تقارير وتحقيقات

تقرير: مهرجان الشعر والموسيقى في صحراء النقب

مختلفة من فلسطين الداخل، ومن القدس، من مدن وقرى عربية، من أصوات قدمت من فرنسا وتركيا وانجلترا ودول أخرى لتنادي بالسلام والحرية وتزرع بذور المحبة في الصحراء . لم يقتصر المهرجان على الأصوات العربية بل وشارك من خلال المنصات والحوار شعراء وأدباء من الوسط العبري المناشد لايقاف الحرب وفتح المعابر واطلاق حمامة السلام فوق ربوع الشرق الأوسط، لوقف الاستيطان وايجاد حلّ لهذا الوضع المأساوي .

 

من بين الأصوات الراعدة كان صوت الكاتب والشاعر العبري ( عاموس عوز) الذي فاجأ الجمهور بكلمته قائلا:" انّ الشّعر أقوى من الرصاص في زمن يجترح الانسان الكلمة من دمه النازف على حدّ الضياع، الصراع، القضية الفلسطينية، البحث عن رغيف الخبز، فقدان العدل والتوازن بين الحق وأصحاب الحق، آن الأوان للشعراء وأصحاب الرسالة الحرّة أن يهتفوا بروح السلام في أرض السلام، هنا نجتمع في الصحراء لا نحمل الاّ القلم والأوراق وبعض قطع من سكّر الوقت، سأقرأ من كتاباتي الأولى كي أعود طفلا " .

 

السؤال الذي يتبادر الى الذهن: هل القناع يسقط الآن، والضمير يصحو بعد أن نزف الانسان العربي دمه ليس فقط على رمل الصحراء وانما على ضفاف دجلة والفرات، على أبواب القدس، في المعابر، وعلى الأرصفة المنسيّة ؟

 

الكاتب العبري ( أ.ب يهوشوع ) والذي معظم كتاباته يمينية، ومع اعادة كل يهودي الى دولة اسرائيل كان مفاجأة المهرجان حين أعرب عن نفسه قائلا : " سروري عظيم بتواجدي بينكم وسط هذه الصحراء، بين كتّاب وشعراء وفنانين من حضارات مختلفة، كيف بنا نعرف الآخر دون الاقتراب منه والاستماع اليه، ها نحن نلتقي وجها لوجه بعد أن تعلّمنا أنّ الآخر الغريب عنا هو عدوّنا، جئت لأقول أنّ رسالة الشعر المواجهة، فهنا تصدح أصوات عربية قوية تستفزّ ما كنت سأقول لأصمت في ظلّ هذه المواجهة وأستمع الآخر، لأن الكثير من الأقنعة ستسقط هذه الليلة " .

 

شارك بالمهرجان نساء عربيات فلسطينيات يتعلمن في معهد النقب لاستراتيجيات السلام والتطوير، أتين من القدس وضواحيها، من بيت ساحور، من بيت جالا، من أبو غوش جمعية نسائية أصواتها واعدة تبشّر بالجمال، بأدب وشعر جميل وراق، حيث تخلّلت الأمسيات قراءات عن معاناة المرأى الفلسطينية تحت الحصار وفي وقت الحرب، كانت قصائدهن صرخة لوقف الحرب والدمار، والعيش بسلام في وطن السلام،، من الأصوات المشاركة : ناديا عطيّة، فاطمة فاهوم، فاتنة عنان، أنطوانيت خوري، بمرافقة عازفة الجيتار الانجليزية (لورين) وبغناء منفرد باللغة الانجليزية وأغاني للسلام والمحبة .

 

تعدّدت المواضيع التي طرحت في المهرجان والتي تهاوت على مسامع الجمهور الغفير من رافض، ومسالم لقضية السلام واعادة الأراضي الفلسطينية لأصحابها . تركت أصوات النساء من القدس الأثر الكبير في نفوس الحضور لتعتلي المنصة موهبة فذّة لشابعة عربية من حيفا الفنانة وفاء بلان والتي عزفت على " القانون" وشنّفت الآذان بمعزوفات " للقصبجي" و" للرحابنة" و" لعبد الوهاب " وقد رافقت بلان الشعراء بعزفها وهم يقرأون من انتاجهم .

 

الشاعرتان نداءخوري، وهيام مصطفى قبلان كانت لهما حصّة الأسد في المهرجان بقراءات شعرية ونقاش وحوار اذ أنّ الأمسيات ركّزت على الحوار مع الآخر تحت عنوان رمز للكثير من الأبعاد " سرّ وقناع " ومنصة أخرى بعنوان " رمز الأم الكبرى في الديانات والشعوب".

 

الشاعرة هيام قبلان تحدّثت في محاضرتها عن رمز الأم الروحية بعد أمّها والتي اعتبرتها مثالها الأعلى ومن خلال افتتاحيتها أشارت أنها اختارت " عشتار / عشتروت" الهة الحرب والحب والخصب عند البابليين والأشوريين " فقد حان الوقت أن لا ننظر للأمّ فقط كرمز ديني وانما أيضا تاريخي وحضاري لأن ما يدوّنه التاريخ يبقى، و" عشتار" هذه الالهة التي تحدّث عنها المؤرخون واتهمت بالزندقة والفسق والمجون، لم ينصفها التاريخ بل تناحرت على شخصيتها الغامضة الغريبة جميع الديانات، فكل ديانة ووجهة نظرها " . قرأت الشاعرة مقاطع من الديانة المسيحية والاسلامية ومن التوراة تأكيدا على ما تقول وأردفت " أن الدين اليهودي لم ينظر بصورة مشرّفة الى عشتار فقد اعتبرها فاسقة وعربيدة وأنثى الاغراء، وأنّ الطقوس التي سميت بطقوس الزواج وأقيمت على شرف عشتار لم يكن فيها ما صرّحت به الديانات على أنّ الكهنة والكاهنات أقمن علاقة جسدية في المعبد، لكن هذه العلاقة لم تكن جسدية بل روحية بطقوس تتداخل فيها الأرواح لتكون ذرية خصبة وانتاجا غنيا وقد أتت بتناص من بحثها عن عشتار بقراءة من الأساطير عن قصة "بعل عشتار" من خلال التعريف الكنعاني للشخصية، حين خرج للحرب ضد اله الموت "الخنزير" وقتل، وتقول الأسطورة أنّ دمه سال وامتزج بنهر السيّد والذي اسمه اليوم " نهر ابراهيم" فحولت عشتار دمه الى شقائق نعمان وبكته فأخذت الورود تتفتّح في نيسان رمز اعادته للحياة وللربيع وتفتّح الطبيعة، واعادته تعني الخروج من الرماد حتى في زمن الحرب " وقد ردّدت هيام بقصائدها التي تنادي بالعودة الى الحياة بالرمز " لطائر الفينيق" الذي لا يموت كما الوطن .

 

586-qabalana

أما الشاعرة نداء خوري فقد عارضت عنوان الندوة عن " الأم الكبرى" لأنها تعتقد أنّ لكل ديانة أمها، لكن الأم كرمز كبير ليس له علاقة بالصالحات من النساء أو المتدينات منهن، لأن الأم في كلّ زمان ومكان قد تكون الانسانة الكبيرة والعظيمة وسط عالم من ذئاب . وقد قرأت الشاعرة نداء من شعرها نصا يتعلق بالروح الالهية المعطاءة المتّخذة من الديانة المسيحية، ورتّلت بصوتها مقاطع من ديانات سماوية لها وقعها .

 

ما أثار الاعجاب تواجد العديد من الأصوات الشابة والتي تنتمي الى ورشات الكتابة الابداعية في منطقة النقب والتي صدحت في الهواء الصحراوي وتحت قبّة السماء خارج القاعات .

 

في المهرجان أقيم معرض الكتب بلغات مختلفة وباقبال شديد من الجمهور .

تخلّل الأمسيات " رقصات صوفية" لفرقة من عكا بمرافقة الموسيقى بأنغامها الصوفية وباللباس الصوفي الذي أدهش الحضور كما وشاركت شاعرات من فرنسا وتركيا بأشعارهن التي تنادي بحرية الانسان والعدالة على الأرض وتصرخ كفى للدماء .

 

انّ مهرجان الجنوب في الصحراء أكّد أنّ الشعر ينمو في كل مكان حتى في الرمال،، وهناك الكثير من الأسرار والأقنعة تهاوت تحت مظلّة الأصوات المناشدة من أجل السلام ومن أجل الوصول الى حلّ للقضية الفلسطينية، وأنّ على الآخر المواجهة ليس للمصافحة بل من أجل تعرية الفكر من شوائبه ولاثبات أنّ الشعر رسالة صارخة في وجه الفساد والخداع، كي تنبت داخل كل حبّة رمل زهرة جديدة تنادي لا للحصار ونعم للحرية ...!

 

تقرير وتصوير / هيام قبلان

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1287 الخميس 14/01/2010)

 

في المثقف اليوم