أوركسترا

كاظم شمهود: حادث سرقة لوحة موناليزا

3170 سارق موناليزالم تكن لوحة الموناليزا للرسام الايطالي دافنشي 1452 -1519 معروفة قبل حادث سرقتها على الاطلاق والذي حدث في 21/8/1911 ولم تكن بارزة في متحف اللوفر مثل لوحات - الحرية تقود الشعب- لديلاكروا 1830 ولوحة - طوف ميدوسا - للفنان جيريكولت 1819 وغيرها. ولكن هذه الحادثة جعلت منها لوحة روحية عالمية مقدسة icono طارت سمعتها الى مشارق الارض ومغاربها وشكلت مطالع الصحافة والاعلام والرسوم الساخرة ورسمت على البضائع التجارية وبطاقات البريد وعلى التحف الفنية والهدايا السياحية وبالتالي تحولت الى بضاعة تجارية عالمية.

قصة السرقة:

كان بنثينثو بيروجيا Vincenzo Peruggia من اصل ايطالي وكان يعمل سابقا في متحف اللوفر وكان رجلا عاديا ولم يكن محترفا في السرقة او فنانا او عاشقا للفن ولكنه كان يعرف ان لوحة موناليزا التي يشاهدها امامه يوميا في المتحف هي للرسام الايطالي دافنشي وكان يعتقد انها سرقت من قبل نابليون في بداية القرن التاسع عشر ووضعت في المتحف، وكان ينتابه شعورا وطنيا بان اللوحة يجب ان ترجع الى اصلها واهلها.. في يوم 21 من اغسطس من عام 1911 كان يوم عطلة وكان المتحف مغلقا امام الزوار ما عدا قليلا من الحراس. دخل بينثينثو المتحف بزي الحراس فتوجه الى اللوحة وانزلها بدقة وخفة وكانت صغيرة الحجم 53 في 77 سم، فوضعها تحت معطفه وخرج بكل بساطة وسهولة دون ان يشعر به احد.. بقت اللوحة سنتين مخفية في بيته في ايطاليا. وخلال هذه الفترة كانت الشرطة الفرنسية تبحث وتجرد تاريخ السراق وتستدعيهم للتحقيق وكانت تعتقد انها سرقت من قبل اشخاص يريدون فدية مالية. حتى انها استدعت بعض الفنانين والشعراء المتمردين الذين لا يؤمنون بالتراث. مثل الشاعر ابوللنيير وبيكاسو واودعتهم الاعتقال والتحقيق ثم افرج عنهم.

و بعد مضي فترة طويلة فكر بينثينثو في بيعها. فاتصل باثنين من تجار اللوحات وقال لهما ان عنده لوحة لدافنشي، ثم التقوا في احد الفنادق ولما كشفا انها اصلية وانها حقيقة لدافنشي اخبرا الشرطة الايطالية واعتقل بينثينثو. وحكم عليه بالسجن لاكثر من سنتين ثم خفف عنه لفترة ستت اشهر.. 

ويذكر المؤرخون بان لوحة موناليزا في حقيقتها قد اشتراها ملك فرنسا فرانثيسكو او فرانسيس الاول 1494- 1547. حيث كان مهتما بالاداب والفنون وقرب اليه عددا كبيرا من الفنانين منهم ليوناردو دافنشي. وبعد ذلك وضعت اللوحة في متحف اللوفر الى جانب اعمال عمالقة الفن العالمي..3172 شبيهلت موناليزا في طوكيو

الشعور الوطني عند الايطاليين

لكن الايطاليين وقبل ان ترحل اللوحة الى باريس ارادو ان يظهروا مشاعرهم القومية وحبهم لتراثهم وعمالقة الفن الايطالي. فقد عرضوا اللوحة في ميلان وفلورنسا ثم نقلت الى روما في قطار خاص واستقبلها الاف المواطنين، وعرضت هناك حتى ان ملك ايطاليا بكتور مانويل الثالث والملكة الينا قد زارا اللوحة وسط جماهير غفيرة من اهل روما. ثم اعادوا اللوحة الى باريس في 4 /1 / 1914 ولكنها عودة كانت مأساوية وحزينة حيث ظهرت عليها آثار ضربات وشخبطة متعمد ة، منها خطوط على الخلفية واخرى على الشعر واخرى على الكتف. بمعنى ان اللوحة عادت وفيها رسائل تؤكد على عدم رضى الناس واحتجاجهم على العودة.

هذا الشعور الوطني والحب الذي اظهره الايطاليون لتراثهم واحترم اعمال رموزها التاريخية والفنية وخروج الالاف من الناس حتى رئيس الدولة لاستقبال اللوحة الصغيرة جدا -53 في 77 – سم. يؤشر لنا اولا ان تراث الامة وتاريخها مهما كان صغيرا يبقى رمزا وطنيا يعيش في ضمائر الناس. ثانيا ان الاجنبي الذي يمتلك تراث غيره يجب ان يعرف ان له اصل واهل وارض ولا يمكن ان ينسى ابدا.

 نحن راينا الاف الاثار العراقية سرقت ثم عاد بعضها ولم نرى مظاهرات لاستقبالها او الحزن على فقدانها؟.3173 موناليزا متحف اللوفر

وبعد ان اشتهرت اللوحة رحلت الى امريكا عام 1962 لعرضها هناك وكانت قد وضعت في صندوق محكم وحراسة شديدة وبسفينة خاصة، وعندما وصلت الى نيويورك منعت حركة المرور في الشارع الذي ستمر فيه اللوحة مع طاقم اسعاف كامل وجاهز للتدخل في حالة حدوث اي مشكلة ناهيك عن الاف الشرطة التي تحرس المنطقة. وقد عرضت اللوحة في كالري نشيونال واصطف عشرات الالاف من الناس لرؤيتها. حتى وصل عدد الزوار الى مليون و60 الف زائر..

وفي عام 1963 زارت اللوحة الى اليابان وتحت مراقبة وحراسة ايضا مشددة وعرضت في طوكيو. وقد استغل وجودها التجار فحولوها الى مادة تجارية دسمة، فطبعوا ملايين الصور والبوسترات وكارتاب البريد، ولم يكتفوا بذلك بل عملوا مسابقة لملكات الجمال الياباني الى من هي اقرب شبها الى موناليزا؟. ثم اخذت بعض النساء تعمل عمليات تجميلية لرسم ابتسامة موناليزا على فمها؟ وهكذا تحولت لوحة موناليزا في اليابان الى صورة مقدسة؟ ونوع من الهلوسة والجنون الوثني.

المؤرخ باساري3174 وصول اللوحة الى امريكا 1962

يعتبر المؤرخ الايطالي جورجيو باساري 1511-1574 من ابرز مؤرخي عصره حيث اخرج كتابا عن اعمال فناني عصر النهضة من مصورين ونحاتين ومعماريين، وقد ولد قبل وفاة دافنشي بحوالي 8 سنوات. في هذا الكتاب يذكر المؤرخ بان دافنشي ذكر بان لوحة موناليزا لازالت غير مكتملة مثل الخلفية بمنظرها و افقها وكذلك هناك لازال بعض الاصلاح في اليد اليمنى؟ والناظر المتبحر اليوم في الخلفية سيشاهد اختلاف في خط الافق الايمن عن الايسر..

علما ان اعمال التصوير لدافنشي المعرفة والمحققة قليلة جدا، ومنهم من يذكر رقم 240 لوحة ومن هم من يذكر 205 لوحة ولكنه كان متعدد المواهب.. ولو قارنا ذلك بعدد الاعمال الفنية التي نفذها بيكاسو في حياته لذهلنا عجبا حيث يذكر انها وصلت الى حوالي 30 الف عملا فنيا.

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم