حوارات عامة

د. نجاح إبراهيم تحاور الناقد د. عصام شرتح

3187 نجاح ابراهيم وعصام شرتحناقدٌ يمتلك من الوعي الجمالي، والحساسية الجمالية الكثير، وعلى رأس ذلك يمتلك الخبرة الجمالية التي تعدُّ أس القيم، الواجب توفرها في الناقد المؤثر. أتابعه كما غيري من المهتمين بالنقد الجمالي، فأجدُ خبرته الجمالية تتنامى شاقولياً وتتطور حتى لترقى زقورات عالية. إنه مصنع جمال بحد ذاته، لا يأنف من التجريب والممارسة والمتابعة في ملاحقة كل ما هو جديد ضمن دائرة الابداع النقدي إنه الدكتور عصام شرتح، العاكف في عرزاله على نسج الدراسات الجمالية في الشعر. ولا يخفى على أحد اصداراته في النقد الجمالي والتي فاقت على التسعين مؤلفاً أذكر منها: فتنة الخطاب الشعري عند جوزيف حرب- الفكر الجمالي في قصائد أولئك أصحابي- فتنة الازاحة في النص الحداثي... يشوقني الإبحار في عالم النقد الجمالي مع قامة إبداعية سورية تجاوزت الحدود الجغرافية

س1- نبدأ من مؤلفاتكَ النقدية في شقّها الجمالي، ما هي أهم المؤلفات الجمالية التي صدرت لك؟ والتي شكّلت منعطفاً مهماً في تجربتك النقدية في شقّها الجمالي؟

ج1- النقدُ كما تعرفين مناهجٌ ومدارس، ولكلِّ منهج طريقة، ولكلِّ مدرسة أسلوبها الخاص وطريقتها الخاصة في الكشفِ الجمالي، وأنا في بحثي عن الجمال كان منطلقي الأساس الكشفَ الجمايَّ الذي هو كشف عن كلِّ مظاهر الإبداع المثيرة في النصّ، وقد وجدتُ في علم الجمال العلمَ المثيرَ الذي يكشفُ عن خصوصية التجارب الإبداعية في شقّها الجمالي، وقد انطلقتُ في كشوفاتي الجمالية من خبرتي الجمالية التي امتدتْ قرابة عشر سنوات أصدرت خلالها الكتب التالية: علم الجمال الشعري، 2018- الصادر عن دار الخليج الأردن. المكونات الجمالية في شعر الحداثة، 2020- الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر. الشعرية بين فعل القراءة وآلية التأويل، 2018- دار الخليج للنشر، عمان، الأردن. حداثة الشعرية، 2018-النادي الأدبي الثقافي بجدة، العدد(222). توترات النص الشعري ( قراءة جمالية في شعرية النص)، 2020- دار الخليج، الأردن، ط1. هذه المؤلفات تبيّن حجمَ الجهد النقدي المبذول في الجانب التطبيقي لشعر الحداثة بين جماليةِ الأسلوب وجماليةِ الرؤية

س2- ترى ماقيمة هذه الدراسات من وجهة نظرك؟

 ج2- قيمة هذه الدراسات نابعة من الفكر الأسلوبي الجديد في النهج الإبداعي، ناهيك عن تعدّد الأساليب البحثية في تناولِ النصِّ، وهذا يعني أنَّ الكشوفات النقدية المتتابعة وراءَ هذا الجهد الإبداعي في الاختيار والكشف، واستخلاص الأحكام النقدية.

س3- كيف تنظرُ للحركة النقدية في سوريا في هذا الزمن العصيب والظروف التي تعيشها بلدنا؟

ج3- النقدُ يَضمرُ كباقي القوى في الحياة إن لم يمارسْ نشاطه، والنقد - بطبيعته بحاجة بالإضافة إلى الموهبة- يحتاجُ إلى جدية الكشف والبحث والرؤية العميقة، وهذه متطلبات لا يستطيعها كلُّ ناقد؛ وهي لا توّرث، ولا يمكن أن يمتلكها الناقد بسهولة، وأكبر مأزق عاشه النقادُ في سورية هو الانقطاع، والانقطاعُ الذي يدومُ سنوات يجعلُ الناقد يتراجعُ كثيراً ومستواه ينحدرُ ويتدهورُ، وهذا ما واجهه النقدُ والنقاد، وطبيعي حيال هذا الانقطاع أن يغيبَ النقد، وتغيب معه الأسماء اللامعة.

س4- كيف ترى واقعَ الشعرِ الراهن في سوريا تحديداً؟

 ج4- حالُ الشعرِ ليس أرقى حالاً من حالة النقد، ليس من ناحية الكمِّ، ولكن من ناحية الكيف، لقد زادَ الإنتاج الشعري ومعه زاد الإفلاس الشاعري، أي ضعفت الجودة والفنية واللذة الإبداعية، ومن هنا، ارتدَّ النقاد إلى النماذج الشهيرة ليلتقطوا بعضَ الجماليات من قصائد ما قبل الأزمة، بحثاً عن الجمالية، طبعاً هذا الحكم يخصُّ الغالبية لا الجميع، فثمة استثناءات ومواهب فردية لا تعكرُها الأزمنة، وهي تقفزُ فوقَ حاجز الزّمن والواقعي والرّاهن، وهذه المواهب نادرة إذا ماقيست بالتجارب اليومية التي تنشر كل ما هو دوني، أو يقعُ ضمن دائرة السرد الممطوط ولغة القصِّ التي دخلتْ النّهج الشعري وليست من الشعرية في من أيِّ جهة أخرى.

س5- لقد هاجمت الكثير من الأسماء الشعرية التي تركت إرثاً شعرياً حافلاً، هل نفهم من هجومك هذا استفزازاً للقارئ أم استفزازاً للجمالِ ليس أكثر؟

ج5: النقدُ أمانة ورسالة، والناقدُ هو رسولُ الإبداع، وهذا الرّسول غايته إيصال رسالته التي تنيرُ، وليس الرّسالة التي تظلمُ أو تعمي. من السهل التمجيد وقد ألِفت أذواقنا العربية على التمجيد كثيراً، وإنَّ أي نقدٍ يطالُ الشاعر لاسيما إذا كان النقد سلبياً فهو نقدٌ باطلٌ، أو غير مؤهل للاستماع له، وأخذه بعين الاعتبار. بصراحة الشعوب العربية قاطبة لا تتقبل النقد إلاَّ بجانبه التمجيدي أو الإطرائي، تتقبل النقد الذي يطري، النقد الذي يصبُّ في خانة تمجيدِ الأنا الشاعرة، وهذا نقدٌ مميتٌ للشاعر، وقتل لبذرة الجمالية التي يمكنُ أن تولد وتظهر في مرحلة ما من مراحل الحياة المستقبلية، النقد التمجيدي هو المبيد للجمالية التي يمكنُ أن تظهرَ في نتاج الشاعر في مراحل قادمة.

س6- حسناً ماهو النقد الحقيقي والمثمر برأيك ؟

ج6- النقد الحقيقي هو النقد الذي يبحثُ عن الجمال ويؤسسُ له، فإنْ غابَ الجمالُ في النقد غابَ النقد كفنٍّ وإبداعٍ جمالي، لأنَّ النقدَ الحقيقيَّ هو النقد الذي يؤسس للجمال في الحكم النقدي. وكلُّ نقدٍ توصيلي ليس إلاَّ.. يمكنُ أن نطلقَ عليه ( هوامش نصية) يبتعد كلَّ البعد عن النقد، النقد هو هدم وبناء وتركيب، وليس استجماماً أو رحلة ترفيه، ومن هذا المنطلق يختلفُ النقد المؤسس عن النقد الغوغائي الفانتازي الذي يضخّم الأشياء ولا يقف على تفاصيلها وحقيقتها التي تنطوي عليها.

س7- لم تتطرق إلى سؤالي عن هجومك للبعض من الشعراء الكبار ؟

ج7- لم يفتني ذلك، سأجيب لا ريب.. هجومي على بعض الشخصيات الشعرية المهمة كمحمود درويش والماغوط وأدونيس، وغيرهم، أنا لا أنكرُ إبداعهم في مرحلةٍ من المراحل، وإنما أستهجنُ بعض كتاباتهم النثرية التي يطغى عليها طابعُ السّرد الممطوط الذي يخلو من الشعرية، أستهجن النصَّ الذي تغيبُ فيه الجمالية، وأكره النصَّ الذي يخلو من الانزياحات الفنية الصادمة، أنا مع النصِّ الذي يحرّك في نبضي الشعرية، وأنفرُ من النصِّ السردي الممطوط الذي يشبه القص، أو العمل القصصي؛ إن كل من نادى بالسردية في الشعر؛ واستحسن هذا الأسلوب، وشجع على إقحام النثر السردي بالشعر دمر الأصالة والفن في الشعر؛ فلا قيمة للسرد شعرياً إن لم يتضمن انزياحات فنية تصويرية شائقة، وللأسف استغل الكثيرون السرد بالمجان، واستسهلوا الكتابة؛ فصارت هذه التقنية السم الزعاف في قتل الشعرية؛ ولا يخلو شعر أدونيس، والدرويش، والعدوان، من هذا النهج في بعض قصائدهم؛ مما جعلني أعيد النظر في شعرية هؤلاء الشعراء بعدما وجدت هذا الاستسهال في تقنية السرد الممطوط عند الكثير من الشعراء التي تخلو حقيقة من بذور الشعرية؛ وإن كل من فهم إن السرد يغذي الشعرية يضحك على نفسه وقارئه، فتضيع الحدود بين الفنون، وينكسر الرتم الشعري المؤثر، وتضعف قيمته.

س8- كيف تنظر إلى النقد العربي المعاصر، وهل ترى أنه مازال بخير؟

ج8- النقد العربي كله في أزمة مصالحة مع الذات ومع القارئ؛ ثمة أزمة في المفهوم العربي ككل للنقد، إن النقد العربي بالإجماع نقد يختلف عن النقد الغربي أو العالمي، جملة وتفصيلاً، في الجمالية والمنهجية والإبداع، والأحكام النقدية؛ النقد العربي يحتاج إلى إعادة صياغة؛ وهذا يعني أن النقد العربي رغم الكثير من الأسماء اللماعة يبقى( نقد اللا نقد)؛ ويمكن أن نضعه في خانة( هوامش النص) لاتتعدى الشرح، وتعداد الصور، والقضايا المجازية واللغوية والإيقاعية؛ وهذه كلها أمور ضرورية في النقد، لكنها ليست كل العملية النقدية؛ فللنقد آفاق رؤيوية غابت عن النقاد العرب؛ في حين كانت الركيزة الأساسية في العملية النقدية في الغرب؛ إذ اكتفى النقاد بكتاب نقدي حقيقي قد يساوي مئات الكتب العربية التي ننطلق عليها نقداً، وهي من النقد براء؛ لايمكن أن نقول عن العرب انهم عرفوا النقد، العرب منذ القديم إلى الآن ماعرفوا النقد، عرفوا ذيل النقد الذي يتمثل في الشروح والتعليقات والإشارات الذوقية هنا وهناك، واتباع ما اتفق من آراء وملحوظات، وكل مايمت إلى الذوق بصلة؛ فللنقد الحقيقي مدارسه ومناهجه الخاصة ورواده الحقيقيون، وللأسف نحن العرب لسنا منهم.

س9- ما هو منظورك النقدي الجديد لحركة الحداثة الشعرية؟ وكيف ترى واقع القصيدة اليوم؟!!

ج9- لاشك في أن النقد اليوم يمر بمراحل جديدة، هذه المراحل تارة تشتغل على النص، وتارة تشتغل على ما هو خارج النص، وتارة تشتغل على المصطلحات الجديدة والمنظورات الغربية في دراسة النص الشعري، مما يعني أن الحركة النقدية تطورت في رؤيتها، ومجالات اشتغالاتها لتشمل ما هو داخل النص، وما هو خارجه، وبتقديرنا : إن اعتماد المنهج الجمالي في الآونة الأخيرة في النقد التطبيقي وتركيز الكثير من النقاد على هذا الجانب قد أسهم في تطور الحركة النقدية لاسيما في إصابة القشعريرة الجمالية التي تحرك النصوص الشعرية؛ فالشعر ليس مجرد كلام موزون في قالب شعري جمالي مموسق، إنه الطاقة الخلاقة التي تلون الرؤى والدلالات، وتكثف منتوجها الإيحائي داخل النص، وهذا يعني أن من واجب النقد أن يكتشف الطاقة النابضة في النص، ويكشف عن الوجه الجمالي فيه، فكم من الدراسات النقدية لا تمت إلى النقد الحقيقي بصلة، وما هي إلا عبئاً على النص أكثر مما هي مصدر إغناء له، ووفق هذا التصور، لا يمكن أن تتطور الدراسات النقدية الحديثة إلا إذا تغلغلت إلى عمق الرؤيا ومكمن حراكها الجمالي. وباعتقادي أن واقع القصيدة اليوم لا يقل تطوراً عن واقع الحركة النقدية في واقعنا المعاصر، فكما تطورت الحركة النقدية في إبراز منتوجها الجمالي، فكذلك تطورت القصيدة اليوم لتثبت منتوجها الشعري المؤثر، لاسيما في تخليق الشعرية التي افتقدناها في الكثير من النصوص الشعرية التي تدعي الشعرية، دون أن تملك القسط الأدنى من الحس الجمالي والخبرة الجمالية في التشكيل النصي.

وأعتقد أن الوعي الجمالي في التشكيل الإبداعي من أبرز ما أضفى على الحركة الشعرية بعض النتاجات المهمة التي لا تنسى لاسيما تلك التجربة الشعرية الفذة (تجربة الشاعر اللبناني جوزف حرب)، والشاعر سعيد عقل، والشاعر محمد علي شمس الدين، وغيرهم، وهذا يعني أن الحركة الشعرية تطورت ليس على صعيد الإفرازات الفردية، وإنما على صعيد الحركة الشعرية، في بلداننا العربية.

ومن الممكن أن تتطور القصائد الحداثية اليوم أكثر من ذلك بكثير لو انفتحت على الفنون البصرية في الحركة والصوت والصورة، والإيقاع، لاسيما الحركة السينمائية في المشاهد واللقطات السريعة التي ترصد الأحداث بتفاصيلها الجزئية وحراكها البصري.

وبتقديرنا: إن دهشة الصورة مرتبطة بدهشة القصيدة، وخصوبة الرؤيا الشعرية التي تبثها، ولا يمكن أن تتطور الرؤيا الشعرية جمالياً إلا بتطور الحساسية الجمالية، وتطور المنظورات الجديدة إليها، فكم من النصوص الشعرية لاتملك من الجمالية إلا الصوت والحركة المموسقة لبعض الكلمات والأنساق الشعرية، ولو بحثت عن مصدر جمالية الرؤيا فيها لوجدتها عقيمة أو ضحلة، وهذا يعني أن جمالية القصيدة أو الإبداع هي كل متكامل، في هيكلها النصي ورؤيتها الخلاقة التي تموج بالحساسية، والوعي والحس الجمالي الخلاق وهذا لاتنتجه إلا موهبة جمالية خلاقة وطاقة إبداعية لايستهان بها. ولهذا، فإن ولادة نص إبداعي حقيقي لاتأتي إلا من مبدع خلاق واعِ بعملية الخلق والإنتاج الشعري الوهاج أو المؤثر.3187 نجاح ابراهيم وعصام شرتح

س10-هل من شعرية للنقد من منظورك؟ وكيف تراها من منظور الشعراء؟

ج10- لاشك في أن مسألة شعرية النقد من المسائل المهمة التي ينبغي الاحتفاء بها، لاسيما في ظل ما نراه اليوم من لغة النقد المعاصر، وما فيها من تجاوزات، لدرجة بات النقد من النقد براء، والكثير من الدراسات النقدية التي تزعم أنها نقدية، ماهي في المحصلة إلا مجرد ارهاصات، وإسقاطات لا تنم عن وعي وخبرة نقدية إبداعية حقيقية في الكثير من الدراسات التي تحمل اسم النقد، لأن النقد بمعناه الحقيقي ما فهمته الذائقة العربية فهماً حقيقياً مؤسساً، لأن النقد الحقيقي يؤسس، ويبني، وينتج، وليس ذلك فحسب، بل إنه يحقق ثمرته اليانعة من خلال دقة مكتشفاته النقدية وفاعلية هذه المكتشفات في البناء النقدي الحقيقي المؤسس الذي تنبني عليه النتائج والقيم النقدية الجمالية الحقيقية فيما بعد، أي ثمرة النقد الحقيقي النتائج المحكمة التي تنبني عن خبرة وتمحيص وإدراك معرفي شامل.

ولا أبالغ في قولي: ليس المطلوب في النقد أن تكون النتائج نهائية بمثابة قوانين رياضية فيزيائية تطبق كما تطبق في العلوم الرياضية؛ وإنما المطلوب في الدراسة النقدية جمالية الفكرة، والرؤية، وعمق ما تصيبه من نتائج دقيقة تخدم الرؤية النقدية المؤسسة لتكون هذه الدراسات؛ منطلقاً لدراسات مستقبلية عميقة في مدلولها ومنتوجها الجمالي الإبداعي الحقيقي.

وقد لا أبالغ في قولي: إن للنقد شعريته كما للشعر شعريته، ومتعته الجمالية، وهذه الشعرية تتأتى من جمالية اللغة النقدية التي يكتسبها الناقد بعد خبرة طويلة في التركيب، والتحليل، والاستقصاء، والإمتاع الكشفي، وهذه الخبرة الجمالية التي يمتلكها الناقد في كشف الظواهر والقيم الجمالية بلغة ماتعة هي ما يحقق للدراسة النقدية شعريتها وألقها وسحرها المدهش.

فكما للشعر سطوته الجمالية، فكذلك للنقد سلطته الجمالية التي تجعل النص الشعري يكتسب قيمته وأهميته، وبهذا المقترب النقدي يقول الناقد علي جعفر العلاق:[ إن القصيدة عمل خاص جداً، لا تذهب إلى الآخرين دائماً. ولا تفتح مغاليقها لهم جميعاً، وفي كل وقت، فهي ليست أغنية، أو حكاية، أو إعلاناً. بل هي عملٌ غائمٌ ومشعٌّ في آن واحد؛ ولذلك فإن ما فيها من ضوء يظلُّ كامناً أو مؤجلاً في انتظار قارئ مرهف؛ لا قارئ عام، قارئ قادر على إحداث ذلك التماس المقلق بينه وبين النص، وليس كل القراء قادرين، بطبيعة الحال على الوصول إلى نقطة التماس تلك: حيث مكمن الضوء، أو الرعد، أو الإثارة. وهكذا، كلما ازدادت القصيدة إحكاماً أو تعقيداً قلَّ عدد قرائها المتميزين؛ أعني القادرين على الوصول إلى نقطة الاندماج بالنص، وتفجير مكنوناته الفكرية، والوجدانية، والبنائية. وتأسيساً على ذلك، يظل عدد المرهفين، من قراء الشعر، قليلاً في العصور كلها، فالشعر، كما يقول الشاعر الأمريكي اللاتيني (خوان رامون جيمينز) هو فن الأقلية الهائلة).

وهذا القول – على ما فيه من تشكيك- يبدو صحيحاً، لأن الشعر حقيقة فن الأقلية العظمى، والقليل من يتذوق الشعر، ويدرك مراميه، وقيمه الجمالية، وتقنياته المؤثرة، فالإنشائية لا تصنع نقداً جمالياً، وإن انساق الكثير منا إلى دراسات (الناقد يوسف سامي اليوسف) الذي غلبت على معظم دراساته النقدية النزعة الإنشائية الراقية؛ واللغة الرشيقة، فشعرية النقد ليست في إنشائيته الماتعة بقدر ماهي في المكتشفات الخلاقة المبدعة؛ وبهذا المعنى المقارب يقول العلاق:[ إن أدبية النقد لا تعني إنشائيته، أو غرقه في لغة الانطباع، أو الخاطرة، أو الرأي المنفعل. ولا تعني الاحتفاء بما تقوله النصوص أو التغني بحمولاتها الفكرية، ومن ناحية أخرى فإن عملية النقد لا يقصد بها جفافه، أو خلوه من بلل الذات، وهي لا تعني تجنب الاحتكاك بالنصوص، أو التماس مع شحنتها الخطرة. بل تعني ارتفاع الناقد إلى أهوائه وانحيازاته، وتعني أيضاً إقباله على تلك النصوص مدفوعاً بقوة الوعي وتوهج الروح معاً].

وبهذا التصور الدقيق، نقول: إن شعرية النقد، أو أدبية النقد تتحدد بمكتشفات الناقد للنص المنقود، ومدى أهمية هذه المكتشفات في الإضافة إلى النص، والارتقاء به إبداعياً؛ فليست من مهام الناقد تشويه النص، ومسخه، أو الحط من قدره ومصدر كفاءته، فهذه تنأى بالناقد عن مهمته الإبداعية الرئيسة، وهي اكتشاف المضمر فيه، ومحاولة التغلغل إلى أعماق النص، وتفكيك جزئياته للخلوص إلى رؤية جديدة وقيمة جمالية أو حكم نقدي جديد، فالناقد الحق يكتشف ما خفي من النص لدرجة يكتشف مالا يراه الشاعر المنتج للنص ذاته؛ وهذه الكفاءة هي التي تجعل النقد شعرياً أو أدبياً، وبهذا المعنى يقول العلاق :[تتجلى أدبية اللغة النقدية في مستوى آخر هو أنها ليست أداة نفعية. قد تكون كذلك في أحيان نادرة لكنها تظل دائما جزءاً من الطقس النقدي، وعنصراً فائق الحيوية من نسيجه، وبذلك، فهي ليست ذرائعية، جاهزة لتحقيق خدمة ما. وهي أيضاً ليست وسيلة محايدة، تنتهي الحاجة إليها بعد أن تنجز هدفها الأساسي أو الوحيد: أعني التعبير عن الموقف النقدي، أو نقله، أو إيصاله. لهذا، كله لابد من أن تزدهر في هذه اللغة ذات الناقد، لا بمعنى الانحياز، أو الميل، أو الهوى، بل ذاته التي تنغمر في موضوعها، وتستدرجه إلى الداخل: تسقط عنه خارجيته، وتتلبسه، وتتماهى معه، لتكشف عن شحنته الداخلية، وما يحتمل في داخله من أهواء، وذوات، ورؤى. وفي هذه الحالة لا يعود النص الأدبي مجرد أبنية وتكوينات لغوية فقط، بل شبكة من الدوال التي تستفز الناقد، وتُستفز به أيضاً، فيشتبك معها في منازلة حميمة خصبة].

فالناقد الحق لابد له من لغة تميزه، وهذه اللغة هي التي تجعله يقترب من حساسية الشاعر؛ من حيث البلاغة، والقيمة، والأثر الجمالي المقنع في كل مكتشف نقدي، أو رؤية نقدية، وهذا يعني أن الناقد الحق يمتلك أعلى القيم البلاغية في كشفه للظواهر، ومعالجتها بلغته المتفردة التي تخصه وحده دون سواه، وقد أشار إلى ما أكدنا عليه العلاق قائلاً[ أنا لا أرى النقد الحق إلا بوصفه نشاطاً لغوياً من طراز خاص؛ فالعملية النقدية لا تفصح عن ذاتها إلا من خلال اللغة؛ وفي اللغة أيضاً. وبدون لغة جذابة وثاقبة لا يستطيع الناقد مهما كان وعيه النقدي عالياً، أن يجسد موقفه من النص وانفعاله به تجسيداً بارعاً ومؤثراً، وبكلمات أخرى؛ فإن الناقد يظل، بدون هذه اللغة الخاصة، ناقداً بالقوة أ كثر منه ناقداً بالفعل، ويظل مسعاه النقدي مشاريع، أو محاولات، أو نوايا نقدية أكثر منها إنجازات مكتملة].

وهذا يعني أن الكفاءة النقدية العالية لا تتأتى إلا من خبرة جمالية في التشكيل؛ ناهيك عن الموهبة الخلاقة، واللغة، والصوت الخاص الذي يميزه عن غيره من النقاد، فكم من ناقد قد ماتت لغته واضمحلت ولم يستطع أن يترك بصمته النقدية الخاصة، وهذا القول يؤكد ما ذهب إليه العلاق قائلاً:[ لابد للناقد الحقيقي من نبرة خاصة، أعني صوتاً شخصياً يدل عليه، ويميزه عن سواه، ويفصح عن اهتماماته: صياغات، وأبنية، ورؤىً، وهكذا، فإن أدبية النقد، تتجلى، بشكل ناصع، في امتلاك الناقد صوته الفردي المميز، وكما تدل القصيدة على صاحبها فإن لغة الناقد المتفرد تكشف عن شمائله التعبيرية، وميوله ولوازمه التي يجد أنها أقدر من سواها على بلورة نزوعه النقدي، أو منحاه في التأمل، والكشف، والتحليل. ومن ناحية أخرى، إذا كانت القصيدة، مثلاً تجسيداً لغوياً للحظة إنسانية خاصة فإن العمل النقدي، وبمعنى من المعاني، قبض على تلك اللحظة اللغوية، ومحاورتها، والارتقاء بها، ومعها من التأمل إلى الوعي، ومن الوعي إلى التجسيد، أو من العماء إلى التشكل]

وبهذا المعنى، نقول: إن أدبية النقد تتمثل في كل ما يجعل من الممارسة النقدية قيمة جمالية في الكشف، والمغامرة، وبلاغة الاستنتاج، ولا عجب أن القليل من الممارسات الشعرية ما تحقق شعريتها ليس بلغتها الإنشائية الجياشة الموهومة كما في دراسات الشعراء أنفسهم التي تطالها اللغة المشرئبة بالإنشاء، والإطراءات الزائدة، فهذه لا تصنع لغة نقدية مؤثرة، أو ما أسميناها ب(لغة نقدية شعرية أو شاعرية)، فمسألة شعرية النقد لا تقتصر على اللغة الجذابة التي يبتدعها الناقد ليجذب القراء إليه مشفوعاً بلغته الأدبية الراقية، كما لاحظنا عند الناقد الفلسطيني يوسف سامي اليوسف التي نالت دراساته الشريحة الكبرى من جمهور قراء الشعر والشعرية، فهذه الدراسات رغم استحسانها عند البعض لا تشكل ما أسميناه ب( شعرية النقد)، فالشعرية النقدية ليست في المتعة والمجاذبة اللغوية بقدر ما تكمن في المهارة والحنكة في اكتشاف الحكم النقدي والتدليل عليه.

ويرى العلاق أخيراً حقيقة مهمة في محاولاته النقدية، إذ يقول:[ لابد من الإشارة إلى أنني، ومنذ محاولاتي النقدية الأولى، كنت أولي شكل القصيدة، وبناء الفكرة الشعرية عناية خاصة، كانت كيفية القول الشعري لا ماهيته هي ما يستحوذ على اهتمامي كله. ومع ذلك، فإن الوعي وتجلياته في الممارسة لا انفصال بينهما. النضج في وعي الكتابة، لدي، لا يجد اكتماله إلا في نضج أدوات الإفصاح عن التجربة؛ وهذه الأدوات، بدورها، تزيد التجربة حدة وصفاء، لذلك؛ فإن التحول في مستويات التعامل مع النصوص محصلة طبيعية لفائض الخبرة أولاً، وللتعالق الحاد بين الملكة الشعرية، و الاستعداد النقدي في الذات الواحدة ثانياً، ونتيجة لهذا التلاحم القاسي والحميم بين هاتين الطاقتين، كان لي، أو حاولت أن يكون لي، منحاي الخاص فيما أكتب من نقد منحىً يكون فيه النقد أدخل في باب الخلق الأدبي منه في باب العلم، أو البحث الجاف المحض. وتكون فيه اللغة النقدية على قدر عالٍ من النقاء وترف التعبير، والبعد عن الترهل، كأنها مصدر نبيل لرهافة القول، ومجده القائم بذاته، ولذلك، فإن اللغة ليست مجرد وسيلة للتوصيل، أو خادمة لقول أول أرفع منزلة منها، بل هي جزء حي من جمالية الأداء النقدي، وأحد تجلياته الخلاقة.].

وبهذا التصور، تبدو لغة النقد – من منظور العلاق- لغة انسيابية جمالية غضة تشي بإشعاعاتها الجمالية وبعدها الدلالي؛ و لذلك، فإن النضج الجمالي في الكتابة النقدية يبدو من سلاسة اللغة، ونداوتها لا في تعقيدها وتعقيد مصطلحاتها النقدية.

وقد حاولت في لغتي النقدية أن أصل إلى بلاغة الحكم النقدي ودقته؛ فالجمالية الحقة ليست في تعقيد الرؤى، وتغريب اللغة بالمصطلحات الغامضة المعقدة، ولا في اتباع المدارس النقدية بمصطلحاتها الجافة، وإنما بتسريب روح النقد الجمالي في اللغة النقدية لتثمر إبداعياً. لأن النقد الحقيقي الذي يبقى ويستمر هو النقد الإبداعي الذي ينافس الحالة الشعرية ويرقاها دائماً، ويخطئ من يظن لغة النقد لغة تابع لمتبوع، وإنما لغة خلق لمخلوق لترقى درجات فوق المخلوق لتحاكي جمالية الخالق، هذه الجمالية التي تصيب وتدهش وتحقق غايتها الجمالية الحقة.

ونخلص أخيراً إلى القول: إن شعرية النقد فهمها الكثير من نقادنا ومبدعينا فهماً خاطئاً حتى هذا الفهم طال ناقدنا العظيم علي جعفر العلاق وناقدنا الفلسطيني يوسف سامي اليوسف، وحتى ناقدنا الجليل صلاح فضل، فالجميع صبوا آراءهم حول شعرية اللغة، والرشاقة، والسلاسة في إصدار الحكم النقدي حتى ولو كان الحكم النقدي مغلوطاً، فالنقد لا يكتسب قيمته إلا من شعرية مكتشافاته، وعمقها؛ فالكثير من دراسات الناقد الجليل صلاح فضل إذا ما استثنينا كتابه (أساليب الشعرية المعاصرة) تبتعد كل البعد عما أسميناه بـ(شعرية النقد)، إن دراساته تنطوي على المقارنات، والمحاججات التنظيرية التي لا تستحوذ على أية قيمة شعرية، فالنقد الحقيقي فن جمالي ككل الفنون الجميلة، فالذي لا ينظر إلى النقد كفن وممارسة كمن يتحدث عن الفحولة وهو عنين- رحمك الله يا ناقدنا الفذ خليل موسى- الذي أدرك اللعبة النقدية وخلق من لغته الشعرية لغة نقدية مدهشة، واستطاع أن يغير من مسار الخريطة النقدية في سوريا، بدراساته الجمالية التي أهمها ماثلة في كتابه جماليات الشعرية، والقليل القليل من نقادنا من أدرك ذلك واعترف للرجل بأهميته عربياً فيما أسميناه بـ(شعرية النقد).

ونخص إلى القول أخيراً: ما زالت دراساتنا النقدية على المستوى العربي تفتقر إلى ما أسميناه بـ(شعرية النقد)، لأن شعرية النقد عكس شعرية القصيدة؛ وإن اتفقتا في الجانب العام، فإنهما تختلفان في الجانب الخاص، فلغة النقد تكمن شعريتها في دقة الحكم النقدي، وبراعة الاكتشاف النقدي في حين أن شعرية القصيدة تكمن في تجاوزها الفني، ورؤيتها الخلاقة، وصورها المبتكرة؛ و هذا ما تنأى عنه لغة الناقد الإبداعية التي تهتم بالجانب الكشفي، والحكم النقدي الجديد، والمدلول العميق، فليس الناقد مطالباً بلغة جياشة بالعواطف، والإطراءات، والإعجابات الكثيرة المترامية من هنا، وهناك، فكما قلنا فإن الإطراءات الزائدة تقتل الناقد والمبدع معاً، وتجرهما إلى هاوية لا قرار لها، فهذه الإطراءات قد جرت ناقدنا الفذ يوسف سامي اليوسف إلى هاوية لا قرار لها وكذلك ناقدنا صلاح فضل وغيرهم كثير من نقادنا الكبار، فهذه الإطراءات لا تصنع لغة نقدية شاعرية تقترب من روح النص وجوهره العميق، وكما قلت أن الطاقة النقدية التي يمتلكها الناقد يوسف سامي اليوسف تؤهله أن يتبوأ أعلى الدرجات لكنه شأنه شأن غيره سقط في هاوية إقناع الجمهور، وإمتاعهم على حساب براعة المكتشفات النقدية، وأهميتها، وعمقها، وهذا خطر يهدد ساحتنا النقدية العربية بكاملها، ومن يطلع على النقد الغربي بعمق لا نكاد نجد كلمة إطراء واحدة في دراسة نقدية تتجاوز مئات الصفحات تهتم بما هو داخل النص من تقنيات وقيم، ومكتشفات نقدية مازلنا إلى الآن نلهث وراءها باحثين عن هداها في دراساتنا النقدية المعاصرة.

س11- كيف ترى الشعرية اليوم، وهل بمنظورك اختلفت الشعرية اليوم عن الشعرية فيما مضى؟

س11- الشعرية اليوم شعريات، وليست شعرية واحدة، كل يوم تتولد شعرية جديدة بإحساس جمالي إبداعي متجدد، مادامت الإفرازات الشعرية متغيرة فإن الشعريات متغيرة كذلك، ولهذا تبقى مسألة الشعرية ذات أفق مفتوح متجدد، مع تجدد الحياة وآفاقها المعرفية والوجودية، فما نجده اليوم من إفرازات شاعرية قد يأتي في يوم غد ما يناقضها وينافيها ويغير المنظور الجمالي إليها، ولهذا تتغاير الشعرية وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، ومن أجل هذا نجد الأحكام النقدية متغيرة ومتناقضة في مسألة الشعرية والشاعرية كذلك، فلا يمكن الخلوص إلى نتائج دقيقة نهائية في مسالة الشعرية والشاعرية والجمال والجمالية، لأن هذه الأشياء متغيرة زئبقية في حركتها الوجودية ومسرحها الإبداعي.

وتأسيساً على ذلك، تختلف الشعرية اليوم عن الشعرية فيما مضى، وستختلف شعرية اليوم عن الشعرية في المستقبل، قد تختلف أدواتها وقيمها الجمالية ومنظوراتها الرؤيوية، وهذا بالتأكيد يؤثر على العملية الإبداعية مستقبلاً، فالشعرية ولادة من مخاضات عدة، ولهذا ينابيعها متجددة مع كل ولادة نص شعري جمالي هناك شعرية مغايرة وشعرية متحولة على الدوام.

س12- ماهو طموحك النقدي؟ وهل ألفت كتابك النقدي الذي تحلم؟

ج12- دائماً أبحث في النقد عن الإبداع؛ ولا أمارس النقد إلا إذا وازى نقدي النص المنقود؛ أو فاقه؛ لأني أؤمن أن النقد فن جمالي مؤسس للجمال والإبداع؛ وما دام يتحدث عن الإبداع ينبغي أن يكون النقد- في جماليته- بمنزلة النص المبدع أو يفوقه. لقد أفدت من النظريات الغربية أن أحترم النص الذي بين يدي، وأجهز له بكامل عتادي النقدية وأدواتي اللغوية والتعبيرية، ما استسهلت نصاً، كل نص أمامي شبح مرعب علي أن أخوض معركتي مع النص منتصراً لنفسي وللنص وللقارئ؛ ولهذا كانت دراساتي النقدية محط إعجاب الطلبة في الماجستير والدكتوراه، لاسيما في الجزائر والعراق والأردن، لقد كرمني القارئ العربي بوعيه وحسه النقدي العالي، أن كانت مؤلفاتي من أكثر المؤلفات احتفاء بها قراءة ونقداً واستشهاداً في أطاريحهم الجامعية، وهذا المنجز النقدي حقق طموحي وانتشاري العربي الواسع.

س13- هل تعتقد أن النقد فن جمالي ككل الفنون المؤثرة في الحياة؟

ج13- لاشك في أن النقد الحقيقي فن إبداعي مثير، لا يختلف عن فن الشعر، أو القصة، أو الرواية، إنه فن يقوم على فن، ولهذا فإن فن النقد فن مركب، وبما أن النقد فن مركب فهذا يعني أن أهميته مضاعفة، والقلة القلة من نقادنا من مارس النقد بوصفه فناً جمالياً مبدعاً ككل الفنون؛ لأن فن النقد الإبداعي الحقيقي فن جمالي يقوم على مثيرات الرؤيا الجمالية الخلاقة، وهذا يعني أن النقد الجمالي المثير نقد جمالي مركب يحقق غايته الفنية والجمالية من كشوفاته النقدية الدقيقة ومراميه البعيدة التي تشف عما خفي من مضمون النص وتقنياته ومؤثراته الفنية.

ومن يطلع على حركة النقد العربية في الكثير من كشوفاتها لا يلحظ فنية النقد أو جماليته، وإنما يجد عبثية النقد وفوضاه، وهشاشة منظوراته الإبداعية، وضحالة النتائج والرؤى المكتشفة، القلة النادرة من النقاد من مارسوا النقد بوصفه فناً من خلال الكشوفات الدقيقة والبنى العميقة والتطلعات الجمالية المبتكرة. وهذه من النوادر جداً أن نجدها في نقدنا المعاصر الذي يغط بالسطحية والهشاشة والقضايا النقدية المستعادة التي ملها النقد حتى صارت مستهلكة.

س14-هل أقول إنك وصلت إلى القمة في نقدك؟

ج14- لا، لم أقصد ذلك، يظل ثمة كتاب في نفس المبدع يحاول دائماً البحث عنه، وأعتقد أنني ما أنجزت الكتاب النقدي الذي أحلم؛ وأحمد الله أنني حققت شخصيتي النقدية المميزة، وبصمتي النقدية الحقيقية، متجاوزاً كل ما قيل في السنوات السابقة على أيدي الظلمة في جامعة حلب؛ وما بثوه من ادعاءات باطلة واقتناص بعض الهفوات وترويجها لدحر اسمي محلياً، ودفن أي إشراقة قد تبرق من هنا وهناك، وأعتقد انهم نجحوا في سورية نجاحاً ساحقاً في ذلك، إذ استطاعوا إغلاق كل المفاصل الحساسة لنشر منتجي النقدي، وأنا أبارك لهم نجاحهم الذي حققوه، واعتبره نصر أصحاب النفوذ والسلطة وهؤلاء ما أكثرهم في أوطاننا العربية، لكن المواهب الحقيقية ستظهر رغم أنوفهم، وأنا أحمد الله أنني حققت الأهم في الخارج في الوطن العربي فأورثني محبة القراء هذه البقعة الواسعة لاسيما في العراق والجزائر والأردن.

 

حوار الدكتورة نجاح إبراهيم مع الدكتور عصام شرتح

 

في المثقف اليوم