حوارات عامة

سماح محمود تحاور الكاتب بكر السباتين

3257 لقاء بكر السباتينفي إطار مشروع تطوير العلاقة بين طلاب قسم الآداب في جامعة العلوم الإسلامية والمبدعين الأردنيين في كافة التخصصات* الذي يشرف عليه الدكتور عمر الربيحات أستاذ النقد الأدبي، نطل على تجربة أحد هؤلاء المبدعين، الأستاذ بكر السباتين.

وهو باحث وروائي وفنان تشكيلي شامل، كتب الرواية والقصة القصيرة والشعر والمسرح بالإضافة لكونه فناناً تشكيلياً.

بداية أرحب بالأستاذ بكر وسنترك له المجال لتعريف القارئ العربي بتجربته الحياتية والأدبية من خلال عدة أسئلة نبدأه بالسؤال التقليدي التالي:

1-هل لك أن تطلع القارئ العربي على حياتك من خلال نبذة قصيرة؟

- ولدت في الأول من يناير عام 1963 لأبوين عانى نتائج النكبة. فبعد مذبحة الدوايمة الشهيرة التي اقترفتها العصابات الصهيونية في قرية الدوايمة غرب الخليل؛ انتهى بهما الأمر في عمان حيث ولدت في جبل النظيف (مخيم محمد أمين سابقاً) وعشت حياتي وأنا أقتات على ذاكرة لا تبور ومترعة بالوجع الفلسطيني، وأحلام فتى دفعته الخيبة السياسية ليتحدى الصعاب على الصعيدين الحياتي والثقافي.. وقد ساعد على ذلك ترعرعي في حاضنة أردنية ما لبثت تنعم بالاستقرار ومنحتني مواطنتها.. فقلب اللاجئ يتسع لقضيته وللبلد التي يحمل جنسيتها ويساهم في بنائها بانتماء حقيقي.

2- حدثنا عن البدايات كيف كانت وكيف خرجت من إرهاصاتها؟

- كان الظمأ إلى المعرفة يرافقني منذ الصغر، خرجت طفولتي تعربد مع أخيلة الحكايات العتيقة التي ترويها الجدات أو تنشرها المكتبة الخضراء وحكاياتها الآسرة. كنت أشعر بهذا الحراك البريء يشتد نضوجاً إلى أن صار هذا الكائن الحي أمامك يدير بلسانه ساقية الكلام ويغرف من معين خياله حكايات استحوذت على عقله الباطن. فيطلُّ من خلال نوافذ التأمل على حدائق الشعر وصنوف الأدب الأخرى.. فما أن نضج عقله، راح يكتشف تجارب عمالقة الأدب العربي والعالمي كالسيًاب ومحفوظ وصلاح عبد الصبور وكنفاني ولوركا وبوشكين وكامي وغيرهم.

كانت ساقية البحث في عقلي الفتي آنذاك تعينني في تلمس طريقي نحو ينابيع الكبار، ومن ثم الارتواء بما يتاح من معطيات الوعي والإبداع فتستيقظ الأسئلة الوجودية والناقدة.

ليس هذا فحسب، بل أن اطلاعي على نسبية أينشتاين كان له عظيم الأثر في إبداعاتي فقد أذكت في عقلي القدرة على الارتحال إلى أقصى ما يفضي إليه الخيال.. وقد تأثرت كغيري من المثقفين بذلك.

أما استحواذ هاجس القضية الفلسطينية على أهم أعمالي الأدبية فيعود ذلك إلى كوني عانيت من ارتداد هزيمة نكسة حزيران المخيبة للآمال.

لكنني أيضاً استيقظت على صوت أجراس الأمل التي يحملها هذا الجيل الواعد الذي سجل انتصاراته في مواجهة الاحتلال على الأرض وعبر الفضاء الرقمي.. وانعكس ذلك على كتاباتي برمتها وبالتالي انبثاق رؤيتي الثقافية في أنه لا بد من دور فاعل للكاتب في التصدي لرؤية الاحتلال الإسرائيلي العنصرية.

3-  وماذا عن مسيرتك الثقافية.. في أي بحر تعوم؟

- لكل كاتب هويته الثقافية.. ومحورها بالنسبة لتجربتي، القضية الفلسطينية ذات الأبعاد القانونية والتاريخية والإنسانية والقومية.. ومن هذا المنطلق اتخذت تجربتي طابعاً إنسانياً وتأملياً واستشرافياً يربط الحاضر بالذاكرة التي لا تبور وتتصل بالمستقبل.

4- هذا يأخذنا إلى السؤال عن منجزك الثقافي ومن ثم الحديث عن أهم اعمالك؟

- صدرت لي عدة كتب سياسية وعلمية وأدبية. ومن أهم مؤلفاتي التي دعمتها وزارة الثقافة:

– رواية ثلوج منتصف الليل( من قتل خليل الجيباوي عام2009م، ورواية”واختفت مهيرة- الرحيل إلى الذاكرة الأخرى” تدور حول الأزمات المتفاقمة التي تعصف في الوطن العربي وبالذات ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ثم رواية صخرة نيرموندا نشرت عام 2016 وتتحدث عن نكبة فلسطين من خلال سقوط يافا عام ثمانية وأربعين، مع إظهار طابعها الحضاري العالمي وهي من أقرب الأعمال إلى قلبي إذْ لاقت رواجاً جيداً وكتب عنها أهم النقاد العرب، فهي تتحدث عن هزيمة العقل العربي لكنها أيضاً تشع طاقة إيجابية وتحرض على المقاومة والأمل.

ونشرت لي العديد من الدراسات المتنوعة مثل:

– علم المخازن، (دورة المشتريات في الشركات الكبرى بين الشراء والتخزين) – دار المناهج /2003م) ويتضمن الكتاب نموذجا ًرياضياً قمت باشتقاقه وتصميمه. أيضاً كتاب” تعدد المفاهيم في عقل الإنسان- البرمجة العصبية واللغوية”.. والذي صدر في مارس 2017 بألمانيا عن دار نور نشر. ولا ننسى كتابي الذي بات معروفاً تحت عنوان “الفلسطينيون وتجربة النماء عبر العالم” والذي يتناول بالبحث والتحليل أهم النجاحات التنموية المتميزة للفلسطينيين في أنحاء العالم . وأخيراً كتاب “الفنان عبد الحي زرارة (رائد الفطرية والترقين). ثم “مسرحية الرجل الذي تحرر من القماط” والتي عرضت في جامعة ديالى العراقية من إخراج الدكتور وضاح طالب دعج أستاذ الإخراج المسرحي في جامعة ديالى. وتم اختيارها لتشارك في مهرجان ديالى الدولى للمسرح. ولي أيضاً قصة وسيناريو الفلم القصير ” الملائكة لاتخيف” إخراج أماني أوغلو.3257 لقاء بكر السباتين

5- هل كرمت في حياتك.. وهل حصلت على جوائز أدبية..وما موقفك من هذا النوع من التكريم؟

- كرمت في العديد من المناسبات المحلية والعربية.

أما الجوائز رغم أهميتها المادية والمعنوية إلا أنها ليست مقياساً للنجاح ما دامت تضع معايير سياسية واجتماعية تفرض قيوداً على المبدع.. فثقتي بها مهزوزة وباتت ترتبط بالسياسات المبهمة في عالمنا ولا أريد أن أقول بأنها تفرض بعض التنازلات عن الثوابت وترهن موقف الأديب لسياسة الدول الحاضنة لها.. وقس على ذلك البوكر! مع أن الحاصلين عليها قامات أدبية ذات مكانة في المشهد الثقافي العربي.

6- المشهد الثقافي الأردني مكتظ بالغث والسمين فهل تصف لنا هذا المشهد وهل من نظرة استشرافية للمستقبل؟

- العالم الافتراضي سمح للتجارب الثقافية كي تتكاثر دون ضوابط فنية؛ ولكن للأسف على حساب الجودة وانتشار المعايير غير المضبوطة فنياً والاهتمام بالشكل دون المضمون أحياناً.

فلو تتبعت ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من غث الشعر وسمينه لوجدت ذلك الاهتمام الطاغي بالكتابة.

وهنا نحن نتحدث عن التجارب الناضجة للشعراء الأردنيين وقد صار صوتهم مسموعاً على صعيد عربي بل وعالمي من خلال الترجمة وقد برز في هذا المجال الشاعر المترجم نزار سرطاوي.. وعمواً فإن الصوت الأردني تفرد أكثر بحمل هموم الأمة وأوجاعها، وخاصة القضية الفلسطينية التي ما لبثت تدخل في صميم وجدانه.

أما بالنسبة للمستقبل فالمثقف بات أكثر نضوجاً من حيث الوعي؛ ليوفر معطيات الأمان الثقافي للأجيال القادمة.. فقد تقلبت الظروف من حولة وهو يواجه عواصف التغيير بمرونة دون أن تنتزعه من مبادئه.

7- ماذا عن اهتمام الدولة ممثلة بوزارة الثقافة بالكاتب الأردني؟

- الدعم الرسمي للكاتب يأتي منقوصاً رغم ما تقدمه وزارة الثقافة الأردنية من دعم مشهود قد لا تجد نظيره في الدول العربية الأخرى.. فمثلاً وزارة الثقافة تقوم بدعم المؤلف بنشر كتاب له كل عامين، وقد فعلت ذلك معي.. لكنني أطمح بأن يكون الدعم سنوياً، وأن تعود الوزارة إلى برنامج التفرغ الأدبي.

ولا ننسى إطلاق الوزارة مشروع إصدارات مكتبة الأسرة الأردنية في إطار استراتيجية التنمية الثقافية عام 2008، الذي يهدف إلى توفير الكتاب بسعر زهيد للمواطن في جميع محافظات المملكة. وتوصيل الكتاب من دون مشقة إلى المواطن، عبر إقامة مهرجان القراءة للجميع. وتغطية قطاعات المعرفة الإنسانية بسلاسل من المعارف المختلفة التي تخدم جميع أفراد الأسرة، والمساعدة على تنمية مهارات القراءة لدى كل أفراد المجتمع الأردني، وتشجيع إنشاء المكتبات المنزلية. وهذا دور تفاعلي يسجل للوزارة كبادرة حداثية تستحق التقدير.

أما بالنسبة لرابطة الكتاب الأردنيين فإنني أتمنى هي الأخرى أن تفعل دورها النقابي لصالح الكاتب.

فالرابطة منوط بها نظام التأمين الصحي والعودة إلى مشروع إسكان الكتاب الأردنيين.. ناهيك عن دورها الأهم في نشر الكتاب الأردني بشكل مكثف وفق معايير فنية عالية بعيداً عن المصالح .. وأن تظل ملتزمة بالشروط الصعبة لقبول الكتاب حتى لا يختلط الغث بالسمين واجتثاث الفساد الإداري الذي لا تخلوا منه أي مؤسسة في عالمنا العربي.

وفي المحصلة تمثل الرابطة بيت الكاتب الأردني المقتدر فنياً وهذا لا يضع الحواجز في طريق الكثير من الكفاءات غير المنضوية تحت جناح الرابطة، فالأردن أرض ولادة للمبدعين في كافة المجالات.

 

8- متى ادركت قيمه الكتاب؟.. حدثنا عن البذرة الأولى التي انغرست في قلبك وعقلك وأنت صغير؟

- منذ نعومة أظفاري حينما قرأت "القطار الأزرق الصغير" ومن ثم مطالعاتي لما كانت تنتجه المكتبة الخضراء.

وكانت بشائر الخير تتجلى بتفوقي في مادة التعبير.. وأثناء ذلك كان خيالي جامحاً وأدواتي تتبلور وتمنحني ميزات شخصية.

9- من هم الأشخاص الذين كانوا علامة فارقه في حياتك؟

- المثل الأعلى نموذج يزرع في العقل الباطن خلاصة تجارب الآخرين فبدونة ستجد صعوبة في تحديد البوصلة. فقد يكون شخصية اعتبارية معنوية أو قضية جادة.

وقياساً على ذلك تأتي شخصية أبي الذي ما زال يحضنا على الالتزام الأخلاقي إزاء القضية الفلسطينية.

وكان الشهيد غسان كنفاني ممن رسخوا الهَمَّ الفلسطيني في وجداني حتى صارت شخصياته الروائية والقصصية كظلي ترافقني حتى توقظ وجداني الوطني كلما غافلني النسيان، وأخذتني الحياة إلى أزماتها الأخرى.

كذلك الأب الروحي بالنسبة لي وأبو الرواية العربية نجيب محفوظ.

حتى أغاثا كريستي التي عززت لدي أسلوب التشويق والمفاجأة في سياق التخطيط لنهاية رواياتي ولو أن رواياتها مدرجة في قائمة أدب التسلية.. فلا ضير.

أما التأثير الأكبر على تجربتي الإبداعية فقد تجلى في تجربة الواقعية السحرية لأدب أمريكا اللاتينية وخاصة ماركيز.

وأردنياً تأتي في المقدمة رواية "أنت منذ اليوم" للروائي الأردني تيسير السبول.

أما بالنسبة للشعراء فكان محمود درويش وسميح القاسم منذ تجربتهما الرومانسية وصولاً إلى مرحلة درويش الوجدانية ذات النزعة الفلسفية الأخيرة. وكانت تعجبني رمزية صلاح عبد الغفور.

ناهيك عن عموم تجربة بدر شاكر السياب الريادية.

10- ما هي العقبات التي واجهتك في مسيرتك؟

- من الطبيعي أن تعترض البدايات لكل أديب جملة من العقبات التي تتخذ طابعاً اجتماعياً ومسؤولية أمنية فيما يتعلق بحرية التعبير الحسي والفكري ناهيك عن صعوبة النشر من الناحية المادية.. في المحصلة تغلبت على كل هذه العقبات وبنيت قاعدة انطلاقي بأمان. حتى أنني دخلت عالم اليوتيوب للتعبير عن آرائي من خلال قناتي الخاص "قناة سباتين" وتتضمن عدة برامج من إعدادي وتقديمي وإخراجي تتصدى للقضايا السياسية والثقافية بجدية والتزام.

11- كم ساعة تقرأ في يومياً؟

- أقرأ يومياً قبل النوم دون تحديد للوقت.. ولكنني أقرأ بنهم أثناء التحضير لمادة أسعى للكتابة فيها.. وقد أتاحت لنا التكنلوجيا إلى الاستماع إلى الكتب المقروءة أثناء الاسترخاء.

12- ما هو الكتاب الذي تأثرت فيه بشدة؟ من خلال منجزه الأدبي وبخاصة في الرواية؟

- لا يوجد عمل بحد ذاته ولكن كتجارب أدبية ففي المقدمة تجربة غسان كنفاني القصصية والروائية وأخص بالذكر رواية "عائد إلى حيفا" ناهيك عن تجربة نجيب محفوظ الواقعية والرمزية والأدب الروسي الواقعي مثل تجربة مكسيم غوركي وأنطون تشيخوف صاحب رواية الدون الهادئ، والواقعية السحرية التي اتسم بها أدب أمريكا اللاتينية المليئة بالأساطير وقد تبدى أثر هذا اللون الأدبي في روايتي الأخيرة "صخرة نيرموندا".

13- ما هي أهم الأعمال التي ساهمت في تكوين رؤيتك الفكرية والأدبية؟

- عائد إلى حيفا التي أثرت في أسلوبي ورؤيتي للعلاقة بين شخصية الجاني والضحية.

أيضاً كتاب الاستشراق الذي ألفه البروفيسور إدوارد سعيد عام 1978م، ويتناول جملة المؤلفات والدراسات والمفاهيم الفرنسية والإنجليزية، وفي فترة لاحقة الأمريكية عن الشرق الأوسط والتي يجزم البروفيسور سعيد أنها السبب الرئيسي في الشرخ الحاصل بين الحضارة الغربية والثقافة الشرقية عموماً والشرق .

ورواية "مئة عام من العزلة" للكولومبي جابرييل مركيز أبو الواقعية السحرية.

14- هل أنت مع أو ضد الكتابة باللهجة العامية؟ ولماذا؟

- لا يمكن عزل المجتمع عن لهجته الشعبية في إطار التعامل اليومي.. بحيث تدرج في سياق اللهجات المنبثقة عن اللغة الأم؛ لكنها شديدة المحلية.

وينبغي العلم بأن اللهجات المحكية تغذي بعض الشعراء للتعبير عن وجدانهم من خلال الشعر الشعبي كالزجل والشعر النبطي.

ومن مقتضيات الإشارة إلى محلية العمل يمكن للروائي مثلاً الاستعانة باللهجة المحكية في المسرح والرواية فقط في الحوار في تداخل فني سليم وحذر مع اللغة العربية الفصحى كما كان يفعل نجيب محفوظ.

ولكن كتابة السرد باللغة العامية فهذا يعد سلخاً عن العربية الفصحى وابتعاداً عن لغة القران الكريم التي على أساسها وضعت معايير قواعد الصرف والنحو والإملاء، واللغة القومية التي منحت العروبة هويتها.

وعليه فإن دعاة العامية المطلقة يأخذون الثقافة العربية باتجاه العزلة القطرية؛ لذلك لجأ دعاة الفرعونية واللبننة، على نحو ما فعل المفكر اللبناني سعيد عقل، إلى وضع قواعد جديدة للغات المحكية. وهذا يعد فصلاً كلياً عن اللغة العربية. وقد باءت تجاربهم بالفشل الذريع. وللتذكير فإن هذا التوجه ساهم في دعمه الاستعمار الفرنسي وخاصة في الدول الفرنكفونية من باب الاستحواذ على العقل والعبث في الثقافة الموروثة وتأويلها وفق رؤية الاستعمار.. وقد تطرق المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد إلى ذلك في كتابه الشهير الاستشراق.

أخيراً نشكر الأستاذ بكر السباتين الذي أعطانا من وقته لإجراء هذا اللقاء القيم الذي أدخلنا إلى المشهد الثقافي الأردني والعربي من خلال تجربته الخاصة.. مع تقديري لاهتمامكم الجاد.. فالثقافة للجميع.

***

الكاتبه: سماح محمود ابو حسين

جامعة العلوم الإسلامية العالمية – الأردن

22- يناير 2022

 

 

في المثقف اليوم