تقارير وتحقيقات

المؤتمر الدولي الخامس لكلية الاداب - جامعة مؤتة

faisal abdulwahabانعقد المؤتمر في الفترة 8-9/5/2018 تحت شعار "الأدب واللغة منصتا التفاعل الحضاري" وباللغات الثلاث العربية والانكليزية والفرنسية. وكما تبين من خطابات المتحدثين في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر فإن المؤتمر يهدف إلى إرساء العلاقة بين اللغة والأدب والإنفتاح على الثقافة العالمية وتمتين الروابط بين المؤسسات الأكاديمية العربية والعالمية والنهوض بالجامعات العربية لتصل إلى مستوى الجامعات العالمية وإبراز الجهود العالمية في حقل اللغات. وقد شارك في هذا المؤتمر باحثون من خمسين جامعة عربية وعالمية ، وأن البحوث التي قبلت في المؤتمر قد تجاوزت الثمانين بحثا. وقد أكد كل من أ. د ظافر الصرايرة رئيس جامعة مؤتة ود. محمد المطالقة عميد كلية الآداب ، رئيس المؤتمر، على المحور الأساسي للمؤتمر وهو الحوار بين الثقافات وتطوير العلاقات الثقافية بين الجامعات العربية والعالمية. وأكد السيد رئيس الجامعة على تأسيس التواصل الحضاري بين الشعوب والتأثر والتأثير في المجال النقدي الغربي والتقريب بين الثقافات والتواصل فيما بينها وتشخيص المشاكل والعراقيل التي تؤثر في التفاعل الثقافي.كما أشاد أ. د مراد مبروك من جامعة قطر بالمكانة التاريخية لجامعة مؤتة مستلهما الذكرى العبقة لمعركة مؤتة بين المسلمين والروم.

وقائع الجلسة الافتتاحية 8/5/2018

تناولت الجلسة الافتتاحية خمس أوراق بحثية أولها بحث د. حلومة التيجاني من جامعة الجزائر الثانية بعنوان "تداولية العنوان في نماذج من الأوراق النقاشية لجلالة الملك عبدالله الثاني". فيما اهتم الباحث د. فهد المغلوث من جامعة حائل في السعودية بمصطلحي التداولية والتواصلية في ورقته المعنونة "الصيغ الصرفية ودورها في النظرية التواصلية" ، وأشار إلى بعض الآيات القرآنية التي تظهر فصاحة اللسان وأهمية ذلك في التواصل بين الناس. وأشارت د. دانة عوض من الجامعة اللبنانية في ورقتها المعنونة "تأثير الترجمة على استخدام علامات الترقيم في الأعمال الأدبية العربية" إلى أن العلامة أحمد زكي هو أول من أدخل علامات الترقيم في اللغة العربية رسميا. وأكدت أن علامات الترقيم كانت منفذا لإدخال اللسانيات للغة العربية. فيما قدم أ. د محمد جادالله من جامعة الكويت الورقة الثانية المعنونة "الإنحراف الدلالي في ضوء نظرية سابير وورف". وقد تساءل الباحث هل أن لغتنا التي نتحدث بها تعبر عن ثقافتنا؟ وأضاف أن أي انحراف في اللغة معناه انحراف في الثقافة. وقد قسم الباحث هذه الإنحرافات إلى إنحراف معجمي أي استخدام المفردة بنحو مختلف عن استعمالها في المعجم ، وانحراف في المصطلح وهو ما يراه الباحث جناية لغوية مثل المصطلحات "الرجعية" و "الإنزياح" و "المكنز" ، وانحراف نمطي والذي يعني الإغراب في اللغة كمصطلح "الأصولية". وقد عارض أ. د علي الهروط من جامعة مؤتة ، رئيس الجلسة ، عارض الباحث في بعض آرائه وكان محقا في ذلك حسب رأينا منها أن اللغة العربية لا تحتوي على درجات للزمن مثل اللغة الإنكليزية حيث أورد له مثالا بظرف الزمان "أمسِ" (بالكسر) وهي تعني البارحة بينما "الأمس" (بتعريفها بأل) تعني الأمس البعيد والقريب. كما رد السيد رئيس الجلسة على الباحث في قوله أن الحرية في البلدان العربية مقيدة بينما هي في الغرب بلا قيود، حيث قال أن الحرية في الغرب ليست بلا قيود.

وآخر من تحدث في الجلسة الافتتاحية د. ندى مرعشلي من الجامعة اللبنانية حيث كان بحثها بعنوان "الحمولة الدلالية والخلفية التواصلية في الخطاب التداولي" حيث قالت أن التداولية تدرس أكثر مما يقال. وقد درست الباحثة مسرحية "الأرجوحة" لمحمد الماغوط وأشارت إلى أن هذه المسرحية تصلح أنموذجا للتفريق بين المعنى والاستعمال في اللغة. وأكدت على التركيز على اللغة العربية الوسطى المستخدمة حاليا. وقد نبه رئيس الجلسة الباحثين على ضرورة تطابق عناوين البحوث مع مضامينها.

ثم انقسم الباحثون إلى ثلاث مجموعات وكل باختصاصه في اللغات الثلاث. وهنا سنورد وقائع مجموعة اللغة الإنكليزية فقط لأن اختصاص كاتب هذه السطور ينتمي إليها.

وقائع الجلسة الأولى 8/5/2018

كانت أولى الأوراق البحثية التي قدمت هي ورقة د. محمد حناقطة من الجامعة الأردنية في العقبة والمعنونة "مشاكل الترجمة واستراتيجيات استحداث الكلمات السياسية الجديدة". ذكر الباحث فيها أن معظم الكلمات المستحدثة من قبل السياسيين في الغرب غريبة على اللغة العربية لسانيا وثقافيا. وأورد رأي نيسكا الذي يقول أن "الكلمات المستحدثة هي رمز للعملية الإبداعية". ولكن المشكلة تكمن في ترجمة هذه الكلمات المستحدثة وفي المجال السياسي بشكل خاص حيث يقول نيومارك أن "المشكلة في ترجمة اللغة السياسية هي أنها تجريد التجريد". وقال الباحث أن السياسيين يستحدثون الكلمات لأجل إخفاء الحقيقة والتغطية على السلبيات وقيادة الرأي العام عند مناقشة القضايا والأحداث الإجتماعية. وتخفي هذه الكلمات المستحدثة عادة رسالة تناقض ما تعنيه في الواقع. وهناك دائما هدف من استعمال مصطلح معين بحيث لا يمكن فهمه بسهولة.

ثم قدم د. كومان توكومارو من جامعة طوكيو ورقته المعنونة "نحو استكمال التطور اللغوي البشري الحديث – اللسانيات الرقمية". أشار الباحث فيها إلى أن الجينومات (وهي مجموع المورثات) في الكائن الحي منظمة في التركيب والشكل وعلينا أن نؤسس جينوم لغوي للسانيات الإنسانية. وقال أن اللسانيات الرقمية قد تطورت إلى ثلاثة أقسام في أصوات الكلام وتجمع ميكانيكية انعكاس الإشارات الشوكية في الدماغ. وحدد الباحث أن الإنسان الأول والإنسان الناطق ولدا كلاهما في جنوب أفريقيا.

أما ورقة كاتب هذه السطور من جامعة تكريت فقد كانت بعنوان "صورة مرض السرطان في مجموعة المختارات الشعرية The Wait Poetry Anthology" والتي حررت من قبل جورج ساندفر-سميث ، حيث تحدث في مقدمة البحث عن تاريخ مرض السرطان كموضوع شعري وقال أن إيان تويدي يحدد سنة 1880 كبداية لهذا الإستخدام. وقد كانت أول قصيدة تتحدث عن هذا الموضوع بشكل غير مباشر هي للشاعر ولفريد أوين بعنوان "دلسي إيه ديكورم إيه" سنة 1917 . وبعد عشرين سنة كتبت أول قصيدة تتحدث بشكل مباشر عن المرض من قبل الشاعر دبليو. إج. أودن بعنوان "الآنسة جي". تناولت القصائد الموضوعات التالية في كتاب إيان تويدي: وهي الرثاء والتعزية والإلهام والخلود. وركز الشعراء فيها على كيفية التعايش مع المرض وكيفية استقبال نتائج التشخيص النهائية وكيفية تمثيل مرض السرطان في قصائدهم وقابليتهم في مخاطبة هذا المرض. وقد تسامت الشاعرة روزي جارلاند على مآسي هذا المرض وتحدثت بصوت الإنسانية في قصيدتها "بطاقة متبرع بالدم" من مجموعنها الشعرية "كل شيء يجب أن يرحل 2012 ". أما الشاعرة هيلين دنمور فقد أسطرت موتها القادم حيث تخيلت نفسها تعيش في العالم الآخر في قصيدتها "العالم الآخر". وفي المجموعة الشعرية لعدد من الشعراء بلغوا المائة شاعر وشاعرة من مختلف دول العالم The Wait Poetry Anthology ، ومنهم كاتب هذه السطور ، فقد ركز معظم الشعراء على موضوع مرض السرطان واستخدموه كمجاز شعري يرمز للكوارث التي تحل بالانسان ومنها كوارث الطبيعة. ولكن البعض منهم صور المرض بهيئة الورود أو القطط أو سرطان البحر بأنواعه أو البراكين إما لإضفاء صفة جمالية عليه أو التخفيف من وقع آلامه أو تصويره بشكل وحش مرعب. وقد كانت موضوعات القصائد تتركز على الموت والانتحار وتجربة المستشفى ورموزها والتقدم بالعمر والحرب وعملية التوديع. وثد اختتمت الجلسة الأولى بورقة البحث المعنونة "استحداث عوالم نصية في كتاب جاك فروست لوليم جيمس" للباحثة سارة أبو العينين من الجامعة الفرنسية في مصر.

وقائع الجلسة الثانية 9/5/2018

افتتحت الجلسة بورقة البروفيسور حمدي الدوري من جامعة تكريت والمعنونة "التداولية ودراسة الشعر" وهي من الموضوعات المتعلقة بأهم محاور المؤتمر. يركز البحث على مسألة مهمة في تفسير التداولية وهي القصدية لدى المتكلم في القصيدة intentional meaning   . وقد تساءل كاتب هذه السطور فيما إذا بقي أحد يهتم بالقصدية في الشعر بعد نظريات موت المؤلف فأجاب الباحث بأن لا علاقة لقصدية المتكلم في القصيدة بالمؤلف ونواياه. ولكن المسألة تبقى غامضة لأن قصدية المتكلم في القصيدة ليس من السهولة تحديدها. ويستنتج الباحث بما أن التداولية تعنى باللغة كوسيلة لتواصل المعنى وأن التداولية هي مقترب مؤثر في دراسة الشعر وتدريسه وإنها تعنى بفهم المعنى المقصود في الشعر فإن الشعر يمكن أن يدرس وفق النظرية التداولية الخاصة بفعل الكلام والعلاقة بين المتكلم والمتلفي. ولكن هذه النظرية تأخذ المعنى المجازي في الشعر على أنه حقيقة واقعة ، فمثلا في القصيدة التي يدرسها الباحث للشاعر كريستوفر مارلو "من الراعي المحب إلى حبيبته" يعد المتكلم حبيبته بأنه سيصنع لها سريرا من الورود لو استجابت لحبه ، وهي صورة رمزية بأن الحبيبة ستعيش في كنف الطبيعة الغناء المليئة بالورود لو قبلت العيش معه. فلا يمكن أن نأخذ هذه المبالغة الشعرية مأخذا واقعيا بحذافيرها ونعتمدها في تحليل الخطاب الشعري. وينهي الباحث استنتاجاته بالقول أن تدريس الشعر سيكون أكثر إمتاعا ومثيرا للاهتمام لو تبنى المدرسون هذا المقترب التداولي والذي سيساعد بالتأكيد في استكشاف المعنى المقصود والذي يشكل قلب الشعر. وهذا ما لا تتفق معه النظريات الحديثة في الأدب حيث يتم تحليل الخطاب الشعري بغض النظر عما يقصده الشاعر. ونحن أيضا لا نراه مناسبا ونفضل الرأي القائل بأن القارئ أو الناقد له الحرية التامة في تحليل النص الشعري وفق ما يراه هو لا فيما يراه المؤلف ، وأن النص يصبح مستقلا حال خروج النص من يده.

ثم تبعها ورقة د. طه خلف سالم من جامعة تكريت أيضا والمعنونة "مسرحية هاملت لشكسبير: قراءة سايكولوجية". يناقش فيها الباحث السبب في تأخر هاملت في اتخاذ اجراءات الانتقام من قاتل أبيه وكذلك السوداوية في شخصيته حسبما يراها النقاد من الناحية السايكولوجية. ويخلص الباحث إلى القول في استنتاجاته أن شخصية البطل التراجيدي في مسرحية "هاملت" تعتمد عموما على العناصر السايكولوجية التي تؤثر على مجريات الأحداث في المسرحية. حيث يعاني هاملت من مشكلة سايكولوجية عميقة تتجذر في سوداويته التي نشأت كنتيجة لصدمة أخلاقية سببها زواج أمه السريع من عمه بعد وفاة أبيه. وقد أدت هذه المشكلة إلى فشل هاملت في الاختيار والذي أدى إلى نهايته المأساوية. ولم يكن باستطاعة هاملت وبسلوكه الغريب تجاه حبيبته أوفيليا أن يحدد موقفه منها أو ينتقم لمقتل أبيه أو حتى للفعل المشين الذي اتخذته أمه. ولكنه بدلا من ذلك قتل الشخص الخطأ (بولونيوس) ودخل في صراع مع ابنه (ليرتس). وكان بإمكانه حل مشاكله لو كان رجل فعل ولكنه أجبر على ذلك في نهاية المسرحية عندما لم يجد عذرا للتأخير. وعلى الرغم من أهمية التفسير السايكولوجي لشخصية هاملت فإن المقترب السايكولوجي لا يكفي لوحده لتفسيرهذه الشخصية المركبة ، فالتفسير السايكولوجي لا يأخذ بالحسبان مثلا المعتقدات الدينية السائدة في عصر هاملت (العصر الأليزابيثي) والتي لا تعد الإنتقام عملا بطوليا مثلما يعتقده كتاب المسرح الكلاسيكي زمن الإغريق والرومان. وهكذا فإن السبب في تأخير الإنتقام قد يكون بسبب المعتقدات الدينية السائدة كما يراه بعض النقاد لا بسبب العناصر السيكولوجية التي تتحكم في شخصية البطل. وقبل نهاية الجلسة الثانية قدمت د. ياسمين كيلو من جامعة الجزائر الثانية ورقتها المعنونة "ترجمة بعض المصطلحات الخاصة ثقافيا: بعض الأمثلة" حيث بينت الفوارق بين الترجمة الحرفية والترجمة التي تهتم بالمعنى المقصود في رواية "دمشق: يا بسمة الحزن" لألفت أدلبي.

وقائع الجلسة الثالثة 9/5/2018

تحدث د. محمود كناكري من جامعة اليرموك في الجلسة الأخيرة عن "اللغة والقوة والإيديولوجيا" حيث بين أن المنظمات المتطرفة الحديثة منها والقديمة تكسب اللغة قوة بإيديولوجياتها فيكون للغة فعل السحر في تنفيذ الأوامر. وقد اعترض كاتب السطور على أهمية اللغة في هذا السياق بالقول ان الأهمية هنا للأيديولوجيا وليس للغة لأن اللغة مجرد أداة لتنفيذ ما تقرره الإيديولوجيا. وكانت الورقة الثانية بعنوان "الدلالات التي تكشفها دراسة اللهجات العربية الجنوبية بخصوص الأصوات الساكنة في اللغة العربية" قدمتها عبر سكايب د. جانيت واتسون من جامعة ليدز في المملكة المتحدة ، درست فيها اللهجات الجنوبية كاللهجة الصنعانية والأمهرية بتسجيل الأصوات بالأجهزة العلمية ورسم ذبذباتها. أما خاتمة الجلسة الأخيرة فقد كانت لورقة د. عاطف الصرايرة من جامعة مؤتة عن اساليب النفي في اللهجات الأردنية والمغربية والجزائرية وأحدثت جدلا واسعا بين الحضور والباحث.

تميز المؤتمر بالتنظيم الدقيق وتوفير كافة متطلبات النجاح من وسائل النقل والسكن والطعام والقاعات والتكنولوجيا المرافقة لها ولكن كنا نتمنى لو أن إدارة المؤتمر قامت بطبع كراسة تجمع فيها ملخصات البحوث المقدمة في المرتمر إضافة إلى ما تم تقديمه كبرنامج المؤتمر وبروشر مدينة الكرك وجامعة مؤتة. وتميز المرتمر أيضا بحسن الضيافة العربية بفضل جهود رئيس جامعة مؤتة أ. د ظافر الصرايرة ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر د. محمد المطالقة عميد كلية الآداب والهيئة المنظمة للمؤتمر ونخص بالذكر د. حمود الرحاوي رئيس قسم اللغات الأوروبية ود. رانية العقاربة رئيس قسم اللغة الانكليزية.

 

د. فيصل عبد الوهاب

 

 

في المثقف اليوم