حوارات عامة

حوار مع الأستاذة نيسان سليم رأفت.. شاعرة أدب الحرب والسلام

شاعرة عراقية الأصل والوجدان.. حصلت على لقب شاعرة أدب الحرب والسلام.. حبيبها الوطن.. وملاذها القصيدة.

 تذرف على قرائها عبق الحياة، تطوقنا بوشاح حرفها فتقود انتباه قرائها نحو جرحها وبهجتها من غير أن تحتاج لشفرة العبور.. تسعى لمن يقرأ نصوصها أن يحلق في فضاءات من الجمال عبر الصور الشعرية كالتواشيح التي تبتكرها بروح عذبة منحازة للإنسان قبل أي شيء.. هي ربة الإلهام تملأ أبجدية اللغة بدهشة وأنبهار القلم.. تسقي مآقينا رحيق الحياة، وترسم الشوق العميق للأرض على مر العصور بموجه الوهّاج..

وجهها مرصع بأزمنة تخترق أعماقنا بين التفاؤل والخوف.. بين أغنية للإنسان و مأساة الحياة.. عيناها تناغم الريح فتأسرها لهفة على زنابق الورد لتستفيق فراشات الحقول و تسرد لنا حكايات اليقظة والنسيان.

تقول عن نفسها: أنا لا أكتب من أجل الكتابة، أنا أكتب للآخر بحبي ولأنشر النور من خلال الكلمة والمعاني لتضيء مكامن الجمال في كل تفصيلةٍ صغيرة فأنثر بذور الحب و الحياة في قلوب من يقرأ لي. لغتي طفلةٌ وبكر لا تكرار فيها، جملي الشعرية كوريقات وردة جوري تستلقي بين يدي قاطف معناها..

الأدبية والشاعرة نيسان سليم رأفت:

- تولد العراق 1974.

- بكالوريوس تأريخ

- عملت في التدريس التربوي

- عضو الرابطة العربية للأدباء العرب

-عضو الاتحاد الدولي للأدباء العرب.

صدرت لها مجموعتان شعرية:

* ديوان تلويحة إلى حارس الحقول 2016

* ديوان ثلاث جهات للجنوب 2018

- حصلت على الوسام الذهبي من الأكاديمية العالمية للسلام، ولقب شاعرة أدب الحرب والسلام.

- شاركت في مهرجان المرأة الآلهة في بلغراد

الحوار

* سؤال1: نيسان اسم سرياني الأصل.. معناه اليوم الجديد والشروع بعمل شيء ما ويعني ايضا السنابل الزاهية والزهور.. يتناهى لمن يسمعه أنك ولدت في شهر نيسان.. حدثيني من أطلق عليك هذا الأسم وكيف كان ذلك؟

* جواب1:  قبل البدء بالرد على سؤالك

أحب أن أرحب بك وبهطولك على ربوع مدياتي وأشرعتي العالية منها والمنخفضة. وأقول لطالما سعدت بقربك صديقة قبل أن تكوني محاورة فأهلاً ومرحبا ً بك.

أما عن سبب ومن أختار أسمي فهو والدي أذ لا يختلف بزوغ آذار عن ربيع نيسان وحسب ما رواه لي أبي أن هيئتي أوحت له بالربيع فكان الأختيار لتسميتي بنيسان

* سؤال 2: وراء كل معلم تربية عظيمة كنت ولسنوات طويلة تمتهنين التدريس كمهنة جليلة، أرتقت الأجيال في عطائك السخي بالعلم والمعرفة.. كيف تنظرين لمستقبل اللغة العربية للأجيال القادمة في ظل التحديات الكبيرة.

* جواب2: نعم التحديات كبيرة وكييرة جداً وقد تأثرت المجتمعات العراقية والعربية بهذه الظروف والتقلبات وعدم الاستقرار مذ وقت سقوط الانظمة وما تبعها من الطائفية ومن ثم النزوح والتهجير القسري لكن الشعب العراقي ما يزال يسعى ويواكب عجلة الزمن وأنا وبصفتي شاهداً على ما تجابهه العوائل العراقية من صعوبات لوصول ابنائها لسلم النجاح رغم عدم أستقرار الوضع العام والتحديات التي تأثر سلبا على المحيط الدراسي إلا أن الطلبة قدموا تفوق كبير ونالوا درجات عالية وكل يوم نسمع هنا وهناك بتفوق ابنائنا بكل المجالات داخل العراق وخارجه.

العراقي تكوين عجيب يبدع في أسوء ظروفه والمحافل شاهدة وكثيرة على انجارات المبدعين وأنا مستمرة بأعطاء الدروس والتعليم حتى اللحظة.

* سؤال 3: كيف ينمو الحب بقلبك بهذه الكثافة لدرجة أنك تستوطنين أرضه وتبذرين بذوره يومياً؟ كأن التأريخ أستوقفك لتبصمين الحب على شفاه الحرف، ما تخبريني عن عالمهُ السحري في حياتك و كتاباتك؟

* جواب3: حصدت الكثير من القصص وعشت مراحل عمرية مختلفة وواكبت أحداث في أماكن بعيدة وقريبة من خلال مرافقتي لوالدي في أسفاره ولربما كان هذا السبب في تنوع وغرابة شخصيات نصوصي وطبيعتها القريبة من رؤى وعوالم مختلفة

عاصرت أجناس وأسماء تفوق حجم سنواتي بكثير

فتكونت مني شخصية مستوفات لكل شروط الحرص والاعتدال والغموض المستحق فكان للحب النصيب الأوفر من روحي وحتى اللحظة هو الملك لكل جهاتي والحارس لحقولي رغم خسارات الفقد التي عصفت بي يوقت مبكر ليتحول حزني إلى عطاء ووفرة بالاحاسيس والمحبة.

* سؤال 4: الوطن حبيب سرمدي عرشهُ ضخم في قلبك، رسمت حروفه من وجدانك بين بسمة و بكاء.. فرحة و محنة.. هل يمكن تعويضهُ؟

* جواب4: الوطن هو ما يبقيني بحاجته مهما أكتفيت

 والانتماء الوحيد الذي أفخر به.

لم يحظ أحد كما حظي وطني بكل جلسات التفكر والأبحار التي استحضرها في كل جهاته لا مكان ولا زمان ولا سعادة من شأنها أن تعوضني عن الوطن وقد تجلى حبي للعراق في كل نصوصي التي كتبتها.

يؤلمني ما حل بنا وحصل من أزمات و حروب وعدم أستقرار لكني واثقة بأنه سيعود ويستعيد شموخه بطيبة وأصالة كل الأخيار في عراقنا العظيم.

* سؤال 5: شخوصك التي نقرأها في كتاباتك كبيرة بحجم يقين الجبال الشامخة.. ترتقي بقوة و تقدح فكر و روح القارىء ثورة و أحساساً، هل هذه الشخوص حقيقية ام خيالية؟

* جواب 5: مع كل كتابة لنص جديد أعتبره أعادة تأهيل وتسريح غير مشروط لأسماء وأماكن لعوالم شديدة الزحام بعضها ماض كان ومنها حاضر حي. وأجدني بارعة في سرد القصص والنصوص التي تستحضر الماضي بكل شخوصه. أرسم مسارات ممكنة حيث أزوق النهاية بياردة قريبة من افق قريب ومحتمل السعادة.

أتقمص أدوارًا مختلفة مرة دور ثانوي ومرة البطلة وحبيب أجعل منه صديق عادي أو أقل من العادي وفي قصة أُخرى أنا البطلة. واحيانا آخذ دور الكومبارس وفي بعض النصوص الأخرى أنا هامش ولربما تمكنت أن أكون الروح الشريرة التي تهزم في النهاية، في نص آخر لم أستطع فيه أن أقرأ نفسي فالشيء الحقيقي بين كل النصوص هي قصتي التي لم أعرفها لكون علامات الأستفهام تحاصر مدياتها.

* سؤال 6: أراك تميلين لقصيدة النثر أكثر من كتابة الأجناس الأدبية الأخرى.. هل الموسيقى الداخلية للقصيدة هي السبب للتعبير عنه؟

* جواب 6: هذا السؤال تكرر طرحه وفي كل مرة أحاول أن أبين بأني هاوية وعاشقة للكتابة  التي تكون فيها المسارات مفتوحة ولا تحتكم لقواعد وأصول الشعر وحتى أكون بعيدة عن أي جدل من شأنه أن يسيء للبنية الأساس لمفهوم الشعر وأجناسه.  

أقول: إن قصيدة النثر أشبه بالمقطوعة الموسيقية لوحة تجمع الفن والحب والحياة والحلم كلها يتم مزجها في عمل عظيم بعيداً عن الأفكار الضخمة

 وعن مشاكل العالم المستعصية وعن تعقيدات وتناقضات الإنسان وهواجسه نصوص النثر أشبه بفيلم و قصة بغاية البساطة كأن تحكي عن وقوع رجل وامرأة في الحب ضمن ظروف عادية مع تحولات زمانية ومكانية بسيطة

وأحياناً يكون النص ثائرًا وصاخبا يموت الاشرار في نهاية حرب خاسرة

الكتابة فن وفن بحوره عميقة تغوص بكل جوانب الحياة تترجم المأساة

وتمنح المتعة والدهشة هو اللذك المغموسة بالتعب كأغنيات الحصاد وتحليق النوارس قرب شواطئ انتظار الصيادين

وهنا أستحضر قول الكاتب والمفكر الأستاذ حسان الحديثي حين قال أني أفضل المتعة على الفائدة في الشعر

باحة أستراحة من المشاكل اليومية وهمومها والتي تدخلنا في جو من العواطف المتصارعة وتعابير تمس أعماق ذواتنا ولوحة عظيمة تحتفي بالحياة وجمالها.

* سؤال 7: تأخذين القارىء معك في دهشة جمال مشاعرك وكلماتك المكتضة بالجمال و الألق كأجمل الثريات المتلألئة.. كيف يمكنك إلتقاط أجمل هذه التفاصيل و اللحظات الحالمة.

* جواب 7: الأحساس بالآخر والأنتماء للأنسانية دون أي تحزب أو انقياد لفكر معين

إن أردت أن تكون كاتبة فذة، ليك أن تخلقي عوالم وحياة وشخوص وتنصهري بأحساسك بكل روحية وصدق وتعاطف حقيقي خالي من الرياء

سأخبرك بشيء ياعزيزتي حنان

لقد وجدت أن أهم ما يميز النصوص النثرية كونها فن حقيقي قادر على صنع تأثير روحي لا يقل عن فن الرؤيا السينمائية

ففي الكثير من المرات وقعت في حب الشخصيات التي كتبتها مثال على ذلك شخصية الشيوعي والجندي والكاتب الستيني لذلك على الكاتب أن يجسد ويعيش وينتحل ويتفاعل مع كل نص بشرط أن يتقن أدواته في مخاطبة القارئ:

لطالما تشاركت الحزن مع كل حدث مؤلم

لهذا صار أرثي من الحياة ثقيلًا

وهذا ماجعلني أكتب وأثبت لنفسي

بأنني على قدر العطاء

كل سنة أقر أمام نساء ذاتي

بأنني المرأة التي كنت

وما وجب عليه اليوم أن أكون

صوت الحق والسلام لكل الناس4055 نيسان سليم رأفت

* سؤال 8: كالفراشة الناعمة تتركين بليغ الأثر في قلوب قرائك بما يليق بمعنى كتابة فن الشعر النثري، فاستحقت الصدى الطيب والتكريم الواسع والتقدير من جهات كثيرة.. كيف تستقبلين هذه التكريمات بداخلك؟

* جواب8: لا أخفيك يا عزيزتي فأنا شخصية يخجلها المديح ولا أتبارى في أظهاره للعلن. نعم حصلت على تكريمات معنوية ومن جهات عربية ومحلية وتم تقييم كتاباتي من أسماء بارزة في عالم الأدب لبعض نصوصي لكن تأكدي أن قمة فرحي هو محبة القاريء الذي يجد الصدق فيما أكتب وما سمعته من الكثير  والذين أعتز بهم. كل ما أريده لكتاباتي أن تمر على قرائي مثل رائحة بحر في أنف قبطان.

* سؤال 9: احاول أن اتحاشى هذا السؤال.. و لكن هل خبأت عيناك الجميلتان بداخلها دمعة سجينة خوفاً أن تجرحَ قلوباً عانقت روحك؟

* جواب 9: لربما هذا السؤال الوحيد الذي أنعش دواخلي وكلي رغبة بالأجابة عنه حتى أخرج الغصات الماكثة في صدري.

مع كل الحب الذي تعوم فيه روحي وتحمله لكل الناس والكائنات وحتى الجمادات التي تعني لي الكثير بأرتباطها بتواريخ وأسماء كانت ولا زالت تحيا معي بأثرها الروحي، فقد توصلت إلى قناعة مفادها أن الحياة تمر أيًا كان ما افتقدته ومهما عظم شأن أمر ما إلا أن افتقاده لايعني أن الحياة توقفت وسوف تبدو مستحيلة..

ربما ستقولين عن كلامي محض هراء بل عدم إحساس نتيجة لعدم المرور بالتجربة.

لكن في حقيقة الأمر، الحياة تستمر. مهما كانت فظاعة فقدانك لشخص/ شئ، والألم الذي سيعتريك والجرح الذي سيترك أثره في روحك وجسدك.سيبدو أمر عادي أعترف بأنها قناعة مرعبة إذا تحولت إلى مايشبه اللامبالاة أو عدم التأثر بحضور الشئ / أو غيابه لكن افضع الأمور بمرور الوقت ستصغر وكأنها لم تكن سوى الدمع لحظة الأستذكار

أعترف أنني تحملت عناء الفراق القسري وجربت هذا الشعور لمرات عديدة لأحداث وأمور ماكان لها أن تحدث لكنها حدثت ومرت.

الفرح والدموع والنجاح كلها أقدمها له وطني مع ثلاث نقط وطني...

* سؤال 10: المحبة هدية.. كلما قدمتها أكثر كلما أمتلكت قلوباً اكثر.. كيف لهذا القلب النابض الصغير بداخلك ان يتسع لتواشيح محبة لا تتناهى أبدا؟

* جواب 10:

العطاء دون مقابل

الإحساس بالآخر ومشاركته بالهموم

 تحمل المسؤولية حتى وأن لم تكن جزء من القضية والتعاطف الإنساني

التجارب والأزمات

التعامل مع الاخرين بخلقك وحب الخير والنجاح للجميع

لست مثالية لكن أكثر ما يسعدني أن أرى العالم كله ينعم بالسلام

أشعر بأني أمتلك طاقة كبيرة وقدرة على تحمل المسؤولية لربما لكوني أم ومارست الامومة في وقت مبكر فكنت أماً لأبي ولربما هذا ما جعلني أهوى فن الكتابة

في داخلي الكثير من الكتابات إلا أنني دائماً ما أراعي الوقت في نشرها ولا أحب الزخم.

أحب الهدوء في كل شيء

* سؤال 11: نختبر أياما جافة لا ينمو فيها رفيف الياسمين والشجر، و متعبة فلا أمل يخبرنا بأن الغد سيكون أجمل.. كيف تصارعين أياماً كهذه؟

* جواب11: منذ زمن طويل وأنا أعوم في الكثير من الأسئلة

مرّت القوافل والكلاب النابحة

‏مرّت المنازل والبلاد.

و نسوة حياتي يكبرن بسرعة العجول الهائجة.

 يحملن قصصاً وأسماء

ويا لثقل هذه الأسماء

شاخت أعمارنا وحروبنا تتصابى

....

لا أدري ما سيكون عليه الغد ياعزيزتي

فكل الأشرار الذين عرفتهم في حياتي

 لا سوء أصابهم ولا مات أحداً منهم

الواقع يختلف كثيراً عن الروايات والأفلام

 لكن لا بد من الأمل

أنا وأنت والبقية كلنا لدينا حلم وحلمنا صغير لم يكبر

(العيش بسلام)

ربما الغد ستكون شموسه أفضل.

* سؤال 12: عرفتك صاحبة رؤيا من الرؤى التي لا تبصرها غير عينيك في أحوال الناس وعتبة الحياة.. ماذا ترين عبر نافذتك، هل ستغرد الأطيار بعد هذا المخاض العسير؟

* جواب12: وكأن الحياة خجلت من أن تتصف بالشقاء، فصارت في كل مرة تعلن بأنها حالة أستثناء

الحياة والزمن لا يتنكران للماضي كما الأنسان ياعزيزتي

ولا يتنازلان عن التاريخ مهما بلغت خطاياه

لهذا فأن تبعات التغيير لن تكون هينة

الجميع يتحمل مسؤولية الإصلاح

أملنا بالأجيال القادمة

فهم لا يملكون أي تعقيدات في تصرفاتهم

ولا يراعون في رفضهم أي تبعات

أظن المستقبل سيكون بهم أفضل ولن تكون تحدياتهم صعبة كما كانت معنا

لكون العالم كله صار أمام أعينهم

 ويبقى الخير والشر في تصارع مدى الحياة

وهنا تذكرت نصيحة مربيتي والتي لم اعمل بها ولم أتفق على تطبيقها كانت تقول والسلام لروحها الزاكية

عيشي مع كل ما تحبيه سراً

فالعلن لا خير فيه..

وأنا اقول عيشوا افراحكم في العلن وبثوا السعادة فبما بينكم

حتى يتضاءل الشر وتنحسر الأحزان

* كلمة أخيرة

- في البداية وقبل أن أتقدم بالشكر أحب أن أقول بأني أستمتعت بالحديث والحوار وكانت أسئلتك راقية ولم تخرج عن محور الأدب والشعر وما يحيط بنا من أحداث عامة تنم عن وعي وتقدير كبير منك الشاعرة والاعلامية الرائعة حنان جميل حنا.. حقيقة كانت رحلة أكثر من رائعة.

***

حاورتها: حنان جميل حنا

 

في المثقف اليوم