* الكتابة ليست مواجهة اجتماعية، أو أنها رد فعل لتكوين آخر وذات أخرى، الكتابة استخراج المعادن اللغوية وتبويبها والتمكن من تدوينها.. والنقد جهد ادبي استكشافي، لا يقبل ان يكون في موضع رد الفعل. وهي ليست اثباتا للذات رغم ان جزءا من مفعولها هو المطاولة لإثبات القدرة على الاكتشاف الجديد في الكتابة النقدية التي بدأت معي منذ البداية الاولى في دخولي لعالم الكتب والانبهار بها.. حيث كنت اسأل: كيف يكتب الاديب نصه وهو ما ولد لي مصطلح خاص بي وانا من أجتحه (بنية الكتابة) وفيه ثلاثة كتب نقدية.. ولهذا ابتعد كل البعد عن رمي الاخر او الترقب ليكون لي رد فعل، بل انا ابحث عن فعل لكي يكون ثابتا وهو الذي ينتظر رد فعل الاخرين وإن تأخروا.. اما موضوعة الاخوانيات.. فهو امر صحيح.. ليس بمعنى إعادة طلاء ما هو غير صالح من الكتابة، بل التأثير العاطفي مرة او الأسم.. هناك اسماء تتحول بمرور الزمن الى طريقة كتابة خاصة تقترب من الاخوانيات مثلما تقترب من المجاملة.

- بعض من هم قريبين منك يصفونك بالنرجسية وحدة الطباع وعدم قبول الرأي الآخر في مجال الأدب.. هل أثرت هذه الصفات على علاقاتك بزملائك الأدباء ومن يمارسون نفس الهم الأدبي؟

* هذا رأي اجتماعي.. نتعرض له جميعا.. فانا لا اعرف سلوك ماركيز ولا رامبو ولا هيتشكوك ولا نزار قباني او محمود درويش ولا اعرف ماذا كان طبع السياب.. ما اعرفه هو ما اقراه لهم وقد تعود الاخر على ان يكون رايه هو الصحيح.. وهو هنا السؤال.. لماذا يطلق على من يناقشه انه نرجسي في حين انه هو النرجسي الذي لا يقبل راي الاخر.. أنا تعلمت ان اكون واضحا في طبيعيتي وصادقا في رايي لذا أطرح ما اراه ولا أجامل؟ وتعلم ويعلم الناس ان انقسام الراي أمر طبيعي فلا أحد يحبه الجميع ولا أحد يكرهه الجميع.. ولكن من يكره ان صح القول هو الذي لا يملك القدرة على التحليل والتنقيب والمطاولة ويريد فقط ان يشير له الاخرون بالصواب.. لأنه تعود من المتلقين ان يهزوا له رؤوسهم.. وأنا لن افعل هذا سواء رضي أم لم يرض.. فنحن لا نقع إلا تحت اطاري الراي.. فلنا من الاحبة الكثير ولنا من المنتقدين الاقل لكن صوتهم اعلى لانهم اينما يجلسون يتحدثون عن الاخر ولو بنميمة

- لمن تكتب؟

* سؤال لم يجب عليه من هم اقدر مني واقدم.. اكتب لاني هذا هو قدري وحظي كما يقال.. مثل الذي يلعب كرة القدم او هو صباغ بيوت.. او هو لاعب دومينو.. هو القدر الذي صاغنا الى ان نكون من الكتاب. فالإنسان يولد وهو عبارة عن مجوعة مواهب.. والقدر يقوده الى موهبة او يبقى في مكانه بلا سبيل

- منهم قرائك؟

* القراءة عملية ليست اجتماعية.. بل هي مخاض انبثاقي.. لذا فان الفعل الثقافي ليس فعلا جماهيريا.. فكل الفنون غير المباشرة مع الناس متلقوها أقل من الفنون الاخرى.. مثل حفلات الغناء او المسرح او السينما.. والفعل الكتابي فعل يقال عنه نخبوي وأنا لا أحبذ هذه المقولة كونها تعني الاقلية في حين هي تعني الجمهور الخاص.. ولكل فعل جمهوره.. وجمهور الادب هو الاقل.. ليسي لأنه بلا فائدة بل لكونه يحتاج الى عقل وتفكير وتأمل، ومتلقي الحفلات مثلا لا يريد التفكير بل يريد (الراحة). لذا احمد الله ان لي قرّاء ولي من يشتري كتبي من المكتبات. وانا لست الوحيد في ذلك.. اما قراء الفيس بوك فهو امر آخر لأنه ليس مقياسا صحيحا

- نجحت في وضع موطئ قدم لك في مصر وتونس وربما في غيرها وحصلت على جوائز لكنك هنا في بلدك لم تحصل على ماحلمت به ولم تحقق مبتغاك ولو تحججت بجنوبيتك لواجهناك بمن جاء قبلك من الجنوب ولاحقتهم الأضواء مثل عبد الرحمن مجيد الربيعي ومحمد خضير وقبلهما السياب وكثير غيرهم .. بماذا تعلل هذا التباين؟

* الزمن اختلف صديقي.. من ذكرتهم كانوا في مجتمع لم يولد فيهم بعد هذه الكثرة الكاثرة من الادباء لو خرج السياب الان وصاح بأعلى صوته انه سيكتب القصيدة الحديثة لما اشتهر.. تعلمت ان اكون واضحا في طبيعيتي وصادقا في رايي لذا أطرح ما اراه ولا أجامل.. كان الاديب حين ينشر في صحيفة عربية فانه سيكون مشهورا.. الان لو كتب في أعرق صحيفة عالمية لا احد يشير له.. لأننا نعيش زمن الفقاعات التي تنتفخ سرعان ما تنفجر.. ولكن يبقى الاجتهاد في الوصول.. نحتاج الى فعل يزيد خمسين مرة عما كان يفعله الأولون في الوصول الى الخارج.. نحن في الداخل وصلنا الى الخارج بمجهودنا وعلاقتنا الشخصية، لان الاخر ليست لديه عقدة النجاح والغيرة والحسد كما طرحت في سؤالك السابق، بل له عقدة الابداع.. وهو الامر ينطبق ليس في العراق بل في كل البلدان العربية. لذا اقول ان العراقيين الذين خرجوا من العراق كان وصولهم اسرع منها.. ولكن نحن سافرنا وحققنا وعدنا.. اما ما حصلت عليه في العراق.. نعم حصلت على من يشير لإبداعي ولكن متأخرا.. وكما ذكرت ان الارم يحتاج الى مطاولة وسنين.. مرة قلت لزميل لي انتقل الى بغداد .. انك ستختصر 20 عاما من العمل لتكون اسما معروفا ولكن اياك ان يضيع ابداعك على حساب شهرتك الشخصية .

***

وهكذا ابحرت مع الروائي والقاص والناقد والشاعروكاتب السيناريو والمسرحي علي لفتة سعيد على مدار قرابة نصف قرن من السنين في دروب الابداعوكان اجمل مافيه صراحته ووضوحه الشديدين ومعرفته التامة بقدر نفسه ومكانته الادبية وماقدم من منجز خلال مسيرته الادبية .

 

حوار: راضي المترفي

 

في المثقف اليوم