أخبار ثقافية

قراءة الناقد د. حاتم الصكر عن الشاعر سعد ياسين يوسف

جاء في القراءة التي قدمها د. حاتم الصكر عن الشاعر سعد ياسين يوسف لمناسبة احتفاء منصة مجموعة زينب كحل الفردوس الثقافية في سان دييغو في كاليفورنيا بالمنجز الشعري للشاعر سعد ياسين يوسف في 3-9-2022:

لدي ثلاثة أعمال أكرمني بإرسالها الشاعر سعد ياسين يوسف ومنها استقرأت هذه التجربة المميزة حقاً في الكتابة الشعرية.

يشتغل النقد، في العادة، على الثيمة سواء كان النقد ثيماتيكيا أو نقداً بنائيا، يهتم بالبنية والخطاب نفسه، أو بكيفية إيصال الفكرة والأسلوب، لكن الشاعر سعد ياسين يوسف يستحوذ، هنا، على الثيمة، فعليك ان تنجذب إلى حيث تأخذك قصائده.

الأشجار هي الموضوعة التي عكف عليها الشاعر سعد، وهو يعرف ماذا يفعل، لذلك استعان بكل ما يُعرف اليوم بعلم القراءة، بموجهات القراءة، بدءاً من الغلاف إلى الأطر التمهيدية والاستهلالية إلى العنونة، ولذلك سأبدأ بهذه المحركات أو المشغلات أو الموجهات التي توجهني كقارئ.

إذا نظرنا إلى أغلفة مجاميع الشاعر سعد ياسين يوسف سنجدها مداخل مهمة للدخول إلى النصوص سواء بوحي منه أو باجتهاد من المصمم، لأن عدوى النص لاشك تنتقل إليه، ليضع غلافا يتصدر الكتاب والذي هو على رأي مالك المطلبي (نُصيص) يتقدم النصّ الأصلي يضيء له، قد لا يلزم القارئ، لكنه يعطيه ضوءاً قوياً للدخول إلى النصّ، القارئ اللماح سيتوجه بهذه الكسرة النصيّة وإن بدأت خارجية، لكنها منتمية إلى النصّ،  وأقول: إن أغلفة الشاعر سعد ياسين يوسف تتماهى دائما فيها (الشجرة، الأنثى، القصيدة ) مما يؤكد وجود تماهٍ لغويّ ومضمونيّ وغلافيّ كموجه، ففي مجموعته أشجار لاهثة في العراء تتحول الشجرة إلى جسد أنثى بتكوينها الشجريّ الواضح، أما في "الأشجار لا تغادر أعشاشها" كان الاختيار ذكياً، لأن الشجرة جزء من رأس المرأة أو بديلٌ لشعرها الذي أصبح مسكوتا عنه هذا من جهة، ومن جهة ثانية العتبات داخل النصّ، إذ اعتمد الشاعر عتبات قوية، مثلا في "أشجار لاهثة في العراء" هناك كسرة تتقدم الكتاب الشعري: " كلنا أشجار لاهثة في عراء الأسئلة " .إذن الشجر ليس مقصوداً بذاته وإنما إسقاط على ذواتنا، لهاث الأشجار هو جزء من لهاثنا والعكس، فعراء الأسئلة يشمل الشجرة كما يشمل الإنسان.

وفي "الأشجار تحلق عميقا " ثمة عتبة فاتنة من ابن عربي (إني نظرت إلى الكون وتكوينه وإلى المكنون وتكوينه فرأيت الكون شجرة) هذا يأخذ القارئ إلى أن الشجرة هذه ليست شجرة فقط أو أيقونة يصورها الشاعر أو تحتويها القصيدة وإنما هي أداة دلالية وإيقاعية في المقام الأول.

لوكنت من أنصار المناهج الخارجية لاقترحت ما يعرف اليوم في النقد البيئي بالقراءة الخضراء، إذ يقترح نقاد البيئة ومنذ الستينيات والمراحل التالية في السبعينيات ما يسمونه بالقراءة الخضراء تماهياً مع رسالة النقد البيئي الذي يركز على العلاقة بين الطبيعة والإنسان. إن هذه القراءة الخضراء ستكتشف ما لدى الشاعر سعد ياسين يوسف من فتوحات مضمونية وأسلوبية، وسأضرب مثلا على هذه القراءة التي شدتني وأطلقتُ عليها القراءة الخضراء، القصيدة الأولى في مجموعة الأشجار لا تغادر أعشاشها": "

"الأعشاشُ التي أمطرَها الخريفُ

بوابلِ الذهولِ

فتشظتْ

على يدِ الغيابِ

غادرتْ مسلةَ الخلودِ

متنكبةً ساريةَ الفجيعةِ

لترفرفَ واطئةً على

مشارفِ حلمِها الذي

استحالَ قفصاً بمرايا

زائفةٍ ...

لا تعكسُ خضرةَ

حقولِ الأسى

المرتبكةِ بالثمارِ

ولا تستمعُ لأنينِ ابتهالاتِنا

التي تدثرتْ ببريقِ أسئلةِ

عيونِ أطفالِنا المحلِّقةِ فوقَنا

كلما غابَ قمرُ المسرةِ

وهاجَمتْنا أسرابُ الغضونِ

رَكضنا في حقولِ المرايا

خجلاً من الضوءِ   ...

"....     ...

هذه قصيدة بيئية بالمعنى الاصطلاحي للنقد البيئي، والقراءة الخضراء ستكشف لمَ الشاعر حزين ولمَ جاءت النهاية بهذا الشكل، فنهاية القصيدة بالنقاط في المتن الورقي تعطي للقارئ ما يعرف بالنهاية المفتوحة في السرد.

أنوه هنا إلى مسألة أخرى أن الأشجار لا تقف جميلة فقط فهي ليست موضوعاً للرومانسية، فالأشجار تتحمل المأساة تُرثى بل تصل إلى مرافقة الأحداث الطارئة ومنها أحداث مصيرية مر بها العراق كما حصل في احتلال التكفيرين القتلة الدواعش لمدينة الموصل وأجزاء كبيرة من العراق، فكتب الشاعر يرثي صديقا وآخر ويرثي مدناً في مواجهة إعصار الكراهية الذي تخلص منه العراقيون، وما زالت آثاره في المنطقة للأسف كفكر.

إن ما كتبه الشاعر سعد ياسين يوسف كرثاء وودت أن أشير إليه بمعنى أن الشجرة ليست مناسبة للاحتفاء وبيان مزاياها وجمالياتها فقط، وإلا وقعنا في فخ رومانسي تجاوزته الشعرية العربية منذ جيل جبران خليل جبران وما بعده

في قصيدة نخلة وفسيلتان يقول الشاعر

(النخلةُ التي اختُطِفتْ

من صدرِ نهرِ حلمِها الطّفولي

بفسيلتيها

تاركةً آثارَ لوعتِها

على طينِ التَّشكلِ..)

لا حظ هذه الانزياحات حيث أسند للفسيلة اللوعة وللطين التشكل كأنه كائن حي والقصيدة موجودة في مجموعة الأشجار تحلّق عميقا لكلّ من يريد أن يقرأها قراءة خضراء أو بنيوية أو حتى دلالية .

 

في المثقف اليوم