أوركسترا

المثلية في السينمات الهندية والدراما التلفزيونية

ظلت بوليود وباقي سينمات الهند الأخرى، طيلة عمرها الطويل، من أيام السينما الصامتة، تسير تقريبا في خط متوازي مع موضوع المثلية الجنسية، ولا تتقاطع معه إلا في حالات نادرة، وبطريقة متحفظة في الغالب، أو مغايرة لما أصبحنا نراه حاليا في الأعمال المنتجة بالشراكة مع نتفليكس ومنصات العرض الإلكتروني عامة.

ومع ذلك، أنتجت الهند أفلاما عن هذا التابو، بعضها كان صادما جدا، حتى قبل أزمة كورونا، وقبل ظهور المنصات الإلكترونية، ربما لا يمكن حصرها وعدها جميعا، وعرضها في مقال واحد، لكن يمكن الحديث عن بعضها، عن أفلام المثلية الجنسية في الهند، ما قبل نتفليكس، وما بعده، إن صح التعبير، لأن نتفليكس هي أكثر المنصات الإلكترونية، المتهمة بفرض موضوع المثلية الجنسية، وإقحامه في الأعمال الفنية المنتجة سينمائيا أو تلفزيونيا، حتى من غير ضرورة درامية، ولو بإشارة جانبية غير مأثرة أبدا في حبكة العمل الرئيسية.3802 inside edge

سأتحدث بتفصيل أكثر عن الأفلام التي تابعتها شخصيا وشاهدت بعضها عدة مرات، وسأشير لأسماء بقية الأفلام  والمسلسلات، التي لم أكن أعرفها أو أعرفها ولم تتح لي فرصة مشاهدتها لحد الآن.

وعند الحديث عن فترة الإنتاج السينمائي الهندي، في فترة ما قبل تلك المنصات، يمكن اعتبار أشهر فيلم وقد يكون الأول، الذي طرح هذا التابو بطريقة مباشرة، وصريحة من حيث الفكرة نفسها ومن حيث مشاهد العري والعلاقة الجسدية، هو فيلم Fire المنتج سنة 1996، بشراكة هندية كندية، كان من بطولة شعبانة عزمي ونانديتا داس، وإخراج ديبا مهتا، التي كتبت السيناريو، وشاركت في الإنتاج.

الفيلم حينها، أثار الكثير من ردات الفعل الرافضة والمستنكرة، حيث تظهر البطلتان في مشاهد جنس مثلية صريحة، والمشكل في الأفلام الهندية التي تطرح قضايا المثلية والدعارة والخيانة الزوجية، ليس فقط في عرض القضية في حد ذاتها، بل في طريقة عرضها وتناولها، هل تطرح مع استنكار للفعل، أو مع محاولة إيجاد مبررات له.3803 Crimes and Confession 1

هنا يكمن الفرق الكبير بين ورود هذه القضايا في السينمات الهندية وبين طرحها في السينمات الأوروبية وهوليود، لأن صناعة السينما في الهند، لديها ثوابتها وخطوطها الحمراء، التي بدأت في تكسيرها نتفليكس حاليا.

لكن فيلم Fire تم عرضه في وقت كانت فيه القبلة الفرنسية بين البطل والبطلة، ممنوعة في الأفلام الهندية، فما بالك بمشاهد مثلية حميمية بين سيدتين.

أتذكر حينها أنه تم إهدار دم الممثلة شعبانة عزمي وتهديدها، لأنها من الطائفة المسلمة في الهند.

الجيل الحالي المتابع للسينما الهندية، لا يعرف كثيرا هذا الفيلم، وقد لا يستهويه، بغض النظر عن المشاهد الحميمية، التي قد تجذب أي مشاهد، طبيعة الفيلم ليست نمطية أبدا.3804 Made in Heaven

أما فيلم دوستانا، فيعرفه أغلبية محبي بوليود، بطولة بريانكا شوبرا وبوبي ديول، مع أبهيشيك باتشان وجون أبراهام في دور شابين يتظاهران بالمثلية للعيش في منزل واحد مع فتاة جميلة (بريانكا)، حتى تكون مطمئنة أكثر، بينما في الواقع كل واحد منهما يسعى للإيقاع بها في حبه، لكنهما يخسران في الأخير، ويستمران في التظاهر بأنهما ثنائي مثلي الجنس، ويظهر في آخر الفيلم، تقبل والدة أبهشيك في الفيلم، لمثلية ابنها، وتبارك زواجه من صديقه بالطقوس الهندوسية، بطريقة كوميدية، وبدون البحث عن أي مبررات، لأن المثلية في الفيلم أصلا وهمية وتم عرضها بطريقة ساخرة ومضحكة، وقد يراها المثليون الحقيقيون مسيئة لهم.

بالفيلم لا توجد مشاهد مثلية حميمية، مع أنه تم التركيز على جسد جون أبراهام الرياضي جدا والمثير، لكن جسد بريانكا شوبرا بطلة الفيلم، غطى على أي شيء آخر في الفيلم، حيث تم استغلاله بطريقة ذكية، وبريانكا أصلا رغم موهبتها الكبيرة في التمثيل، يصر بعض المخرجين على استعمال جسدها كعنصر جذب إضافي في أفلامها، وقد كتبت الصحافة الفنية الهندية حينها، أن بعض خانات بوليود رفضوا المشاركة في الفيلم، وكان رفضهم للدورين المثليين بالضبط، ربما سيف علي خان، وآخرون.3807 Pava Kadhaigal 2

من الأفلام البوليوودية الصادمة في بداية الألفية، والتي تعرضت للمثلية النسائية، هو فيلم Girlfriend، المنتج سنة 2004، بقدر ما كانت صدمة المضمون كبيرة، وحديث الصحافة عنه كثيرا، إلا أن أبطاله لم يستطيعوا الاستمرار والنجاح كثيرا في بوليود حينها، لأن بوليود في تلك الفترة كانت تعيش مرحلة تغير نوعي فعلا، لكنها لم تكن مستعدة للتغير بتلك الدرجة الجذرية الصادمة، حيث تظهر في الفيلم أمريتا أرورا وإيشا كوبيكار في مشاهد حميمية غير مسبوقة أبدا في الإنتاج السينمائي المحلي الهندي، وكلتا الممثلتين، كانتا نجمتين صاعدتين، في بدايتهما، ولم يكن الفيلم دفعا قويا لنجاحهما، بل مر وكأنه لم يكن، بعدما لقيا من النقد والاستهجان الشيء الكثير، وكلا الدورين لم تكن لتقبل بهما نجمات الصف الأول في تلك الفترة، مثل أيشواريا راي وكاجول وبريتي زينتا وراني موخرجي، وأستغرب لماذا لم يتم عرض الدورين على مليكة شيراوات أو بيباشا باسو ونيها دوبتيا نجمات الإغراء البوليوودي في تلك الفترة، وذهب الدوران لممثلتين صاعدتين، لا علاقة لهما بالإغراء.3808 Dostana 2

في فيلم Fashion  المنتج سنة 2008، والذي صنع شهرة بريانكا شوبرا، كان فيلما عن عالم عرض الأزياء وصناعة الموضة، وكواليسها، تم فيه طرح المثلية الجنسية الذكورية، كجانب سلبي في هذا المجال، وكعنصر مساومة أحيانا من طرف بعض صناع الموضة، كما تم عرض شخصية مثلية فيها نوع من الطيبة والطرافة، ولم يتم التركيز كثيرا على فكرة الزواج الشكلي كثيرا، لمصمم مثلي من عارضة أزياء متقبلة لمثليته، ومتقبلة لاستمرار علاقته المثلية مع صديقه، هي قضية يمكن تحويلها لوحدها لفيلم كامل، لكن القصة كانت حول بريانكا شوبرا كعارضة أزياء، لم تتوقف أحداث الفيلم كثيرا عند قضايا المثلية الجنسية كثيرا.

كاران جوهر، السينمائي الهندي الشهير، المتهم هو نفسه بالمثلية، أخرج سنة 2013 رفقة ثلاثة مخرجين آخرين أنطولوجيا عنوانها بومباي تولكيز، متكونة من أربعة قصص منفصلة، القصة الأولى أخرجها هو، وكانت عن المثلية، عن شاب مثلي ينفصل عن عائلته ويصادق رئيسته في العمل ويدخل في علاقة مع زوجها لكن العلاقة تتوقف في أولها، لأن الزوج رافض لحقيقته، القصة الثالثة كانت من إخراج زويا أختر، وهي عن طفل صغير لديه اضطراب في الهوية الجنسية وميولة أنثوية.

الفيلم لم يحتوي على مشاهد صادمة، لكن أفكاره كانت صريحة ومباشرة، ولم تكن دفاعا مباشرا عن المثلية، لكنها طرحت الموضوع بواقعية تجعل المشاهد يحكم بنفسه.

ومن الأفلام الهندية التي طرحت قضايا المثلية ومشاكلها، قبل مرحلة منصات العرض الإلكتروني، نجد أفلام أخرى مثل: My Brother…Nikhil المنتج سنة 2005، Aligarh المنتج سنة 2015، Margarita with a Straw المنتج سنة 2014، Dear Dad المنتج سنة 2016، ... وهي أفلام لم أتابعها بعد، لكنها معروفة بطرحها لموضوع المثلية، كقضية محورية في القصة، أو كقصة جانبية فقط.3809 My BrotherNikhil

حاليا، ومع دخول منصات العرض الإلكتروني، كشريك في الإنتاج والبث، مع بوليود وباقي السينمات الهندية، وفي الدراما التلفزيونية أيضا، كما في أغلب الأوساط الفنية العالمية، تغير نوع وشكل الطرح الهندي لقضية المثلية، فمن ناحية الشكل، الجرأة زادت أشواطا كثيرة، والمشاهد الحميمية أصبحت أكثر ظهورا وعريا، كما أن نوعية الطرح، أصبح فيها ما يشبه التبرير، والدفاع، وبعض المشاهد أو القضايا المثلية يتم فرضها فرضا، ولا تكون هي أساس الحبكة، أو محور القصة في الفيلم أو المسلسل، لكن يتم إقحام علاقة مثلية في القصة، كأحداث جانبية، وهو ما يؤكد ما يتهم به البعض نتفليكس خاصة، كونها تنفذ أجندة محددة سابقا، لتكريس المثلية كموضوع عادي ودائم في أغلب الأعمال.

مثلا، في فيلم دوللي كيتي، المنتج بالشراكة مع منصة نتفليكس سنة 2020، نرى البطلة، كونكونا سن شارما، تدافع عن ميولات ابنها الأنثوية، وتساعده على تقبل ذاته، رغم أنه طفل صغير، يجب توجيهه، بدون قمع، ويمكن ربما تدارك ما يحصل مع الأخصائيين النفسانيين.

أما في الأنطولجيا التاميلية Pava Kadhaigal، على نتفليكس سنة 2020، فقد تم عرض قصة Thangam، التي تتحدث عن شاب متحول جنسيا، يساعد صديقه وعائلته (عائلة صديقه)، في ظهور غير مألوف للمتحولين جنسيا في الأعمال الهندية، حيث اعتدنا في الأفلام الهندية على رؤية المتحولين كفئة منبوذة وتمتهن الدعارة، أو يتم إستخدامهم في الكوميديا،  رغم وجود عدد لا بأس من المتحولين في المجتمع الهندي، ممن يشتغلون في الرقص والاستعراضات والملاهي الليلية، إلا أن صناع السينما الهندية يتجنبون استخدامهم، وربما المرة الوحيدة التي تم فيها استقدام متحول جنسي حقيقي للمشاركة في استعراض بوليودي، هي في فيلم باهيلي، بطولة شاروخان وراني موخرجي، سنة  2005، حيث شارك المتحول Queen Harish في أغنية  Laaga Re Jal Laaga.3810 His Story

و قبله بعام واحد، سنة 2019، تم صدور أنطولوجيا تاميلية أخرى، لكن بإنتاج محلي، عنوانها:  Super Deluxe، وفي القصة الأولى المعنونة بـ: قصة شـيلبـا، تحكي عن شاب تاميلي يسافر للخارج للدراسة، ولما يعود لمدينته، يرجع متحولا وبإسم شيلبا، والأنطولوجيا ككل، بقصصها الأربع، جريئة ومليئة بالتابوهات.

كذلك، في مسلسل الممثلة الهندية الكبيرة، مادهوري ديكسيت، المعنون بـ لعبة الشهرة، والمنتج هو أيضا بالشراكة مع نتفليكس، التي عرضته في فيفري 2022، مادهوري تلعب دور نجمة سينمائية مشهورة تختفي في ظروف غامضة، وسط أحداث عائلية وفنية متداخلة ومتناقضة فيما بعضها، مما يجعل القصة تسلط الضوء على عالم بوليود وكواليسه بدون بهرجة، كواليس صادمة، من بينها ابن البطلة المراهق، الذي يعترف بمثليته ويقوم والده المنتج بقمعه، بينما تقوم والدته بالدفاع عنه، ومساعدته على مواصلة حياته، وتقبل جندريته.

ومسلسل لعبة الشهرة، ليس الوحيد على المنصات الإلكترونية، الذي يتحدث عن مشاكل الهوية الجنسية، هناك أعمال درامية هندية أخرى لازلت لم أتابعها، مثل Inside Edge على منصة أمازون، وهي نفس المنصة التي أنتجت مسلسل Made In Heaven، سنة 2019، والذي يبدو مسلسلا رومانسيا، بين زوجين، بطل وبطلة، لكن البطل يعاني من مشاكل هوية جنسية غير ظاهرة، أما Crimes and Confession والذي كان من إنتاج ALTBalaji فقد تم عرضه إلكترونيا على موقع الشركة، وهي نفس الشركة التي أنتجت وعرضت Romil and Jugal، الذي يطرح مشكل العلاقة المثلية بين رجلين هنديين بينهما فوارق في السن والعرق والدين، بينما  مسلسل  Forbidden Love فقد تم إنتاجه وعرضه من طرف قناة Zee5 والتي يبدو أنها دخلت في لعبة نتفليكس، وتأثرت بالمنافسة التي فرضتها بسبب هذه النوعية من التابوهات، ومن إنتاجاتها وعروضها حول نفس الموضوع مسلسل الأكشن البوليسي Poison، الذي يحكي قصة سجين يسعى للانتقام بعد خروجه من السجن، ويقع في حب رجل آخر.

و سنة 2021، أعادت نفس القناة الكرة مع عمل آخر عنوانه His Story، يبدو أن قناة زي 5، تريد جعل الأمر محليا، وهنديا، دون الاستعاناة بنتفليكس وبقية المنصات.

هناك مسلسل صادم آخر، من إنتاج ALTBalaji التي عرضته على منصتها، والذي يتحدث عن علاقة ثلاثية بين إمرأة ورجلين، القصة صادمة جدا، كما المشاهد.3805 Dolly Kitty

المثلية الجنسية، فعلا واقع تعيشه كل المجتمعات، والأرقام التي لا تقال، أكبر كارثية من التي يتم التصريح عنها، والبعض يظننا نتحدث عن المخنثين أو أصحاب الميول الأنثوية، أو المتحولين، وهم جزء من المثلية أو تطور للمثلية، كالمتحولين شكلا، أو المتحولين عضويا، بينما المثلية المنتشرة في أغلب المجتمعات، هي أوسع من حيث المعنى وأكثر تنوعا، وليس لديها نمط معين، تقريبا، علماء النفس والاجتماع يستطيعون التحدث في الموضوع أحسن مني، لأن الناس يتعاملون مع كل شيء بنمطية، مثلمها لديهم صورة نمطية عن السينما الهندية، الكثير منهم أيضا، لديهم صورة نمطية عن الشخص المثلي، وهو ما تحاول ربما نتفليكس قوله للجمهور، وهو ما يراه البعض أمرا سلبيا، بينما يرى البعض أنه طرح غير مهني، ولا يجب أن يكون بهذه الطريقة المبالغ فيها، لأن عرض الواقع لا يعني فرض موضوع معين بمناسبة وبدون مناسبة.

في أفريل الماضي فقط، تم عرض الفيلم الهندي Cobalt Blue، على نتفليكس، عن قصة أخ وأخته، من عائلة هندية مهارتية تقليدية،  يقعان في حب نفس الرجل، الموضوع صادم، وجرعة الصدمة مع نتفليكس لا يبدو أنها سوف تتوقف، بل هي تزيد مع الوقت، وتقوم بقية المنصات والفضائيات بمحاكاتها، ومنافستها.

***

جمال الدين بوزيان

 

في المثقف اليوم